أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-12
369
التاريخ: 14-11-2016
1624
التاريخ: 7-12-2016
1722
التاريخ: 2024-04-15
1021
|
ذات مرة جاء رجل الى الإمام علي (عليه السلام)، وطلب منه: شيئاً لقضـاء حوائجه، فأعطاه الإمـام مـا طلب منه، ثم بكى، فتعجب الأصحـاب من ذلك، وتساءلوا:
ـ ما الداعي الى البكاء؟
فقال لهم الإمام(عليه السلام):
- أبكي لأنه أراق ماء وجهه باضطراره الى السؤال ثم أردف قائلاً:
- أخاف ألا يكون لي أجر عند الله، لأن الأجر استلمته مقابل إراقة ماء وجهه!
وفي الإسلام لا يجوز للإنسان أن يريق ماء وجهه لأحد، فكيف به وهو يريق ماء وجه غيره؟
وفي الحقيقة فإن مشاعر الإنسان ـ الصغير والكبير - ليست من الخرسانة المسلحة، بل هي من الزجاج، والزجاج ينكسر من صدمة حجر صغيرة، وإذا انكسر فلا يمكن إعادته الى وضعه السابق من دون أن يترك أثراً.
يقول الشاعر:
جـراحـات السنـان لهـا التـيـام ولا يـلـتـأم مـا جـرح اللسان
فلا يجوز أن تؤذي مشاعر طفلك، وتريق ماء وجهـه أمام الآخرين، واعلم أن ذلك يصنع جرحاً غائراً لا يندمل بسهولة.
وقد أثر عن الرسول الأكرم انه كان (صلى الله عليه وآله)، يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة أو ليسميه. فيأخذه فيضعه في حجره تكرمة لأهله فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين بال.
فيقول (صلى الله عليه وآله) لا تزرموا بالصبي فيدعه حتى يقضي بوله، ثم يفرغ من دعائه أو تسميته فيبلغ سرور أهله فيه، ولا يرون انه يتأذى ببول صبيهم، فإذا انصرفوا غسل ثوبه(1).
وروي عن أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب ـ مرضعة الحسين (عليه السلام) قالت: أخذ مني رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسيناً أيام رضاعه فحمله فأراق مـاءً على ثوبه، فأخذته بعنف حتى بكى.
فقال (صلى الله عليه وآله): مهلاً يا أم الفضل إن هذه الاراقة، الماء يطهـرهـا فـأي شيء يزيل هذا الغبار عن قلب الحسين؟(2).
أما نحن فنعمد الى إيذاء مشاعر الآخرين، ننتقد الطفل علناً وأمـام الأغراب، دون أن نقدر الجرح الغائر الذي نصيب به كبرياءهم، بينما بضـع دقائق من التفكير، وكلمة مهذبة أو اثنتان واختيار المكان والوقت المناسب للأمر والنهي والتقريع، كفيلة بأن تخفف من وطأة اللطمة وتكسر حدتها. فدعنا نذكر هذا في المرة الثانية التي تواجهنا فيها نصح طفل أو لومه.
وخير طريقة للمحافظة على ماء وجه إبنك هي أن لا تدعه يشعر بالغبن والتقصير أمام الآخرين.
فإذا ما إعتلى ابنك الصغيـر ـ مثـلا ـ دراجـة كبيرة وخشيت عليـه من السقوط، فلا تنظر إليه شزرا وتصرخ به، وتقول له أمام الآخرين إنزل!! أو تنزله بعنف.
هنا وفي حالات أخرى متشابهة عليك أن تتوسل بالطرق المهذبة، كأن تحاول جر ابنك الى مكان آخر، وتقوم بإرشاده ونصحه هناك لوحده.
وخير نصيحة تقدم في هذا المجال هي: الجأ الى التفكير الدائم ولا تتسرع، فإنك ستظفـر بأفضل الطرق والأساليب التي تدع إبنك يحتفظ بماء وجهه، بل وربما يحس بالفرح والغبطة بما تفعل وتقول.
يذكر منذ سنوات مضت كانت إحدى شركات الكهرباء تواجه مهمة دقيقة هي إقالة أحد الأشخاص من رياسة أحد أقسامها!
كان هذا الشخص عبقرياً في الكهرباء، ولكنه ما ان عين رئيساً لقسم الحسابات بالشركة حتى أظهر عجزاً فاضحاً، وبرغم ذلك لم تجرؤ الشركة على انتقاده أو الإساءة إليه.
إذ لم يكن لها غنى عنه، وكان هو شديد الحساسية مرهف الشعـور فكيف حسمـوا هذه المشكلة الدقيقة؟ لقد أضافوا عليه لقباً جديداً جعلوه (المهندس المستشار للشـركـة) ثم نصبـوا شخصاً آخـر لرياسة قسم الحسابات.
وقد سر هذا الشخص الأول لهذا اللقب، وسر كذلك مدير الشركة فقد حلوا مشكلة دقيقة حساسة دون الإساءة الى هذا الإنسان.
وإليكم المثل الآخر:
بعـد معارك طاحنة وقعت بين المسلمين وأعـدائهم انتصـر الجيش الإسلامي، وجيء بالأسرى الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكانت فيهم (سفانة ابنة حاتم الطائي).
فلما وصلوا الى المدينة المنورة وقفت سفانة أمام النبي قائلة:
ـ يا محمد! أنا ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يحب مكارم الأخلاق، وما جاءه طالب حاجة إلا وردّه بها وبأحسن منها.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أبوك؟
قالت: حاتم الطائي.
قال: حقاً لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه.
ثم أردف قائلا: أطلقوها كرامة لها!
فقالت: أنا؟ أم أنا ومن معي؟
قال: أطلقوا من معها كرامة لها.
ثم أمر النبي بحمر النعم (الإبل والبقر) فـأعطى لهـا حتى ما بين جبلين.
فقالت: يا محمد هذا عطاء من لا يخاف الفقر!
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هكذا أدبني ربي فأحسن تأديبي.
ثم قالت: أي محمد! هل أدعو لك؟
فرفع النبي يديه.
فقالت: أصاب الله ببرك مواقعة، ولا جعل لك الى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة قوم إلا وجعلك سبباً لردها عليهم.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله) آمين. ثم أرسلها مع جماعة لإيصالها الى أهلها - هي مشركة وابنـة مشرك ـ وبعد ذلك التفت النبي الى أصحابه وقـال قولته الشهيرة: (ارحموا ثلاثة: - وحق أن يرحمـوا ـ عزيزاً ذل من بعد عـزه، وعالماً ضاع بين جهال، وغنياً افتقر من بعد غناه).
وهكذا احتفظ (صلى الله عليه وآله) بماء وجه هذه الأسيرة وساعـدها وأعـطـاهـا مـا لم يخطر ببال.
فلماذا لا نتعلم من رسول الله ذلك؟
وليكن في خلدك أنك حينما تحافظ على كرامـة طفلك، وتتجنب إراقة ماء وجهه، فإنه سيكون الى طاعتك أقرب من معصيتك.
وهكذا هو الحال مع كل الناس، لأنه من الطبيعي ان الذي تريق مـاء وجهه يحاول أن يرد الاعتبار لشخصـه، فيمتنع عن الإستجابة لأوامـرك، بل وربما يقوم بردة فعل مضادة، فيسبك أو ينعتك بسوء مثلاً.
وقد أثبتت التجارب ان المدراء والآباء الخافقين في استحالة من هو تحت أيديهم هم الذين لا يؤدون اهتماماً لمشاعر الناس وأحاسيسهم.
بينما من يهتم بالحفاظ على كرامة الآخرين ينجح في تطويعهم إليـه وبسهولة بالغة.
وفي القصة التالية خير مثال على ذلك:
يقول أحد المؤلفين:
(لقد اكتسبت أنا أكثر خبرتي بطبائع البشر أثناء نزهاتي راجلاً أو راكباً، في حديقة بجوار منزلي، وأنا أحب شجر البلوط حباً جماً، لذلك طالما ساءني أن أرى هذه الأشجار الباسقة تقتلها الحرائق المتكررة.
ولم تكن تلك الحرائق ناجمة عن إهمال المدخنين، ولكن معظمها كان ناشئاً عن أولئك الصبيان الذين يقصدون الى الحدائق ليتشبهوا بـأجـدادهم الأوليين ويطهوا طعامهم على نار يوقدونها تحت جذور الأشجار!
وكانت هناك لافتة تنذر كل من يشعل ناراً بالحبس أو الغرامة ولكنهـا نصبت في مكان من الحديقة غير منظور وقـل من الرواد من وقع بصـره عليهـا! وكـان أحـد رجـال البوليس الراكبين مـوكـلاً بـالإشراف على هذه الحديقة، ولكنه لم يكن يتشدد في أداء واجبـه حيال هؤلاء الصبية فاستمرت الحرائق تتكرر موسماً بعد موسم.
وفي إحدى المرات هرعت الى الشرطي وقلت له النار تنتشر بسرعة في أرجاء الحديقة، وطلبت إليه يستدعي رجال المطافئ ولكنه أجابني في جمود بأن هذا ليس من اختصاصه ما دامت النار لم تنتشر في منطقة نفوذه.
ودب اليأس في نفسي، وعولت بعدها أن أعمـل كما لو كنت (لجنة) موكلة بحماية مصالح الجمهور.
والحق انني لم أكن أهتم بمـا يهم الصبيان في مبـدأ الأمر فكنت إذا رأيت ناراً مشتعلة هرعت الى مصدرها ونهرت الصبية وأنذرتهم بإبلاغ البوليس ان هم لم يطفئوا النيران.
نعم لم أكن أريد على أن ألقي بالحمل الذي يثقل كاهلي دون اعتبار لكرامتهم! وماذا كانت النتيجة؟ كان الصبية يطيعـون والعناد بـاد في وجههم، ومن المحتمل أنهم كانوا يعودون الى إشعال النار بعـد انصرافي، ويتمنون لو أنها أتت على الحديقة بأكملها).
وبمرور السنين اكتسبت بعض الخبرة بالطبائع الإنسانية وبعض المعرفة والكياسة.
وعندئذ انصرفت عن إصدار الأوامـر، وكنت بدلاً من هذا أذهب الى الصبية وأنا ممتط جوادي، وأقول لهم شيئاً كهذا:
(لعلكم تتمتعون بوقت طيب أيها الرفاق، ماذا تطهون للغذاء؟.. لقد كنت ـ وأنا مثل سنكم ـ شغوفاً بإشعال النار مثلكم تحت جذوع الأشجار لأطهو طعامي، وما زلت أحن الى ذلك، ولكن ... أتدرون ان في إشعال النار خطراً يهدد هذه الحديقة الجميلة بالدمار أنا أعلم انكم لا تنوون شـراً، ولكن ثمة صبية غيركم يأتون الى هنا ويشعلون النار ثم لا يطفئونها وهم عائدون الى بيوتهم، فتنتشر بين الأغصان الجافة، وتلتهم هذه الأشجار الباسقة! نعم أنها مخالفة للوائح إن تشعلوا النار هكذا ولكنني لا أريد أن أتخذ هيئة المتسلط وأتدخل في لهوكم، إني أحب أن أراكم تستمتعون بوقت طيب، ولكن.. هلا تفضلتم بإزاحة هذه الأغصان بعيداً عن النار، واعتنيتم بإهالة التراب على النار قبل انصرافكم الى بيوتكم؟ وفي المرة القادمة هل لكم أن تشعلوا النـار على سفح التل؟ إنها لا ضرر منها هناك، شكراً جزيلا أيها الرفاق وأرجو لكم وقتاً طيبا).
ما الفارق بين هذا الضرب من الكلام وذاك؟ ان هذا الضرب الأخير جعل الصبية يرغبون في أن يعملوا بنصيحتي، فلم تنطق وجوههم بالاستنكار والعناد. ذلك لأنهم لم يرغموا على اطاعة الأوامر، واحتفظوا بكرامتهم كاملة غير منقوصة.
غداً قبل أن تسأل إبنك أن يطفئ ناراً، أو يشتري خبزاً من خبـاز، أو يتبرع لهيئة خيرية، لماذا لا تتمهل لحظة وتغمض عينيك، وتحاول أن تفكر بأنجح الطرق الغير مباشرة وتقوم بتنفيذها. وقد يستغرق هذا وقتاً، ولكنه سيكسبك أبناءك ويجزيك نتائج باهرة في الطاعة وعدم العصيان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ بحار الأنوار، ج6، ص153.
2ـ هدية الاحباب ص176.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|