جيوبوليتيك الحرب:

يطلق على تطبيق الجغرافيا العسكرية على المستوى العالمي أو الاستراتيجي اسم الجيوبوليتيك، ويشمل الاعتبارات السياسية والدبلوماسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية التي تؤدي إلى فهم أو مدخل استراتيجي كامل.

إن جوهر الجيوبوليتيك هو اعتبار عناصر حجم وشكل وخصائص أمة ما مقارنة مع أمة أخرى، وقد يدون التاريخ أمثلة عديدة على أهمية الموقع والأرض فدولة مثل بولندا مثلا هي دولة بين قوتين عظميين لكنها دون خطوط دفاع طبيعية قد عانت من غزو متكرر، وبقيت سويسرا محايدة دون المساس بها رغم مرور المنطقة بعدة حروب كبيرة وذلك بخصائص موقعها في جبال الألب. أما الولايات المتحدة الأمريكية فكانت بمأمن من الغزو لبعدها عن أوروبا ولم تكن بحاجة إلا لأسطول بحري صغير في الفترة 1917- 1965 في حين أن اليابان افتقرت للأرض الفسيحة والمواد الخام، وسعت على توفير أمنها بالتوسع نمو الصين وجنوب شرق آسيا.

نندخل الجيوبوليتيك في الاعتبار التوتر القائم بين الدول البحرية القوية والدول الداخلية الحبيسة. وقدم ألفرد ماهان فكرة القوة البحرية اعتمادا على التجربة الخاصة بريطانيا حيث صمدت الجزر البريطانية، واستعصت على أي غزو من القارة الأوروبية، وقد حكمت بريطانيا إمبراطورية عالمية نحو 140 عاما بفعل التفوق البحري على الصعيدين التجاري والعسكري، وفي عام 1904 وصف السير هارفولد ماكيندر السهول الروسية بأنها قلب أوروبا وتنبأ بأن التفوق النهائي على العالم سيكون لمن يسيطر على القلب، أما في ألمانيا وقبل الحرب العالمية الثانية فقد دعم كارال هاوسهوفر أهداف الحرب الغني شنتها ألمانيا، مؤكدا أن ائتلاف ألمانيا وروسيا واليابان سيكون غير قابل للهزيمة. كان

غزو هتلر للاتحاد السوفيتي عكس نصيحة هاوسهوفر سبيا لقيم تحالف بين القوى البحرية ممثلة بالإمبراطورية البريطانية والولايات المتحدة والقوة البرية السوفيتية مما أدى في النهاية إلى هزيمة ألمانيا عام 1945. وقدم نيكولاس سبيكمان عام 1943 فكرة أرض الحواف كمقابل لفكرة قلب الارض وبناء على رأي سبايكمان فإن اتحادا مؤلفا من القوة الاقتصادية لأرض الحافه أي الولايات المتحدة وغرب أوروبا ودول حوض المحيط الهادي سيكون أكثر قوة من قلب الارض في الاتحاد السوفيتي.

إن الجيوبوليتيك عنصر أساسي في الفكر الاستراتيجي العسكري في عهد القوة النووية، وإن المفاهيم الجيوبولتيكية للموقع النسبي والقوة أمر هام في الإبقاء على توازن عالمي لقوة التحالفات بين القوى العظمى والقوى المتوسطة، وتساعد الجيوبوليتيك في فهم كيفية تأثير التغيرات المستقبلية في القوى النسبية للدول على العمليات العسكرية المتوقعة.