الكيان المترابط البسيط

وهذا النوع وليد الظروف والعوامل التي تحقق الترابط المتين، بين الناس، مثلما تحقق التجانس والانسجام، ويكون ذلك مدعاة لوحدة بشرية متماسكة ولا مجال فيها للشذوذ. بل قد بوصف هذا الكيان بالقدرة على ضم الغرباء والطارئين وتطويعهم، بما يحقق الانسجام والتناسق، وربما كانت العوامل الطبيعية التي تتمثل في خصائص الأرض ذاتها، من بين أهم واعرق المقومات التي تصنع ذلك الترابط وتؤدي اليه وتؤكده.

ونشير الى ان الناس وكأنهم يتعرضون للانصهار والاذابة، في بوتقة يخرجون منها لبنات سوية, ومن نغم تكون الكيان الذي يتألف من هذه اللبنات كيانا متناسقا، وبنيانا مترابطا بسيطا، من غير تعقيد أو شذوذ. وهنا في حد ذاته مدعاة لأن يتفوق هذا الكيان دائما فلا يكاد يسمح بوجود أقلية تنطوي وتتقوقع, او تعيش لاحقة به دون أن تتناسق او ان تنسجم معه.

ويبدو أن الانصهار والإذابة في هذا الكيان، تكسب الناس جميعا وجها واحدا معبر. عن معنى الترابط والتماسك الصلب، ولا يسفر هذا الترابط والتماسك السوي، إلا عن ولاء متوازن ومتكافئ، يشد أوصال البناء البشري. كما انها تضمن انفتاحا وتجديد للحيوية والبناء نتيجة لتقبل وضم واستيعاب الدماء الجديدة المضافة ولكل صفاتها وخصائصها.

ونضرب لذلك مثلا بالكيان البشري في مصر، والذي استطاع أن يحتفظ بنفسه على امتداد الاف السنين، رغم كل الظروف النني أحاطت بغزو الغزاة، وبالهجرات الوافدة من خارج ارض مصر, بل لعلنا نجد ذلك نفسه سببا في احتفاظ الكيان البشري بحيويته. وقد كانت له القدرة دائما على أن يهضم، أو يستوعب الجماعات الوافدة فيذيبها، ويكسبها كل ما يميز الناس في الكيان البشري في مصر، ومن ثم تتشكل هذه الجماعات بالشكل المتناسق والمتجانس في التركيب الهيكلي العام للناس، أو في البناء البشري في مصر.

ومهما يئن من امر، فإن هذا الكيان البسيط له شأن عظيم في صلع الوحدات السياسية، وفي تجميع ولاء كل الناس - الذين يتألف منهم - من حول الفكرة التي تستقطب هذا الولاء. كما ان الترابط فيه يحول دون المتناقضات، التي قد تكون سببا في تفكك اوصال البناء البشري، وضعف الوحدة السياسية، وتستطيع مقومات القومية أن تصنع من هذا الكيان امة متماسكة، وان تساند وجودهم في الوحدة. لا تعاني مشكلات نابعة من الداخل، وكانه بذلك بنيان بشرى لبناته متساوية، وقوامه صلب متماسك، ويناسب هذا الكيان البسيط المترابط، دولة تعيش في نظام حكم موحد ومركزي.