أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-10-2014
1731
التاريخ: 16-12-2015
3188
التاريخ: 25-11-2014
1487
التاريخ: 16-12-2015
1956
|
اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم وافضل الصلوات على سيد الخلق محمد وعلى الميامين من آله الطاهرين تقدم في تحليل عناصر المجتمع ، ان المجتمع يتكون من ثلاثة عناصر ، وهي : الانسان والطبيعة والعلاقة الاجتماعية ، وقد تحدثنا عن الإنسان ودوره الاساسي في الحلقة التاريخية وتحدثنا عن الطبيعة وشأنها على الساحة التاريخية وبقي علينا ان نأخذ العنصر الثالث وهو : العلاقة الاجتماعية لنحدد موقفنا من هذه العلاقة الاجتماعية على ضوء ما انتهينا اليه من مواقف قرآنية تجاه دور الإنسان والطبيعة على الساحة التاريخية.
العنصر
الثالث هو العلاقة الاجتماعية ، وقد تقدم ان العلاقة الاجتماعية تتضمن علاقتين
مزدوجتين : إحداهما علاقة الانسان مع الطبيعة. والأخرى علاقة الانسان مع اخيه
الانسان. هذان خطّان من العلاقة الاجتماعية ، وهذان الخطان نؤمن بان كل واحد منهما
مختلف عن الآخر ومستقل استقلالا نسبيا عن الآخر مع شيء من التفاعل والتأثير
المتبادل والمحدود الذي سوف نشرحه بعد ذلك ان شاء اللّه تعالى ، من حيث الاساس ،
هذان الخطان احدهما مختلف عن الآخر ، ومستقل استقلالا نسبيا عنه تبعا للاختلاف
النوعي في طبيعة المشكلة التي يواجهها كل واحد من هذين الخطين ونوع الحل الذي
ينسجم مع طبيعة تلك المشكلة.
فالخط
الاول الذي يمثل علاقات الانسان مع الطبيعة من خلال استثمارها ومحاولة تطويعها وانتاج
حاجاته الحياتية منها. هذا الخط يواجه مشكلة وهي مشكلة التناقض بين الانسان والطبيعة
، وهذا التناقض بين الإنسان والطبيعة ، يعني تمرد الطبيعة وتعصيها عن الاستجابة
للطلب الإنساني وللحاجة الإنسانية من خلال التفاعل ما بينهما ، هذا التناقض بين
الانسان والطبيعة هو المشكلة الرئيسية على هذا الخط ، وهذا التناقض له حل مستمد من
قانون موضوعي يمثل سنة من سنن التاريخ الثابتة ، وهذا القانون هو قانون التأثير
المتبادل بين الخبرة والممارسة ، ذلك لان الانسان كلما تضاءل جهله بالطبيعة وكلما
ازدادت خبرته بلغتها وبقوانينها ازداد سيطرة عليها وتمكّنا من تطويعها وتذليلها
لحاجاته وحيث ان كل خبرة هي تتولد في هذا الحقل عادة من الممارسة ، وكل ممارسة
تولّد بدورها خبرة ، ولهذا كان قانون التأثير المتبادل بين الخبرة والممارسة
قانونا موضوعيا يكفل حل هذا التناقض ، يقدم الحل المستمر والمتنامي لهذا التناقض
بين الانسان والطبيعة ، اذ يتضاءل جهل الانسان باستمرار وتنمو معرفته باستمرار من
خلال ممارسته للطبيعة ، يكتسب خبرة جديدة ، هذه الخبرة الجديدة تعطيه سيطرة على
ميدان جديد من ميادين الطبيعة ، فيمارس على الميدان الجديد ، وهذه الممارسة بدورها
ايضا تتحول الى خبرة ، وهكذا تنمو الخبرة الانسانية باستمرار ما لم تقع كارثة كبرى
طبيعية او بشرية.
وهذا
القانون بنموه وبتطبيقاته التاريخية يعطي الحلول التدريجية لهذه المشكلة ، فهي
مشكلة محلولة تاريخيا ومحلولة موضوعيا ولعل في الآية الكريمة {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا
سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم :
34] لعل في الآية الكريمة إشارة الى
هذا الحل الموضوعي المستمد من قانون التأثير المتبادل بين الخبرة والممارسة لان
السؤال في الآية الكريمة {وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ} لا يراد منه الدعاء طبعا ، السؤال اللفظي
الذي هو الدعاء ، لأن الآية تتكلم عن الانسانية ككل عمّن يؤمن باللّه ومن لا يؤمن
باللّه ، من يدعو اللّه ومن لا يدعو اللّه ، كما ان الدعاء لا يتضمن حتما تحصيل
الشيء المدعو به ، نعم كل دعاء له استجابة ، لكن ليس لكل دعاء تحقيق لما تعلق به
الدعاء ، بينما هنا يقول {وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ} هنا إيتاء ، استجابة فعلية بعطاء ما سئل
عنه ، فأكبر الظن ان هذا السؤال من الانسانية ككل وعلى مرّ التاريخ وعبر الماضي والحاضر
والمستقبل يتمثل في السؤال الفعلي والطلب التكويني الذي يحقق باستمرار التطبيقات
التاريخية لقانون التأثير المتبادل بين الخبرة والممارسة ، هذه هي المشكلة التي
يواجهها الخط الاول من العلاقات ، وهذا هو الحل الذي يوضع لهذه المشكلة.
واما
الخط الثاني من العلاقات ، علاقات الانسان مع اخيه الانسان في مجال توزيع الثروة
او في سائر الحقول الاجتماعية أو في أوجه التفاعل الحضاري بين الانسان واخيه
الانسان ، فهذا الخط يواجه مشكلة اخرى ، ليست المشكلة هنا هي التناقض بين الانسان
والطبيعة بل هي التناقض الاجتماعي بين الانسان واخيه الانسان. وهذا التناقض
الاجتماعي بين الانسان واخيه الانسان يتخذ على الساحة الاجتماعية صيغا متعددة والوانا
مختلفة ولكنه يظل في حقيقته وجوهره ، يظل شيئا ثابتا وحقيقة واحدة وروحا عامة وهي
التناقض ما بين القوي والضعيف ، بين كائن في مركز القوة وكائن في مركز الضعف ، هذا
الكائن الذي هو في مركز القوة اذا لم يكن قد حل تناقضه الخاص ، جدله الانساني من
الداخل فسوف يفرز لا محالة صيغة من صيغ التناقض الاجتماعي ومهما اختلفت الصيغة في
مضمونها القانوني وفي شكلها التشريعي وفي لونها الحضاري فهي بالآخرة صيغة من صيغ
التناقض بين القوي والضعيف ، قد يكون هذا القوي فردا فرعونا ، قد يكون عصابة ، قد
يكون طبقة ، قد يكون شعبا ، قد يكون امة ، كل هذه الوان من التناقض كلها تحتوي
روحا واحدة وهي روح الصراع ، روح الاستغلال من القوي الذي لم يحل تناقضه الداخلي وجدله
الانساني ، الصراع بينه وبين الضعيف ومحاولة استغلال هذا الضعيف.
هذه اشكال متعددة من التناقض الاجتماعي الذي
يواجهه خط العلاقات بين الانسان واخيه الانسان وهذه الاشكال المتعددة ذات الروح
الواحدة كلها تنبع من معين واحد ، من تناقض رئيسي واحد ، وهو ذلك الجدل الانساني
الذي شرحناه القائم بين حفنة التراب وبين اشواق اللّه سبحانه وتعالى.
ما
لم ينتصر أفضل النقيضين في ذلك الجدل الانساني فسوف يظل هذا الانسان يفرز التناقض
تلو التناقض والصيغة بعد الصيغة حسب الظروف والملابسات ، حسب الشروط الموضوعية ومستوى
الفكر والثقافة ، اذن النظرة الاسلامية من زاوية المشكلة التي يواجهها خط العلاقات
بين الانسان واخيه الانسان ، نظرة واسعة ، منفتحة ، معمقة ، لا تقتصر على لون من
التناقض ، ولا تهمل ألوانا أخرى من التناقض ، بل هي تستوعب كل أشكال التناقض على
مرّ التاريخ وتنفذ الى عمقها وتكشف حقيقتها الواحدة ، وروحها المشتركة ثم تربط كل
هذه التناقضات ، تربطها بالتناقض الاعمق ، بالجدل الانساني.
ومن
هنا يؤمن الاسلام بأن الرسالة الوحيدة القادرة على حلّ هذه المشكلة التي يواجهها
خط علاقات الانسان مع الانسان ، هو تلك الرسالة التي تعمل على مستويين في وقت واحد
، تعمل من أجل تصفية التناقضات الاجتماعية على الساحة لكن في نفس الوقت وقبل ذلك وبعد
ذلك تعمل من أجل تصفية ذلك الجدل في المحتوى الداخلي للانسان من اجل تجفيف منبع
تلك التناقضات الاجتماعية ، ويؤمن الاسلام بأن ترك ذلك المعين من الجدل والتناقض
على حاله والاشتغال بتصفية التناقضات على الساحة الاجتماعية بصيغها التشريعية فقط
، هذا نصف العملية ، النصف المبتور من العملية ، اذ سرعان ما يفرز ذلك المعين صيغا
أخرى وفق هذه العملية التي سوف تستأصل بها الصيغ السابقة.
فلا
بد للرسالة التي تريد أن تضع الحل الموضوعي للمشكلة ان تعمل على كلا المستويين ،
أن تؤمن بجهادين : جهاد اكبر سمّاه الاسلام «بالجهاد الاكبر» وهو الجهاد لتصفية
ذلك التناقض الرئيسي ، لحل ذلك الجدل الداخلي. وجهاد آخر ، جهاد في وجه كل صيغ
التناقض الاجتماعي ، في وجه كل الوان استئثار القوي للضعيف من دون ان نحصر أنفسنا
في نطاق صيغة معينة من صيغ هذا الاستئثار ، لان الاستئثار جوهره واحد مهما اختلفت
صيغه.
هذه
هي النظرة المنفتحة الواقعية التي اثبتت التجربة البشرية باستمرار ، انطباقها على
واقع الحياة خلافا للنظرة الضيقة التي فسرت بها المادية والثوار الماديون التي
فسروا بها التناقض ، فان ماركس على الرغم من ذكائه الفائق الا انه لم يستطع ان
يتجاوز حدود النظرة التقليدية للإنسان الاوروبي ، كان بحكم كونه فردا أوروبيا ،
كان رهين هذه النظرة التقليدية. الانسان الاوروبي دائما يرى العالم ينتهي حيث
تنتهي الساحة الاوروبية أو الساحة الغربية بتعبير أعم كما يعتقد اليهود بأن
الانسانية هي كلها في اطارهم {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران : 75] أولئك ليسوا بشرا ، ليسوا أناسا ، أولئك
أميون ، همج ، كذلك الانسان الاوروبي اعتاد أن يضع الدنيا كلها في اطار ساحته
الاوروبية ، في ساحته الغربية ، لم يتخلص هذا الرجل من تقاليد هذه النظرة
الاوروبية ، كما انه لم يتخلص من هيمنة العامل الطبقي الذي لعب دورا في افكار
المادية التاريخية.
ومن هنا جاء لنا بتفسير محدود ضيق للتناقض
الذي تواجهه الانسانية على هذا الخط ، اعتقد بأن مرد كل التناقضات على الساحة
البشرية الى تناقض واحد ، وهو التناقض الطبقي ، التناقض بين طبقة تملك كل وسائل
الانتاج أو معظم وسائل الانتاج ، وطبقة لا تملك شيئا من وسائل الانتاج وانما تعمل
من أجل مصالح الطبقة الاولى تستثمر في تشغيل وسائل الانتاج التي تملكها الطبقة
الاولى ثم هذه الثروة المنتجة التي جسدت عرق جبين هذا العامل المستغل هذه الثورة
المنتجة تستولي عليها الطبقة الاولى المالكة ، ولا يعطى للطبقة الثانية منها الّا
الحدّ الادنى ، حدّ الكفاف الذي يضمن استمرار حياة هذه الطبقة ، لكي تواصل خدمتها
وممارستها ضمن إطار الطبقة الاولى.
هذا
هو التناقض الطبقي الذي اتخذه قاعدة وأساسا لكل ألوان التناقض الاخرى ، وهذا
التناقض يتخذ مدلوله الاجتماعي من خلال صراع مرير بين الطبقة المالكة وما بين
الطبقة العاملة ، وهذا الصراع المرير بين هاتين الطبقتين ينمو ويشتد كلما تطورت
الآلة ، وكلما نمت الآلة الصناعية وتعقدت ، وذلك لان الآلة كلما نمت ، وكلما تطورت
أدت الى تخفيض في مستوى المعيشة ، وهذا التخفيض في مستوى المعيشة يعطي فرصة للطبقة
الرأسمالية المالكة يعطي لها فرصة في ان تخفض أجر العامل لانها لا تريد ان تعطي
العامل اكثر مما يديم به حياته ونفسه.
اذن
باستمرار تتطور الآلة ، باستمرار تنخفض كلفة المعيشة وباستمرار يخفّض الرأسمالي
أجرة العامل هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية ان تطور الآلة وتعقدها يقتضي امكانية
التعويض عن العدد الكبير من العمال بالعدد القليل من العمال ، لان دقة الآلة وعملقة
الآلة سوف يعوض عن الجزء الآخر من العمال. وهذا يجعل الطبقة الرأسمالية تطرد
الفائض من العمل باستمرار ، وهكذا يشتد الصراع بين الطبقتين ويحتدم التناقض حتى
ينفجر في ثورة ، هذه الثورة تجسدها الطبقة العاملة تقتضي بها على التناقض الطبقي
في المجتمع وتوحد المجتمع في طبقة واحدة وهذه الطبقة الواحدة تمثل حينئذ كل أفراد
المجتمع وفي حالة من هذا القبيل سوف تستأصل كل ألوان التناقض لان أساس التناقض هو
التناقض الطبقي ، فاذا أزيل التناقض الطبقي زالت كل التناقضات الاخرى الفرعية والثانوية.
هذا تلخيص سريع جدا لوجهة نظر هؤلاء الثوار
تجاه التناقض الذي عالجناه.
الا
ان هذه النظرة الضيقة لا تنسجم في الحقيقة مع الواقع ولا تنطبق على تيار الاحداث
في التاريخ ليس التناقض الطبقي وليد تطور الآلة بل هو وليد الانسان ، هو من صنع
الانسان الاوروبي ، ليست الآلة هي التي صنعت استغلال الرأسمالي للعامل ، ليست
الآلة هي التي خلقت النظام الرأسمالي ، وانما الانسان الاوروبي الذي وقعت هذه
الآلة بيده أفرز نظاما رأسماليا يجسد قيمه في الحياة وتصوراته للحياة.
وليس
التناقض الطبقي هو الشكل الوحيد من اشكال التناقض ، هناك صيغ كثيرة للتناقض على
الساحة الاجتماعية ، وليس التناقض الطبقي هو التناقض الرئيسي بالنسبة الى تلك
الاشكال وانما كل هذه الاشكال من التناقض على الساحة الاجتماعية هي وليد تناقض
رئيس وهو جدل الانسان ، هو الجدل المخبوء في داخل محتوى الانسان ، ذاك هو التناقض
الرئيس الذي يفرز دائما وأبدا صيغا متعددة من التناقض.
تعالوا نلاحظ ونقارن بين هذه النظرة الضيقة
وبين واقع التجربة البشرية المعاصرة لنرى أي النظرتين أكثر انطاقا على العالم الذي
نعيشه ، ونرى ما ذا كنا نتوقع؟ ما ذا كنا ننتظر؟ لو كانت هذه النظرة وكان هذا
التفسير للتناقض ، لو كان صحيحا وواقعيا ، ما ذا كنا ننتظر؟ وما ذا كنا نتوقع ؟
كنا
ننتظر ونتوقع أن يزداد يوما بعد يوم التناقض الطبقي والصراع بين الطبقة الرأسمالية
والطبقة العاملة في المجتمعات الاوروبية الصناعية التي تطورت فيها الآلة تطورا
كبيرا ، كان من المفروض أن هذه المجتمعات كإنكلترا والولايات الامريكية المتحدة وفرنسا
وألمانيا أن يشتد فيها التناقض الطبقي والصراع يوما بعد يوم ، ويتزلزل النظام
الرأسمالي المستغل ويتداعى يوما بعد يوم ، كنا نترقب ان يزداد البؤس والحرمان في
جانب الطبقة العاملة ويزداد الثراء على حساب هؤلاء العاملين في طبقة الرأسماليين
المستغلين من الامريكان والانجليز والفرنسيين وغيرهم ، كنا نترقب حالة من هذا
القبيل ، كنا نترقب أن تتضاعف النقمة ، أن يشتد ايمان العامل الاوروبي والعامل
الامريكي بالثورة وبضرورة الثورة وبأنها هي الطريق الوحيد لتصفية هذا التناقض
الطبقي ، هذا ما كنا ننتظره لو صحت هذه الافكار عن تفسير التناقض.
لكن
ما ذا وقع خارجا؟ ما وقع خارجا هو عكس ذلك تماما ، نرى وبكل أسف أن النظام
الرأسمالي في الدول الرأسمالية المستغلة يزداد ترسخا يوما بعد يوم ويزداد تمحورا وعملقة
يوما بعد يوم ، لا تبدو عليه بوادر الانهيار السريع ، تلك التمنيات الطيبة التي
تمناها ثوارنا الماديون لإنكلترا وللدول الاوروبية المتقدمة صناعيا ، تمنّوا لها
الثورة في أقرب وقت بحكم التطور الآلي والصناعي فيها ، تلك التمنيات الطيبة تحولت
الى سراب ، بينما تحققت هذه النبوءات بالنسبة الى بلاد لم تعش تطورا آليا بل لم
تعش تناقضا طبقيا بالمعنى الماركسي لانها لم تكن قد دخلت الباب العريض الواسع
للتطور الصناعي من قبيل روسيا القيصرية والصين.
من
ناحية أخرى هل ازداد العمال بؤسا وفقرا؟ هل ازدادوا استغلالا؟ لا بالعكس العمال
ازدادوا رخاء ، ازدادوا سعة ، اصبحوا مدلّلين من قبل الطبقة الرأسمالية المستغلة ،
العامل الامريكي يحصل على ما لا يطمع به انسان آخر يشتغل بكدّ يمينه ويقطف ثمار
عمله في المجتمعات الاشتراكية الاخرى ، هل ازدادت النقمة لدى الطبقة العاملة؟
العكس هو الصحيح ، العمال ، الهيئات التي تمثل العمال في الدول الرأسمالية
المستغلة تحولت بالتدريج أكثر هذه الهيئات تحولت الى هيئات ذات طابع شبه ديمقراطي
، تحولت الى اشخاص لهم حالة الاسترخاء السياسي ، تركوا هموم الثورة ، تركوا منطق
الثورة ، أصبحوا يتصافحون يدا بيد مع تلك الأيدي المستغلة ، مع أيدي الطبقة
الرأسمالية ، أصبحوا يرفعون شعار تحقيق حقوق العمال عن طريق النقابات وعن طريق
البرلمانات ، وعن طريق الانتخابات ، هذه الحالة هي حالة الاسترخاء السياسي ، كل
هذا وقع في هذه الفترة القصيرة من الزمن التي نحسها ، كيف وقع هذا كله ؟ هل كان ماركس سيّئ الظن الى
هذه الدرجة بهؤلاء الرأسماليين ، بهؤلاء المجرمين ، والمستغلين بحيث تنبأ بهذه
النبوءات ثم ضاعت هذه النبوءات كلها فلم يتحقق شيء منها ؟
هل
كان هذا سوء ظن من ماركس لهؤلاء المستغلين ؟
هل
ان هؤلاء الرأسماليين المستغلين دخل في نفوسهم الرعب من ماركس ومن الماركسية ومن
الثورات التحررية في العالم؟
هل دخل في أنفسهم الرعب فحاولوا ان يتنازلوا
عن جزء من مكاسبهم خوفا من أن يثور العامل عليهم؟
هل
هذا صحيح؟
هل
ان المليونير الامريكي يخالج ذهنه فعلا أي شبح من خوف من هذه الناحية؟ اشد الناس
تفاؤلا بمصائر الثورة في العالم لا يمكنه ان يفكر في ان ثورة حقيقة على الظلم في
امريكا يمكن ان تحدث قبل مائة سنة من هذا التاريخ.
فكيف
يمكن ان نفترض ان المليونير الامريكي أصبح أمامه شبح الخوف والرعب ، وعلى اساس هذا
الشبح تنازل عن جزء من مكاسبه؟
هل
انه دخلت الى قلوبهم التقوى فجأة استنارت قلوبهم بنور الاسلام الذي أنار قلوب
المسلمين الأوائل الذين كانوا لا يعرفون حدا للمشاركة والمواساة والذين كانوا
يشاطرون اخوانهم غنائمهم وسرّاءهم وضرّاءهم؟
هل
تحول هؤلاء بين عشية وضحاها الى مسلمين ، الى قلوب مسلمة؟ لا .. لم يتحقق شيء من
ذلك ، لا كارل ماركس كان سيّئ الظن بهؤلاء ، كان ظنه منطبقا على هؤلاء انطباقا
تاما. ولا أن هؤلاء أرعبهم شبح العامل فتنازلوا من أجل إسكاته ولا ان قلوبهم خفقت
بالتقوى ، لم تعرف التقوى ولن تعرف التقوى لانها انغمست في لذّات المال وفي
الشهوات ، لم يتحقق شيء من ذلك ، اذن ما ذا وقع وكيف نفسر هذا الذي وقع؟ هذا الذي
وقع في الحقيقة كان نتيجة تناقض آخر عاش مع التناقض الطبقي منذ البداية ، لكن
ماركس والثوار الذين ساروا على هذا الطريق ، لم يستطيعوا أن يكتشفوا ذلك التناقض ،
ولهذا حصروا انفسهم في التناقض الطبقي ، في التناقض بين المليونير الامريكي والعامل
الامريكي ، بين الغني الانجليزي والعامل الإنجليزي ، ولم يدخلوا في الحساب التناقض
الآخر الاكبر الذي أفرزه جدل الانسان الاوروبي ، افرزه تناقض الانسان الاوروبي
فغطى على هذا التناقض الطبقي ، بل جنّده ، بل أوقفه الى فترة طويلة من الزمن. ما
هو ذلك التناقض؟ نحن بنظرتنا المنفتحة يمكننا أن نبصر ذلك التناقض ، أن نضع إصبعنا
على ذلك التناقض لأننا لم نحصر انفسنا في اطار التناقض الطبقي ، بل قلنا إن جدل
الانسان دائما يفرز أي شكل من أشكال التناقض الاجتماعي ، ذلك التناقض الآخر وجد
فيه الرأسمالي المستغل الاوروبي والامريكي ، وجد فيه أن من طبيعة هذا التناقض ان
يتحالف مع العامل ، مع من يستغله لكي يشكل هو والعامل قطبا في هذا التناقض ، لم
يعد التناقض تناقضا بين الغني الاوروبي والعامل الاوروبي بل ان هذين الوجودين
الطبقيين تحالفا معا وكوّنا قطبا في تناقض اكبر بدأ تاريخيا منذ بدأ ذلك التناقض
الذي تحدث عنه ماركس.
لكن
ما هو القطب الآخر في هذا التناقض؟ القطب الآخر في هذا التناقض هو أنا وأنت هو
الشعوب الفقيرة في العالم هو شعوب ما يسمى ب «العالم الثالث» ، هم شعوب آسيا وإفريقيا
وامريكا اللاتينية ، هذه الشعوب هي التي تمثل القطب الثاني في هذا التناقض.
ان
الانسان الاوروبي بكلا وجوديه الطبقيين تخالف وتمحور من أجل أن يمارس صراعه واستغلاله
لهذه الشعوب الفقيرة ، وقد انعكس هذا التناقض الاكبر ، انعكس اجتماعيا من خلال صيغ
الاستعمار المختلفة التي زخرت بها الساحة التاريخية منذ خرج الانسان الاوروبي والامريكي
من دياره ليفتش عن كنوز الارض في مختلف أرجاء العالم ، ولينهب الاموال بلا حساب من
مختلف البلاد والشعوب الفقيرة ، هذا التناقض غطى على التناقض الطبقي ، بل جمد
التناقض الطبقي لان جدل الانسان من وراء هذا التناقض كان أقوى من جدل الانسان من
وراء ذلك التناقض ، والثراء الهائل الذي تكدس في أيدي الطبقة الرأسمالية في الدول
الرأسمالية لم يكن كله ، بل ولا معظمه نتاج عرق جبين العامل الاوروبي والامريكي ،
وانما كان نتاج غنائم حرب ، كان نتاج غنائم غارات ، غارات على هذه البلاد الفقيرة
، على بلاد أخرى استطاع الانسان الابيض ان يغزوها وان ينهبها ، هذا النعيم الذي
تغرق فيه تلك الدول ليس من عرق جبين العامل الاوروبي ، ليس من نتاج التناقض الطبقي
بين الرأسمالي والعامل وانما هذا النعيم هو من نفط آسيا وامريكا اللاتينية ، هو من
ألماس تنزانيا ، هو من الحديد والرصاص والنحاس واليورانيوم في مختلف بلاد إفريقيا
، هو من قطن مصر ، هو من تنباك لبنان ، هو من خمر الجزائر ، نعم من خمر الجزائر ،
لان الكافر المستعمر الذي استعمر الجزائر حول أرضها كلها الى بستان عنب لكي يقطف
هذا العنب ويحوله الى خمر ليسكر به العمال ، وليشعر اولئك العمال بالنشوة والخيلاء
، لانهم يشربون خمر الجزائر ، يقطفون عنب الجزائر فيحولونه الى خمر! نعم ذلك
النعيم ، كله من هذه المصادر ، من هذه الينابيع ، سكروا على خمر الجزائر ولم
يسكروا على عرق جبين العامل الفرنسي أو الاوروبي أو الامريكي.
اذن
التناقض الذي جمّد ذلك التناقض والذي أوقف ذلك التناقض هو هذا التناقض الاكبر
التناقض بين المحور الرأسمالي ككل بكلتا طبقتيه ، وما بين الشعوب الفقيرة في
العالم.
من
خلال هذا التناقض وجد الرأسمالي الاوروبي والامريكي أن من مصلحته أن يقاسم العامل
شيئا من هذه الغنائم التي نهبها مني ومنك التي نهبها من فقراء الارض والمستضعفين
في الارض ، وان من مصلحته أن يعطي نعمة منها ، ان يسكر هو ويسكر العمال ايضا بخمر
الجزائر ، ان يتزين بماسّ تنزانيا ويتزين العامل أو زوجته بماسة من ماسات تنزانيا.
ولهذا
نرى أن العامل بدأت حياته تختلف عن نبوءات ماركس ، ليس ذلك لأجل كرم طبيعي في
الرأسمالي الاوروبي والامريكي ، وليس لتقوى ، وانما هي غنيمة كبيرة كان من المفروض
أن يعطي جزءا منها لهذا العامل والجزء وحده يكفي لأجل تحقيق هذا الرفاه بالنسبة
الى هذا العامل الاوروبي والامريكي.
اذن الحقيقة التي يثبتها التاريخ دائما هو ان التناقض لا يمكن حصره في صيغة واحدة ، التناقض له صيغ متعددة وذلك لان كل هذه الصيغ تنبع من منبع واحد وهو التناقض الرئيسي ، الجدل الانساني ، والجدل الانساني لا تعوزه صيغة ، اذا حلت صيغة وضع صيغة أخرى مكانها ليس من الصحيح ان نطوق كل التناقضات في التناقض الطبقي ، في التناقض بين من يملك ومن لا يملك ، فاذا حللنا هذا التناقض قلنا بأن التناقضات كلها قد حلت ، التناقض لا يمكن حصره في هذه الصيغة ، التناقض هو استغلال القوي للضعيف.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|