أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
2124
التاريخ: 10-10-2014
1676
التاريخ: 27-09-2015
6461
التاريخ: 10-10-2014
1752
|
(قارون شخصية من قوم موسى عليه السلام ، أو من قرابته. ولعله ـ تبعا للنصوص المفسرة ـ ابن خالة موسى ـ عليه السلام ـ أو ابن عمه.
وأيا كانت : صلته بموسى ، فإن النص القرآني الكريم ، صاغ من الشخصية المذكورة : حكاية أو أقصوصة تحوم على أكثر من حدث وموقف يتصل بسلوك هذه الشخصية التي أنعم الله عليها : لكنها بغت وتجبرت ، حتى لفتها ـ نهاية كسيحة : جوابا لعدم تثمينها لنعمة الله ، على نحو ما تفله الأقصوصة الآن :
تبدأ الأقصوصة على النحو التالي :
{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص : 76]
من الزاوية الفنية ، فإن هذه (البداية) : تجمل لنا كل شيء ، حيث تمهد للأجواء التي ستتحرك من خلالها شخصية القصة أو بطلها الكسيح ، ونمط سلوكه ، والشخوص الذين تعاملوا معه ، أو تعامل معهم : مضافا إلى المنبه أو المثير الذي تحركت الأقصوصة وشخوصها واحداثها من خلاله ونعني به : نعم الله سبحانه وتعالى ، متمثلة في تلك الكنوز أو الأموال الضخمة التي اغدقتها السماء على الشخصية المذكورة.
هذه (البداية) القصصية هيأت ملابسات الموقف الذي ستتحرك الأقصوصة في نطاقه : وهي ملابسات [من وجهة نظر فنية] تحقق ـ لدى السامع أو القارئ ـ أكثر من إثارة فيما يتصل بتنبؤاته وتطلعاته في استشفاف الاحداث اللاحقة. فضلا عن لمها لكل عناصر الحدث أو بيئة القصة.
فنحن الآن : حيال شخصية ، نسبتها القصة إلى موسى ـ عليه السلام ـ [من حيث العلاقة الاجتماعية أو النسبية] ، لكنها (باغية) ـ أي : شخصية قارون ـ ، وقد أوتيت من الأموال أو الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء حتى بالعصبة أو الجماعة أولي القوة.
ولكن : ما وراء هذا كله من دلالة؟؟
هذا ما نتبينه من التفصيلات التي ستسردها القصة وفق صياغة فنية ممتعة ، حافلة بعناصر الإثارة التي تفرزها لغة الشكل القصصي في ميدان عرض الحقائق.
والآن : نتابع دلالات هذه [البداية القصصية] وما تنطوي عليه من سمات فنية. بادئين بشخصية (قارون) بطلها المهزوم.
لقد نسبت القصة قارون إلى قوم موسى عليه السلام.
والسؤال هو : ما هي الدلالة الفنية لهذا الانتساب ؟
من الممكن [من الزوايا الفنية] ، أن تعرفنا القصة بأي بطل مهزوز السلوك مثل قارون : من حيث التعريف بهويته ومركزه الاجتماعي : هويته من حيث الاسم المحدد ، ومركزه من حيث السمة الاقتصادية.
ومن الممكن أيضا : ان تهمل القصة اسم بطلها مثلا ، كما هو الأمر في قصة صاحب الجنتين [في سورة الكهف] حيث شابهت شخصيته شخصية (قارون) في كفرانهما بالنعم ، لكن : دون أن تعرفنا القصة باسمه ، وبمنزلته الاجتماعية.
أما في قصة قارون فإن القصة لم تكتف بتعريف هويته الشخصية فحسب (الاسم) ، بل اضافت إلى ذلك : تعريفا آخر هو : انتسابه إلى قوم موسى ـ عليه السلام ـ : مع ملاحظة ، أن النصوص المفسرة تحدد هذا الانتساب إلى انه (قرابة) كأن يكون ابن خالة موسى ـ عليه السلام ـ أو ابن عمه مثلا.
وطبيعي ، فإن القصة لا تعرفنا ـ عبثا ـ بمثل هذه السمات ، بل ان الأمر ينطوي ـ لا محالة ـ على سر فني تستهدف منه إيصال حقائق معينة نفيد منها في تعدي السلوك.
فما هي ـ إذن ـ دلالة انتساب قارون إلى قوم موسى عليه السلام ؟
في تفسيرنا الفني الصرف ، أن قوم موسى ـ عليه السلام ـ [وهم الإسرائيليون] طالما اغدقت السماء عليهم نعما لا تعد ولا تحصى : لكنهم مع ذلك ، كفروا بالنعم ، ومارسوا ألوانا من السلوك الشائن حدثتنا نصوص القرآن الكريم عنه بالتفصيل في مواقع شتى.
طبيعي ، ثمة رهوط منهم ساندوا موسى عليه السلام ، وكانت مواقفهم إيجابية في هذا الصدد.
وفي الأقصوصة التي نتحدث عنها (قصة قارون) نجد تمثيلا أو نموذجا لكل من الفريقين ، فيما يمثل (قارون) تجسيدا للفريق الكافر بنعم الله ، وبالمقابل [كما سنرى في التفصيلات اللاحقة من القصة] نجد ان قومه قد انكروا على قارون سلوكه الشاذ وحذروه من ذلك.
والمهم ، أن شخصية (قارون) تمثل ذلك النمط الكافر بنعم الله ، فيما قدمته القصة نموذجا حيا لهم.
ويمكننا إدراك هذه الحقيقة ، حينما نتجه إلى النصوص المفسرة التي تلقي إنارة على شخصية قارون وموقعه من قوم موسى عليه السلام ، بل من موسى ـ عليه السلام ـ نفسه.
طبيعي ، ان الأهمية الفنية للقصة ، أنها تركت للقارئ أن يستخلص بنفسه مثل هده الحقائق ما دامت منذ البداية ، نسبت قارون إلى قوم موسى عليه السلام. لكننا ، حين ننساق مع النصوص المفسرة ، نجدها تعزز مثل هذه الحقائق.
إن بعض النصوص المفسرة ، تذهب إلى ان الإسرائيليين ، حينما غضبت السماء عليهم ، وألقتهم في (التيه) أربعين عاما ، نتيجة لبطرهم وكفرانهم بالنعم : ندم البعض منهم واتجه إلى التوبة ، وتضرع بالدعاء. وكان قارون واحدا من هؤلاء الذين شغلوا أنفسهم بقراءة كتابهم المنزل ، وكان حسن الصوت والصورة بحيث خلعت عليه بعض الألقاب المتصلة بالسمات المذكورة. مضافا إلى ذلك ، كان قارون [في نطاق العمل] يعنى بصناعة الكيمياء مما ضخم ماليته في هذا الصدد.
وواضح ، أن شخصية تتميز بسمات ومهارات جسمية وحركية وتقنية ، لجدير أن تحتل موقعا اجتماعيا له أهميته : على الأقل : في نظر مجتمعه… مما يجعل الاستشهاد بها ، أو صياغتها نموذجا لطبقة أو عقلية خاصة ، أمرا له أهميته في استخلاص العظة من سلوكها.
والمهم ، أن بعض النصوص المفسرة ، تذهب إلى ان قارون قد داخله الزهو ، فامتنع من التوجه نحو التوبة : حتى ان موسى ـ عليه السلام ـ نفسه قد تدخل مباشرة في محاولة إصلاحه ، لكنه ركب رأسه ولم يأخذ بنصيحة موسى عليه السلام.
من هذا كله ، نستخلص صلة قارون بموسى عليه السلام ،… وصلته بقومه [من حيث شخصيته الاجتماعية] ،… وصلته بالقوم الذين لفهم التيه أربعين عاما… ثم : صلة ذلك جميعا [من الناحية الفنية] بإبراز اسمه بطلا مهزوما في القصة ، وإبراز انتسابه إلى قوم موسى عليه السلام ، مما ينطوي على دلالة خاصة تستهدفها الأقصوصة حينما تسرد لنا شريحة من حياته ، تحملنا ـ من خلال ذلك ـ على استخلاص العظات التي ينبغي ان يفيد السامع أو القارئ منها : بغية تعديل السلوك ، حيال مواجهة النعم التي تغدقها السماء على عبادها… وضرورة (الشكر) عليها ، بدلا من الكفران بها.
كانت السمة المميزة لقارون ان القصة عرفت اسمه ولم تنكره : لأسباب فنية سبق شرحها ـ وأما سمة السلوك الذي ميز قارون فهي : انه بغى على قومه : حيث تعالى عليهم واستطال.
ومع ان القصة لم تحدد تفصيلات طغيانه ،… إلا انها حينما وسمته بأنها قد آتته من الكنوز ما إن مفاتحه أو خزائنه لتنوء بالعصبة أولي القوة… حينئذ نستخلص بان طغيانه ناجم عن ضخامة الكنوز التي تملكها. كما ان الجزء اللاحق من القصة متمثلا في حوار قومه الذي وجههوه إليه ، يكشف ـ وفق الطريقة الفنية التي سلكتها القصة ـ أن طغيانه على قومه ذو صلة بممتلكاته التي زها بها على قومه.
تقول القصة ، بعد البداية التي مهدت بها :
{إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص : 76 ، 77]
إن الوظيفة الفنية لهذا (الحوار) تتمثل في : انه [أي : الحوار] كشف جملة من الحقائق. منها : أن قوم قارون كانوا من الفريق الذي لم يستحوذ عليه الشيطان قبال الفريق الذي أفسد في الأرض كل الإفساد ، وفي مقدمتهم : هذا النموذج (قارون).
الحقيقة الفنية الثانية التي كشف الحوار عنها ، هي : الكشف عن شخصية قارون في تعامله مع قومه ، بعد ان كانت القصة في بدايتها قد أجملت سلوك قارون ، مكتفية بالقول بانه (بغى عليهم).
لقد كشف الحوار بأن (قارون) كان فرحا ، متعاليا ، متكبرا ، مستطيلا على قومه ، مدلا عليهم بأمواله الضخمة التي يمتلكها.
الحقيقة الفنية الثالثة التي انطوى عنصر (الحوار) عليها ، هي : إحداث التأثير على القارئ ، وتثبيت الدلالة التي تستهدفها القصة في أعماق القارئ أو السامع في استخلاص العظة.
كان من الممكن مثلا ، أن تسرد القصة لنا مباشرة ، حياة قارون وسلوكه مع قومه. لكنها ، لم تصنع ذلك ، بل تركت قوم قارون أنفسهم ، هم الذين يتحاورون معه ، وينتقدون سلوكه ، حتى ينفعل القارئ أو السامع بهذا الموقف ، ويحاط علما بأن القوم أنفسهم كانوا ينكرون مثل هذا السلوك.
وخارجا عن الدلالات الفنية التي انطوى (الحوار) عليها ، يعنينا من حيث الدلالة الفكرية أن نقف عند الحقائق المطروحة في هذا الصدد.
وفي مقدمة هذه الحقائق : الحقيقة التي تكشف عن وظيفة الكائن الآدمي على هذه الأرض ، أو هذه الحياة العابرة.
لقد وجه قوم قارون إلى هذا الأخير هذه الحقيقة الخطيرة : قالوا له :
{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} [القصص : 77]
هذه الحقيقة الضخمة التي انتبه إليها قوم قارون ، تشكل : (فلسفة) وجود الكائن الآدمي على الأرض ، والدلالة الوحيدة لوظيفته التي ينبغي أن يتمحض لها في حياته ، الا وهي : العبادة أو الخلافة في الأرض.
إن قولهم : {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص : 77] يلحظ هذه الوظيفة التي خلعتها السماء على الكائن الآدمي.
ان نصيب الإنسان من الدنيا هو [العمل للآخرة] ، وليس : العمل من أجل تحقيق الاشباع لدوافع التملك والسيطرة ونحوهما من الحاجات الحيوية والنفسية.
من الممكن أن يغفل البعض أو الكثير ، حقائق التركيب الدافعي عند الإنسان ، فيخيل إليه مثلا : أن تملك المال يصاغ من أجل الحاجة إلى إشباع دافع التملك وما يصاحبه من اشباع حاجات الطعام أو السكن أو الملبس ، دون أن يرتبط التملك بمفهوم (العبادة) ، وعزله عن السياق المذكور مثلا.
أو يخيل إليه : ان دافع السيطرة أو التفوق أو احترام الذات والتمركز حولها ، هو دافع له مشروعيته ما دام الإنسان ـ بالضرورة ـ باحثا عن (ذاته) ، محاولا في كل أنماط نشاطه ، تحقيق اللذة والاجتناب عن الألم.
ان أمثلة هذا التصور لتركيبة الإنسان ، تحياه الشخصية المنعزلة عن السماء ،… أو الشخصية الغافلة عن دلالة وجودها ومعناه ،… وهو أمر انتبه إليه قوم قارون حينما ألفتوا أنتباهه إلى أن يبتغي ـ. فيما آتاه الله ـ الدار الآخرة ، وأن لا ينسى نصيبه من الدنيا العابرة من أجل استثمارها لليوم الآخر ، وان يحسن إلى الله بتزكية أمواله وصرفها في وجوه الخير ، وان لا يطال بها على الآخرين ولا يبتغي بذلك فسادا في الأرض.
والآن : حينما أدركنا الأهمية الفنية والفكرية التي انطوى عليها عنصر (الحوار) : الخطاب الذي وجهه القوم إلى قارون ،… يجدر بنا أن نلحظ مدى تأثيره على قارون ، ورد الفعل الذي صدر منه : حيال هذه الحقيقة الوحيدة التي تشكل معنى وجود الإنسان على هذه الأرض : الحياة العابرة.
لنقرأ جواب قارون :
{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص : 78]
نحن لا نستغرب من قارون مثل هذه الإجابة الهزيلة ، فالقصة أوحت لنا منذ البداية بان (قارون) كان باغيا على قومه. كما ان قومه كشفوا لنا حقيقة هزاله حينما قالوا له : (لا تفرح).
لقد غاب عن ذهنه ان الإنسان لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا حياة ونشورا ،… غاب عن ذهنه كل ذلك ، حتى خيل إليه أن هذه الأموال قد اكتسبها بمهاراته الخاصة ، صناعته للكيمياء مثلا ، اكتسابه من التجارة أو الزراعة مثلا…الخ ، أو خيل إليه أن هذا عطاء الله منحه لقارون حتى يفسد في الأرض مثلا…
لقد عقبت القصة مباشرة على إجابة قارون ، قائلة :
{أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص : 78]
هذا التعقيب ، يحسم كل شيء : حيث أشار إلى هلاك القرون الأولى ممن أفرزت شخوصا أشد منه قوة وأكثر جمعا.
كما حسم كل شيء حينما رسم لقارون عقابا أخرويا له ولا مثاله ممن يساقون إلى جهنم دون حساب.
ولكن : هل انتهت القصة برسم المصير الأخروي لقارون على النحو المتقدم ؟ كلا !!
إن القصة تستهدف لفت الانتباه إلى حقيقة المتاع العابر في الحياة ، وانعكاسه حتى على المصير الدنيوي للشخصية.
ولذلك : يواجهنا القسم الأخير من القصة بأحداث ومواقف حافلة بالإثارة ـ فنيا وفكريا ـ على النحو الذي سنفصل الحديث عنه.
يبدأ الآن : القسم الثاني من قصة قارون ، على النحو التالي :
{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} [القصص : 79]
{قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص : 79]
{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص : 80]
طبيعي [من حيث البناء الهندسي للقصة] لا يتوقع القارئ أو السامع أو يعدل قارون من سلوكه المتعالي ، بالرغم من النصيحة التي بذلها قومه : عندما لفتوا انتباهه إلى حقيقة الدنيا وممتلكاته فيها ،… وعندما لفتوا انتباهه إلى ضرورة أن يستثمر نصيبه من الدنيا ، في عمل الخير…
لا يتوقع القارئ أو السامع تقبل قارون لهذه النصيحة ،… وذلك لسبب فني هو : أن القصة رسمت له منذ البداية أو لنقل : في القسم الأول من القصة ،… رسمت له مصيرا أخرويا بائسا : هو : سوقه إلى جهنم بدون حساب.
وهذا يعني ـ من الوجهة الفنية في بناء القصة ـ أن الأمل في إصلاح قارون منعدم تماما…
ولكن ، إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا عرضت القصة نماذج من سلوكه المتباهي ، على هذا النحو؟؟.
{ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ..} [القصص : 79]
الواقع : ان هذا العرض القصصي ، يستهدف حقيقة فنية جديدة هي : الكشف عن المستويات العقلية لدى قوم قارون.
ففي القسم الأول من القصة ، كشف النص عن وجود نماذج رفيعة ، واعية لمهمتها العبادية في الأرض ، آمرة بالمعروف ، ناهية عن المنكر : ناهية قارون عن (الفرح) قائلة له : { لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص : 76] ، آمرة قارون بالمعروف ، قائلة له : {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ } [القصص : 77]
أما في هذا القسم الجديد من القصة ، فإن النص يستهدف عرض المستويات الأخرى من القوم ، ونماذج تفكيرهم ، وطرائق سلوكهم : حيال الزينة التي يواجهونها في أبهى مظاهرها.
حتى ان نصوص التفسير تروي لنا : ان قارون خرج في موكبه ذات يوم ، بآلاف من الاتباع والفرسان والدواب ، وما صاحب ذلك من عرض نفائس ممتلكاته ،… مما يشكل ـ دون أدنى شك ـ منبها أو مثيرا حادا سيستجيب له كل فرد باستجابة غافلة أو واعية : حسب شخصيته الفكرية في هذا الصدد.
والآن : كيف استجاب القوم : حيال الموكب الذي حف قارون في ذلك المظهر المثير من الزينة ، وما يصاحبها من مشاعر الكبرياء ، والغرور ، والإحساس بالعظمة…الخ ؟
كما نتوقع : فان الناس ينشطرون ـ عادة ـ إلى واعين ، مدركين ، أسوياء… وإلى مرضى ، غافلين ، أغبياء.
وهكذا كانت ردود الفعل بالنسبة إلى قوم قارون.
فالمرضى ، أو الاغبياء : بهرتهم الحياة الدنيا ، وتحرك في أعماقهم : الاحساس المريض بـ(الذات) وبحاجاتها إلى التفوق والسيطرة والاستعلاء ، فقالوا في قرارة نفوسهم ، أو قال بعضهم لبعض :
{يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص : 79]
إن هؤلاء الحمقى ، خيل إليهم ، ان قارون ذو حظ عظيم في هذه الزخارف التي بهر بها قومه. وقد غاب عن ذهنهم تماما : وجود حياة أخروية ، أبدية ، هي التي تحسم كل شيء.
وعلى العكس منهم : {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } [القصص : 80]
لقد وسم النص رجال الآخرة بانهم [أوتوا العلم] : جوابا لأولئك المغفلين الذين وسمهم بانهم [يريدون الحياة الدنيا].
وسمة (العلم) ـ كما هو واضح ـ تظل هي السمة التي لا يشكك اثنان في كونها موضع اعتزاز لأية شخصية باحثة عن (التقدير) حتى لو كانت بمنأى عن السمة العلمية.
والمهم : ان القصة خلعت حيوية ممتعة على هذا الموقف ، حينما صاغته حوارا بين الفئتين : الواعية والغافلة في مواجهتهما لموكب قارون وزينته الجوفاء.
الفئة الغافلة ، هتفت في انفعال ساذج : {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ }, وهتفت بانفعال أشد سذاجة ، حينما أضافت : { إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}
أما الفئة الواعية ، فقد اجابتها بانفعال عميق ، راثية ، مشفقة على أولئك الحمقى ، هاتفة في وجوههم : (ويلكم…!؟) (ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا)!!
وهكذا ، ينتهي عرض القصة لموقف الفئتين : الواعية والغافلة حيال الزخرف الذي طلع به قارون على الجمهور : مع ملاحظة أن القصة منذ البداية ـ ألمحت بطريقة فنية غير مباشرة ـ عندما نسبت قارون إلى قوم موسى عليه السلام ، وعندما وسمته بانه قد بغى على قومه ـ ألمحت إلى أن شخوص القصة الجماعيين [أي : قوم قارون] ، سينشطرون إلى إيجابيين وسلبيين ، واعين وغافلين ، مؤمنين وكافرين : على نحو ما استخلصناه في حينه.
ثمة ملاحظة فنية أخرى تتصل بموكب قارون ، والموقع العضوي لهذا العرض من بناء القصة ، وصلته بعرض النماذج غير الواعية من القوم.
فمن الواضح ، ان قارون أو أية شخصية كافرة بنعم الله ، أو أية شخصية متجبرة ، طاغية ، لا يمكنها أن تمارس الزهو والخيلاء والتجبر والتحكم في رقاب الناس ، لو لم تظفر بمن يساندها من الفئات التي تخنع وتستكين ، وتنبهر بمظاهر زائفة من متاع الحياة.
والقصة ، حينما تعرض لنا موكب قارون وزينته ، لم تستهدف ـ كما هو بين ـ مجرد لفت الانتباه إلى الإحساس المريض الذي يغلف شخصية قارون وهو ينظر إلى ممتلكاته ،… بل تستهدف ـ وهذا مكمن الخطورة في صياغة الهيكل القصصي ـ لفت الانتباه إلى ان قارون أو أية طاغية لم يكن ليعني بمظاهر الزينة والتحكم في الرقاب لو لم يجد استجابة من الآخرين : تخلع عليه أهمية المظهر الذي يتباهى ويزهو به.
فمن الواضح [في حقل الحقائق النفسية] أن الأشياء أو الظواهر لا تحمل أية قيمة في حد ذاتها ، ما لم تقترن بالقيمة التي يخلعها (الآخرون) عليها.
كما أن مظاهر الزهو والاستعلاء والسيطرة : لن تجد لها أي معنى أو دلالة أو أي مجال تتحرك فيه ، ما لم يجد المستعلي أو المزهو ، أو المتجبر : أفرادا آخرين ، يخلعون قيمة ما ، على الزهو والاستعلاء والسيطرة : تبعا للحطة والخنوع والذل الذي يتحسسونه في أنفسهم.
ومن هنا ، كان قارون يعنى بالحرص : على المظهر الذي خرج به على قومه : لان قومه أنفسهم ـ كثرة كانوا أم قلة ـ قد طبعتهم سمة المرض ، سمة الذل والخنوع والاستكانة. ولو لم يجد قارون إلا فئات واعية ، لا نزوى في داره ، ولما وجد أي حافز يدفعه إلى الخروج بزينته ، وبموكبه الذي زها به.
وفعلا : لحظنا هؤلاء الاذلاء ، الخانعين : يهتفون بمجرد رؤيتهم لموكب قارون ، قائلين { يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص : 79]
طبيعي ، إن الواعين الذين خبروا حقيقة الحياة ، تكفلوا بالرد على اولئك الخانعين. بيد ان الأهم من ذلك كله ، ان نكتشف الحقيقة القائلة بان الطغاة ـ في اي ومكان ـ لم يمارسوا جرائمهم ما لم تسندهم فئات ذليلة ، خانعة تطيل من أمد تحكمهم في الرقاب.
والمهم ـ بعد ذلك ـ أن القصة في عرضها الفني لهذه الحقيقة ، مهدت لأحداث لاحقة تظل ـ على صلة ـ بالحقيقة المذكور. مثلما ستدلنا على النهاية القاتمة للطغاة ، وإمكانية تعديل السلوك بعد ملاحظة مثل هذه النهاية التي تخسف بقارون ، وبداره : الأرض ، كما سنرى.
القسم الأخير من قصة قارون ، يعرض لنا : النهاية البائسة لهذه الشخصية التي بدأت في القصة ، باغية على قومها ، مفسدة في الأرض ، مدلة بممتلكاتها ، رافضة لنصائح قومها ، قائلة بصلف وغرور عن ممتلكاتها {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص : 78] ، مواصلة ركوب رأسها : حتى خرجت ذات يوم على قومها ، في زينتها التي شطرت الناس إلى فئتين : فئة تريد الحياة الدنيا ، متمنية ان يكون لها ما لقارون ، متخيلة انه ذو حظ عظيم. وفئة عالمة تبتغي ثواب الله ، منكرة على أولئك المنبهرين بزهو قارون ، ذهابهم إلى انه ذو حظ عظيم.
وها هي القصة ، تقدم جوابا عمليا ، عاجلا لأولئك المنبهرين بممتلكات قارون وزهوه وخيلاءه :
وإليك جواب الله :
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ } [القصص : 81]
وإليك أيضا ، رد الفعل الذي أحدثته هذه الخاتمة الكسيحة لقارون ، في نفوس أولئك المنبهرين بقارون ، قبل غيره :
{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص : 82]
إنه هذه الخاتمة لمصير قارون من الممكن أن يتوقعها المتلقي لجملة من الأسباب الفنية ، وفي مقدمتها : تحسيس قارون نفسه ، ثم تحسيس قومه المنبهرين به ،… تحسيسهم جميعا في الدنيا قبل الآخرة بمصائر الطغاة ، ومصائر ممتلكاتهم أو عبيدهم اللاهثين خلف أبوابهم.
والحق ، أن القصة أرهصت بطريقة فنية بمثل هذا المصير ، فهي عندما عقبت على قوله { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص : 78]عقبت على ذلك بقولها :
{ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا } [القصص : 78]
عندما تتدخل القصة في حوار يجري بين قارون وقومه ،… كأن تقطع سلسلة الحوار بتعليق ، أو كأن تعقب على نهاية الحوار بين الطرفين ،… فإن مثل هذا التعقيب ، يعد مؤشرا إلى ان ثمة خطورة في الأمر لا بد ان تسحب آثارها على احداث القصة لاحقا. وهذه الحقيقة يخبرها كل من ألف لغة الأدب القصصي.
وتبعا لذلك ، فإن القصة عندما تشير إلى ان الله سبحانه قد أهلك من القرون الأولى من هو اشد قوة وأكثر جمعا ، فهذا يعني أن هناك [في قلب الأحداث اللاحقة] حدثا ينتظر قارون مشابها لما هو في القرون الأولى ،… وما هو إلا (هلاكه) عاجلا ، في الدنيا قبل الآخرة : حيث خسفت السماء به ، وبداره الأرض.
وفعلا : جاءت الخاتمة القصصية ، جوابا لهذا التنبؤ الفني الذي توقعه قارئ القصة أو سامعها.
لم يكن هذا السبب الفني وحده ، مؤشرا إلى أن هلاك قارون سيكون في الدنيا قبل الآخرة ، على النحو المذكور. بل هناك سبب آخر ، هو : طبيعة رد الفعل الذي احدثه موكب قارون عندما خرج على قومه مزهوا ، متباهيا ، متعاليا. بل ان خروج قارون نفسه في موكبه الذي بهر الحمقى ،… هذه العملية ذاتها : تجعل القارئ أو السامع متوقعا حدوث مثل هذا المصير.
فمن الواضح ، أن القصة أشارت قبل ان تعرض لحادثة الموكب الذي خرج به قارون على قومه ،… أشارت القصة إلى ان المجرمين يساقون إلى جهنم بغير حساب {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص : 78] مما يعني بوضوح أن العقاب الأخروي سيكون حاسما بالنسبة لقارون لا مجال للتردد فيه. وحينئذ ، فمن المفروض [من الناحية الفنية الصرف] أن تنتهي القصة عند هذا التعقيب من السماء : لأن نهاية قارون أخرويا لابد أن تنتهي مع نهاية قصته ما دامت القصة حائمة على الشخصية المذكورة.
ولكن بما أن القصة ، واصلت عرض الأحداث المتصلة بقارون ، فهذا يعني [من الزاوية الفنية] أن للاحداث المعروضة صلة بنهاية دنيوية لقارون ، تتناسب مع طبيعة الحادثة المعروضة.
الحادثة المعروضة هي : ان قارون خرج على قومه في زينته ، مدلا ، متباهيا ، متعاليا. ألا يناسب ذلك ، أن ترهص القصة بمصير مثل هذا التباهي والتعالي؟؟ ، بأن تجعل السامع أو القارئ متوقعا ، لنهاية تمسح آثار ذلك التباهي ؟؟
إن ذلك نتوقعه ، ونتنبأ به (فنيا) ، فيما تم فعلا رسم مثل هذه النهاية.
هناك سبب فني ثالث : لعله أهم الأسباب التي جعلتنا ـ قراء وسامعين ـ نتوقع مصيرا دنيويا كسيحا لقارون ، هو : أن الذين بهرهم قارون في موكبه ، وزينته ، وخزائنه ، لابد أن يكونوا أحد نمطين : نمط ساذج لا يمتلك بصيرة نافذة في تقويمه ونظرته للأمور ،… ونمط على إحاطة بحقيقة الأمور ،… لكنه راكب شهواته ، لاهث خلف الإشباع.
وفي الحالتين ، فإن إمكانات التعديل لسلوك هؤلاء المغفلين ـ في لحظة انبهارهم بموكب قارون ، على الأقل ـ يظل أمرا غير بعيد. ما دام الكائن الآدمي ، تنفعه الذكرى حينا ، وتحور العظة من سلوكه ، وتحمله الاحداث المفاجئة ، السريعة ، الحاسمة ،… تحمله على تعديل سلوكه : عبر الانفعال الحاد الذي تتركه الاحداث المفاجئة أو الحاسمة ، في أعماقه.
وفعلا : جاءت ردود الفعل لدى هؤلاء الذين بهرهم قارون بزخرفه ،… جاءت ردود فعلهم إيجابية ، عندما فوجئوا بقارون : وقد خسفت به وبداره ، الأرض. فإذا بهم يقولون : { وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [القصص : 82]
لقد أدرك هؤلاء [بعد ان كانوا غافلين ، يتمنون لهم ما لقارون] أدرك هؤلاء حقيقة لم يدركوها من قبل : ان الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ، وان الله قد من عليهم حينما لم يؤتهم ما أوتي قارون ، ولم يخسف بهم الأرض كما خسفها بقارون ، وان الكافرين بنعم الله ، لا يلحون أبدا…
هذه الحقائق لم يدركها من بهرته الحياة الدنيا في غمرة انفعالهم بموكب قارون وزينته وممتلكاته ،… لكنهم حينما فوجئوا بمصير قارون ،… عندها ، أدركوا مثل هذه الحقائق ، ولابد انها عدلت من سلوكهم بنحو أو بآخر ، والمهم [من الزاوية الفنية الصرف] ان إدراك مثل هذه الحقائق لم يكن ليتم لولا أن القصة عرضت المصير الدنيوي لقارون [حادثة الخسف] ، مما نستخلص من ذلك : الأهمية الفنية الكبيرة [من حيث هيكل القصة وبناؤها الهندسي] لعرض الحادثة المذكورة. إلأ كان من الممكن ان تنتهي القصة بعرض المصير الأخروي لقارون ، دون ان تتبعه بعرض المصير الدنيوي أيضا.
وبعامة ، فان الدلالة الفكرية للقصة ، لا تحتاج إلى التعقيب : ما دامت ألفتت الانتباه بوضوح ، إلى أن الحياة الدنيا لا تشكل إلا متاعا عابرا سرعان ما ينطفئ في الدنيا نفسها ، وأن الله حينما يمنح بعض الآدميين نغما ضخمة [مثل كنز قارون] ينبغي ألا تصرفهم عن إدراك المهمة الخلافية في الأرض ، وضرورة استثمار مثل هذه النعم في وجوه الخير ، يبتغى بذلك ثواب الآخرة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|