أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-11-2016
1707
التاريخ: 2-9-2018
1350
التاريخ: 6-11-2017
1277
التاريخ: 12-4-2021
1739
|
النفير والقيادة
ونادى منادي الكوفة - الصلاة جامعة -، واجتمع الناس فخرج الحسن عليه السلام ، وصعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: « أما بعد، فان اللّه كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها، ثم قال لاهل الجهاد: اصبروا ان اللّه مع الصابرين. فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون الا بالصبر على ما تكرهون. انه بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير اليه فتحرك. لذلك اخرجوا رحمكم اللّه الى معسكركم في النخيلة(١) حتى ننظر وتنظرون، ونرى وترون ».
قال مؤرخو الحادثة: « وسكت الناس فلم يتكلم أحد منهم ولا أجابه بحرف ».
- ورأى ذلك « عديّ بن حاتم » وكان سيد طيء والزعيم المرموق بسوابقه المجيدة في صحبته للنبيّ والوصيّ معاً ( صلى اللّه عليهما ) فانتفض انتفاضته المؤمنة الغضبى، ودوّى بصوته الرزين الذي هز الجمع، فاستدارت اليه الوجوه تستوعب مقالته وتعنى بشأنه - وفي الناس كثير ممن عرف لابن حاتم الطائي، تاريخه وسؤدده وثباته على القول الحق - واندفع الزعيم محموم اللهجة قاسي التقريع، يستنكر على الناس سكوتهم، ويستهجن عليهم ظاهرة التخاذل البغيض.
وقال: « أنا عديّ بن حاتم، ما أقبح هذا المقام!. ألا تجيبون امامكم وابن بنت نبيكم؟. أين خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة، فاذا جدّ الجد، راوغوا كالثعالب؟. أما تخافون مقت اللّه ولاعيبها وعارها؟ ».
ثم استقبل الحسن بوجهه فقال: « أصاب اللّه بك المراشد، وجنّبك المكاره، ووفقك لما يحمد ورده وصدره. وقد سمعنا مقالتك، وانتهينا الى أمرك، وسمعنا لك، وأطعنا فيما قلت ورأيت ».
قال: « وهذا وجهي الى معسكرنا، فمن أحب أن يوافي فليواف ».
ثم خرج من المسجد، ودابته بالباب، فركبها ومضى الى النخيلة، وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه. وكان المثل الاول للمجاهد المطيع، وهو اذ ذاك أول الناس عسكراً(2) . وفي طيء الف مقاتل لا يعصون لعديّ أمراً(3) .
ونشط - بعده - خطباء آخرون، فكلّموا الحسن بمثل كلام عديّ بن حاتم، فقال لهم الحسن عليه السلام : « رحمكم اللّه مازلت أعرفكم بصدق النية، والوفاء، والمودة. فجزاكم اللّه خيراً ».
واستخلف الحسن على الكوفة - ابن عمه - المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأمره باستحثاث الناس للشخوص اليه في النخيلة.
وخرج هو بمن معه، وكان خروجه لاول يوم من اعلانه الجهاد أبلغ حجة على الناس في سبيل استنفارهم.
وانتظمت كتائب النخيلة خيار الاصحاب من شيعته وشيعة أبيه وآخرين من غيرهم. ونشط المغيرة بن نوفل لاستحثاث الناس الى الجهاد وكان من المنتظر للعهد الجديد - الذي قوبل بالمهرجانات القوية في اسبوع البيعة، أن لا يتأخر أحد بالكوفة عن النشاط المتحمس لاجابة دعوة الامام. ولكن شيئاً من ذلك لم يقع!. وحتى السرايا الجاهزة التي كان امير المؤمنين عليه السلام قد أعدها للكرة على جنود الشام قبيل وفاته - وكانت تعد اربعين الف مقاتل - قد انفرط عقدها وتمرد أكثرها، وتثاقل معها اكثر حملة السلاح في الكوفة عن الانصياع للأمر.
وكان المذبذبون من رؤساء الكوفة، أشدهم نشاطاً في اللحظة الدقيقة التي أزفت فيها ساعة الجدّ.
قالت النصوص التاريخية فيما ترفعه الى الحارث الهمداني كشاهد عيان: « وركب معه - أي مع الحسن - من أراد الخروج وتخلّف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوا وبما وعدوا، وغرّوه كما غرّوا أمير المؤمنين من قبله وعسكر في النخيلة عشرة أيام فلم يحضره الا أربعة آلاف. فرجع الى الكوفة، ليستنفر الناس، وخطب خطبته التي يقول فيها: قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي(4) ».
أقول: ثم لا ندري على التحقيق عدد من انضوى اليه - بعد ذلك - ولكنا علمنا أنه « سار من الكوفة في عسكر عظيم » على حد تعبير ابن ابي الحديد في شرح النهج.
وغادر النخيلة وبلغ « دير عبد الرحمن » فأقام ثلاثاً، والتحق به عند هذا الموضع مجاهدون آخرون لا نعلم عددهم.
وكان دير عبد الرحمن هذا مفرق الطريق بين معسكري الامام في المدائن(5) .
ومَسكِن(6) .
وللامام الحسن خطته من هذين المعسكرين.
- اما « المدائن » فكانت رأس الجسر صوب فارس والبلاد المتاخمة لها. وهي بموقعها الجغرافي، النقطة الوحيدة التي تحمي الخطوط الثلاث التي تصل كلاً من الكوفة والبصرة وفارس، بالاخرى. وتقف بقيمتها العسكرية درءاً في وجه الاحداث التي تنذر بها ظروف الحرب. وكانت فارس معرض الانتفاضات الخطرة على الدولة. وكان عليها من قبل الامام « زياد بن عبيد » ولما يطبع - بعدُ - على صفحته المقلوبة التي غيّرت منه كل شيء.
واما « مسكِن » فقد كانت النقطة الحساسة في تاريخ جهاد الحسن (ع) لانها الميدان الذي قدّر له ان يقابل العدوّ وجهاً لوجه. وهي اذ ذاك أقصى الحدود الشمالية للعراق الهاشمي، أو المناطق الخاضعة لحكومة الكوفة من هذه الجهة. وكان في اراضي مسكن مواطن معمورة بالمزارع والسكان وقرى كثيرة مشهورة - منها « أوانا » و « عكبرا » ومنها « العلث » وهي آخر(7) قراها الشمالية، وكان بازائها قرية « الجنوبية » وهي التي انحدر اليها معاوية بجيوشه منذ غادر « جسر منبج ». والتقى عندها الجمعان.
والمفهوم ان موقع مسكن اليوم لا يعدو هذه السهول الواسعة الواقعة بين قرية « سميكة » وقرية « بلد » دون سامراء.
ولمسكن طبيعتها الغنية بخيراتها الكثيرة ومشارعها القريبة وسهولها الواسعة، فكانت - على هذا - الموقع المفضّل للنزال والحروب، وكانت لاول مرة في تاريخها ميدان الحسن ومعاوية في زحفهما هذا، ثم تبودلت فيها بعد ذلك وقائع كثيرة بين العراق والشام.
ورأى الحسن عليه السلام أن يتخذ من المدائن - بما لموقعها من الاهمية العسكرية - مقراً لقيادته العليا. ليستقبل عندها نجدات جيوشه من الاقطار الثلاث القريبة منه، ثم ليكون من وراء ميدانه الذي ينازل به معاوية وأهل الشام في « مَسكِن ». وليس بين المعسكرين الهاشميين في - المدائن ومسكن - أكثر من خسمة عشر فرسخاً.
وكانت الخطة المثلى التي لا بدل عنها للوضع الحربي الراهن. وهكذا انكشف الحسن في رسم خططه الحربية، عن القائد الملهم الذي يحسن فنون الحرب كما كان يصطلح عليها عصره أفضل احسان. ودلّت خطواته المتدرجة في سبيل مقاومته لعدوه سواء في اختيار الوقت أو في اختيار المواقع أو في تسيير الجيوش، على مواهب عسكرية ممتازة، كانت كفاء ما رزق من مواهب في سياسته وفي اخلاصه وفي تضحيته.
ونظر عن يمينه وعن شماله، وتصفّح - ملياً - الوجوه التي كانت تدور حوله من زعماء شيعته ومن سراة أهل بيته، ليختار منهم قائد « مقدمته » التي صمم على ارسالها الى مسكن، فلم ير في بقية السيوف من كرام العشيرة وخلاصة الانصار، أكثر اندفاعاً للنصرة ولا اشدَّ تظاهراً بالاخلاص للموقف من ابن عمه ( عبيد اللّه(8) بن عباس بن عبد المطلب ) و ( قيس بن سعد بن عبادة الانصاري ) و ( سعيد بن قيس الهمداني ) – رئيس اليمانية في الكوفة -. فعهد الى هؤلاء الثلاثة بالقيادة مرتبين.
وكان عبيد اللّه بن عباس احد اولئك المرتجزين للحرب، المستهترين بالحياة، تحفزه الغيرة الدينية، وتلهبه العنعنات القبلية، فاذا هو الفولاذ المصهور في تعصّبه للعرش الهاشمي، وهل هو الا احد سراة الهاشميين، وقديماً قيل: « ليست الثكلى كالمستأجرة ». وهو في سوابقه امير الحج سنة ٣٦ ( على رواية الاصابة ) أو سنة ٣٩ ( على رواية الطبري ) أو هو امير الحج في السنتين معاً، وهو والي البحرين، وعامل اليمن(9) وتوابعها على عهد امير المؤمنين عليه السلام ، والجواد المطعام الذي شهد له الحجيج في مكة، ثم هو أسبق الناس دعوة الى بيعة الحسن يوم بايعه الناس.
فكان - على ذلك - حرياً بهذه الثقة الغالية التي وضعها فيه ابن عمه الامام عليه السلام (10) .
ودعاه، فعهد اليه عهده الذي لم يروَ لنا بتمامه، وانما حملت بعض المصادر صورة مختزلة منه. قال فيه:
« يا ابن عم! اني باعث معك اثني عشر الفاً من فرسان العرب وقراء المصر، الرجل منهم يزيد الكتيبة، فسر بهم، وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وافرش لهم جناحك، وأدنهم من مجلسك، فانهم بقية ثقات امير المؤمنين. وسر بهم على شط الفرات، ثم امض، حتى تستقبل بهم معاوية، فان أنت لقيته، فاحتبسه حتى آتيك، فاني على أثرك وشيكاً. وليكن خبرك عندي كل يوم، وشاور هذين - يعني قيس بن سعد وسعيد بن قيس -. واذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك، فان فعل، فقاتله. وإن أُصبت، فقيس بن سعد على الناس، فان اصيب فسعيد بن قيس على الناس ».
ولقد ترى أن الامام الحسن عليه السلام ، لم يعن في عهده الى عبيد اللّه بشيء، عنايته بأصحابه، فمدحهم، وأطرى بسالتهم، وأضافهم الى أبيه امير المؤمنين عليه السلام . واراد بكل ذلك تغذية معنوياتهم والهاب حماستهم والتأثير على عواطفهم. ثم أمر قائده بأن يلين لهم جانبه ويبسط لهم وجهه ويفرش لهم جناحه ويدنيهم من مجلسه. وحرصت هذه التعاليم على ايثار الثقة المتبادلة بين القائد والجيش. وأحر بهذه الثقة - في حرب تعوزها النظم العسكرية التي نعرفها اليوم - أن تكون أهم عناصر القوّة المرجوّة للايام السود. وجاءت جملاً متعاطفة أربعاً يؤكد بعضها بعضاً، ثم هي لا تعني الا معنى واحداً. ترى فهل لنا أن نستفيد، من هذا القصد العامد الى التأكيد، أنها كانت تحاول بتكرارها « المؤكد »، استئصال خلق خاص في عبيد اللّه [ القائد الجديد ]؟. وفي الجيش - معه - أعلام من سراة الناس، ومن ذوي السوابق والذكريات المجيدة، الذين لا يهضمون الخلق المزهوَّ ولا الخشونة الآمرة الناهية في الفتى الهاشمي الذي لا يزيدهم كفاءة، ولا يسبقهم جهاداً، ولا يفضلهم تقوى، ولا يكبرهم سنّاً(11) .
وقوله له - بعد ذلك -: « وشاور هذين » دليل آخر على القصد على تذليل خلق صعب، ربما كان يعهده الامام في ابن عمه، وربما كان يخافه كعائق عن النجاح.
أقول: وليس من وجود الخلق المخشوشن في عبيد اللّه - اذا صدق الظن - ما يعيقه عن استحقاق القيادة، وقد استدعته اليها ظروف كثيرة أخرى، على أن بين الخشونة والحياة العسكرية أواصر رحمٍ متينة الحلقات في القديم والحديث.
وفي هذه المناسبة ما يفسح المجال للتساؤل عن الحيثيات التي آثر بها الامام الحسن عليه السلام عبيد اللّه بن عباس للقيادة على مقدمته، وفي الجيش مثل ( قيس بن سعد بن عبادة الانصاري ) الرجل المعترف بكفاءاته العسكرية وباخلاصه الصحيح لأهل البيت عليهم السلام وبأمانته.
وللجواب على هذا السؤال، وجوه:
أولها:
أن الحسن حين أراد عبيد اللّه للقيادة على « المقدمة » فرض عليه استشارة كلٍّ من قيس بن سعد وسعيد بن قيس - كما هو صريح عهده اليه - فخرج بذلك من الايثار الذي يؤخذ عليه، اذا كان في هذا الايثار تبعة يخاف منها على مصلحة الموقف. وأصبحت القيادة - على هذا الاسلوب - شورى بين ثلاثة، هم اليق رجاله لها. اما تقديم قيس على صاحبيه وعلى غيرهما من صحابة وزعماء، وايثاره بالقيادة وحده فقد كان - في حينه - مظنّةً لتنافس الاكفاء الآخرين الذين كان يلفهم جناح هذا الجيش. وفي هؤلاء الشخصيات المعروفة في قيادتها الميادين وفي اخلاصها وجهادها وسوابقها، أمثال أبي أيوب الانصاري وحجر بن عديّ الكندي وعدي بن حاتم الطائي وأضرابهم، ممن مرَّ ذكرهم.
لذلك كان تقديم ابن عم الامام، بل ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتعيينه « اسماً » ثم الاستفادة من رأي قيس وصاحبه على الاسلوب الذي ذكرنا، تخلصاً لبقاً، لا ينبغي الخلاف فيه، ولا التنافس عليه.
وثانيها:
انه كان من الاحتياطات الرائعة للوضع العام يوم ذاك، أن لا يكون القائد في جبهة الحسن الا هاشمياً.
وتفسير ذلك، أن سورة التخاذل التي دارت مع قضية الحسن في الكوفة، كانت لا تزال نذيرة تشاؤم كثير في حساب الحسن (ع)، وكان عليه أن يتخذ من التدابير الممكنة كل ما يدفع عنه - في حاضره وفي مستقبله - لوم الناس وتخطئتهم ونقدهم. ومن السهل على الناس أن يتسرعوا الى التخطئة والنقد متى وجدوا موضعاً للضعف أو منفذاً الى الفشل والحرمان. وكان من المنتظر ان يقولوا فيما لو فشلت قضية الحسن في مسكن أنه لو كان القائد من أهله لكان أولى من غيره بالصبر على المكاره وتحمل العظائم، ولما آل الامر الى هذا المآل.
فكان الاستعداد لغوائل الوضع الراهن بتعيين القائد الهاشمي، تدبيراً دقيق الملاحظة.
وثالثها:
أنه لن يكون انسان آخر غير عبيد اللّه بن عباس - لا قيس ولا ابن قيس ولا غيرهما - أشد حنقاً ولا اعنف تألباً على معاوية منه كأبٍ قتل ولداه ( الصبيّان ) صبراً، فيما أملته فاجعة بسر بن ارطأة يوم غارته على اليمن [ والقضية من مشهورات التاريخ ].
فكان من الاستغلال المناسب جداً، اختيار هذا القائد الحانق لقتال قاتل ولديه.
ورابعها:
أن جيش « المقدمة » الذي ولي قيادته عبيد اللّه هذا، كان أكثره من بقايا الجيش الذي أعدّه أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة لحرب أجناد الشام، ثم توفي عنه. وكان قيس بن سعد بن عبادة هو قائد(12) ذلك الجيش في زمن أمير المؤمنين (ع) والقائم على مداراته. ولهذه السوابق أثرها في تونيق الروابط الشخصية بين القائد والمقود. وكان من السهل على القائد النافذ في جنوده، أن يجنح - متى شاء - الى حرية التصرف التي لا تعبّر عن اتصال ايجابي بالمركز الاعلى، وهو ما كان يجب التحفظ منه، كأهم عنصر في الموقف.
وعلى أننا نحترم سيدنا قيساً كما يجب له الاحترام، ولكننا لا ننكر قابلياته الشخصية التي تجوّز عليه هذا اللون من حرية التصرف.
ولا ننسى أنه وقف بين صفوفه - يوم رجعت له قيادة هذا الجيش في مسكن - يخيّرهم بين الالتحاق بالامام على الصلح، وبين الاستمرار على حرب معاوية بلا امام!!
فأي احتياط كان أحسن من جعل القيادة في غير هذا الرجل وجعله - مع ذلك - المستشار العسكري للاستفادة من كفاءاته ودهائه، وهو ما فعله الامام الحسن تنفيذاً لأفضل الرأيين.
أقول: ولا يضير هذه السياسة، تعيين قيس للخلافة على القيادة بعد عبيد اللّه بن عباس، لانه لن يكون بعد مقتل سلفه في ميادين مَسكِن - كما كان هو المفروض في نصوص العهد - الا رهن التصميم الذي سار عليه سلفه، والذي لا تسمح بتغييره ظروف الحرب القائمة بين الفريقين، ولعله لن يكون - يومئذ - الا رهن توجيه الامام ( القائد الاعلى ) مباشرة، وقد علمنا - مما سبق - أن الامام وعدَ مقدمته بالالتحاق بها وشيكاً.
وأيّ محذور - بعد هذا - من تعيينه للخلالة على القيادة ما دام مقيداً بتصميم خاص، أو مرتهناً بتسيير الامام واشرافه المباشر.
_______________
(1) تصغير نخلة، موضع قرب الكوفة على سمت الشام، اقول: ويوجد اليوم على سمت كربلاء بناية تعرف بخان النخيلة، بينها وبين الكوفة اثنا عشر ميلاً.
(2) شرح النهج ( ج ٤ ص ١٤ ).
(3) اليعقوبي ( ج ٢ ص ١٧١ ).
(4) الخرايج والجرايح ( ص ٢٢٨ - طبع ايران ).
(5) وهي العاصمة الساسانية التي بلغت من العمر الف سنة. وكانت وريثة بابل في عظمتها ولم يبق من آثارها اليوم الا طاق كسرى، ومرقد الصحابي العظيم ( سلمان الفارسي ) رضي اللّه تعالى عنه. وكانت سبع مدن متقاربة تتقابل على ضفاف دجلة. فتحها المسلمون سنة ١٥ هجري وكانت اذ ذاك عاصمة الشرق الفارسي كله، ففي الجانب الغربي سلوقية، ودرزجان وبهرسير، وجند يسابور « كوكه » في ناحية ( مظلم ساباط ) المتصلة بنهر الملك. وفي الجانب الشرقي اسفانبر، ورومية، وطيشفون ( وهي ام الطاق ).
وكان لابد من مرور اكثر من مائة عام قبل ان تندثر المدائن نتيجة لانشاء بغداد سنة ١٥٠ هجري. وفي خلال تلك الفترة كانت تغذي الكوفة بصناعاتها وكنوزها ومحصولاتها، وذلك بارسالها الموالي من الفرس اليها وقد صاروا مسلمين.
وكانت المدائن منذ العهد الذي وليها فيه سلمان الفارسي تتشيع لآل محمد (ص) وكانت لا تزال في القرن السابع الهجري قرية لا يسكنها الا شيعة متحمسون.
وذكرها المسعودي عند ذكره العراق فقال: « ومدنه: المدائن وما والاها ولاهلها أعدل الالوان وانقى الروائح وافضل الامزجة واطوع القرائح وفيهم جوامع الفضائل وفرائد المبرات ».
(6) بفتح اوله وكسر ثالثه، اسم الطسوج الذي منه « أوانا » على نهر دجيل - القرية الكثيرة البساتين والشجر - التي عناها ابو الفرج السوادي ( من شعراء القرن السادس ) بقوله.
واجتلوها بكراً نشت « بأوانا »
حجبت عن خطابها بالاواني
وفي « مسكن » هذه، كانت الوقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير سنة ٧٢ هجري وفيها قتل مصعب، وقتل معه ابراهيم بن مالك « الاشتر » النخعي، ودفنا حيث قتلا. ولا يزال القبران ظاهرين وعليهما قبة متواضعة تعرف عند أعراب سميكة « بقبر الشيخ ابراهيم » وبينه وبين بغداد نحو من ستين كيلو متراً. وبينه وبين دجلة عشرة كيلو مترات، فمسكن هي المنطقة التي تترامى حوالي هذا القبر بما في ذلك نهر دجيل وهنالك كانت « اوانا » ايضاً.
(7) قال الماوردي في الاحكام السلطانية - على رواية الحموي -: « والعلث هو أول العراق من هذه الجهة ». أقول: ويقع العلث بين عكبرا وسامراء. وعكبرا قرية من نواحي دجيل قرب « أوانا ».
(8) الارشاد للشيخ المفيد ( ص ١٧٠ )، وابن ابي الحديد ( ج ٤ ص ١٤ ) واليعقوبي ( ج ٢ ص ١٩١ ).
وذكر مؤرخ آخر انه ( عبد اللّه بن عباس اخوه ) ولا يصح ذلك، لان عبد اللّه لم يكن في الكوفة أيام خلافة الحسن، وانما كان في مكة، وكتب الى الحسن كتابه الذي يشير فيه بالحرب وتجد صورته في شرح النهج ( ج ٤ ص ٨ - ٩ ) ولم يكن عبد اللّه بالذي يختفي ذكره في احداث هذا العهد لو أنه كان موجوداً فيالكوفه. قال الطبري في تاريخه ( ج ٦ ص ٨١ ): « وفيها - يعني في سنة ٤٠ - خرج عبد اللّه بن العباس من البصرة ولحق بمكة في قول عامة اهل السير. وقد انكر بعضهم وزعم انه لم يزل في البصرة عاملاً عليها من قبل امير المؤمنين عليعليهالسلام حتى قتل وبعد مقتل علي حتى صالح الحسن ثم خرج حينئذ الى مكة ». أقول: ولا في البصرة والا لما تأخر جيش البصرة عن الحسن أحوج ما كان اليه في المدائن. وأيد ابن الاثير ( ج ٣: ص ١٦٦ ) ان عبد اللّه بن عباس فارق علياً في حياته.
والمظنون ان اتحاد الاخوين اباً وتشابه اسميهما كتابة هو الذي اثار الخطأ في نسبة القيادة لعبد اللّه. ووهم آخر فذكر قيادة المقدمة لقيس بن سعد. وكان قيس على الطلائع من هذه المقدمة، كما نص عليه ابن الاثير، ولعل ذلك هو سبب هذا الوهم فلاحظ.
(9) وحاول بعضهم الارتياب في سوابق عبيد اللّه هذا، بحادثة خروجه من اليمن. ومن الحق ان نعترف بضعف حامية اليمن - يومئذ - عن الصمود لحملة بسر بن ارطأة، وكان من انشقاق بعض اليمانيين على الحكم الهاشمي ومكاتبتهم معاوية واخراجهم اميرهم ( سعيد بن نمران ) من الجند ومواقفتهم عاملهم ( عبيد اللّه ) ما يشهد لعبيد اللّه بالبراءة من موجبات الريب. ولو أن عبيد اللّه كان قد حاول مواقفة بسر لكان له من عثمانية اليمن من يكفي بسراً أمره، على ان الرجل لم يفعل بخروجه من اليمن أكثر مما فعله نظراؤه في مكة والمدينة، حيث فر عاملاها من وجه بسر، وأغار عامل معاوية على العواصم الثلاث فقتل فيهن زهاء ثلاثين الفاً من الآمنين. وعلمنا ان عبيد اللّه قصد في خروجه من اليمن الى الكوفة، ولو كان مريباً لما قصد الكوفة وعلمنا ان سعيد بن نمران اعتذر لامير المؤمنين عليه السلام بقوله: « اني دعوت الناس - يعني اهل اليمن - للحرب وأجابني منهم عصابة فقاتلت قتالاً ضعيفاً وتفرق الناس عني وانصرفت ». اقول: افلا تكون تجربة ابن نمران تصحيحاً لمعذرة ابن عباس، فالرجل - في سوابقه - لا غمز فيه، ولا غرو اذا رضيه الحسن ثقة بسوابقه.
(10) يراجع عما ذكرناه من القيادة والحركات السوقية ابن ابي الحديد ( ج ٤ ص ١٤ ) والارشاد ( ص ١٦٨ - ١٦٩ ) واليعقوبي ( ج ٢ ص ١٩١ ).
وانفرد اليعقوبي عنهما بعدم ذكر القائد الثالث من قواد المقدمة، ثم قال: « وأمر الحسن عبيد اللّه بان يعمل بامر قيس بن سعد ورأيه، فسار الى ناحية الجزيرة - يعني بين النهرين - واقبل معاوية لما انتهى اليه الخبر بقتل علي (ع) فسار الى « الموصل » بعد قتل علي بثمانية عشر يوماً والتقى العسكران ». - اقول: والموصل هذه قرية من قرى « مسكن » دفن بالقرب منها سيدنا ( محمد ابن الامام علي الهادي ) كما اشار اليه الحموي في معجمه وهي غير مدينة الموصل المعروفة. ولا تنافي بين ما رواه اليعقوبي وما رواه الآخرون من تعيين الموقع الذي نزل فيه جيش معاوية في حربه للحسن عليه السلام ، فالموصل والحيوضة والجنوبية كلها من قرى « مسكن » يومئذ ولعل الجيش أشغل هذه القرى كلها فوردت اسماؤها في مختلف الروايات واقتصرت بعضها على اسم دون اسم كما ترى. ونحن انما اخترنا ذكر « الجنوبية » دون غيرها نزولاً على تصريح قيس بن سعد فيما كتب به الى الحسن كما سيأتي في محله.
(11) كان عبيد اللّه بن عباس يوم قيادته لهذا الجيش في التاسعة والثلاثين من عمره.
(12) تاريخ ابن كثير ( ج ٨ ص ١٤ ) وغيره.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
جامعة كربلاء: مشاريع العتبة العباسية الزراعية أصبحت مشاريع يحتذى بها
|
|
|