المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

صفية بنت حي
16-11-2018
مفاعلات الطين الحيوية Bioslurry Reactors
27-8-2017
Anti-Analytic Function
27-11-2018
الأحكام الفاصلة في المسائل العارضة غير الجزائية
29-1-2016
كالوترون calutron
5-3-2018
الحمأة المنشطة Activated Sludge
6-4-2017


دراسة قصّة موسى بحسب ذكرها في مواضعها من القرآن الكريم‏  
  
13172   02:47 صباحاً   التاريخ: 5-05-2015
المؤلف : الشيخ محمد علي التسخيري
الكتاب أو المصدر : محاضرات في علوم القران
الجزء والصفحة : ص255-275.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي موسى وهارون وقومهم /

تعتبر قصّة موسى عليه السّلام من أكثر قصص الأنبياء ورودا في القرآن وتفصيلا، ونعني هنا بالموارد القرآنية لهذه القصّة الموارد التي تحدّث القرآن الكريم فيها عن علاقة موسى مع قومه أو حالة اجتماعية قارنت عصره. وسوف ندرس قصّة موسى في القرآن الكريم لنأخذها نموذجا لدراسة تفصيلية تستوعب قصص جميع الأنبياء المذكورين في القرآن الكريم. كما أننا سنلاحظ النقاط التالية بعين الاعتبار في دراستنا للقصّة هذه :

الف) التنبيه إلى أسرار تكرار القصّة الواحدة في القرآن .

ب) التنبيه إلى الغرض الذي سيقت له في كلّ مقام.

ج) التنبيه إلى أسرار تغاير الاسلوب في القصّة بحسب المواضع .

ولكننا نكتفي هنا بالتنبيه بشكل إجمالي إلى هذه النقاط لنترك معالجة جميع التفصيلات إلى دراسة مستوعبة في ظرف آخر، إن شاء اللّه تعالى.

وعلى هذا الأساس سوف نتناول القصّة من هذه الزاوية في أحد عشر موضعا من القرآن الكريم ونترك المواضع الاخرى التي جاءت فيها القصّة بشكل إشارات أو تلميحات. (1)

الموضع الأوّل‏

الآيات التي جاءت في سورة البقرة والتي تبدأ بقوله تعالى : {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة : 49 - 51]

إلى أن تختم بقوله تعالى‏ { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة : 74]

والملاحظ في هذا المقطع :

أوّلا : جاء في سياق قوله تعالى‏ {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة : 40]

ثانيا : إنّه يتناول أحداثا معيّنة أنعم اللّه بها على بني إسرائيل مرة بعد اخرى مع الإشارة إلى ما كان يعقب هذه النعم من انحراف في الإيمان باللّه تعالى أو في الموقف العبادي الذي تفرضه طبيعة هذا الإيمان.

ثالثا : إنّ القرآن الكريم بعد أن يختم هذا المقطع يأتي ليعالج الموقف الفعلي العدائي لبني إسرائيل من الدعوة ويربط هذا الموقف بالمواقف السابقة لهم بقوله تعالى : {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [البقرة : 75]

وعلى أساس هذه الملاحظة يمكننا أن نقول : إنّ هذا المقطع جاء يستهدف‏ غرضا مزدوجا وهو تذكير بني إسرائيل بنعم اللّه المتعدّدة عليهم وذلك موعظة وعبرة لهم تجاه موقفهم الفعلي من ناحية، ومن ناحية اخرى كشف الخصائص الاجتماعيّة والنفسيّة العامّة التي يتّصف بها الشعب الاسرائيلي للمسلمين.

وهذا الغرض فرض اسلوبا معيّنا على استعراض الأحداث إذ اقتصر المقطع على ذكر الوقائع التي تلتقي مع هذا الغرض دون أن يعرض التفصيلات الاخرى للأحداث التي وقعت لموسى عليه السّلام.

الموضع الثاني‏

الآيات التي جاءت في سورة النساء : والتي تبدأ بقوله تعالى { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء : 153]

إلى قوله تعالى‏ {وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء : 161]  والملاحظ في هذا المقطع :

أوّلا : أنّه جاء ضمن سياق عرض عام لمواقف فئات ثلاث من أعداء الدعوة الإسلامية تجاهها وهو موقف المنافقين، وموقف اليهود من أهل الكتاب، وموقف النصارى من أهل الكتاب.

وعرض الموقف الأوّل يبدأ بقوله تعالى : { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء : 138]

وعرض الموقف الثاني يبدأ بقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [النساء : 150]

وعرض الموقف الثالث يبدأ بقوله تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ..} [النساء : 171] الآية.

ثانيا : أنّ المقطع يتناول بعض الأحداث ذات الدلالة على نبوّة موسى والمواثيق الغليظة المأخوذة على اليهود بصدد الامتثال والطاعة وموقف اليهود من ذلك والمخالفات التي ارتكبوها سواء فيما يتعلق بالجانب العقيدي من الفكرة أو بالجانب العملي التطبيقي منها.

وعلى أساس هاتين الملاحظتين يمكن أن نستنتج : أنّ هذا المقطع من القصّة جاء ليوضّح أنّ موقف اليهود من الدعوة- بطلبهم المزيد من الآيات والبيّنات- ليس نابعا من الشكّ بالرسالة وإنّما هو موقف شكلي يستبطن الجحود والطغيان، ولذا نجد المقطع يكتفي بعرض هذا الطلب العجيب الذي تقدّم به اليهود إلى موسى ويضيف إلى ذلك المواثيق التي أخذت منهم في الطاعة ونكولهم عنها بمخالفاتهم العديدة الأمر الذي يكشف عن إصرارهم على الجحود والطغيان.

وقد فرض السياق العام للسورة الكريمة تكرار القصّة على أساس إيضاح ومعالجة موقف اليهود من الدعوة إلى جانب إيضاح ومعالجة موقف المنافقين والنصارى من أهل الكتاب؛ لأن هذه المواقف هي المواقف الرئيسية التي كانت تواجهها الدعوة الإسلامية حينذاك.

الموضع الثالث‏

الآيات التي جاءت في سورة المائدة وهي قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } [المائدة : 20، 21] إلى قوله تعالى {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة : 26]

ويلاحظ في هذا المقطع :

أوّلا : إنّه جاء في سياق دعوة عامّة لأهل الكتاب إلى الايمان بالرسول الجديد مع إيضاح حقيقة رسالته مع مناقشة ما يقوله اليهود والنصارى وإقامة الحجّة عليهم بذلك إذ يختم هذا السياق بقوله تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة : 19]

ثانيا : إنّ المقطع يكتفي بأن يذكر دعوة موسى لقومه إلى دخول الأرض المقدّسة التي كانت منتهى آمالهم، ولكنّهم يأبون ذلك فيكون مصيرهم التيه.

وعلى أساس هاتين الملاحظتين يمكن أن نستنتج أنّ القرآن الكريم يبدو وكأنّه يريد أن يفتح الطريق أمام أهل الكتاب ليحقّقوا أهدافهم الحقيقية من وراء الدين والشريعة بدخولهم الإسلام، ولا يكون موقفهم كموقف قوم موسى حين دعاهم إلى دخول الأرض المقدّسة. مع أنّها امنيتهم وهدفهم، فتفوتهم الفرصة السانحة ويصيبهم التيه الفكري والعقائدي والاجتماعي.

ومن هنا نعرف السرّ الذي كان وراء اكتفاء القرآن الكريم بذكر هذا الموقف الخاصّ لبني اسرائيل دون غيره؛ لأنّه هو الذي يحقّق هذا الغرض خصوصا إذا عرفنا أنّ هذه القصّة ممّا يؤمن به اليهود والنصارى.

الموضع الرابع‏

الآيات التي جاءت في سورة الأعراف والتي تبدأ بقوله تعالى :

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف : 103] والتي تختم بقوله تعالى‏ {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف : 171]

ويلاحظ في هذا الموضع من القصّة عدّة امور :

أوّلا : إنّ القصّة جاءت في عرض قصصي مشترك مع نوح وهود ولوط وشعيب‏ تكاد أن تتحدّد فيه صيغة الدعوة والتكذيب والعقاب الذي ينزل بالمكذّبين.

الثاني : إنّ هذا العرض القصصي العام يأتي في سياق بيان القرآن الكريم لحقيقة حشر الناس وأنّهم يحشرون أمما بكاملهم من الجن والانس وعلى صعيد واحد يتلاعنون بينهم أو يتحابّون‏ {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ } [الأعراف : 38]  ... الخ.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف : 42، 43]

ثم يعرض القرآن الكريم مشاهد متعددة عن هذا الحشر وبعض العلاقات التي تسود الناس فيه وأنّه تصديق لدعوة الرسل.

الثالث : إنّ القصّة على ما جاء بها من التفصيل واستعراض للحوادث فهي تبدأ في سرد الوقائع من حين بدء البعثة والدعوة، كما أنّه تذكر الوقائع في حدود المجابهة- الخارجية والداخلية- التي كان يواجهها الرسول وفي إطار بيان ما ينزل بالمكذّبين والمنحرفين من عذاب وعقاب.

الرابع : إنّ القصّة تتناول في معرض حديثها عن الحوادث جوانب من المفاهيم الإسلاميّة العامّة كالتأكيد على أهميّة الصبر ووراثة المتّقين للأرض وأنّ الرحمة لا تتناول إلّا الذين اتقوا وآتوا الزكاة وآمنوا بآيات اللّه واتّبعوا الرسول الامّي الذي يجدونه مكتوبا عندهم وعلى أساس هذه الملاحظة يمكن أن نستنتج :

أنّ القصّة جاءت منسجمة مع السياق العام للعرض القصصي ومحقّقة لأغراضه على ما أشرنا اليه في حديثنا عن أغراض القصّة. ومع ذلك فإنّها لا تغفل الفرصة المناسبة للتأكيد على المفاهيم الإسلاميّة العامّة منسجمة مع الهدف القرآني العام في التربية كما أنّها تؤكّد بصورة على نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وكأنّها سيقت بتفاصيلها إلى هذه الغاية {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ..} [الأعراف : 157] الآية.

على أنّ هناك شيئا تجدر الإشارة اليه، وهو أنّ القرآن الكريم يهتمّ عادة بتفصيل قصص الرسل الذين هم من أولي العزم كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى وذلك لأغراض متعدّدة يمكن أن يكون من جملتها :

الف) أنّ هؤلاء الأنبياء يمثّلون مراحل مختلفة لرسالة السماء وأنّهم مع صلة القربى والوحدة في دعوتهم نجدهم يشكّلون مواضع فاصلة في تطوّر الدعوة الدينية النازلة من السماء.

ب) إنّ لبعض هؤلاء الأنبياء أتباعا وأمما عاشت حتّى نزول رسالة الإسلام ممّا يفرض الاهتمام بمعالجة أوضاعهم وعلاقتهم بدعوة الإسلام الجديدة.

ج) إنّ أحداثا مفصّلة ومختلفة عاشها هؤلاء مع أممهم وأقوامهم تمثّل جوانب عديدة ممّا تعيشه كلّ دعوة دينيّة عامّة واسعة النطاق تستهدف تغييرا جذريّا لواقع ذلك المجتمع.

الموضع الخامس‏

الآيات التي جاءت في سورة يونس والتي تبدأ بقوله تعالى : {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [يونس : 75] والتي تختم بقوله تعالى‏ {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس : 93]

و يلاحظ في هذا المقطع القرآني من القصّة الامور التالية :

أوّلا : إنّ المقطع جاء بعد مقارنة عرضها القرآن الكريم بين مصير أتباع الحقّ والمؤمنين باللّه وبالرسل والمصدّقين بهم، ومصير أتباع الباطل والمفترين على اللّه والمكذّبين بالرسل {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [يونس : 63، 64]

{قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } [يونس : 69، 70]

ثانيا : إنّ هذا المقطع من القصّة جاء بعد إشارة قصيرة إلى نبأ نوح وقومه تتبعها لمحة عامة عن الرسل من بعد نوح وموقف قومهم منهم.

ثالثا : إنّ المقطع لا يتناول من التفاصيل إلّا القدر الذي يرتبط بموقف فرعون وملائه من موسى والمصير الذي لاقاه هؤلاء نتيجة لإعراضهم عن الدعوة وتكذيبهم بها، كما أنّه يشير إلى نهاية بني إسرائيل الطبيعيّة بعد معاناتهم الطويلة في المجتمع الفرعوني.

وبعد هذه الملاحظة يمكن أن نستنتج أنّ القصّة إنّما جاءت هنا من أجل تصديق الحقيقة التي ذكرها القرآن الكريم في مقارنته بين الذين آمنوا والذين يفترون على اللّه الكذب. كما أنّ السياق العام هو الذي فرض مجي‏ء القصّة بشي‏ء من التفصيل لأنّ قصّة موسى تمثّل بتفاصيلها الانقسام بين جماعتين إحداهما مؤمنة به والاخرى كافرة بدعوته. بخلاف قصص الأنبياء الآخرين فإنّها تعرض في القرآن الكريم على أساس أنّ النّبي لم يؤمن به إلّا النزر اليسير من الناس، ولذلك ينزل العذاب بهم، فهذه القصص تمثّل جانبا واحدا من المقارنة وهو جانب المصير الذي يواجهه المكذّبون والمنحرفون، بخلاف قصّة موسى فإنّها تمثّل الجانبين معا جانب المؤمنين وجانب المكذّبين، ومن هنا يمكن أن نفسّر مجي‏ء قصّة نوح هذا الموضع مختصرة مع الإشارة الخاصّة لموقف بقيّة الأنبياء. بالإضافة إلى أنّ نوح يمثّل بداية الأنبياء الذين لاقى قومهم العذاب في القرآن، وموسى يمثّل نهايتهم وختامهم.

ويؤكّد هذا التفسير لسياق القصّة ما أشرنا إليه في الملاحظة الثالثة من أنّ التفاصيل التي تناولها المقطع انحصرت في بيان التزام بني إسرائيل الحقّ دون أن تتعرض إلى الجوانب الاخرى لموقفهم والتي تمثّل الانحراف والعصيان لأوامر موسى، وهذا الالتزام يكاد يشعرنا أنّ القصّة سيقت لإبراز صدق هذه المقارنة في التأريخ الإنساني والتي كانت تتحكّم في المواجهة التي يلاقيها الأنبياء.

ومن الممكن أن نلاحظ في تكرار القصّة بهذا المقطع ملامح السبب الرابع من أسباب التكرار التي ذكرناها سابقا حيث إنّ طريقة عرض القصّة في هذا المقطع حقّق غرضا معيّنا ما كان يحصل لو عرضت القصّة بجميع تفاصيلها.

الموضع السادس‏

الآيات التي جاءت في سورة هود هي قوله تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ } [هود : 96، 99]

ويلاحظ في هذا المقطع القرآني من القصّة ما يلي :

أوّلا : إنّه جاء في عرض قصصيّ عام يبدأ بنوح عليه السّلام ويختم بهذه اللمحة عن قصّة موسى عليه السّلام.

ثانيا : إنّ هذا العرض العام جاء في سياق الحديث عن مكذّبي الرسول صلّى اللّه عليه وآله وما

يجب أن يكون الموقف العام منهم والمصير الذي ينتظرهم يوم الآخرة. كما أنّه يختم العرض بما يشبه الغاية منه وهو قوله تعالى : {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود : 100 - 102]

ثالثا : إنّ المقطع جاء لمحة عابرة عن القصّة ونهايتها على خلاف قصص الأنبياء الآخرين التي جاءت في شي‏ء من التفصيل.

ويمكن أن نستنتج أنّ الإتيان بهذا المقطع من القصّة كان من أجل إكمال الصورة التي بدأها بنوح وأراد القرآن الكريم أن يختمها بموسى ليظهر بذلك الارتباط الوثيق بين اسلوب الأنبياء في الدعوة إلى اللّه وجهودهم في سبيل هذه الغاية والمواجهة التي كانوا يلقونها من اممهم وأقوامهم والنتيجة الحاسمة التي كان ينتهي إليها مصير هذه الامم من العذاب الشديد والعقاب القاسي.

الموضع السابع‏

الآيات التي جاءت في سورة إبراهيم وهي قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم : 6 - 8]

ويلاحظ في هذا المقطع القرآني من القصّة ما يلي :

أوّلا : إنّ القرآن الكريم قد مهّد لهذه الإشارة بقوله { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم : 4]

ثانيا : إنّ القرآن يتحدّث بعد هذا المقطع من القصّة عن المفاهيم العامّة التي كان يطرحها الرسل والأساليب التي كانوا يسلكونها لتحقيق أغراضهم الرساليّة.

ثالثا : أنّ الحديث عن القصّة في المقطع جاء بشكل مختصر وقد أكّد على المشكلة العامّة التي كان يعانيها الإسرائيليون.

ومن هنا يمكن أن نستنتج : أنّ المقطع قصد به التمثيل على صدق الحقيقة التي أشار إليها القرآن الكريم من مجي‏ء كلّ رسول بلسان قومه حيث قد يراد بلسان القوم الجوانب والمشاكل المثيرة التي تستقطب اهتمام الامّة ونظرتها فيكون التأكيد عليها اسلوبا لإلفات نظر الامّة إلى الدعوة وقيمتها الروحية والاجتماعية؛ ولذا جاءت قصّة موسى مثالا لهذه الحقيقة لأنّه دعي لإنقاذ قومه من مشكلة اجتماعية عامّة كانوا يعانونها.

ولعلّ ممّا يؤكّد هذا القصد هو أنّ العرض جاء بلسان الخطاب إلى القوم لا بلسان الحديث عن القضايا، ولمّا كانت الغاية الحقيقية من إرسال الرسل هو هداية الناس وإرشادهم، لذلك نجد القرآن الكريم بعد هذه الإشارة إلى قصّة موسى وتصديق الحقيقة السابقة يعود فيتحدّث عن المفاهيم العامّة التي كان يطرحها الرسل على أساس أنّها الشي‏ء المطلوب من النّاس التصديق به دون أن يكون للاسلوب المعيّن المتّبع في تحقيق هذا الهدف أهميّة ذاتيّة.

الموضع الثامن‏

الآيات التي جاءت في سورة الإسراء وهي قوله تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } [الإسراء : 101 - 104]

و يلاحظ في هذا المقطع القرآني من القصّة ما يلي :

أولا : إنّه في سياق المطاليب التعجيزية المتعددة التي كان يقترحها الكفّار على الرّسول صلّى اللّه عليه وآله وعدم اكتفائهم بالقرآن الكريم دليلا ومعجزة على النبوّة {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} [الإسراء : 89 - 92]

ثانيا : إنّ القرآن الكريم يعقّب على القصّة بالحديث عن القرآن بقوله‏ {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الإسراء : 105]

ثالثا : إنّ القرآن لم يشر في هذا المقطع من القصّة إلّا إلى الآيات التسعة التي جاء بها موسى ورفض فرعون لدعوته، ومصيره نتيجة لهذا الرفض.

ويمكن أن نستنتج من هذه الملاحظة :

أنّ القصّة إنما جاءت هنا كشاهد على أنّ هذه المطاليب المتعددة التي صدرت من الكفّار لم تكن بسبب حاجة نفسيّة يحسّها هؤلاء الكافرون تجاه هذه المطاليب، وإنّما هو اسلوب عام يتّخذه الكفار للتمادي في الضلال والإصرار عليه حيث جاء موسى بتسع آيات ومع ذلك فقد كان موقف فرعون منها موقف المكذّبين.

فالسياق هو الذي فرض الاتيان بالقصّة على أساس الاستشهاد بها وهذا شي‏ء تفرضه طبيعة الواقع التأريخي لرسالة موسى الذي أرسله اللّه سبحانه بالآيات التسع.

كما أنّ التكرار كان بسبب تأكيد مفهومين :

الأوّل : أنّ طلبات الكفّار وتمنّياتهم ليست نتيجة لواقع نفسي يدعوهم إلى الشكّ بالرسالة ويفرض عليهم التأكّد من صحّتها، ولا يكون عدم إتيان الرسول بمطاليبهم حينئذ بسبب فقدان صلته بالسماء، وإنّما يكون كفاية القرآن الكريم لاقامة الحجّة عليهم.

الثاني : أنّ مصير هؤلاء المكذّبين كمصير فرعون، وأنّ أتباع النبي يصيرون إلى ما صار إليه بنو إسرائيل من وراثة الأرض.

الموضع التاسع‏

الآيات التي جاءت في سورة الكهف والتي تبدأ بقوله تعالى‏ {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا } [الكهف : 60، 61]  والتي تختم بقوله تعالى‏ { وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف : 82]

ويبدو هذا المقطع منفصلا عن قصّة موسى المذكورة في مواضع مختلفة من القرآن الكريم لأنّه يتحدّث عن جانب معيّن من شخصيّة هذا الإنسان يختلف عن الجوانب الاخرى التي تصوّرها القصّة والتي تظهر فيها شخصيّة موسى النبي وتتحدّد فيها معالم هذه الشخصية. أمّا هنا فيبدو موسى الإنسان الذي يسير في طريق التعلّم والحريص على تفسير الظواهر غير العاديّة.

وحين نلاحظ أنّ القرآن الكريم يأتي بهذا المقطع في سياق قوله‏ {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا } [الكهف : 58، 59]  قد نستنتج أنّ الإتيان به كان من أجل التدليل على مدى مطابقة الحكمة الإلهية للمصلحة وانسجامها مع واقع الأشياء مهما بدت غير واضحة المقصد والهدف.

فإنّ هاتين الآيتين اللتين جاء المقطع في سياقهما تشيران إلى وجود حكمة إلهية من وراء تأخير العذاب وعدم التعجيل به مع استحقاق الظالمين له. مع أنّه قد يبدو في النظرة السطحية الإنسانية أنّ التعجيل بالعذاب أوفق بالمصلحة حيث يكون‏ رادعا للآخرين عن الظلم، فجاء المقطع تأكيدا لحقيقة الحكمة الإلهية ونظرتها البعيدة وأنّ هذه الحكمة قد تخفى حتى على الأنبياء أنفسهم.

فالسياق العام للسورة هو الذي فرض الإتيان بالقصّة في هذا المورد، ولا حاجة إلى تكراره في مواضع اخرى مستقلّا أو في سرد الحوادث لأنّه لا يحقّق الغرض الذي جي‏ء به في هذا المورد.

الموضع العاشر

الآيات التي جاءت في سورة مريم وهي قوله تعالى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [مريم : 52، 53] وقد جاءت هذه اللمحة من القصّة في عرض قصصي مشترك عن الأنبياء وذلك بصدد تعداد من أنعم اللّه عليهم من عباده وأنبيائه ومقارنتهم بمن خلف بعدهم ممّن أضاع الصلاة واتّبع الشهوات‏ {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم : 58، 59]

فالسياق العام هو الذي فرض مجي‏ء هذه القصّة بهذا الشكل من العرض والاختصار وذلك لتعداد العباد الصالحين ونعمة اللّه عليهم.

الموضع الحادي عشر

الآيات جاءت في سورة طه والتي تبدأ بقوله تعالى {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى } [طه : 9، 10] والتي تختم بقوله تعالى‏ { قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه : 97، 98]

ونلاحظ في هذا المقطع القرآني من القصّة الامور التالية :

الأوّل : أنّ القصّة جاءت في سياق بيان أنّ القرآن الكريم لم ينزل من أجل أن يشقى النبي ويتألّم لأنّ قومه لم يؤمنوا به أو يظنّ في نفسه التخلّف أو القصور عن أداء الرسالة. وإنّما جاء تذكرة لمن يخشى من الناس‏ {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه : 1 - 3]  الثاني : إنّ هذا المقطع القرآني ينتهي بقوله‏ {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا} [طه : 99]

الثالث : إنّ المقطع يؤكّد بشكل خاصّ على ملامح معاناة النبي في سبيل الدعوة سواء في ذلك المعاناة النابعة من الذات أو التي تكون نتيجة العقبات والمشاكل والصعوبات التي تثار عند المواجهة والتطبيق. أو نعم اللّه وألطافه به خلال ذلك.

فهناك عدّة انعكاسات لمواقف الرسالة والدعوة عند موسى :

الأوّل : مفاجأته بالرسالة وفزعه من المعجزة.

الثاني : تردّده في الإقدام على الدعوة بمفرده وطلبه لانضمام أخيه هارون إليه.

الثالث : خوفه مع أخيه من التحدّث إلى فرعون ومواجهته بالدعوة مع أنّهما امرا أن يقولا قولا ليّنا.

الرابع : إحساسه بالخوف من سحرهم وتوجّسه من نتائج المباراة.

الخامس : موقفه مع ربّه في المواعدة ومخاطبة اللّه بأنّه قد أعجل عن قومه.

السادس : غضب موسى وأسفه وموقفه الصارم من قومه وأخيه والسامري.

وقد صاغ القرآن الكريم هذه الانفعالات من خلال طريقة العرض على الشكل الذي يؤكّد معاناة النبيّ ويبرز ملامح شخصيّته. حيث كان يؤكّد في طريقة العرض على ضمير المخاطبة سواء بين اللّه وموسى أو بين موسى والآخرين.

وعلى هذا الأساس يمكن أن نستنتج :

أوّلا : إنّ القصّة سيقت لإبراز معاناة الأنبياء في دعواتهم كنتيجة طبيعية لعظم المسئولية التي يتحمّلونها والمشاكل التي تواجههم، ويشهد لذلك أنّ القصّة تؤكّد على المواقف التي تظهر فيها انفعالات الرسول كما أنّها تؤكّد على ما ينعم به اللّه على الرّسول خلال المجابهة، وحين ينتهي عرض دور الانفعال نجد القصّة تنتقل إلى عرض الدور الآخر دون أن تقف عند المشاهد الاخرى فهي مثلا تنتقل من العبور إلى المواعدة رأسا.

كما أنّنا حين نقارن بين هذا المورد الطويل من القصّة والمورد السابق الطويل منها الذي جاء في سورة الأعراف أو المورد الثالث الطويل منها الذي يأتي في سورة القصص نجد هذا المورد هو الوحيد بينها يؤكّد بشكل خاصّ وبطريقة خاصّة على هذه الملامح لشخصية الرسول.

ثانيا : إنّ السبب الذي فرض على القصّة هذا الاسلوب الخاصّ من العرض والتصوير واقتضى في نفس الوقت بعض التكرار هو مخاطبة الرسول وتخفيف الألم والعذاب النفسي اللذين كان يعانيهما تجاه الدعوة، ويدلّنا على ذلك ما لاحظناه في الأمر الأوّل والثاني حيث استهدف القرآن الكريم إبراز الصلة الوثيقة بين ما يعانيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في دعوته وبين ما كان الأنبياء السابقون يعانونه قال تعالى : {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه : 1 - 3] وقال أيضا{كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا} [طه : 99]  .

_______________________

(1) وهناك زوايا اخرى، منها دراسة القصص القرآنية في السور القرآنية بحسب ترتيب نزولها لاكتشاف الأهداف التربوية التي تحققت من خلال التدرّج في نزول السور القرآنية التي نزلت علاجا لما كانت تمرّ به الدعوة ويمرّ به المسلمون من أزمات ومصاعب اجتماعية ونفسية خلال عصر نزول الوحي على خاتم الرسل (صلى الله عليه وآله وسلم). المحقّق.

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .