أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-10-2016
2675
التاريخ: 8-4-2021
2500
التاريخ: 23-10-2016
1928
التاريخ: 17-9-2016
2199
|
ب. العمارة الدنيوية:
لم تقم في وادي الرافدين, ولا سيما في الفترات الأولى من تاريخها ممالك واسعة تمتد على رقعة كبيرة من الأرض, بل قام فيها ما يمكن تسميته باسم ممالك المدن وهي ممالك صغيرة مركزها مدينة من المدن ولا تشمل حدودها إلا الأراضي التي تحيط بهذه المدينة, وهكذا كانت المدينة خلية أساسية في التنظيم السياسي. ويعتبر تأسيس المدينة عملا دينيا يقام به بناء على أوامر الآلهة لأنها أولا وقبل كل شيء مركز للعبادة, وقد أدت هذه الصلة بين تأسيس المدن والديانة إلى أن أصبح للمدن صفات دينية وتتصل بإله معين, فمدينة نيبور مركز عبادة الإله انليل سيد سومر كلها ومردوخ إله مدينة بابل... واعتبر بذلك الإله رئيس المدينة والحاكم الأول لها(1), أي أن نمو المدينة وتحولها إلى دولة ومملكة كبيرة كان يتبعه خلق مجمع إلهي يقف على رأسه إله المدينة الحاكمة, ومع مرور الزمن أخذت الصبغة الدينية تنمحي وتحل محلها الصبغة السياسية وأخذ اسم الملك محل الإله في التسمية (2).
ولما كان تأسيس المدينة عملا دينيا فإن تخطيطها جاء وفقا لذلك الهدف, فقد نشأت المدينة منذ بداية العصر السومري حول المعبد الذي يعتبر المركز القيادي الديني والدنيوي لها ونمت حوله, ثم توسعت حتى أخذت شكلا نموذجيا ليس عند السومريين والبابليين فقط بل في كامل أراضي وادي الرافدين(3), ولما كان المعبد قلب المدينة فقد كان نقطة انطلاق شوارعها, فهناك الشوارع الرئيسية المنتظمة والتي ارتبطت بالمدن الدينية كبابل, وعرفت هذه الشوارع في بابل بأسماء الآلهة, وهناك الشوارع الاحتفالية والتي ارتبطت بالاحتفالات الدينية كاحتفال رأس السنة البابلية, منها شارع الموكب في بابل وشارع الاحتفالات في الوركاء... الخ(4), والجدير بالذكر أنه لما أعاد نبوخذ نصر بناء بابل وأسوارها اتجهت هذه الشوارع باتجاه بوابات الأسوار الثمانية والتي حملت أسماء الآلهة وأشهرها بوابة عشتار(5).
وتضم المدينة العديد من المرافق المهمة والضرورية كان أهمها كما قلنا المعبد الزقورة والقصور(6) التي ضمت مرافق عديدة, وما يهمنا هنا هو أنها احتوت على مكان للصلاة للتعبد مثلها مثل المنازل التي عرفت غرف الصلاة حتى قبل ظهور المعبد(7), وكان الغرض من إقامة الجنائن والحدائق في كثير من الأحوال الترفيه على الآلهة أو كما عبر عنها أندري أيمار في قوله: " كان يلزمهم حدائق ليسكنوا الآلهة في بيت يُفرح القلب"، ولنفس الغرض شيدت في المدن بيوت ريفية ألحقت بها ينقلون إليها الإله في بعض المواسم(8)، كما وجدت أبنية إدارية غير أبنية المعابد في بعض المدن، اتخذ منها مجلس الكهنة مكانا لإجراء الشعائر الدينية ومكانا للاجتماع، وقد عثرعلى أقدم هذه الأبنية في الطبقة الرابعة من دور الوركاء(9).
وتشترك العمارة الدنيوية مع الدينية في احتوائهما على الزخارف والرسوم الحائطية التي زينت الجدران، إذ لم تختلف جل المواضيع المطروقة عن بعضها واقتصرت خاصة على تصوير الآلهة ومشاهد تقديم القرابين لها وأداء الطقوس الدينية، إضافة إلى تصوير المناظر الحربية والانتصارات العسكرية ومناظر المراسم الملكية، وتعتبر الرسوم التي عثر عليها في قصر ماري (أنظر الملحق رقم 16 ص 190 ) الأهم على الإطلاق في حضارة وادي الرافدين، ويعد هذا القصر أحد عجائب الدنيا في عصره، أقيم على نمط سومري يتمثل في فناء داخلي ُتحف به أفنية صغيرة تحيط بها الغرف المختلفة، وهو تخطيط أغلب قصور هذه الحضارة(10).
وتكشف لوحات جدران قصر ماري عن تقدم التصوير في العصر البابلي القديم، ففي هذا القصر قاعة استعراض كبيرة زينت بصورة جدارية مضامينها تحمل طابعا دينيا(11) ومن المشاهد الدينية التي ازدانت بها القاعة منظر ملون لتقديم القرابين، مقسم إلى عدد من الصفوف يصور موكبا تتقدمه شخصية هائلة الحجم يغلب على الظن أنها شخصية الملك الذي لم يبق غير النصف الأعلى من ثوبه المحلى بمجموعة من الشرائط... يتبعه قائد الموكب الذي يقبض بيده اليسرى على عصا بيضاء، ويأتي في إثره رجل ملتح يمسك بالثور المقدم قربانا وقد ازدان طرفا قرنيه بكسوتين من الذهب أو الفضة، وتدلى على جبهته هلال من المعدن الثمين نفسه.
ويعد مشهد تنصيب ملك ماري، وثيقة فريدة في تاريخ الفن والدين ببلاد الرافدين فهو مزيج من العقليتين السامية والسومرية، ويجمع بين الكهنوتية التقليدية والانغماس في عالم الخيال(12)، وينقسم هذا المشهد إلى جزأين: علوي وسفلي مع تزيينات هندسية وزخرفية على شكل إطار وذلك بواسطة خطوط حمراء وبيضاء، ففي القسم العلوي من الصورة رسمت الآلهة عشتار, وهي تمسك بإحدى قدميها العاريتين على ظهر أسد يجثم أمامها وهي تمسك بإحدى يديها بآلة حربية وفي اليد الثانية رافعة حلقة دائرية مع صولجان أبيض والذي يمثل شعار السلطة وأمامها يقف الملك, أما الآلهة التي ترافق الملك فملابسها مخططة باللونين الأبيض والأحمر، يتكرر ذلك أيضا مع آلهة أخرى رافعة يديها بحركة وكأنها تحافظ على الآلهة عشتار وخلف هذه الآلهة شخصية بملابس قصيرة تمثل الإله الذكر (13) (أنظر الملحق رقم 17 ص 191).
واحتوت بوابة عشتار الموجودة في بابل على صور حيوانات خرافية، حيث رسمت على البوابة ثلاثة عشر صفا منضدة تتشابك فيها الثيران والتنانين ذوات رأس الحية المقرن يتعاقب فيها حيوان أبيض وحيوان أسود (أنظر الملحق رقم 18 ص 192)، ويبدو أن رسم وتشكيل الحيوانات كان ذا مغزى ديني حسب ما ذهب إليه عبد المعطي محمد وراوية عبد المنعم جلاس في كتابهما "الحس الجمالي وتاريخ التذوق الفني عبر العصور" بالقول:".. وكان للدين أثر كبير على الفن، فقد كان الإنسان القديم يقوم برسم الحيوانات والطيور التي يراها أليفة وتجلب له الحظ والسعادة، كما يرسم بعضها لما يعتقده فيها من شر وبطش" (14)، فقد حوت البوابة نحو 120 أسد ترمز للإلهة عشتار و 575 تنينا وثورا فالأولى تسمى "موش خوش" ترمز للإله مردوخ أما الثانية فترمز الى الإله أدد ، وقد رسمت بشكل فني يدعو إلى الغرابة، وتشابكت فيها أساليب التلوين وتجاوز الحقيقة المغالى فيه واللجوء إلى رموز الآلهة الحارسة مع الهندسة الدفاعية النفعية (15).
____________
(1) نور الدين حاطوم وآخرون, المرجع السابق, ص 165-166.
(2) فيصل عبد الله, عيد مرعي, المرجع السابق, ص 111.
(3) مؤيد سعيد وآخرون, المرجع السابق, ص 323.
(4) نفسه, ص ص 333-335.
(5) نفسه, ص ص 341-343.
(6) فاضل عبد الواحد علي، (من سومر إلى التوراة)، المرجع السابق، ص 75 .
(7) عبد الحكيم الذنون، (الذاكرة الأولى)، المرجع السابق، ص 49.
(8) أندريه أيمار, جانين أوبوايه، الشرق واليونان القديمة، تر: فريد م.داغر، فؤاد ج.ابوريحان، ط 2، منشورات عويدات، بيروت، 1981 ، ص 191.
(9)عدنان مكي البدراوي وآخرون, المدنية الأولى بين العصر الحجري المعدني وفجر السلالات، (حضارة ) العراق, ج 3، المرجع السابق, ص316.
(10) ثروت عكاشة, المرجع السابق, ص 317 .
(11) شمس الدين فارس، سلمان عيسى الخطاط، تاريخ الفن القديم، دار المعرفة، (د.م)، 1980 ، ص 64 .
(12) ثروت عكاشة, المرجع السابق, ص 320 .
(13) شمس الدين فارس، سلمان عيسى الخطاط، المرجع السابق، ص 64 .
(14) عبد المعطي محمد، راوية عبد المنعم جلاس، الحس الجمالي وتاريخ التذوق الفني عبر العصور، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2003 ، ص 13.
(15) أندريه أيمار, جانين أوبوايه، المرجع السابق, ص 198.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|