أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-09
1101
التاريخ: 2024-09-06
381
التاريخ: 2024-01-13
1399
التاريخ: 27-02-2015
2446
|
لكي تأتي مادّة هذا القسم متوازنة بين اليوميات الشخصية والهمّ القرآني العام في حياة الإمام، رأيت من المفيد التمهيد لها ببضعة إشارات دالة على الطموح الإحيائي القرآني الشامل الذي يعيشه، وهو يتمنّى أن تشهد الامّة بل البشرية أجمع، حضور القرآن في ربوعها، وأن تروي ظمأ نفوسها بينابيعه المعرفية الصافية الثرّة.
في نداء من نداءاته الدالّة يهيب الإمام بكلّ إنسان من أبناء المسلمين أن يتصل بالقرآن ويوثّق علاقته به، وهو يمثّل لذلك بقطرات الماء التي ينبغي لها أن تتواصل مع المجرى العميق، إذا ما رامت الحفاظ على وجودها، وإلّا فهو الاضمحلال والفناء. يقول : «أيّتها القطرات اتصلي بالبحر لكي تحفظي وجودك، و إلّا فمصيرك إلى الاضمحلال والزوال. أيّتها الأفكار القصيرة استيقظي، واتصلي بهذا البحر، بحر الالوهية، وبحر النبوة وبحر القرآن الكريم» (1) , كما يسجّل في نص آخر بأنّ شرط العودة إلى الذات وقطع دابر التبعيات والتحرّر منها، يتمثّل بالعودة إلى القرآن، والاندماج به : «أيّتها القطرات المنفصلة عن محيط القرآن والإسلام، عودي إلى ذاتك، واتصلي بهذا البحر الإلهي العظيم، واستنيري بهذا النور المطلق، لكي تدرأ عنك أطماع الناهبين، وتقطع أياديهم الطامعة، وتتبوّئي حياة كريمة وتبلغي القيم الإنسانية» (2).
مشكلات المسلمين كثيرة، والعالم الإسلامي يعاني من الداخل والخارج، والأوضاع مكفهرّة تدفع متغيّراتها خطوط الأمل وتباشير النور إلى الوراء، لتتقدّم بدلا منها حالات الإحباط والشعور باليأس؛ في أوضاع كهذه يرى الإمام أنّ هذه المشكلات على كثرتها وتداخلها، تفرز في الواجهة مشكلة أكبر عنوانها هجر القرآن : «مشكلات المسلمين كثيرة، بيد أنّ مشكلتهم العظمى هي أنّهم دفعوا القرآن الكريم جانبا واتخذوه مهجورا، وانضووا تحت لواء الآخرين» (3).
القرآن كتاب نور ومنطلق للهداية، بيد أنّ تكالب تحالف السلاطين والامراء والحكّام يعاضدهم علماء السوء، ضدّ هذا الكتاب، أدّى إلى انقلاب دوره بحيث غدا في نطاق هذا التحالف أداة لتسويغ الظلم والجور والفساد، وخرج عن دائرة الهداية والحياة، وهذا هو الهجران الأكبر. وإذا ما كان ثمّ دور تركوه لهذا الكتاب الإلهي، فيتمثّل فقط بالتبرّك به والعناية بخطّه وورقه وتصحيفه وحمله في التمائم والأحراز، وتلاوته في المقابر. يستحضر النص التالي عناصر هذا المشهد الحزين في مهجورية القرآن، وهو يسجّل : «لقد أخرجوا القرآن عن الساحة حتّى كأنّه قد فقد دوره في الهداية، وبلغ الأمر أن تحوّل القرآن بيد الحكومات الجائرة ورجال الدين الخبثاء الأسوأ من الطواغيت، إلى وسيلة لإقامة الجور والفساد والتسويغ للظلمة وأعداء الحقّ تعالى. مع الأسف بدا وكأنّه لا دور لهذا الكتاب المصيري، على يد الأعداء المتآمرين والأصدقاء الجاهلين، إلّا في المقابر ومجالس تأبين الأموات» (4).
تضطرم الآلام في صدر الإمام ويتوجّع لما أصاب القرآن الكريم من هجران عظيم، فلا يدري إلى من يبثّ همّه ويتحدّث إليه بشكواه، حيث يقول وهو يقارب الحجّ بالقرآن وما أصاب الأخير من ضروب الهجر : «الحج كالقرآن يستفيد منه الجميع.
فإذا ما طاف علماء الامّة الإسلامية وباحثوها وحملة الهموم، بقلوبهم في بحر معارف القرآن الموّاج، ولم يخشوا الاقتراب من أحكامه وتعاليمه والنفوذ إلى أعماق سياساته الاجتماعية، فسيحصلون من أصداف هذا البحر على جواهر للهداية والحكمة والنموّ والحرية أكثر، وسيزيد نصيبهم من هذا الصيد، وسينهلون من زلال حكمة هذا الكتاب ومعارفه ما يرويهم إلى الأبد.
لكن ما العمل؟ ما ذا نفعل؟ وإلى من نبثّ هذا الغمّ الكبير وأين نذهب بهذه الغصّة؟ لقد أصبح الحجّ مهجورا كالقرآن. فبالقدر نفسه الذي أصبح فيه كتاب الحياة هذا وصحيفة الكمال والجمال متواريا وراء الحجب التي اصطنعناها؛ وبالقدر ذاته التي صارت فيه خزينة أسرار الوجود هذه [القرآن] مدفونة تحت أنقاض متراكمة من اعوجاجاتنا الفكرية، وبقدر ما تنزّلت لغة هذا الكتاب من عالمها بوصفها لغة انس وهداية وحياة، لغة تهب فلسفة الحياة، وتحوّلت إلى لغة خوف وموت وقبر؛ بهذا القدر نفسه من هجران القرآن أصبح الحجّ مهجورا أيضا، وانتهى إلى المآل نفسه» (5).
في نص آخر يعيش الإمام الآلام ذاتها، لما ألمّ بكتاب اللّه ونور الهداية الوضّاء، فلا يملك إلّا أن يرسل آهات نفسه، حسرات متوجّعة يخاطب بها القرآن، بقوله : «أيّها القرآن، يا تحفة السماء، ويا أيّها الهدية الرحمانية، لقد بعثك ربّ العالمين لإحياء قلوبنا، ولتتفتّح بك أسماع الناس وبصائرها. أنت نور هدايتنا، ودليل سعادتنا، هدفك أن تخرجنا من منزل الحيوانية وترفعنا إلى ذروة الإنسانية، وتبلغ بنا إلى جوار الرحمانية.
يا لبؤس الإنسانية وهي لم تعرف قدرك، ولم تفرض على نفسها حقّ اتباعك. أسفا على أن لا تكون [تعليماتك وأحكامك و] قوانينك قد أخذت سبيلها إلى التطبيق العملي في العالم، لكي تغبط الجنّة هذه الدنيا المظلمة التي يعيش فيها حفنة من الوحوش والذئاب الذين يتنطّعون بالتحضّر، بعد أن تطبّق قوانينك فيها، ويعانق الجميع ذروة السعادة في هذه الدنيا» (6).
_________________
(1)- صحيفه امام 9 : 536.
(2)- نفس المصدر 16 : 516.
(3)- نفس المصدر 13 : 275، حيث كان الإمام يتحدّث إلى سفراء البلدان الإسلامية المعتمدين في طهران.
(4)- نفس المصدر 21 : 395.
(5)- نفس المصدر 21 : 77- 78، والنص من بيان وجّهه الإمام بمناسبة الذكرى السنوية لمجزرة البيت الحرام.
(6)- كشف الأسرار : 220.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|