المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

Characteristic NMR Absorption of Benzene Derivatives
25-8-2019
القانون الذي يحكم الوصية
25-4-2021
الوجــــــوب .
8-8-2016
Cosmic synchrotron radiation
2024-03-26
تفسير الآية (1-9) من سورة الهمزة
9-5-2020
النتائج المحتملة في نهاية مرحلة التصميم
28-2-2022


ضبط آيات القرآن‏  
  
3099   05:17 مساءاً   التاريخ: 29-04-2015
المؤلف : محمد علي الاشيقر
الكتاب أو المصدر : لمحات من تاريخ القران
الجزء والصفحة : ص187-196.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / تاريخ القرآن / جمع وتدوين القرآن /

عندما فرغ زيد بن ثابت من كتابة المصحف على الوجه الذي تقدم بيانه راجعه ثلاث مرات، ويشير الرواة والمؤرخون هنا أنه في خلال المراجعة الأولى للقرآن افتقد فيه آية طالما كان رسول اللّه (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) يرددها وهو قوله تعالى : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } [الأحزاب : 23]..

وقد وجدها بعد التحري عنها بين المهاجرين والأنصار وجدها لدى خزيمة بن ثابت (ذي الشهادتين) والذي تقدم ذكره فألحقها بمكانها من القرآن الكريم ..

كما أنه في خلال المراجعة الثانية لم يجد في المصحف آية اخرى سبق أن سجلها عند الجمع الثاني للقرآن وهي قوله تعالى‏ { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة : 128]  ففتش عنها بين المهاجرين والأنصار حتى وجدها لدى أبي خزيمة الأنصاري فوضع الآية كذلك في مكانها الصحيح في المصحف‏(1)..

وفي المراجعة الثالثة والأخيرة لم يجد شيئا من القرآن لم يدوّن في المصحف بتاتا ..

وبصدد الفقرات المتقدمة نود أن نستفهم عن السبب الذي لم يدع زيدا ليثبت الآيتين المفقودتين المشار إليها آنفا من تلقاء نفسه من دون‏ الحاجة للبحث عنهما في صدور المسلمين وأوراقهم، طالما انه متأكد من صحتهما ونزولهما وانه من بعد ذلك يحفظهما حفظه لبقية آيات اللّه الأخرى، فضلا عن انه سبق له ان سجّلهما في الجمع الثاني للقرآن ..

ان السبب الرئيس في عدم تسجيل هاتين الآيتين يعود- كما نرى- إلى رغبة زيد لتنفيذ التصليحات والوصايا التي سبق ان تلقاها من قبل وهي عدم تسجيل أي شي‏ء وتدوينه من دون وجود شاهدين، ولما كان خزيمة يمثل شاهدين فقد سجّل زيد الآية التي وجدت محفوظة لديه ..

اما كيف امكن له تدوين ما جاء به ابو خزيمة الانصاري مع انه شاهد واحد، فالواقع هنا هو ان زيدا كان واثقا من الآية وثوقه من غيرها وانه سبق له ان سجلها عند الجمع الثاني، ولو لم يجدها- جدلا- لطلب من عثمان بن عفان على الأقوى تسجيلها أو على الأقل مفاتحته بشأنها ..

وحين عثر عليها لدى أبي خزيمة كانت شهادة الأخير مضافة إلى تسجيله لها سابقا ويقينه التام من نزولها بمثابة شهادتين، لذا سجلت الآية ووضعت في مكانها المقرر من القرآن ..

اشرنا قبل قليل بان زيد بن ثابت لم يجد في خلال المراجعة الثالثة والأخيرة للمصحف العثماني شيئا لم يسجله، لذا فقد قدّمه إلى عثمان برفقة مذكرة صغيرة جاء فيها انه قد انهى ورتّب المصحف على النحو الذي طلب منه وانه لم يترك شيئا من آيات اللّه المنزلة على رسوله الكريم (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) دون ان يثبتها.

والمذكرة هذه تشبه إلى حد كبير المذكرات التفسيرية التي تصحب صدور القوانين والمراسيم المشرّعة والتي تكشف الأسباب الموجبة لصدورها مع شرح موجز لهذه القوانين ومراحل تطورها وربما المقارنة ما بينها وبين تلك التي يجري العمل بها في بقية الأقطار ومدى تقدمها عليها ..

وقد قام عثمان بن عفان بدوره بمراجعة المصحف فالفاه كاملا وتاما فأمر بتوزيع نسخة واحدة منه على كل الأمصار الاسلامية وعلى النحو الذي أشرنا إليه في الفصل السابق.

ان مراجعة عثمان للمصحف ومراجعة زيد له من قبل ما هو إلا حرص منهما على عدم وقوع الاشتباه في المصحف أو حدوث زيادة أو نقصان فيه، وبذا خرج المصحف العثماني عن اجماع ارتضاه كافة المسلمين في المشرق والمغرب حيث لا زيادة فيه من سورة ولا آية ولا كلمة ولا حرف ولا نقطة، وقد أدرك هذه الحقيقة المستشرق المعروف السير وليم موير، ورغم كونه من أشد خصوم الاسلام إلا انه اعترف وقال : «و النتيجة التي تستطيع الاطمئنان إلى ذكرها هي ان مصحف زيد وعثمان لم يكن دقيقا فحسب، بل كان كما تدل الوقائع عليه كاملا، وان جامعيه لم يتعمدوا اغفال أي شي‏ء من الوحي، ونستطيع كذلك ان نؤيد- استنادا على أقوى الأدلة- ان كل آية من القرآن دقيقة كما تلاه محمد» (2) وأضاف السير موير بالحرف الواحد : «اذن فالقرآن الذي بين أيدينا هو نص مصحف عثمان لم يتغيّر ولم يتبدّل وليس في الأنباء القديمة أو الجديدة بالتصديق ما يلقي على عثمان أية شبهة بانه قصد إلى تحريف القرآن لتأييد أغراضه حيث كان بمرأى ومنظر من كتاب الوحي وحملته وحفظته فهو لم يزل ولا يزال صورة مضبوطة كما جمعه زيد بن ثابت مع مزيد العناية في التوفيق بين الروايات السابقة له» (3)..

لقد سبق ان اشرنا فيما مضى إلى ان المصحف العثماني كان خاليا من النقط والحركات (الشكل) لأن كل هذه لم تكن معروفة منذ خلق اللغة لأن الحاجة إليها حينئذ لم تكن ملحة ولا ضرورية نظرا لأن الناس في الأمصار كانوا يهتدون إلى النطق السليم ويميزون ويقرءون‏ الحروف بالسليقة والفطرة والأصالة اللغوية ولا يحتاجون لقراءتها قراءة صحيحة إلى استعمال الحركات ولا إلى وضع النقط على الحروف ..

اضافة إلى ان «اسلوب التلقي والمشافهة الذي كان الناس يعتمدون عليه في ضبط القرآن وحفظه ساعدهم على قراءة القرآن في المصاحف بكل سهولة ويسر» (4)..

لذا ظل الناس في مختلف الامصار الاسلامية يقرءون القرآن في مصحف عثمان ولمدة طويلة امتدت إلى ما يقرب من الأربعين سنة بدون نقط وبدون حركات، وكانت قراءتهم هذه سليمة وصحيحة لقربهم من عهد الوحي واعتمادهم الأول على الحفظ لا على مجرد الخط، كما اعتبروا الرسم القرآني رسما قائما بذاته ولا مبرر لتغييره طالما انه قد وصلهم بالتواتر بهذا الشكل ..

ولكن عند ما امتدت الفتوحات الاسلامية في المشرق والمغرب ودخلت في الاسلام طوائف وأمم غير عربية يجهلون اللغة وأساليبها، اختلط هؤلاء المسلمون الجدد باخوانهم من الفاتحين العرب فأدى هذا الاختلاط والامتزاج بالسليقة العربية ان تفقد شيئا فشيئا مكانتها ومنزلتها في نفوس العرب، حتى بات الالتباس واللحن على لسان القراء العرب يظهر جليا ومكشوفا وخصوصا في قراءة الحروف المتشابهة الشكل والتي لا يفرّقها عن بعض إلا النقط مثل «نشزها» بالزاي و«نشرها» بالراء ونحو {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس : 92] بالفاء و«لتكون لمن خلقك آية» بالقاف و«فتبينوا» بالباء و«فتثبتوا» بالتاء و«ننجيك» بالجيم و«ننحيك» بالحاء .. وكذلك في التفريق بين الحروف المتشابهة الأخرى مثل «ب ت ث» و«ج ح خ» و«ع غ» و«ص ض» و«ط ظ» و«س ش» ..... الخ.

هذا واذا ما كان الالتباس واللحن قد ظهر جليا وسافرا على لسان العرب في التفريق بين الحروف المتشابهة فهو على لسان المسلمين من غير العرب كان أشد وطأة وأعظم سبيلا، حيث كان هؤلاء المسلمون يلاقون صعوبات هائلة في قراءة القرآن مما تطلب الحال السعي الحثيث لوضع نقط للحروف لتمييزها عن بعضها عن بعضها على النحو الذي سيرد بيانه بعد قليل ..

وبهذا الصدد نشير إلى ان عامة المسلمين في الصدر الأول من الاسلام كانت تكره ان يزيد أحد شيئا على ما في مصحف عثمان أو تطويره ولو بقصد الاصلاح والتحسين وذلك مبالغة منهم في المحافظة على اداء القرآن كما رسمه المصحف أولا وخشية الابتداع والاضافة والتغيير فيه ثانيا، وكانوا يوافقون المصحف المذكور أيضا في كل ما كانوا يكتبون وينسخون من مصاحف مستندين إلى أقوال بعض الصحابة وخصوصا عبد اللّه بن مسعود في هذا الصدد بقوله : «جرّدوا القرآن ولا تخلطوه بشي‏ء» ..

إلا ان الضرورة والحاجة بعد ذلك- والضرورة تقدر بقدرها- خففت أو ازالت من غلواء هذه الكراهة وهذه الحرمة وبات أمر وضع النقط والحركات في القرآن شيئا محمودا ومباركا وحتى وصل الحال إلى درجة انه خيف ان يؤدي تجرد المصحف من هذه العلامات إلى التغيير والتحريف فيه ..

لذا فلا يمكن تصور وجود مصحف كتب منذ أكثر من ألف سنة حتى هذه الساعة خاليا من النقط والحركات التي أصبح وجودهما وكتابتهما فرضا وواجبا كوجوب الحروف نفسها في المصحف الشريف، بل انه يمنع طبع المصاحف واستنساخها في كافة أرجاء العالم حاليا من دون وجود النقط والحركات فيه ..

علما بأن الحركات التي وضعت في المصحف قديما كانت أولية وبسيطة وانها تطوّرت بمرور الزمن حتى أخذت وضعها الحالي الذي عليه الآن ..

هذا وان فضل ايجاد الحركات (الشكل) ووضعها وكيفية ذلك يعود إلى أبي الأسود الدؤلي (5) بعد واقعة طريفة جرت بينه وبين الحجاج ابن يوسف أو زياد بن أبيه- بقول- آخر- حينما كان الأخير واليا على البصرة.

وخلاصتها هو ان الوالي المذكور كان قد أوعز إلى شخص من أتباعه بالوقوف في طريق أبي الأسود ليسمعه قوله تعالى‏ { أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } [التوبة : 3] بكسر لام رسوله، فما كاد يسمع أبو الأسود هذا اللحن الصارخ حتى فزع وغضب وقال : «عز وجه اللّه ان يبرأ من رسوله، وما ظننت ان امر الناس سيئول إلى هذا» فآلى على نفسه حينئذ مراجعة الوالي من أجل التهيؤ لوضع طريقة جديدة وعلامات معينة لتشكل حروف القرآن ليمكن القضاء على اللحن عند قراءتها من قبل الناس ..

وأبو الأسود الذي نؤرخه لوضعه (الشكل) في القرآن الكريم وينسب أيضا إلى تلاميذه وضع النقاط فيه بعد ذلك، هو غني عن التعريف فهو أحد تلامذة الامام علي(عليه السلام)و له الفضل في وضع- اضافة للحركات- مسائل عديدة في العربية كالمسائل المتعلقة بتقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف ووضعها تحت باب جديد اطلق عليه اسم «النحو» والذي لا زال مستعملا حتى اليوم ..

وقد سئل أبو الأسود مرة عن المصدر والجهة التي استقى منها هذا العلم- النحو- فأجاب بانه لقن حدوده ومبادئه من علي ..

وقيل هنا بان أبا الأسود كان قد دخل على أمير المؤمنين علي(عليه السلام) فوجد في يده رقعة فقال : ما هذا يا أمير المؤمنين ..؟ فأجاب الامام :

تأملت كلام العرب فوجدته قد فسر بمخالطة هذه الحمراء- الأعاجم- فأردت ان أصنع شيئا يرجعون إليه ويعتمدون عليه، ثم القى إلى أبي الأسود رقعة وفيها مكتوب الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم ما انبأ عن المسمى والفعل ما انبئ به والحرف ما افاد معنى، ثم قال له :

انح هذا النحو واضف إليه ما وقع إليك، ثم خاطبه : وأعلم يا أبا الأسود ان الأسماء ثلاثة : ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر وإنما يتفاضل الناس فيما ليس بظاهر ولا مضمر ... الخ.

أما كيفية تشكيل أبي الأسود للقرآن الكريم- حيث سبق الشكل النقط في القرآن- فقد طلب من أحد تلاميذه أخذ المصحف المبارك وصبغا يخالف لون مداده، واخبره بانه «اذا رآه يفتح شفتيه بالحرف فلينقط نقطة واحدة من فوقه، وإذا كسرها فلينقط واحدة من أسفله وإذا ضمها فليجعل النقطة بين يدي- جانب- الحرف وإذا اتبعت شيئا من هذه غنة (التنوين) فلينقط نقطتين» (6).

وطبيعي ان هذا تعبير ساذج يتفق وزمن أبي الأسود (7). وهكذا أخذ أبو الأسود يقرأ بتؤدة والتلميذ يضع النقط على الحروف، وكلما أتم صحيفة القى أبو الأسود عليها نظرة عامة قبل الشروع في الصفحة التالية، وأستمر الحال على هذا المنوال حتى اعرب المصحف كله، بينما ترك السكون بلا علامة ولا إشارة تذكر ..

وقد أخذ الناس هذه الطريقة عن أبي الأسود وكانوا يسمّون هذه النقط شكلا حتى تفننوا في هيئة وشكل النقط هذه، فمنهم من وضعها مربعة ومنهم من وضعها مدوّرة، ثم زادوا علامات في الشكل إلى ان وصلت الينا على الوضع الذي نستعمله الآن (8).

اما عن تفصيل وتطور علامات الشكل منذ عهد أبي الأسود حتى الآن كما ينقل مؤرخ آخ (9) فهو أن الناس في عهد أبي الأسود جروا على طريقته فكانوا إذا رأوا حرفا بعد التنوين من أحرف الحلق وضعوا احدى النقطتين فوق الأخرى علامة على ان النون مظهرة وإلا وضعوها بجانب الأخرى علامة على ان النون مدغمة خفيفة ..

ثم اخترع أهل المدينة للحرف المشدّد علامة خاصة على شكل قوس طرفاه إلى الأعلى هكذا ثم زاد اتباع وتلاميذ أبي الأسود علامات أخرى في الشكل فوضعوا للسكون جرة أفقية فوق الحرف منفصلة عنه سواء أكانت همزة أو غير همزة، ولألف الوصل جرة في أعلاها متصلة به ان كان قبلها فتحة وفي أسفلها ان كان قبلها كسرة وفي وسطها ان كان قبلها ضمة هكذا (T+T ).

و كل هذه العلامات ابتداء من النقط التي وضعها أبو الأسود حتى هذه الخطوط التي تطورت اليها، ان كل هذه كانت تسمى شكلا حتى تطوّرت بعد ذلك ووصلت إلينا بالصورة والحالة التي نستعملها الآن في القراءة والكتابة ..

أما بشأن النقط (التنقيط) فقد قام بوضعها وخلق فكرتها كل من يحيى بن يعمر العدواني المتوفى في خراسان عام 129 هـ ونصر بن عاصم الليثي المتوفى في عام 89 ه- وهما ممن أخذ كل ذلك وتتلمذا على يد استاذهم القدير أبي الأسود الدؤلي ..

و كيفية وضع النقط في القرآن هو انهما احضرا مصحفا «ووضعا فيه النقط افرادا وأزواجا لتمييز الأحرف المتشابهة كالدال والذال والطاء والظاء والعين والغين فأهملت الأولى وعجمّت الثانية من فوق بنقطة واحدة وهكذا الحال في بقية الحروف» (10).

هذا وان «التحسين الذي قام به أبو الأسود بوضع النقط على الحروف لم يقصد به تمييز الحروف المهملة من المعجمة كما هي وظيفة النقط، وانما كان يراد به الشكل الذي يقوم مقام الفتح والكسر والضم»(11)ثم جاء من بعد ذلك الخليل بن أحمد الفراهيدي (12) فأكمل رسم المصحف بصورة نهائية حيث «استبان مما ذكرنا ان الحروف لم تعجم كلها في وقت واحد، بل تدرّجوا في ذلك حسب الحاجة والاستعداد في ازمنة مختلفة» (13) وإلى ان وصلت إلى ما هي عليه الآن من اتقان وتنظيم ..

وبصدد علامات الوقف والوصل فانهما (كالنقط والشكل) محدثة وليست اصيلة وقد وضعت في القرآن على أكبر الاحتمالات في خلال القرنين الثاني والثالث الهجريين من قبل اعلام القراء والنحويين لأجل‏ ضبط تلاوة القرآن واتقان اداء جمله ومعانيه ..

ان تأخر وضع هذه العلامات (الوقف والوصل) لعدة قرون لا يعني ان النبي (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) والأصحاب والتابعين في عصورهم لم يكونوا ليقفوا في مواضع الوقف أو يوصلوا في مكانات الوصل، بل كانوا يعطون الآيات الكريمة خلال قراءاتهم وتلاواتهم كل ما تستحقها من وقف أو وصل أو سكون وكل هذا كان اعتمادا على السليقة والفطرة وكما هو الحال في الشكل والنقط قبل وضعهما ..

لذا فقد جاء وضع هذه العلامات «الوقف والوصل» على المصاحف من باب تذكير القارئ للقرآن بدلالاتها التي كانت تعتمد سابقا على السمع والسليقة والفطرة.

اما بشأن ارقام الآيات والتي وضعت هي الأخرى متأخرة فهي لأجل ان تفصل كل آية عن التي قبلها أو بعدها، وهذه تسهّل الأمر على القارئ للعثور على آية مطلوبة أو لمعرفة عدد آيات كل سورة.

ومن المحدثات الأخرى هو تقسيم القرآن إلى ثلاثين جزء وكل جزء إلى حزبين والحزب إلى أربعة ارباع والربع- وهو جزء من مائتين وأربعين جزءا من القرآن إلى قسمين يسمى كل قسم بالثمن مع الاشارة إلى كل ذلك برسوم واشكال هندسية وفنية وهي تسهّل الحفظ وتيسير العثور على السور والآيات المطلوبة (14)..

وسيجد القارئ المزيد من هذه المحدثات والتحسينات التي ادخلت على القرآن في فصل مقبل هو «العناية بالقرآن» ..

___________________________

(1) تاريخ القرآن- محمد طاهر الكردي، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية- مصطفى صادق الرافعي.

(2) حياة محمد- الدكتور محمد حسين هيكل.

(3) الإسلام على ضوء التشيع- الشيخ حسين الخراساني.

(4) التعبير الفني في القرآن- الدكتور بكري شيخ أمين.

(5) إن الاسم الحقيقي لأبي الأسود هو ظالم بن عمرو الدؤلي، ولكن كنيته غلبت على أسمه فسميّ بأبي الأسود كما هو الحال في أسماء الاعلام الآخرين كأبو طالب وأبو حنيفة وأبو يوسف وابو الطيب وأبو فراس وأبو تمام.

وهو أول من وضع قواعد العربية وأول من نقط في المصحف.

توفي- رحمه اللّه- في البصرة عام 69 هـ ودفن في ثراها ..

(6) الفهرست : ابن النديم.

(7) ضحى الإسلام- أحمد أمين.

(8) تاريخ القرآن- محمد طاهر الكردي.

(9) تاريخ القرآن- أبي عبد اللّه الزنجاني.

(10) تاريخ القرآن- أبي عبد اللّه الزنجاني.

(11) التعبير الفني في القرآن- الدكتور بكري شيخ أمين.

(12) الفراهيدي هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن فراهيد بن الأزد، ولد في عمان وعلى شاطئ خليج عمان ونشأ في البصرة وترعرع فيها، لذا يلقب أحيانا بالبصري، وكان مولده عام 100 هجرية، بينما كانت وفاته في البصرة عام 175 أو 170 هـ . علما بأن هو أول من سمّي بهذا الاسم « أحمد» في دنيا الإسلام.

والخليل هو أول مبتكر للمعاجم العربية وأول مبتكر لوضع العروض وحصر كل أشعار العرب في بحوره، وهو الذي رتب النحو على الشكل الذي نعرفه الآن، وكان الفراهيدي علوي الهوى وقد سئل عن فضائل علي فقال : « ما أقول في حق من أخفى الأحباء فضائله من خوف الأعداء وسعى أعداؤه في إخفائها من الحسد والبغضاء وظهر من فضائله مع ذلك كله ما ملأ المشرق والمغرب».

(13) منهج البيان في تفسير القرآن- السيد ابن الحسن الرضوي.

(14) لقد لقيت هذه الرسوم والاشكال بعض المعارضة في أول الأمر، إلّا أنه سرعان ما تلاشت هذه المعارضة عند ما ظهر للناس ما تؤديه هذه الزخارف من خدمات جليلة لمن يقرءون القرآن، لأنها تحدّد الآيات والسور واجزائها وترشد القارئ إلى المواضع التي ينبغي عليه أن يسجد عند تلاوتها كما تعرّفه بأحزاب القرآن وأجزائه- المصحف الشريف- الدكتور عبد العزيز مرزوق ..

هذا وقد ذهب بعضهم إلى وجوبها إن كان تركها مدعاة للتحريف والتغيير ..




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .