أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-6-2016
2691
التاريخ: 20-6-2016
3432
التاريخ: 2023-11-23
1779
التاريخ: 6-12-2015
1947
|
لبعض الباحثين كلام في معنى نزول القرآن في شهر رمضان :
قال ما محصّله : إنه لا ريب أن بعثة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان مقارنا لنزول أوّل ما نزل من القرآن وأمره صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالتبليغ والإنذار، ولا ريب أن هذه الواقعة إنما وقعت بالليل لقوله تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان : 3] ولا ريب أن الليلة كانت من ليالي شهر رمضان لقوله تعالى :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة : 185] وجملة القرآن وإن لم تنزل في تلك الليلة لكن لما نزلت سورة الحمد فيها وهي تشتمل على جمل معارف القرآن فكان كأن القرآن نزل فيها جميعا فصح أن يقال : أنزلناه في ليلة (على أن القرآن يطلق على البعض كما يطلق على الكل بل يطلق القرآن على سائر الكتب السماوية أيضا كالتوراة والإنجيل والزبور باصطلاح القرآن).
قال : وذلك أن أول ما نزل من القرآن قوله تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق : 1] إلخ، نزل ليلة الخامس والعشرين من شهر رمضان، نزل والنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قاصد دار خديجة في وسط الوادي فشاهد جبرائيل فأوحى إليه قوله تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } [العلق : 1] إلخ، ولما تلقّى الوحي خطر بباله أن يسأله : كيف يذكر اسم ربه فتراءى له وعلّمه بقوله : {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة : 1، 2] إلى آخر سورة الحمد، ثم علّمه كيفية الصلاة ثم غاب عن نظره فصحا النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولم يجد مما كان يشاهد أثرا إلّا ما كان عليه من التعب الذي عرضه من ضغطة جبرائيل حين الوحي فأخذ في طريقه وهو لا يعلم أنّه رسول من اللّه إلى الناس، مأمور بهدايتهم ثم لمّا دخل البيت نام ليلته من شدّة التعب فعاد إليه ملك الوحي صبيحة تلك الليلة وأوحى إليه قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر : 1، 2].
قال : فهذا هو معنى نزول القرآن في شهر رمضان ومصادفة بعثته لليلة القدر. وأما ما يوجد في بعض كتب الشيعة من أن البعثة كانت يوم السابع والعشرين من شهر رجب فهذه الأخبار على كونها لا توجد إلّا في بعض كتب الشيعة التي لا يسبق تاريخ تأليفها أوائل القرن الرابع من الهجرة مخالفة للكتاب كما عرفت.
قال : وهناك روايات أخرى في تأييد هذه الأخبار تدل على أن معنى نزول القرآن في شهر رمضان : أنه نزل فيه قبل بعثة النبي من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور وأملاه جبرائيل هناك على الملائكة حتى ينزل بعد البعثة على رسول اللّه، وهذه أوهام خرافية دست في الأخبار مردودة أولا بمخالفة الكتاب، وثانيا : أن مراد القرآن باللوح المحفوظ هو عالم الطبيعة وبالبيت المعمور هو كرة الأرض لعمرانه بسكون الإنسان فيه، انتهى ملخصا. ولست أدري أي جملة من جمل كلامه- على فساده بتمام أجزائه- تقبل الإصلاح حتى تنطبق على الحق والحقية بوجه؟ فقد اتسع الخرق على الراتق.
ففيه أولا : أن هذا التقوّل العجيب الذي تقوّله في البعثة ونزول القرآن أول ما نزل وأنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نزل عليه : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، وهو في الطريق ثم نزلت عليه سورة الحمد ثمّ علّم الصلاة، ثمّ دخل البيت ونام تعبانا، ثم نزلت عليه سورة المدّثر صبيحة الليلة فأمر بالتبليغ، كل ذلك تقوّل لا دليل عليه لا آية محكمة ولا سنّة قائمة، وإنما هي قصة تخيّليّة لا توافق الكتاب ولا النقل على ما سيجيء.
وثانيا : أنه ذكر أن من المسلّم أن البعثة ونزول القرآن والأمر بالتبليغ مقارنة زمانا ثم فسّر ذلك بأن النبوة ابتدأت بنزول القرآن، وكان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نبيا غير رسول ليلة واحدة فقط ثم في صبيحة الليلة أعطي الرسالة بنزول سورة المدّثر، ولا يسعه، أن يستند في ذلك إلى كتاب ولا سنّة، وليس من المسلّم ذلك. أما السنّة فلأن لازم ما طعن به في جوامع الحديث مطلقا إذ لا شيء من كتب الحديث مما ألّفته العامة أو الخاصة إلّا وتأليفه متأخر عن عصر النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قرنين فصاعدا فهذا في السنّة، والتاريخ- على خلوّه من هذه التفاصيل- حاله أسوأ والدس الذي رمى به الحديث متطرق إليه أيضا.
وأما الكتاب فقصور دلالته على ما ذكره أوضح وأجلى بل دلالته على خلاف ما ذكره وتكذيب ما تقوّله ظاهرة فإن سورة اقرأ باسم ربك- وهي أول سورة نزلت على النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على ما ذكره أهل النقل، ويشهد به الآيات الخمس التي في صدرها ولم يذكر أحد أنها نزلت قطعات ولا أقلّ من احتمال نزولها دفعة- مشتملة على أنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يصلي بمرأى من القوم وأنه كان منهم من ينهاه عن الصلاة ويذكر أمره في نادي القوم (و لا ندري كيف كانت هذه الصلاة التي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتقرّب بها إلى ربّه في بادئ أمره إلّا ما تشتمل عليه هذه السورة من أمر السجدة) قال تعالى فيها : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } [العلق : 9 - 18] فالآيات كما ترى ظاهرة في أنه كان هناك من ينهى مصليا عن الصلاة، ويذكر أمره في النادي، ولا ينتهي عن فعاله، وقد كان هذا المصلي هو النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بدليل قوله تعالى بعد ذلك :
{كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق : 19]
فقد دلّت السورة على أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يصلي قبل نزول أول سورة من القرآن، وقد كان على الهدى وربما أمر بالتقوى، وهذا هو النبوّة ولم يسمّ أمره ذلك إنذارا، فكان صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نبيا وكان يصلي ولما ينزل عليه قرآن ولا نزلت بعد عليه سورة الحمد ولما يؤمر بالتبليغ.
وأما سورة الحمد فإنها نزلت بعد ذلك بزمان، ولو كان نزولها عقيب نزول سورة العلق بلا فصل عن خطور في قلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كما ذكره هذا الباحث لكان حق الكلام أن يقال : قل {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} إلخ، أو يقال : بسم اللّه الرحمن الرحيم قل {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} إلخ ولكان من الواجب أن يختم الكلام في قوله تعالى : {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، لخروج بقية الآيات عن الغرض كما هو الأليق ببلاغة القرآن الشريف. نعم وقع في سورة الحجر- وهي من السور المكية كما تدل عليه مضامين آياتها، قوله تعالى : و{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر : 87]
والمراد بالسّبع المثاني سورة الحمد وقد قوبل بها القرآن العظيم وفيه تمام التجليل لشأنها والتعظيم لخطرها لكنها لم تعد قرآنا بل سبعا من آيات القرآن وجزءا منه بدليل قوله تعالى : {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ } [الزمر : 23]. ومع ذلك فاشتمال السورة على ذكر سورة الحمد يدلّ على سبق نزولها نزول سورة الحجر، والسورة مشتملة أيضا على قوله تعالى : {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر : 94، 95]الآيات، ويدل ذلك على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان قد كف عن الإنذار مدة ثم أمر به ثانيا بقوله تعالى : {فَاصْدَعْ}.
وأما سورة المدثر وما تشتمل عليه من قوله {قُمْ فَأَنْذِرْ}، فإن كانت السورة نازلة بتمامها دفعة واحدة كان حال هذه الآية قم فأنذر، حال قوله تعالى : {فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ} الآية، لاشتمال هذه السورة أيضا على قوله تعالى : {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر : 11]إلى آخر الآيات، وهي قريبة المضمون من قوله في سورة الحجر { وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } [الحجر : 94]إلخ، وإن كانت السورة نازلة نجوما فظاهر السياق أن صدرها قد نزل في بدء الرسالة.
وثالثا : أن قوله : إن الروايات الدالة على نزول القرآن في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور جملة واحدة قبل البعثة ثم نزول الآيات نجوما على رسول اللّه أخبار مجعولة خرافية لمخالفتها الكتاب وعدم استقامة مضمونها، وإن المراد باللوح المحفوظ هو عالم الطبيعة، وبالبيت المعمور كرة الأرض خطأ وفرية.
أما أولا : فلأنه لا شيء من ظاهر الكتاب يخالف هذه الأخبار على ما عرفت.
و أما ثانيا : فلأن الأخبار خالية عن كون النزول الجملي قبل البعثة بل الكلمة مما أضافها هو إلى مضمونها من غير تثبت.
و أما ثالثا : فلأن قوله : إن اللوح المحفوظ هو عالم الطبيعة تفسير شنيع- وإنه أضحوكة- وليت شعري ما هو الوجه المصحح- على قوله- لتسمية عالم الطبيعة في كلامه تعالى لوحا محفوظا؟ أ ذلك لكون هذا العالم محفوظا عن التغير والتحول؟ فهو عالم الحركات، سيال الذات، متغير الصفات! أو لكونه محفوظا عن الفساد تكوينا أو تشريعا؟ فالواقع خلافه! أو لكونه محفوظا عن اطلاع غير أهله عليه؟ كما يدل عليه قوله تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة : 77 - 79]، فإدراك المدركين فيه على السواء!.
وبعد اللتيا والتي : لم يأت هذا الباحث في توجيهه نزول القرآن في شهر رمضان بوجه محصل يقبله لفظ الآية، فإن حاصل توجيهه : أن معنى :
أنزل فيه القرآن : كأنما أنزل فيه القرآن، ومعنى : إنا أنزلناه في ليلة : كأنا أنزلناه في ليلة، وهذا شيء لا يحتمله لغة العرف لهذا السياق!.
ولو جاز لقائل أن يقول : نزل القرآن ليلة القدر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لنزول سورة الفاتحة المشتملة على جمل معارف القرآن جاز أن يقال : إن معنى نزول القرآن نزوله جملة واحدة أي نزول إجمال معارفه على قلب رسول اللّه من غير مانع يمنع كما مرّ بيانه سابقا.
وفي كلامه جهات أخرى من الفساد تركنا البحث عنها لخروجها عن غرضنا في المقام ... «1».
_______________________
(1) انظر المجلد الثاني من الميزان ص 15.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|