أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-02-2015
1277
التاريخ: 16-12-2015
1719
التاريخ: 29-09-2015
1692
التاريخ: 2023-02-05
1691
|
الإمام الرضا ، عالم الأُمّة وإمامها ، ولد عام ( 148 ه ) ، وقبض في صفر سنة ( 203 ه ) ، وقد انتشر عنه العلم ما لم ينتشر من غيره من الأئمّة سوى الصادق عليهما السلام ، وقد أُتيحت له الفرصة ، ولم تعارضه السلطة ، فناظر أحبار اليهود ، وبطارقة النصارى ، والمجسّمة ، والمشبّهة من أصحاب الحديث ، فظهر برهانه ، وعلا شأنه. يقول كمال الدين بن طلحة في حقّه : نما إيمانه ، وعلا شأنه ، وارتفع مكانه ، وظهر برهانه ... فمهما عدّ من مزاياه كان عليه السلام أعظم منه ، ومهما فصّل من مناقبه كان أعلى رتبة منه. (1)
كان عليه السلام يعيش في عصر تفتّحت فيه العقول ، وانتشرت بذور الشكّ والضلال بين المسلمين عن طريق احتكاك الثقافتين الإسلاميّة والأجنبيّة ، وانتشار تراجم الكتب اليونانيّة والهنديّة والفارسيّة ، وكان جبلاً صامداً في وجه الآراء الساقطة المضادة للكتاب والسنّة ، وسيوافيك بعضها :
1. روى صفوان بن يحيى قال : سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ لإبراهيم : {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] أكان في قلبه شك ؟ قال : « لا ، كان على يقين ، ولكنّه أراد من الله الزيادة في يقينه ». (2)
2. روى ابن الفضيل عن الرضا عليه السلام قال : سألته عن قول الله : {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } [المائدة: 106] .
قال : « اللّذان منكم مسلمان ، واللّذان من غيركم من أهل الكتاب ، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس ، لأنّ رسول الله ، قال : سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب ، وذلك إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيّته ، فلم يجد مسلمين يشهدهما فرجلين من أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهما ». (3)
قد شاع الجبر والقدر في عصر الإمام الرضا عليه السلام ، فمن قائل بالجبر السالب للاختيار الجاعل الإنسان مكتوف الأيدي أمام الميول والاحاسيس ، ومن قائل بالتفويض يصوّر الإنسان خالقاً ثانياً لأعماله ، غير أنّ « شبهة الجبر » كانت أرسخ في النفوس من « شبهة التفويض » ، فهلمّ معي نرى كيف يفسر الآيات التي جعلت ذريعة إلى الجبر عند الحشوية.
3. روى إبراهيم بن أبي محمود قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله تعالى : {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17] فقال : « إنّ الله تعالى وتبارك لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ، ولكنّه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر والضلال ، منعهم المعاونة واللطف وخلّى بينهم وبين اختيارهم ». قال وسألته عن قول الله عزّوجلّ : {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7] قال : « الختم هو الطبع على قلوب الكفّار عقوبة على كفرهم ، كما قال عزّوجلّ : {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 155] (4) ترى أنّه عليه السلام يفسّر الآية بالآية ويجتث شبهة الجبر ببيان أنّ الطبع على القلوب كان عقوبة من الله في حقّهم لجرائم اقترفوها ، ولم يكن الطبع ابتدائياً بلا مبرر ، إذ كيف يطلب منهم الإيمان ثمّ يطبع على قلوبهم ابتداء ، أو ليس يصف نفسه بقوله : {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. (5)
4. روى أبو ذكوان ، قال : سمعت إبراهيم بن العباس يقول : كنّا في مجلس الرضا عليه السلام فتذاكروا الكبائر وقول المعتزلة فيها : إنّها لا تغفر ( إذا مات صاحبها بلا توبة ) ، فقال الرضا عليه السلام : قال أبو عبد الله عليه السلام : « قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة ، قال الله عزّوجلّ : {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6]. (6)
وجه الاستدلال أنّ قوله : {عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ } حال من قوله : {لِّلنَّاسِ} ، ومعنى الآية : أنّ غفران الله شامل لهم في حال كونهم ظالمين ، والآية نظير قول القائل : « أودّ فلاناً على غدره وأصله على هجره » ، فمن مات بلا توبة عن كبيرة فلا يحلّ لنا الحكم بأنّه لا يغفره ، لأنّ رحمة الله تشمل الناس في حال كونهم تائبين أو ظالمين. نعم ليس للمقترف الاعتماد على هذه الآية ، لأنّه وعدٌ مجمل كالشفاعة.
5. وروى الحسين بن بشار ، قال : سألت علي بن موسى الرضا عليه السلام أيعلم الله الشيء الذي لا يكون أن لو كان كيف كان ؟ قال : « إنّ الله هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء ، وقال لأهل النار : {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } [الأنعام: 28] .
وقال للملائكة لما قالت : {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30] ، قال : {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] فلم يزل الله عزّوجلّ علمه سابقاً للأشياء قديماً قبل أن يخلقها ». (7)
6. روى الحسين بن خالد ، عن الرضا عليه السلام قلت له : أخبرنا عن قول الله : {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذاريات : 7] ، قال : « هي محبوكة إلى الأرض ، مشبكة بين أصابعه » ، فقلت : كيف تكون محبوكة إلى الأرض والله يقول : {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: 2] ؟ فقال : « سبحان الله أليس يقول : { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } ؟ » قلت : بلى ، قال : « فثمّ عمد ، لكن لا ترونها ». (8)
والإمام يصرّح في كلامه هذا بوجود عمدٍ في السماء غير مرئية ، ولعلّه يريد قانون الجاذبيّة العامّة التي كشف عنها العلم ، والتفصيل موكول إلى محلّه.
7. قد شاع في عصر الإمام الاعتقاد بالرؤية التي دخلت في أوساط المسلمين من طريق الأحبار والرهبان ، واغترّ بها أكثر المحدّثين البسطاء ، وربّما كانوا يستدلّون عليها بما ورد في معراج النبيّ ، وأنّه وصل في معراجه إلى مكان لم يبق بينه وبين ربّه سوى قاب قوسين أو أدنى ، قائلاً : بأنّ المراد من قوله : {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8] أي دنا من الله ومقامه الكائن فيه ، ولكنّ الرضا عليه السلام يواجه هذه الفكرة بالنقد الحاسم ، والردّ العنيف ، وإليك القصة : دخل أبو قرّة المحدّث على أبي الحسن الرضا فقال : إنّا روينا أنّ الله قسّم الرؤية والكلام بين نبيّين ، فقسم الكلام لموسى ولمحمّد الرؤية ؟! فقال أبو الحسن عليه السلام : « فمن المبلّغ عن الله إلى الثقلين من الجن والإنس ، {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } [الأنعام: 103] و {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ثمّ أليس محمّد ؟ » قال : بلى. قال : « كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنّه جاء من عند الله وانّه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ } و { وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } و { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ثمّ يقول : انا رأيته بعيني ، وأحطت به علماً ، وهو على صورة البشر ؟! أما تستحيون ؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا ، أن يكون يأتي من عند الله بشيء ، ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر ». قال أبو قرّة : فانّه يقول : {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] فقال أبو الحسن عليه السلام : « إنّ بعد هذه الآية ما يدلّ على ما رأى حيث قال : {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] يقول : ما كذب فؤاده ما رأت عيناه ، ثمّ أخبر بما رأى ، فقال : لقد رأى من آيات ربّه الكبرى ، فآيات الله غير الله ، وقد قال : { وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } ، فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة » ، فقال أبو قرّة : فتكذب بالروايات ؟ فقال أبو الحسن : « إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها ، وما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يحاط به علماً ، ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شيء ». (9)
________________
1. مطالب السؤول : 85.
2. المحاسن : 247.
3. تفسير العياشي : 1 / 349 بتلخيص.
4. عيون أخبار الرضا : 1 / 424.
5. لاحظ ذيل الحديث.
6. التوحيد : 406 ، ولاحظ مجمع البيان : 3 / 278.
7. عيون أخبار الرضا : 1 / 118.
8. تفسير علي بن إبراهيم : 646.
9. تفسير البرهان : 4 / 248.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|