المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17599 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

علاقة الانعكاس Reflexive Relation
20-11-2015
لفحة الأسكوكيتا على البقوليات
2024-02-13
ليزر كيميائي chemical laser
16-4-2018
Govindasvami
21-10-2015
صد blocking
29-1-2018
الروايات الواردة عن ائمتنا في الجبر والتفويض
20-11-2014


تفسير الأية (9-16) من سورة طه  
  
5142   02:14 صباحاً   التاريخ: 5-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الطاء / سورة طه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-9-2020 8968
التاريخ: 5-9-2020 7023
التاريخ: 6-9-2020 8780
التاريخ: 9-9-2020 9826

 

قال تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوأَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى } [طه: 9 - 16]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

خاطب الله سبحانه نبيه تسلية له مما ناله من أذى قومه وتثبيتا له بالصبر على أمر ربه كما صبر موسى (عليه السلام) حتى نال الفوز في الدنيا والآخرة فقال { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } هذا ابتداء إخبار من الله تعالى على وجه التحقيق إذ لم يبلغه حديث موسى فهو كما يخبر الإنسان غيره بخبر على وجه التحقيق فيقول هل سمعت بخبر فلان وقيل إنه استفهام تقرير بمعنى الخبر أي وقد أتاك حديث موسى { إِذْ رَأَى نَارًا} عن ابن عباس قال وكان موسى رجلا غيورا لا يصحب الرفقة لئلا ترى امرأته فلما قضى الأجل وفارق مدين خرج ومعه غنم له وكان أهله على أتان وعلى ظهرها جوالق فيها أثاث البيت فأضل الطريق في ليلة مظلمة وتفرقت ماشيته ولم ينقدح زنده وامرأته في الطلق فرأى نارا من بعيد كانت عند الله نورا وعند موسى نارا {فقال} عند ذلك {لأهله} وهي بنت شعيب كان تزوجها بمدين {امكثوا} أي: الزموا مكانكم قال مقاتل وكانت ليلة الجمعة في الشتاء والفرق بين المكث والإقامة أن الإقامة تدوم والمكث لا يدوم { إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} أي: أبصرت نارا { لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ } أي: بشعلة أقتبسها من معظم النار تصطلون بها { أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} أي: أجد على النار هاديا يدلني على الطريق وقيل علامة استدل بها على الطريق والهدى ما يهتدي به فهو اسم ومصدر قال السدي لأن النار لا تخلو من أهل لها وناس عندها { فَلَمَّا أَتَاهَا} قال ابن عباس لما توجه نحوالنار فإذا النار في شجرة عناب فوقف متعجبا من حسن ضوء تلك النار وشدة خضرة تلك الشجرة فسمع النداء من الشجرة وهو قوله { نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} والنداء الدعاء على طريقة يا فلان فمن فتح الألف من إني فالمعنى نودي بأني ومن كسر فالمعنى نودي فقيل إني أنا ربك الذي خلقك ودبرك قال وهب نودي من الشجرة فقيل يا موسى فأجاب سريعا ما يدري من دعاه فقال إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك من نفسك فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لربه عز وجل وأيقن به وإنما علم موسى (عليه السلام) أن ذلك النداء من قبل الله تعالى لمعجز أظهره الله سبحانه كما قال في موضع آخر إني أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك إلى آخره وقيل أنه لما رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها تتوقد فيها نار بيضاء وسمع تسبيح الملائكة ورأى نورا عظيما لم تكن الخضرة تطفىء النار ولا النار تحرق الخضرة تحير وعلم أنه معجز خارق للعادة وأنه لأمر عظيم فألقيت عليه السكينة ثم نودي إني أنا ربك وإنما كرر الكناية لتأكيد الدلالة وإزالة الشبهة وتحقيق المعرفة .

{ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} أي: انزعهما وقيل في السبب الذي أمر بخلع النعلين أقوال (أحدها) أنهما كانتا من جلد حمار ميت عن كعب وعكرمة وروي ذلك عن الصادق (عليه السلام) (وثانيها) كانتا من جلد بقرة ذكية ولكنه أمر بخلعهما ليباشر بقدميه الأرض فتصيبه بركة الواد المقدس عن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وابن جريج (وثالثها) أن الحفاء من علامة التواضع ولذلك كانت السلف تطوف حفاة عن الأصم ( ورابعها) أن موسى (عليه السلام) إنما لبس النعل اتقاء من الأنجاس وخوفا من الحشرات ف آمنه الله مما يخاف وأعلمه بطهارة الموضع عن أبي مسلم {إنك بالواد المقدس} أي: المبارك عن ابن عباس بورك فيه بسعة الرزق والخصب وقيل المطهر {طوى} هو اسم الوادي عن ابن عباس ومجاهد والجبائي وقيل سمي به لأن الوادي قدس مرتين فكأنه طوي بالبركة مرتين عن الحسن {وأنا اخترتك} أي: اصطفيتك بالرسالة.

 { فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} إليك من كلامي وأصغ إليه وتثبت ، لما بشره الله سبحانه بالنبوة أمره باستماع الوحي ثم ابتدأ بالتوحيد فقال { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} أي: لا إله يستحق العبادة غيري {فاعبدني} خالصا ولا تشرك في عبادتي أحدا ، أمره سبحانه بأن يبلغ ذلك قومه { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} أي: لأن تذكرني فيها بالتسبيح والتعظيم لأن الصلاة لا تكون إلا بذكر الله عن الحسن ومجاهد وقيل معناه لأن أذكرك بالمدح والثناء ، وقيل إن معناه: صل لي ولا تصل لغيري كما يفعله المشركون عن أبي مسلم وقيل معناه: أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة كنت في وقتها أم لم تكن عن أكثر المفسرين وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) ويعضده ما رواه أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها غير ذلك وقرأ { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} رواه مسلم في الصحيح.

 ثم أخبره سبحانه بمجيء الساعة فقال { إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ} يعني أن القيامة جائية قائمة لا محالة { أَكَادُ أُخْفِيهَا} أي: أريد أن أخفيها عن عبادي لئلا تأتيهم إلا بغتة قال تغلب هذا أجود الأقوال وهو قول الأخفش وفائدة الإخفاء التهويل والتخويف فإن الناس إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت وروي ابن عباس أكاد أخفيها من نفسي وهي كذلك في قراءة أبي وروي ذلك عن الصادق (عليه السلام) والمعنى أكاد لا أظهر عليها أحدا وهو قول الحسن وقتادة والمقصود من ذلك تبعيد الوصول إلى علمها وتقديره إذا كدت أخفيها من نفسي فكيف أظهرها لك قال المبرد هذا على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء قال كتمته حتى من نفسي أي لم أطلع عليه أحدا فبالغ سبحانه في إخفاء الساعة وذكره بأبلغ ما تعرفه العرب وقال أبوعبيدة معنى أخفيها أظهرها ودخلت أكاد تأكيدا والمعنى يوشك أن أقيمها.

 { لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} أي: بما تعمل من خير وشر ولينتصف من الظالم للمظلوم { فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا} أي: لا يصرفنك عن الصلاة من لا يؤمن بالساعة وقيل معناه لا يمنعك عن الإيمان بالساعة من لا يؤمن بها وقيل عن العبادة ودعاء الناس إليها وقيل عن هذه الخصال { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} والهوى ميل النفس إلى الشيء ومعناه ومن بنى الأمر على هوى النفس دون الحق وذلك أن الدلالة قد قامت على قيام الساعة { فَتَرْدَى} أي: فتهلك كما هلك أي إن صددت عن الساعة بترك التأهب لها هلكت والخطاب وإن كان لموسى (عليه السلام) فهو في الحقيقة لسائر المكلفين وفي هذه الآيات دلالة على أن الله تعالى كلم موسى وأن كلامه محدث لأنه حل الشجرة وهي حروف منظومة .

_____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص11-14.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

تكرار قصة موسى :

ذكر اللَّه موسى في كتابه مرات ومرات ، والسر - كما لا حظنا ونحن نفسر آي الذكر الحكيم - ان اللَّه سبحانه ذكر الكثير من مساوئ قومه بني إسرائيل ، وقد كان موسى ينهاهم عنها ، ويحذرهم منها ، فاقتضى ذكره عند ذكرهم . .

هذا بالإضافة إلى قصته مع شعيب وفرعون ، وصحبته العبد الصالح الذي خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وأقام الجدار ، والى وضعه ، وهو طفل ، في التابوت وقذفه في اليم ، وإلى قتله الفرعوني ، وخروجه خائفا يترقب - إلى غير ذلك ، قال بعض

المفسرين : « كرر اللَّه قصة موسى مع فرعون لأن حكاية موسى منذ انعقاد نطفته إلى آخر حياته كلها عبر ونصح وإنذار وتبشير وتسلية للنبي والمؤمنين وفيها آيات دالة على علم اللَّه وقدرته وحكمته وعلى تحمل موسى من قومه الذين هم أشد حمقا من جميع الأمم » . هذه هي دنيا موسى : وضع في التابوت وقذف به في البحر ساعة ولادته ، ثم نشأ يتيما في بيت فرعون ، ثم مشردا بائسا يأكل من نبات الأرض ، ثم راعيا للغنم ، ثم نبيا يقاسي من قومه أشد الخطوب والآلام . .

فلا بدع إذا تكرر ذكره وحديثه في كتاب اللَّه ما دامت حياته كلها وقصته قصة العظات والعبر . . والآيات التي نحن بصددها تتحدث عن ابتداء نزول الوحي على موسى وتكليم اللَّه إياه .

{ وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى } ؟ . هذا مثل قولهم : هل بلغك كذا وكيت ؟

والقصد ان يتنبه السامع ويصغي إلى الحديث . وهذا هو حديث أول الوحي إلى موسى : { إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوأَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً } . في الآية 14 وما بعدها من القصص ذكر سبحانه ان موسى لما بلغ أشده رأى رجلين يقتتلان : أحدهما فرعوني ، والآخر عبري ، وان هذا استغاث بموسى ، فوكز موسى الفرعوني ، فقضى عليه ، وهرب موسى من مصر إلى مدين ، فزوجه شعيب إحدى بنتيه على أن يرعى ماشيته ثماني سنوات أوعشرا : « فَلَمَّا قَضى مُوسَى الأَجَلَ وسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوجَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ » - 30 القصص .

خرج موسى من مدين قاصدا مصر ، ومعه زوجته ، وفي الطريق احتاج إلى النار . . قال الرواة : ان موسى ضل الطريق في ليلة شاتية باردة مظلمة ، وان الطلق فاجأ زوجته في هذه الحال ، وان زنده لم ينقدح . . وبينا هوحائر في أمره لا يدري ما ذا يصنع ؟ ضياع وبرد وظلمة ومخاض امرأة وعدم انقداح الزند ، بينا هوكذلك إذ رأى نارا من بعد ، فاستبشر وقال لأهله : ربما يأتي الفرج من قلب الضيق . . الزموا مكانكم ، فاني ذاهب إلى مكان النار لعلَّي آتيكم بجذوة تصطلون بها أوأجد عندها من يخبرني بما يفرج عني .

{ فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ } . دنا موسى ( عليه السلام ) مما ظنه نارا ، فإذا هو نور عظيم أبهى من نور الشمس ، وإذا بصوت رهيب يقول : { أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } تأدبا وتواضعا { إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً } في المكان المطهر المبارك ، حيث تجلى فيه النور الإلهي ، وارتفع في سمائه صوت الجلال والكمال . . رأى موسى نورا ، سمع صوتا ، ولا شيء سواهما . . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ان اللَّه سبحانه لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس . . الذي كلم موسى تكليما ، وأراه من آياته عظيما بلا جوارح ولا أدوات .

{ وأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى } . واللَّه سبحانه لا يختار لوحيه إلا صفوة الأمناء عليه ، وتقدم نظيره في الآية 143 من سورة الأعراف ج 3 ص 392 .

ثم بيّن سبحانه ان الدين الذي أوحى به إلى موسى يقوم على أسس ثلاثة : الأول الوحدانية { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهً إِلَّا أَنَا }. الأصل الثاني الإخلاص للَّه في العبادة { فَاعْبُدْنِي وأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي } . الأصل الثالث البعث { إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى } . المراد بأكاد أخفيها انا أخفيها ، والمعنى ان اللَّه سبحانه أخفى علم الساعة عن عباده ليترقبوا مجيئها في كل وقت ، فيخافوا منها ويعملوا لها ، ثم يستوفوا جزاء عملهم ، ولا يظلموا شيئا .

{ فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها واتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى } . ضمير عنها يعود إلى الساعة لأنها أقرب من الصلاة ، ويجوز أن يعود عليهما معا ، والمعنى عليك يا موسى أن تؤمن بالبعث والحساب والجزاء ، وتعمل له ، ولا تتبع أهواء الجاحدين فتهلك كما يهلكون ، وقلنا فيما تقدم : ان للأعلى أن ينهى من هو دونه عما يشاء حتى لو كان المخاطب بالنهي معصوما . . هذا ، إلى أن النهي عن الشيء لا يدل على إمكان فعله ممن نهي عنه .

______________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 206-208.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

شروع في قصة موسى (عليه السلام) وقد ذكرت في السورة فصول أربعة منها وهي: اختيار موسى للرسالة في جبل طور في وادي طوى وأمره بدعوة فرعون.

ثم دعوته بشركة من أخيه فرعون إلى التوحيد وإرسال بني إسرائيل معه وإقامته الحجة وإيتاؤه المعجزة.

ثم خروجه مع بني إسرائيل من مصر وتعقيب فرعون وغرقه ونجاة بني إسرائيل.

ثم عبادة بني إسرائيل العجل وما انتهى إليه أمرهم وأمر السامري وعجله، وقد تعرضت الآيات التي نقلناها للفصل الأول منها.

ووجه اتصال القصة بما قبلها أنها تذكرة بالتوحيد ووعيد بالعذاب فالقصة تبتدىء بوحي التوحيد وتنتهي بقول موسى:{ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} الآية وتذكر هلاك فرعون وطرد السامري وقد ابتدأت الآيات السابقة بأن القرآن المشتمل على الدعوة الحقة تذكرة لمن يخشى وانتهت إلى مثل قوله:{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.

قوله تعالى:{ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} الاستفهام للتقرير والحديث، القصة.

قوله تعالى:{ إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} إلى آخر الآية المكث اللبث، والإيناس إبصار الشيء أووجدانه وهو من الأنس خلاف النفور ولذا قيل: إنه إبصار شيء يؤنس به فيكون إبصارا قويا، والقبس بفتحتين هو الشعلة المقتبسة على رأس عود ونحوه والهدى مصدر بمعنى اسم الفاعل أومضاف إليه لمضاف مقدر أي ذا هداية، والمراد - على أي حال - من قام به الهداية.

وسياق الآية وما يتلوها يشهد أنه كان في منصرفه من مدين إلى مصر ومعه أهله وهم بالقرب من وادي طوى في طور سيناء في ليلة شاتية مظلمة وقد ضلوا الطريق إذ رأى نارا فرأى أن يذهب إليها فإن وجد عندها أحدا سأله الطريق وإلا أخذ قبسا من النار ليضرموا به نارا فيصطلوا بها.

وفي قوله:{ فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} إشعار بل دلالة على أنه كان مع أهله غيره كما أن في قوله:{ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} مع ما يشتمل عليه من التأكيد والتعبير بالإيناس دلالة على أنه إنما رآها هو وحده وما كان يراها غيره من أهله ويؤيد ذلك قوله أيضا أولا:{إذ رءا نارا}، وكذا قوله:{لعلي آتيكم} إلخ يدل على أن في الكلام حذفا والتقدير امكثوا لأذهب إليها لعلي آتيكم منها بقبس أوأجد على النار هاديا نهتدي بهداه.

قوله تعالى:{ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ - إلى قوله - طوى} طوى اسم لواد بطور وهو الذي سماه الله سبحانه بالواد المقدس، وهذه التسمية والتوصيف هي الدليل على أن أمره بخلع النعلين إنما هو لاحترام الوادي أن لا يداس بالنعل ثم تفريع خلع النعلين مع ذلك على قوله:{إني أنا ربك} يدل على أن تقديس الوادي إنما هو لكونه حظيرة لقرب وموطن الحضور والمناجاة فيئول معنى الآية إلى مثل قولنا نودي يا موسى ها أنا ذا ربك وأنت بمحضر مني وقد تقدس الوادي بذلك فالتزم شرط الأدب واخلع نعليك.

وعلى هذا النحو يقدس ما يقدس من الأمكنة والأزمنة كالكعبة المشرفة والمسجد الحرام وسائر المساجد والمشاهد المحترمة في الإسلام والأعياد والأيام المتبركة فإنما ذلك قدس وشرف اكتسبته بالانتساب إلى واقعة شريفة وقعت فيها أونسك وعبادة مقدسة شرعت فيها وإلا فلا تفاضل بين أجزاء المكان ولا بين أجزاء الزمان.

ولما سمع موسى (عليه السلام) قوله تعالى:{يا موسى إني أنا ربك} فهم من ذلك فهم يقين أن الذي يكلمه هو ربه والكلام كلامه وذلك أنه كان وحيا منه تعالى وقد صرح تعالى بقوله:{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}: الشورى: 51، أن لا واسطة بينه تعالى وبين من يكلمه من حجاب أورسول إذا كان تكليم وحي وإذ لم يكن هناك أي واسطة مفروضة لم يجد الموحى إليه مكلما لنفسه ولا توهمه إلا الله ولم يجد الكلام إلا كلامه ولو احتمل أن يكون المتكلم غيره أوالكلام كلام غيره لم يكن تكليما ليس بين الإنسان وبين ربه غيره.

وهذا حال النبي والرسول في أول ما يوحى إليه بالنبوة والرسالة لم يختلجه شك ولا اعترضه ريب في أن الذي يوحي إليه هو الله سبحانه من غير أن يحتاج إلى إعمال نظر أوالتماس دليل أوإقامة حجة ولو افتقر إلى شيء من ذلك كان اكتسابا بواسطة القوة النظرية لا تلقيا من الغيب من غير توسط واسطة.

فإن قلت: قوله تعالى في القصة في موضع آخر من كلامه:{ وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}.

وقوله في موضع آخر:{ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} يثبت الحجاب في تكليمه (عليه السلام).

قلت: نعم لكن ثبوت الحجاب أوالرسول في مقام التكليم لا ينافي تحقق التكليم بالوحي فإن الوحي كسائر أفعاله تعالى لا يخلو من واسطة وإنما يدور الأمر مدار التفات المخاطب الذي يتلقى الكلام فإن التفت إلى الواسطة التي تحمل الكلام واحتجب بها عنه تعالى كان الكلام رسالة أرسل إليه بملك مثلا ووحيا من الملك، وإن التفت إليه تعالى كان وحيا منه وإن كان هناك واسطة لا يلتفت إليها، ومن الشاهد على ما ذكرنا قوله في الآية التالية خطابا لموسى:{فاستمع لما يوحى} فسماه وحيا، وقد أثبت في سائر كلامه فيه الحجاب.

وبالجملة قوله:{ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} إلخ، تنبيه لموسى على أن الموقف موقف الحضور ومقام المشافهة وقد خلى به وخصه من نفسه بمزيد العناية، ولذا قيل: إني أنا ربك، ولم يقل: أنا الله أوأنا رب العالمين، ولذا أيضا لم يلزم من قوله ثانيا:{إني أنا الله} تكرار، لأن الأول تخلية للمقام من الأغيار لإلقاء الوحي، والثاني من الوحي.

وفي قوله:{نودي} حيث طوي ذكر الفاعل ولم يقل: ناديناه أوناداه الله من اللطف ما لا يقدر بقدر، وفيه تلويح أن ظهور هذه الآية لموسى كان على سبيل المفاجاة.

قوله تعالى:{ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} الاختيار مأخوذ من الخير، وحقيقته أن يتردد أمر الفاعل مثلا بين أفعال يجب أن يرجح واحدا منها ليفعله فيميز ما هو خيرها ثم يبني على كونه خيرا من غيره فيفعله، فبناؤه على كونه خيرا من غيره هو اختيار فالاختيار دائما لغاية هو غرض الفاعل من فعله.

فاختياره تعالى لموسى إنما هو لغاية إلهية وهي إعطاء النبوة والرسالة ويشهد بذلك قوله على سبيل التفريع على الاختيار{ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} فقد تعلقت المشية الإلهية ببعث إنسان يتحمل النبوة والرسالة وكان موسى في علمه تعالى خيرا من غيره وأصلح لهذا الغرض فاختاره (عليه السلام).

وقوله:{وأنا اخترتك} على ما يعطيه السياق من قبيل إصدار الأمر بنبوته ورسالته فهو إنشاء لا إخبار، ولوكان إخبارا لقيل: وقد اخترتك لكنه إنشاء الاختيار للنبوة والرسالة بنفس هذه الكلمة ثم لما تحقق الاختيار بإنشائه فرع عليه الأمر بالاستماع للوحي المتضمن لنبوته ورسالته فقال:{ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} والاستماع لما يوحى الإصغاء إليه.

قوله تعالى:{ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} هذا هو الوحي الذي أمر (عليه السلام) بالاستماع له في إحدى عشرة آية تشتمل على النبوة والرسالة معا أما النبوة ففي هذه الآية والآيتين بعدها، وأما الرسالة فتؤخذ من قوله{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} وتنتهي في قوله:{ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} وقد نص تعالى أنه كان رسولا نبيا معا في قوله:{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا}: مريم: 51.

وقد ذكر في الآيات الثلاث المشتملة على النبوة الركنان معا وهما ركن الاعتقاد وركن العمل، وأصول الاعتقاد ثلاثة التوحيد والنبوة والمعاد وقد ذكر منها التوحيد والمعاد وطوي عن النبوة لأن الكلام مع النبي نفسه وأما ركن العمل فقد لخص على ما فيه من التفصيل في كلمة واحدة هي قوله:{فاعبدني} فتمت بذلك أصول الدين وفروعه في ثلاث آيات.

فقوله:{ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} عرف المسمى بالاسم بنفسه حيث قال: إنني أنا الله ولم يقل: إن الله هو أنا لأن مقتضى الحضور أن يعرف وصف الشيء بذاته لا ذاته بوصفه كما قال إخوة يوسف لما عرفوه:{ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي} واسم الجلالة وإن كان علما للذات المتعالية لكنه يفيد معنى المسمى بالله إذ لا سبيل إلى الذات المقدسة فكأنه قيل: أنا الذي يسمى{الله} فالمتكلم حاضر مشهود والمسمى باسم{الله} كأنه مبهم أنه من هو؟ فقيل أنا ذاك على أن اسم الجلالة علم بالغلبة لا يخلو من أصل وصفي.

وقوله:{ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} كلمة التوحيد مرتبة على قوله:{إنني أنا الله} لفظا لترتبها عليه حقيقة فإنه إذا كان هو الذي منه يبدأ كل شيء وبه يقوم وإليه يرجع فلا ينبغي أن يخضع خضوع العبادة إلا له فهو الإله المعبود بالحق لا إله غيره ولذا فرع على ذلك الأمر بعبادته حيث قال:{فاعبدني}.

وقوله:{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} خص الصلاة بالذكر – وهو من باب ذكر الخاص بعد العام اعتناء بشأنه - لأن الصلاة أفضل عمل يمثل به الخضوع العبودي ويتحقق بها ذكر الله سبحانه تحقق الروح بقالبه.

وعلى هذا المعنى فقوله:{لذكري} من إضافة المصدر إلى مفعوله واللام للتعليل وهو متعلق بأقم محصله أن: حقق ذكرك لي بالصلاة، كما يقال: كل لتشبع واشرب لتروي وهذا هو المعنى السابق إلى الذهن من مثل هذا السياق.

وقد تكاثرت الأقوال في قوله:{لذكري} فقيل: إنه متعلق بأقم كما تقدم وقيل: بالصلاة، وقيل: بقوله:{فاعبدني} ثم اللام قيل: للتعليل، وقيل للتوقيت والمعنى أقم الصلاة عند ذكري أوعند ذكرها إذا نسيتها أوفاتت منك فهي كاللام في قوله:{ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}: الإسراء: 78.

ثم الذكر قيل: المراد به الذكر اللفظي الذي تشتمل عليه الصلاة، وقيل الذكر القلبي الذي يقارنها ويتحقق بها أويترتب عليها ويحصل بها حصول المسبب عن سببه أوالذكر الذي قبلها، وقيل: المراد الأعم من القلبي والقالبي.

ثم الإضافة قيل: إنها من إضافة المصدر إلى مفعوله، وقيل: من إضافة المصدر إلى فاعله والمراد صل لأن أذكرك بالثناء والإثابة أوالمراد صل لذكري إياها في الكتب السماوية وأمري بها.

وقيل: إنه يفيد قصر الإقامة في الذكر، والمعنى: أقم الصلاة لغرض ذكري لا لغرض آخر غير ذكري كثواب ترجوه أوعقاب تخافه، وقيل: لا قصر.

وقيل: إنه يفيد قصر المضاف في المضاف إليه، والمراد: أقم الصلاة لذكري خاصة من غير أن ترائي بها أوتشوبها بذكر غيري، وقيل: لا دلالة على ذلك من جهة اللفظ وإن كان حقا في نفسه.

وقيل: المراد بالذكر ذكر الصلاة أي أقم الصلاة عند تذكرها أولأجل ذكرها والكلام على تقدير مضاف والأصل لذكر صلاتي أوعلى أن ذكر الصلاة سبب لذكر الله فأطلق المسبب وأريد به السبب إلى غير ذلك والوجوه الحاصلة بين غث وسمين.

والذي يسبق إلى الفهم هو ما قدمناه.

قوله تعالى:{ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} تعليل لقوله في الآية السابقة:{فاعبدني} ولا يناقض ذلك كون{فاعبدني} متفرعا على كلمة التوحيد المذكورة قبله لأن وجوب عبادته تعالى وإن كان بحسب نفسه متفرعا على توحده لكنه لا يؤثر أثرا لولا ثبوت يوم يجزى فيه الإنسان بما عمله ويتميز فيه المحسن من المسيء والمطيع من العاصي فيكون التشريع لغوا والأمر والنهي سدى لا أثر لهما، ولذلك كانت مقضية قضاء حتما وتكرر في كلامه تعالى نفي الريب عنها.

وقوله:{أكاد أخفيها} ظاهر إطلاق الإخفاء أن المراد يقرب أن أخفيها وأكتمها فلا أخبر عنها أصلا حتى يكون وقوعها أبلغ في المباغتة وأشد في المفاجاة ولا تأتي إلا فجأة كما قال تعالى:{لا تأتيكم إلا بغتة}: الأعراف: 187، أويقرب أن لا أخبر بها حتى يتميز المخلصون من غيرهم فإن أكثر الناس إنما يعبدونه تعالى رجاء في ثوابه أوخوفا من عقابه جزاء للطاعة والمعصية، وأصدق العمل ما كان لوجه الله لا طمعا في جنة أوخوفا من نار ولو أخفي وكتم يوم الجزاء تميز عند ذلك من يأتي بحقيقة العبادة من غيره.

وقيل: معنى أكاد أخفيها أقرب من أن أكتمها من نفسي وهو مبالغة في الكتمان إذا أراد أحدهم المبالغة في كتمان شيء، قال: كدت أخفيه من نفسي أي فكيف أظهره لغيري؟ وعزي إلى الرواية.

وقوله:{ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} متعلق بقوله:{آتية} والمعنى واضح.

قوله تعالى:{ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} الصد الصرف، والردى الهلاك، والضميران في{عنها} و{بها} للساعة، ومعنى الصد عن الساعة الصرف عن ذكرها بما لها من الشأن وهو أنها يوم تجزى فيه كل نفس بما تسعى، وكذا معنى عدم الإيمان بها هو الكفر بها بما لها من الشأن.

وقوله:{ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} كعطف التفسير بالنسبة إلى قوله:{ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا} أي إن عدم الإيمان بها مصداق اتباع الهوى وإذ كان مع ذلك صالحا للتعليل أفاد الكلام علية الهوى لعدم الإيمان بها، واستفيد من ذلك بالالتزام أن الإيمان بالساعة هو الحق المخالف للهوى والمنجي من الردى.

فمحصل معنى الآية أنه إذا كانت الساعة آتية والجزاء واقعا فلا يصرفنك عن الإيمان بها وذكرها بما لها من الشأن الذين اتبعوا أهواءهم فصاروا يكفرون بها ويعرضون عن عبادة ربهم فلا يصرفنك عنها حتى تنصرف فتهلك.

ولعل الإتيان في قوله:{ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} بصيغة الماضي مع كون المعطوف عليه بصيغة المضارع للتلويح إلى علية اتباع الهوى لعدم الإيمان.

______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص110-116.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

نار في الجانب الآخر من الصحراء!

من هنا تبدأ قصّة نبي الله الكبير موسى(عليه السلام)، وتفصيل الجوانب المهمّة من هذه القصة المليئة بالأحداث سيأتي في أكثر من ثمانين آية، لتكون تهدئة ومواساة وتسلية لخاطر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين الذين كانوا يعانون خلال تلك الفترة في مكّة ضغوطاً شديدةً من الأعداء، ليعلموا أن هذه القوى الشيطانية لا طاقة لها في مقاومة قدرة الله، وأنّ كل هذه الخطط والمؤامرات رسم على الماء.

وكذلك ليعتبروا بهذه الواقعة المليئة بالعبر والمواعظ، ويستمروا في طريقهم في توحيد الله وعبادته، ومحاربة فراعنة وسحرة كل عصر وزمان، وكذلك مجاهدة الإِنحرافات الداخلية والرغبات المنحرفة .. تلك العبر التي تستطيع أن يكون دليلا ومرشداً لهم في مسيرتهم الجهادية.

ويمكن تقسيم مجموع الآيات التي تحدثت عن موسى وبني إِسرائيل والفراعنة في هذه السورة إِلى أربعة أقسام:

القسم الأوّل: يتحدث عن بدايه نبوة موسى وبعثته، وأوّل ومضات الوحي، وبتعبير آخر: فإنّ البحث يدور حول مرحلة قصيرة المدة غنية المحتوى وقضاها موسى في الوادي المقدس في تلك الصحراء المظلمة المقفرة.

القسم الثّاني: يتحدث عن دعوة موسى وأخيه هارون لفرعون ـ وملئه ـ إِلى دين التوحيد، ثمّ اشتباكهما بالأعداء.

القسم الثّالث: يبحث عن خروج موسى وبني إِسرائيل من مصر، وكيفية نجاتهم من قبضة فرعون وأتباعه، وغرق هؤلاء وهلاكهم.

القسم الرّابع: ويتحدث حول الإِتجاهات الإِنحرافية الشديدة لبني إِسرائيل عن دين التوحيد إِلى الشرك، وقبول وساوس السامري، ومواجهة موسى الحازمة لهذا الإِنحراف.

ونعود الآن إِلى الآيات مورد البحث، والتي ترتبط بالقسم الأوّل. فهذه الآيات تقول بتعبير رقيق وجذاب: { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}؟ ومن البديهي أن هذا الإِستفهام ليس هدفه تحصيل الخبر، فهو سبحانه مطلع على جميع الأسرار، بل هو «استفهام تقريري»، وبتعبير آخر فإنّ هذا الإِستفهام، مقدمة لبيان خبر مهم، كما نقول في مكالماتنا اليومية حينما نريد أن نبدأ بذكر خبر مهم: أسمعت هذا الخبر الذي ...؟

ثمّ تقول: { إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} فبملاحظة أن «القبس» يعني الشعلة القليلة التي تؤخذ من النار، وبملاحظة أن مشاهدة النار في الصحاري تدل عادة على أن جماعة قد اجتمعوا حولها، أو أنّهم وضعوها على مرتفع حتى لا تضل القوافل الطريق في الليل، وأيضاً بملاحظة أن «مكثوا» ـ من مادة مكث ـ تعني التوقف القصير، فمن مجموع هذه التعابير يستفاد أن موسى وزوجته وابنه كانوا يقطعون الصحراء في ليلة ظلماء .. ليلة كانت مظلمة وباردة كان موسى قد ضل الطريق فيها، فجلبت انتباهه شعلة نار من بعيد، وبمجرد رؤيتها قال لأهله: قفوا هنا قليلا فقد رأيت ناراً سأذهب إِليها حتى آتيكم منها بقبس، أو أجد الطريق بواسطة النار أو من اجتمع حولها.

ونقرأ في التواريخ أنّ موسى(عليه السلام) عندما انتهت مدّة عقده مع «شعيب» في «مدين»، حمل زوجته وابنه وأغنامه وسار من مدين إِلى مصر، فضلّ الطريق، وكانت ليلة مظلمة، فتفرقت أغنامه في الصحراء، فأراد أن يشعل ناراً في ذلك الليل البارد ليتدفأ هو وأهله، وحاول إشعال النار فلم يفلح، وفي هذه الأثناء عصفت بزوجته آلام الوضع!

لقد حاصره سيل من الحوادث الصعبة .. وفي هذه الأثناء لاح لعينيه ضياء من بعيد، إِلاّ أنّه لم يكن ناراً، بل كان نوراً إِلهياً، وظن موسى أنّه نار، فسعى نحوها علّه يجد من يهديه في تلك الصحراء إِلى الطريق، أو يأخذ لأهله جذوة منها(2).

والآن لنسمع بقية الحادثة من القرآن الكريم:

{ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}. ويستفاد من الآية (30) من سورة القصص، أن موسى قد سمع هذا النداء من جهة شجرة كانت هناك: { نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} يستفاد من مجموع هذين التعبيرين أن موسى لما اقترب شاهد النار في داخل الشجرة ـ ويقول المفسّرون أنّها كانت شجرة العناب ـ وهذا بنفسه كان قرينة واضحة على أن هذه النار ليست ناراً عادية، بل إِنّ هذا النور الإِلهي الذي ليس لم يحترق الشجرة وحسب، بل إِنّه منسجم معها ومعروف، ألا وهو نور الحياة!

وقد هام موسى لدى سماعه هذا النداء المحيي للروح: (إِنّي أنا ربّك)وأحاطت بكل وجوده لذة لا يمكن وصفها، فمن هذا الذي يتحدث معي؟ إنّه ربّي الذي جللني بالفخر الكلمة (ربّك) ليُعْلمني بأنّي قد تربيت وترعرعت منذ نعومة أظفاري وإِلى الآن في ظل رحمته وعنايته، وأصبحت مهيئاً لرحمة عظيمة.

لقد أُمر أن يخلع نعليه، لأنّه قد وضع قدمه في أرض مقدسة .. الأرض التي تجلى فيها النور الإِلهي، ويسمع فيها نداء الله، ويتحمل مسؤولية الرسالة، فيجب أن يخطو في الأرض بمنتهى الخضوع والتواضع، وهذا هو سبب خلعه النعل عن رجله.

بناء على هذا، فإنّ البحث المفصل الذي بحثه بعض المفسّرين حول خلع النعل ـ ونقلوا أقوالا عن المفسّرين ـ يبدو زائداً. طبعاً لقد نقلت روايات في باب تأويل هذه الآية سنبحثها في مقطع البحوث.

إِنّ التعبير بـ (طوى) إِمّا لأنّ اسم تلك الأرض كان أرض طوى، كما قال ذلك أغلب المفسّرين، ولأن «طوى» في الأصل بمعنى الإِحاطة، وهنا كناية عن أن البركات المعنوية التي أحاطت هذه الأرض من كل جانب، ولهذا عُبر عنها في الآية (30) من سورة القصص بأنّها «البقعة المباركة».

ثمّ سمع هذا الكلام من نفس المتكلم: { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} ومن بعدها تلقى موسى أوّل جمله من الوحي على شكل ثلاثة أُمور: { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} شرعت هذه الآية في بيان أهم أصل لدعوة الأنبياء في هذه الآية، ألا وهو مسألة التوحيد، وبعدها ذكرت موضوع عبادة الله الواحد كثمرة لشجرة الإِيمان والتوحيد، ثمّ أصدرت له أمر الصلاة بعد ذلك، وهي تعني أكبر عبادة وأهم ارتباط بين الخلق والخالق، وأكثر الطرق تأثيراً في عدم الغفلة عن الذات المقدسة.

إِنّ هذه الأوامر الثلاثة، مع أمر الرسالة الذي ورد في الآية السابقة، ومسألة المعاد التي تأتي في الآية التالية، تشكّل مجموعة كامله ومضغوطة من أصول الدين وفروعه، وتكملها بالأمر بالإِستقامة الذي سيأتي في آخر الآيات مورد البحث.

ولما كان المعاد هو الأصل والأساس الثّاني، فبعد ذكر التوحيد وأغصانه وفروعه، أضافت الآية التالية: { إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}.

في هذه الجملة نقطتان يجب الإِلتفات إِليهما:

الأُولى: إن معنى جملة (أكاد أخفيها): يقرب أن أخفي تاريخ قيام القيامة، ولازم هذا التعبير أنّي لم أخفه من قبل، ونحن نعلم بصريح كثير من آيات القرآن، أن أحداً لم يطلع على تاريخ القيامة، كما في الآية (187) من سورة الأعراف حيث نقرأ: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي}.

لقد بحث المفسّرون هذا الموضوع، فالكثير منهم يعتقد أن هذا التعبير نوع من المبالغة ومعناه: إِن وقت بدء وقيام القيامة مخفي ومجهول إِلى الحد الذي أكاد أخفيه حتى عن نفسي. وقد وردت في هذا الباب رواية أيضاً، ويحتمل أن هذه الفئة من المفسّرين قد اقتبسوا رأيهم من تلك الرّواية.

والتّفسير الآخر هو أن مشتقات (كاد) لا تعني دائماً الإِقتراب، بل تأتي أحياناً بمعنى التأكيد، ولذلك فإِنّ بعض المفسّرين فسر (أكاد) بـ (أريد) وقد جاء هذا المعنى صريحاً في بعض متون اللغة(3).

والنقطة الأُخرى: إِنّ علّة إِخفاء تاريخ القيامة حسب الآية، هي:{لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} وبتعبير آخر: فإِنّ كون الساعة مخفية سيوجد نوعاً من حرية العمل للجميع. ومن جهة أُخرى فإِن وقتها لما لم يكن معلوماً بدقة، ويحتمل أن يكون في أي وقت وساعة، فإِنّ نتيجة هذا الخفاء هي حالة الإِستعداد الدائم والتقبل السريع للبرامج التربوية، كما قالوا في فلسفة إِخفاء ليلة القدر: إِن المراد أن يحيى الناس كل ليالي السنة، أو كل ليالي شهر رمضان المبارك، ويتوجهوا إِلى الله سبحانه.

وأشارت الآية الأخيرة إِلى أصل اساس يضمن نتفيذ كل البرامج العقائدية والتربوية، فتقول: { فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} والاّ فسوف ثملك { فَتَرْدَى} فاصمد في مقابل الكافرين ووساوسهم وعراقيلهم، ولا تدع للخوف من كثرتهم و مؤامرتهم وخططهم الخبيثة إِلى قبلك سبيلا، ولا تشك مطلقاً في أحقية دعوتك وأصالة دينك نتيجة هذه الضوضاء.

الملفت للنظر أنّ جملة «لا يؤمن» وردت هنا بصيغة المضارع، وجملة «واتبع هواه» بصيغة الماضي، وهي في الحقيقة إِشارت إِلى هذه النكتة، وهي أن عدم إِيمان منكري القيامة ينبع من أتباع هوى النفس، فهم يريدون أن يكونوا أحراراً ويفعلون ما تشتهي أنفسهم، فأي شيء أحسن من أن ينكروا القيامة حتى لا تُخدش حرية ميولهم وأهوائهم!

______________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص111-115.

2- مجمع البيان، ذيل الآية مورد البحث.

3- نقرأ في قاموس اللغة، مادة كاد: وتكون بمعنى أراد، أكاد أخفيها: أريد.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .