المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

قاعدة لا ضرر ولا ضرار
13-9-2016
Parameter
25-4-2019
Reactions of Alkyl Halides: Grignard Reagents
28-5-2017
معنى كلمة قرطس‌
10-12-2015
العمود الصحفي
18/12/2022
Division Pteridospermophyta: Seed Ferns
24-11-2016


تفسير الأية (32-44) من سورة الكهف  
  
44243   05:44 مساءً   التاريخ: 28-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الكاف / سورة الكهف /

 

قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُو يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُو ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُو يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُو اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَويُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُو خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا  } [الكهف: 32 - 44]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

ضرب الله لعباده مثلا يستفيئهم به إلى طاعته ويزجرهم عن معصيته وكفران نعمته فقال مخاطبا لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ} روي عن ابن عباس أنه قال يريد ابني ملك كان في بني إسرائيل توفي وترك ابنين وترك مالا جزيلا فأخذ أحدهما حقه منه وهو المؤمن منهما فتقرب إلى الله تعالى وأخذ الآخر حقه فتملك به ضياعا منها هاتان الجنتان وفي تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم أنه يريد رجلا كان له بستانان كبيران كثيرا الثمار كما حكى سبحانه وكان له جار فقير فافتخر الغني على الفقير وقال له أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا وهذا أليق بالظاهر { جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} أي: بستانين أجنهما الأشجار { مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} أي: جعلنا النخل مطيفا بهما { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} أي: وجعلنا بين البستانين مزرعة فكملت النعمة بالعنب والتمر والزرع { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} أي: كل واحدة من البستانين آتت غلتها وأخرجت ثمرتها وسماه أكلا لأنه مأكول { وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} أي: لم تنقص منه شيئا بل أدته على التمام والكمال كما قال الشاعر :

ويظلمني مالي كذا ولوى يدي              لوى يده الله الذي هو غالبه (2)

 أي: ينقصني مالي { وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا} أي: شققنا وسط الجنتين نهرا يسقيهما حتى يكون الماء قريبا منهما يصل إليهما من غير كد وتعب ويكون ثمرهما وزرعهما بدوام الماء فيهما أوفي وأروى { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} قيل: إن معناه وكان للنخل الذي فيهما ثمر وقيل: معناه وكان للرجل ثمر ملكه من غير جنتيه كما يملك الناس ثمارا لا يملكون أصلها عن ابن عباس وقيل كان لهذا الرجل مع هذين البستانين الذهب والفضة عن مجاهد وقيل كان له معهما جميع الأموال عن قتادة وابن عباس في رواية أخرى { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} أي: فقال الكافر لصاحبه المؤمن وهو يخاطبه ويراجعه في الكلام { أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} أي: أعز عشيرة ورهطا وسمي العشيرة نفرا لأنهم ينفرون معه في حوائجه وقيل معناه أعز خدما وولدا عن قتادة ومقاتل { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} أي: ودخل الكافر بستانه وهو ظالم لنفسه بكفره وعصيانه.

 { قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} أي: ما أقدر أن تفنى هذه الجنة وهذه الثمار أبدا وقيل: يريد ما أظن هذه الدنيا تفنى أبدا { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} أي: وما أحسب القيامة آتية كائنة على ما يقوله الموحدون { وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} معناه: ولئن كانت القيامة والبعث حقا كما يقوله الموحدون لأجدن خيرا من هذه الجنة قال الزجاج وهذا يدل على أن صاحبه المؤمن قد أعلمه أن الساعة تقوم وأنه يبعث فأجابه بأن قال له ولئن رددت إلى ربي أي كما أعطاني هذه في الدنيا سيعطيني في الآخرة أفضل منها لكرامتي عليه ظن الجاهل أنه أوتي ما أوتي لكرامته على الله تعالى وقيل: معناه لأكتسبن في الآخرة خيرا من هذه التي اكتسبتها في الدنيا ومن قرأ منهما رد الكناية إلى الجنتين اللتين تقدم ذكرهما وفي هذا دلالة على أنه لم يكن قاطعا على نفي المعاد بل كان شاكا فيه .

ثم بين سبحانه جواب المؤمن للكافر فقال { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} أي: يخاطبه ويجيبه مكفرا له بما قاله { أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} يعني أصل الخلقة أي خلق أباك من تراب وهو آدم (عليه السلام) وقيل: لما كانت النطفة خلقها الله سبحانه بمجرى العادة من الغذاء والغذاء ينبت من تراب جاز أن يقول خلقك من تراب { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا } أي: نقلك من حال إلى حال حتى جعلك بشرا سويا معتدل الخلقة والقامة وإنما كفره بإنكاره المعاد وفي هذا دلالة على أن الشك في البعث والنشور كفر { لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} تقديره لكن أنا أقول هو الله ربي وخالقي ورازقي فإن افتخرت علي بدنياك فإن افتخاري بالتوحيد { وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} أي: لا أشرك بعبادتي إياه أحدا سواه بل أوجهها إليه وحده خالصا وإنما استحال الشرك في العبادة لأنها لا تستحق إلا بأصول النعم وبالنعمة التي لا يوازنها نعمة منعم وذلك لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى ثم قال { وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} معناه: وقال لصاحبه الكافر هلا حين دخلت بستانك فرأيت تلك الثمار والزرع شكرت الله تعالى وقلت ما شاء الله كان وإني وإن تعبت في جمعه وعمارته فليس ذلك إلا بقدرة الله وتيسيره ولوشاء لحال بيني وبين ذلك ولنزع البركة عنه فإنه لا يقوى أحد على ما في يديه من النعمة إلا بالله ولا يكون له إلا ما شاء الله ثم رجع إلى نفسه فقال { إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ} معناه: إن كنت تراني اليوم فقيرا أقل منك مالا وعشيرة وأولادا فلعل الله أن يؤتيني بستانا خيرا من بستانك في الآخرة أوفي الدنيا والآخرة { وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ} أي: ويرسل على جنتك عذابا أونارا من السماء فيحرقها عن ابن عباس وقتادة وقيل: يرسل عليها عذاب حسبان وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك عن الزجاج وقيل: ويرسل عليها مرامي من عذابه إما بردا وإما حجارة أوغيرهما مما يشاء من أنواع العذاب.

 { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} أي: أرضا مستوية لا نبات عليها تزلق عنها القدم فتصير أضر أرض من بعد أن كانت أنفع أرض { أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} أي: غائرا ذاهبا في باطن غامض منقطعا فيكون أعدم أرض للماء بعد أن كانت أوجد أرض للماء { فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} أي: فلن تقدر على طلبه إذا غار ولا يبقى له أثر تطلبه به فلن تستطيع رده قيل: معناه فلن تستطيع طلب غير ذلك الماء بدلا عنه إلى هنا انتهى مناظرة صاحبه وإنذاره.

 ثم قال سبحانه { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} معناه: أهلك وأحيط العذاب بأشجاره ونخيله فهلكت عن آخرها تقول أحيط ببني فلان إذا هلكوا عن آخرهم  وأصل الإحاطة إدارة الحائط على الشيء وفي الخبر أن الله عز وجل أرسل عليها نارا فأهلكها وغار ماؤها { فأصبح } هذا الكافر { يقلب كفيه } تأسفا وتحسرا { عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} من المال وهو أن يضرب يديه واحدة على الأخرى عن ابن عباس وتقليب الكفين يفعله النادم كثيرا فصار عبارة عن الندم { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} أي: ساقطة على سقوفها وما عرش لكرومها وذلك أن السقف ينهدم أولا ثم ينهدم الحائط على السقف وقيل: إن العروش الأبنية ومعناه: خالية على بيوتها قد ذهب شجرها وبقيت جدرانها لا خير فيها.

 { وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} ندم على الكفر لفناء ماله لا لوجوب الإيمان فلم ينفعه ولو ندم على الكفر ف آمن بالله تحقيقا لانتفع به وقيل: إنه ندم على ما كان منه من الشرك بالله تعالى وآمن { وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: لم يكن لهذا الكافر جماعة يدفعون عذاب الله عنه وقيل الفئة الجند قال العجاج :

كما يجوز الفئة الكمي { وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} أي: وما كان ممتنعا عن قتادة قيل: معناه وما كان مستردا بدل ما ذهب عنه قال ابن عباس وهذان الرجلان هما اللذان ذكرهما الله تعالى في سورة الصافات في قوله { إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} يقول أإنك لمن المصدقين إلى قوله { فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}.

 وروى هشام بن سالم وأبان بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) قال عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله سبحانه { حسبنا الله ونعم الوكيل } فإني سمعت الله يقول بعقبها { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} وعجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله { لا إله إلا أنت سبحانك } إني كنت من الظالمين فإني سمعت الله سبحانه يقول بعقبها { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} وعجبت لمن مكر به كيف لا يفزع إلى قوله { وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد } فإني سمعت الله عز وجل يقول بعقبها فوقاه الله سيئات ما مكروا وعجبت لمن أراد الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قوله { ما شاء الله لا قوة إلا بالله } فإني سمعت الله يقول بعقبها { فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ} وعسى موجبة.

 وقوله { هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} أخبر سبحانه إن في ذلك الموضع وفي ذلك الوقت الذي يتنازع فيه الكافر والمؤمن الولاية بالنصرة والإعزاز لله عز وجل فهوالذي يتولى أمر عباده المؤمنين ويملك النصرة لمن أراد وقيل: هنالك إشارة إلى يوم القيامة وتقديره الولاية يوم القيامة لله يريد يومئذ يتولون الله ويؤمنون به ويتبرءون مما كانوا يعبدون عن القتيبي وقيل: معناه هنالك ينصر المؤمنين ويخذل الكافرين فالولاية يومئذ خالصة له لا يملكها أحد من العباد { هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا} أي: هو أفضل ثوابا ممن يرجي ثوابا على تقدير لو كان يثيب غيره لكان هو خير ثوابا { وَخَيْرٌ عُقْبًا} أي: عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره فهو خير عقب طاعة ثم حذف المضاف إليه والعقب والعقبي والعاقبة بمعنى .

______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص342-349.

2- قائله :فرعان بن أعرف التميمي،وكان له ابن عاق يقال له منازل،وفيه يقول البيت.وفي رواية (اللسان))(تظلم مالي هكذا.ا هـ)) وفي رواية غيره )) تغمط حقي باطلاً.ا هـ)).

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ واضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها ولَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً } .

الخطاب في اضرب للنبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وضمير لهم للمشركين الذين قالوا لرسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) :

اطرد المؤمنين ، أويعود الضمير لكل مترف متكبر ، والمراد بالرجلين الغني والفقير اللذان وقع بينهما الحوار الآني ، والمعروف من طريقة القرآن انه كثيرا ما يضرب الأمثال للأفكار المجردة والمبادئ العامة ، ويشبهها بالأشياء المحسوسة ، كتشبيه الايمان بالنور ، والكفر بالظلمات . . وقد يشبه المحسوس بمحسوس آخر أوضح منه وأبين ، كتشبيه المرتد عن الدين بالكلب اللاهث ، والغاية من ذلك الجلاء والتوضيح بالإضافة إلى العبرة والعظة : { وعاداً وثَمُودَ وأَصْحابَ الرَّسِّ وقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً . وكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الأَمْثالَ } - 39 الفرقان.

وقد شبه سبحانه هنا حال الطغاة المترفين بمتكبر كافر جهول يملك بستانين ، فيهما نهر وزرع من الحبوب ، وأشجار تحمل الفاكهة المفضلة آنذاك وهما الرطب والعنب ، وكل من الزرع والشجر يؤتي نتاجه في أوانه كافيا وافيا لا ينقص منه شيء . . وشبه سبحانه المؤمنين بمتواضع مؤمن عارف ، ولكنه فقير لا يملك شيئا ، وقد وقع بين الاثنين الحوار التالي :

{ فَقالَ لِصاحِبِهِ } . القائل هو الغني الجاحد المتكبر ، وصاحبه المؤمن العارف المتواضع { وهُو يُحاوِرُهُ } يراجعه في الكلام : { أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وأَعَزُّ نَفَراً } .

وإذا كان أكثر مالا ورجالا فهوأعظم وأكمل ، لأن المال والجاه هو مقياس العظمة والكمال ، أما الايمان والإخلاص فكلام بلا معنى . . هذا هو منطق الفسقة الفجرة قديما وحديثا . . فقيمة كل امرئ - عندهم - ما يملك ، لا ما يحسن علما وعملا . . هذا هو بالذات المنطق الذي جر على الانسانية الويلات ، وهو الدافع الأول على التفنن بأسلحة الخراب والدمار ، وصرف الملايين على صنعها من أقوات الجائعين . . يسلب الاستعمار مقدرات الشعوب ، ويحولها إلى قنابل وصواريخ لا لشيء إلا ليلقيها على تلك الشعوب بالذات ، الشعوب التي يدمرها المستعمرون بقنابل من أرزاقها وخيراتها .

{ ودَخَلَ جَنَّتَهُ وهُو ظالِمٌ لِنَفْسِهِ } لأنه استجاب لأهوائها وشهواتها ، وعرّضها للتهلكة ، تماما كمن يستجيب لطفله فيما يضره ويهلكه { قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً } . قال الرازي : « كيف قال : ما أظن أن تبيد هذه أبدا مع أن الحس يدل على أن الدنيا بأسرها ذاهبة غير باقية ؟ . قلنا ، ان المراد انها لا تبيد مدة حياة صاحبها ووجوده » .

والجواب الصحيح : ان الجهل والغرور أعميا صاحب الجنة عن كل شيء حتى عن المحسوسات والمرئيات ، قال عز من قائل : « لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ولَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ولَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ » - 179 الأعراف . { وما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً } . ولا يستند هذا الظن إلا إلى بطره وغروره ، ووهمه وخياله بأن نعمته خالدة لا يفنيها شيء ، وبهذا نجد تفسير انكار من أنكر يوم الحساب من الطغاة والمترفين { ولَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً } . لأن المترف هنا مترف هناك وفي كل مكان في منطقه ومفهومه قياسا للغائب على الشاهد . . وما درى ان النجاة يومئذ للمتقين ، لا للطغاة والمترفين : { ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ } - 28 الحاقة .

{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُو يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا } . قال المؤمن للكافر مقرعا وموبخا : أتجحد خالقك ، ودلائله ظاهرة فيك ؟ . من أين جاءتك الحياة بعقلها وسمعها وبصرها ، ولم تك من قبل شيئا مذكورا ؟ . { لكِنَّا هُو اللَّهُ رَبِّي ولا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } . أما أنا فقد اهتديت بفطرتي وعقلي إلى خالقي وخالق كل شيء وآمنت بأنه هو وحده الخالق الرازق .

ثم قال المؤمن مذكّرا الكافر بنعمة اللَّه عليه ، وبوجوب شكرها وحمد اللَّه عليها : { ولَولا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ } . لو كنت من ذوي الرشد والبصيرة لأدركت ان الخير والفضل أن يكثر علمك ، لا مالك ، وان تباهي الناس بأخلاقك لا بجاهك ، وان تعلم أنه لا حول ولا قوة إلا باللَّه الواحد القهار ، فهووحده الذي يهب العز والجاه ، ويحوّل الغنى إلى فقر ، والفقر إلى غنى . ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن .

{ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً ووَلَداً فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ ويُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أَويُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } . استطال الكافر على المؤمن ، وتعالى عليه بماله ، فقال له المؤمن : ان الغنى والفقر بعد العرض على اللَّه ، وما يدريك اني لديه أغنى منك وأكرم ، وانه قد ادخر لي في دار البقاء ما هو خير من جنتك هذه التي تفخر بها وتتعاظم ، بل ما يدريك أن يجعلني غنيا ، ويجعلك فقيرا بين عشية وضحاها ؟ .

انك تزهووتفخر بمالك لأن الناس يغبطونك عليه ، ولكن هل تدفع عنك غبطتهم هذه ما يخبئه الدهر لك من العواقب ؟ . وهل أنت في مأمن من اللَّه وغضبه ؟ ألا تخشى أن ينزل عليك وعلى جنتك صاعقة من السماء فتصبح أنت وما تملك أثرا بعد عين ؟ .

{ وأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها } .

هلك الزرع ، وهوت الأشجار من كل جانب ، وغار الماء حتى آخر نقطة منه ، وأصبحت الأرض زلقا لا تثبت عليها قدم . . كأن لم يكن شيء ، وحل الفقر محل الغنى ، والكآبة محل الفرح ، والذل والانكسار محل التعاظم والكبرياء . .

وهذه هي ثمرة الكفر والبغي والفساد ، بل وثمرة الغفلة والغرور . . حسرة وندامة على الجهود والأموال ، والتفريط والإهمال .

{ ويَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } . كأنه أراد بهذا القول أن تعود جنته إلى روائها وعطائها ، ولكن هيهات . . « لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوكَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً » - 158 الأنعام .

{ ولَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وما كانَ مُنْتَصِراً } . أبدا لا صاحب ولا عشيرة ولا جاه ولا مال . . لا شيء على الإطلاق إلا اللَّه : « قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ ولَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً » - 22 الجن أي ملجأ { هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُو خَيْرٌ ثَواباً وخَيْرٌ عُقْباً } . هنالك إشارة إلى يوم القيامة ، والولاية بفتح الواوالنصرة ، وضمير هو يعود إلى اللَّه ، والعقبى العاقبة ، والمعنى ان الإنسان إذا وجد في حياته هذه من يناصره ويدفع عنه ، أويعينه بشيء فإنه يوم القيامة لا يجد حيلة ولا وسيلة ولا ناصر إلا اللَّه وحده ، واللَّه سبحانه مع المتقين ، وقد أعد لهم أجرا كريما ، وحسن مآب .

_______________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 128-131.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

الآيات تتضمن مثلين يبينان حقيقة ما يملكه الإنسان في حياته الدنيا من الأموال والأولاد وهي زخارف الحياة وزيناتها الغارة السريعة الزوال والفناء التي تتزين بها للإنسان فتلهيه عن ذكر ربه وتجذب وهمه إلى أن يخلد إليها ويعتمد عليها فيخيل إليه أنه يملكها ويقدر عليها حتى إذا طاف عليها طائف من الله سبحانه فنت وبادت ولم يبق للإنسان منها إلا كحلمة نائم وأمنية كاذبة.

فالآيات ترجع الكلام إلى توضيح ما أشار سبحانه إليه في قوله:{إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها - إلى قوله - صعيدا جرزا} من الحقيقة.

قوله تعالى:{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ} إلخ أي واضرب لهؤلاء المتولهين بزينة الحياة الدنيا المعرضين عن ذكر الله مثلا ليتبين لهم أنهم لم يتعلقوا في ذلك إلا بسراب وهمي لا واقع له.

وقد ذكر بعض المفسرين أن الذي يتضمنه المثل قصة مقدرة مفروضة فليس من الواجب أن يتحقق مضمون المثل خارجا، وذكر آخرون أنه قصة واقعة، وقد رووا في ذلك قصصا كثيرة مختلفة لا معول عليها غير أن التدبر في سياق القصة بما فيها من كونهما جنتين اثنتين وانحصار أشجارهما في الكرم والنخل ووقوع الزرع بينهما وغير ذلك يؤيد كونها قصة واقعة.

وقوله:{جنتين من أعناب} أي من كروم فالثمرة كثيرا ما يطلق على شجرتها وقوله:{ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} أي جعلنا النخل محيطة بهما حافة من حولهما وقوله:{ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} أي بين الجنتين ووسطهما، وبذلك تواصلت العمارة وتمت واجتمعت له الأقوات والفواكه.

قوله تعالى:{ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا } الآية الأكل بضمتين المأكول والمراد بإيتائهما الأكل إثمار أشجارهما من الأعناب والنخيل.

وقوله:{ وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا } الظلم النقص، والضمير للأكل أي ولم تنقص من أكله شيئا بل أثمرت ما في وسعها من ذلك، وقوله:{ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا} أي شققنا وسطهما نهرا من الماء يسقيهما ويرفع حاجتهما إلى الشرب بأقرب وسيلة من غير كلفة.

قوله تعالى:{وكان له ثمر} الضمير للرجل والثمر أنواع المال كما في الصحاح، وعن القاموس، وقيل: الضمير للنخل والثمر ثمره، وقيل: المراد كان للرجل ثمر ملكه من غير جنته.

وأول الوجوه أوجهها ثم الثاني ويمكن أن يكون المراد من إيتاء الجنتين أكلها من غير ظلم بلوغ أشجارهما في الرشد مبلغ الإثمار وأوانه، ومن قوله:{وكان له ثمر} وجود الثمر على أشجارهما بالفعل كما في الصيف وهو وجه خال عن التكلف.

قوله تعالى:{ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} المحاورة المخاطبة والمراجعة في الكلام، والنفر الأشخاص يلازمون الإنسان نوع ملازمة سموا نفرا لأنهم ينفرون معه ولذلك فسره بعضهم بالخدم والولد، وآخرون بالرهط والعشيرة والأول أوفق بما سيحكيه الله تعالى من قول صاحبه له:{إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا} حيث بدل النفر من الولد، والمعنى فقال الذي جعلنا له الجنتين لصاحبه والحال أنه يحاوره:{أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} أي ولدا وخدما.

وهذا الذي قاله لصاحبه يحكي عن مزعمة خاصة عنده منحرفة عن الحق فإنه نظر إلى نفسه وهو مطلق التصرف فيما خوله الله من مال وولد لا يزاحم فيما يريده في ذلك فاعتقد أنه مالكه وهذا حق لكنه نسي أن الله سبحانه هو الذي ملكه وهو المالك لما ملكه والذي سخره الله له وسلطه عليه من زينة الحياة الدنيا التي هي فتنة وبلاء يمتحن بها الإنسان ليميز الله الخبيث من الطيب بل اجتذبت الزينة نفسه إليها فحسب أنه منقطع عن ربه مستقل بنفسه فيما يملكه، وأن التأثير كله عند الأسباب الظاهرية التي سخرت له.

فنسي الله سبحانه وركن إلى الأسباب وهذا هو الشرك ثم التفت إلى نفسه فرأى أنه يتصرف في الأسباب مهيمنا عليها فظن ذلك كرامة لنفسه وأخذه الكبر فاستكبر على صاحبه، وإلى ذلك يرجع اختلاف الوصفين أعني وصفه تعالى لملكه إذ قال:{جعلنا لأحدهما جنتين} إلخ ولم يقل: كان لأحدهما جنتان، ووصف الرجل نفسه إذ قال لصاحبه:{ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} فلم ير إلا نفسه ونسي أن ربه هو الذي سلطه على ما عنده من المال وأعزه بمن عنده من النفر فجرى قوله لصاحبه { أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} مجرى قول قارون لمن نصحه أن لا يفرح ويحسن بما آتاه الله من المال:{ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ }: القصص: 78.

وهذا الذي يكشف عنه قوله:{أنا أكثر منك مالا} إلخ أعني دعوى الكرامة النفسية والاستحقاق الذاتي ثم الشرك بالله بالغفلة عنه والركون إلى الأسباب الظاهرية هو الذي أظهره حين دخل جنته فقال كما حكاه الله:{ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } إلخ.

قوله تعالى:{ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ} إلى آخر الآيتين.

الضمائر الأربع راجعة إلى الرجل، والمراد بالجنة جنسها ولذا لم تثن، وقيل: لأن الدخول لا يتحقق في الجنتين معا في وقت واحد، وإنما يكون في الواحدة بعد الواحدة.

وقال في الكشاف،: فإن قلت: فلم أفرد الجنة بعد التثنية؟ قلت: معناه ودخل ما هو جنته ما له جنة غيرها يعني أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المؤمنون فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير، ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما. انتهى وهو وجه لطيف.

وقوله:{وهو ظالم لنفسه} وإنما كان ظالما لأنه تكبر على صاحبه إذ قال:{أنا أكثر منك مالا} إلخ وهو يكشف عن إعجابه بنفسه وشركه بالله بنسيانه والركون إلى الأسباب الظاهرية، وكل ذلك من الرذائل المهلكة.

وقوله:{ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} البيد والبيدودة الهلاك والفناء والإشارة بهذه إلى الجنة، وفصل الجملة لكونها في معنى جواب سؤال مقدر كأنه لما قيل: ودخل جنته قيل: فما فعل؟ فقيل: قال: ما أظن أن تبيد إلخ.

وقد عبر عن بقاء جنته بقوله:{ما أظن أن تبيد} إلخ ونفي الظن بأمر كناية عن كونه فرضا وتقديرا لا يلتفت إليه حتى يظن به ويمال إليه فمعنى ما أظن أن تبيد هذه أن بقاءه ودوامه مما تطمئن إليه النفس ولا تتردد فيه حتى تتفكر في بيده وتظن أنه سيفنى.

وهذا حال الإنسان فإن نفسه لا تتعلق بالشيء الفاني من جهة أنه متغير يسرع إليه الزوال، وإنما يتعلق القلب عليه بما يشاهد فيه من سمة البقاء كيفما كان فينجذب إليه ولا يلوي عنه إلى شيء من تقادير فنائه، فتراه إذا أقبلت عليه الدنيا اطمأن إليها وأخذ في التمتع بزينتها والانقطاع إليها، واعتورته أهواؤه وطالت آماله كأنه لا يرى لنفسه فناء، ولا لما بيده من النعمة زوالا ولا لما ساعدته عليه من الأسباب انقطاعا، وتراه إذا أدبرت عنه الدنيا أخذه اليأس والقنوط فأنساه كل رجاء للفرج وسجل عليه أنه سيدوم ويدوم عليه الشقاء وسوء الحال.

والسبب في ذلك كله ما أودعه الله في فطرته من التعلق بهذه الزينة الفانية فتنة وامتحانا فإذا أعرض عن ذكر ربه انقطع إلى نفسه والزينة الدنيوية التي بين يديه والأسباب الظاهرية التي أحاطت به وتعلق على حاضر الوضع الذي يشاهده، ودعته جاذبة الزينات والزخارف أن يجمد عليها ولا يلتفت إلى فنائها وهوالقول بالبقاء، وكلما قرعته قارعة العقل الفطري أن الدهر سيغدر به، والأسباب ستخذله، وأمتعة الحياة ستودعه، وحياته المؤجلة ستبلغ أجلها، منعه اتباع الأهواء وطول الآمال الإصغاء لها والالتفات إليها.

وهذا شأن أهل الدنيا لا يزالون على تناقض من الرأي يعملون ما يصدقونه بأهوائهم ويكذبونه بعقولهم لكنهم يطمئنون إلى رأي الهوى فيمنعهم عن الالتفات إلى قضاء العقل.

وهذا معنى قولهم بدوام الأسباب الظاهرية وبقاء زينة الحياة الدنيا ولهذا قال فيما حكاه الله:{ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} ولم يقل: هذه لا تبيد أبدا.

وقوله:{ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } هو مبني على ما مر من التأبيد في قوله:{ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} فإنه يورث استبعاد تغير الوضع الحاضر بقيام الساعة، وكل ما حكاه الله سبحانه من حجج المشركين على نفي المعاد مبني على الاستبعاد كقولهم:{ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ }: يس: 78 وقولهم:{ أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}: الم السجدة: 10.

وقوله:{ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} مبني على ما تقدم من دعوى كرامة النفس واستحقاق الخير، ويورث ذلك في الإنسان رجاء كاذبا بكل خير وسعادة من غير عمل يستدعيه يقول: من المستبعد أن تقوم الساعة ولئن قامت ورددت إلى ربي لأجدن بكرامة نفسي - ولا يقول: يؤتيني ربي - خيرا من هذه الجنة منقلبا أنقلب إليه.

وقد خدعت هذا القائل نفسه فيما ادعت من الكرامة حتى أقسم على ما قال كما يدل عليه لام القسم في قوله:{ولئن رددت} ولام التأكيد ونونها في قوله:{لأجدن} وقال:{رددت} ولم يقل: ردني ربي إليه، وقال:{لأجدن} ولم يقل: آتاني الله.

والآيتان كقوله تعالى:{ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}: حم السجدة: 50.

قوله تعالى:{قال له صاحبه وهو يحاوره أ كفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا} الآية وما بعدها إلى تمام أربع آيات رد من صاحب الرجل يرد به قوله:{ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} ثم قوله إذ دخل جنته{ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} وقد حلل الكلام من حيث غرض المتكلم إلى جهتين: إحداهما استعلاؤه على الله سبحانه بدعوى استقلاله في نفسه وفيما يملكه من مال ونفر واستثناؤه بما عنده من القدرة والقوة والثانية استعلاؤه على صاحبه واستهانته به بالقلة والذلة ثم رد كلا من الدعويين بما يحسم مادتها ويقطعها من أصلها فقوله:{أ كفرت بالذي خلقك - إلى قوله - إلا بالله} رد لأولى الدعويين، وقوله{إن ترن أنا أقل - إلى قوله - طلبا} رد للثانية.

فقوله:{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } في إعادة جملة{وهو يحاوره} إشارة إلى أنه لم ينقلب عما كان عليه من سكينة الإيمان ووقاره باستماع ما استمعه من الرجل بل جرى على محاورته حافظا آدابه ومن أدبه إرفاقه به في الكلام وعدم خشونته بذكر ما يعد دعاء عليه يسوؤه عادة فلم يذكر ولده بسوء كما ذكر جنته بل اكتفى فيه بما يرمز إليه ما ذكره في جنته من إمكان صيرورتها صعيدا زلقا وغور مائها.

وقوله:{أ كفرت بالذي خلقك} إلخ الاستفهام للإنكار ينكر عليه ما اشتمل عليه كلامه من الشرك بالله سبحانه بدعوى الاستقلال لنفسه وللأسباب والمسببات كما تقدمت الإشارة إليه ومن فروع شركه استبعاده قيام الساعة وتردده فيه.

وأما ما ذكره في الكشاف، أنه جعله كافرا بالله جاحدا لأنعمه لشكه في البعث كما يكون المكذب بالرسول كافرا فغير سديد كيف؟ وهو يذكر في استدراكه نفي الشرك عن نفسه، ولو كان كما قال لذكر فيه الإيمان بالمعاد.

فإن قلت: الآيات صريحة في شرك الرجل، والمشركون ينكرون المعاد.

قلت لم يكن الرجل من المشركين بمعنى عبدة الأصنام وقد اعترف في خلال كلامه بما لا تجيزه أصول الوثنية فقد عبر عنه سبحانه بقوله:{ربي} ولا يراه الوثنيون ربا للإنسان ولا إلها معبودا وإنما هو عندهم رب الأرباب وإله الآلهة، ولم ينف المعاد من أصله كما تقدمت الإشارة إليه بل تردد فيه واستبعده بالإعراض عن التفكر فيه ولونفاه لقال: ولو رددت ولم يقل: ولئن رددت إلى ربي.

فما يذكر لأمره من الأثر السيىء في الآية إنما هو لشركه بمعنى نسيانه ربه ودعواه الاستقلال لنفسه وللأسباب الظاهرية ففيه عزله تعالى عن الربوبية وإلقاء زمام الملك والتدبير إلى غيره فهذا هو أصل الفساد الذي عليه ينشأ كل فرع فاسد سواء اعترف معه بلسانه بالتوحيد أوأنكره وأثبت الآلهة، قال الزمخشري في قوله تعالى:{ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} ونعم ما قال: وترى أكثر الأغنياء من المسلمين وإن لم يطلقوا بنحوهذا ألسنتهم فإن ألسنة أحوالهم ناطقة به منادية عليه. انتهى.

وقد أبطل هذا المؤمن دعوى صاحبه الكافر بقوله:{ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} بإلفات نظره إلى أصله وهو التراب ثم النطفة فإن ذلك هو أصل الإنسان فما زاد على ذلك حتى يصير الإنسان إنسانا سويا ذا صفات وآثار من موهبة الله محضا لا يملك أصله شيئا من ذلك، ولا غيره من الأسباب الظاهرية الكونية فإنها أمثال الإنسان لا تملك شيئا من نفسها وآثار نفسها إلا بموهبة من الله سبحانه.

فما عند الإنسان وهو رجل سوي من الإنسانية وآثارها من علم وحياة وقدرة وتدبير يسخر بها الأسباب الكونية في سبيل الوصول إلى مقاصده ومآربه كل ذلك مملوكة لله محضا، آتاها الإنسان وملكه إياها ولم يخرج بذلك عن ملك الله ولا انقطع عنه بل تلبس الإنسان منها بما تلبس فانتسب إليه بمشيته ولو لم يشأ لم يملك الإنسان شيئا من ذلك فليس للإنسان أن يستقل عنه تعالى في شيء من نفسه وآثار نفسه ولا لشيء من الأسباب الكونية ذلك.

يقول: إنك ذاك التراب ثم المني الذي ما كان يملك من الإنسانية والرجولية وآثار ذلك شيئا والله سبحانه هو الذي آتاكها بمشيته وملكها إياك وهو المالك لما ملكك فما لك تكفر به وتستر ربوبيته؟ وأين أنت والاستقلال؟.

قوله تعالى:{ لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} القراءة المشهورة{لكن} بفتح النون المشددة من غير ألف في الوصل وإثباتها وقفا.

وأصله على ما ذكروه {لكن أنا} حذفت الهمزة بعد نقل فتحتها إلى النون وأدغمت النون في النون فالوصل بنون مشددة مفتوحة من غير ألف والوقف بالألف كما في{أنا} ضمير التكلم.

وقد كرر في الآية لفظ{ربي} والثاني من وضع الظاهر موضع المضمر وحق السياق{ولا أشرك به أحدا} وذلك للإشارة إلى علة الحكم بتعليقه بالوصف كأنه قال: ولا أشرك به أحدا لأنه ربي ولا يجوز الإشراك به لربوبيته.

وهذا بيان حال من المؤمن قبال ما ادعاه الكافر لنفسه والمعنى ظاهر.

قوله تعالى:{ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ } من تتمة قول المؤمن لصاحبه الكافر، وهو تحضيض وتوبيخ لصاحبه إذ قال لما دخل جنته:{ما أظن أن تبيد هذه أبدا} وكان عليه أن يبدله من قوله:{ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} فينسب الأمر كله إلى مشية الله ويقصر القوة فيه تعالى مبنيا على ما بينه له أن كل نعمة بمشية الله ولا قوة إلا به.

وقوله:{ما شاء الله} إما على تقدير: الأمر ما شاءه الله، أوعلى تقدير: ما شاءه الله كائن، وما على التقديرين موصولة ويمكن أن تكون شرطية والتقدير ما شاءه الله كان، والأوفق بسياق الكلام هو أول التقادير لأن الغرض بيان رجوع الأمور إلى مشية الله تعالى قبال من يدعي الاستقلال والاستغناء.

وقوله:{لا قوة إلا بالله} يفيد قيام القوة بالله وحصر كل قوة فيه بمعنى أن ما ظهر في مخلوقاته تعالى من القوة القائمة بها فهو بعينه قائم به من غير أن ينقطع ما أعطاه منه فيستقل به الخلق قال تعالى:{إن القوة لله جميعا}: البقرة: 165.

وقد تم بذلك الجواب عما قاله الكافر لصاحبه وما قاله عند ما دخل جنته.

قوله تعالى:{ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَى} إلى آخر الآيتين قال في المجمع،: أصل الحسبان السهام التي ترمى لتجري في طلق واحد وكان ذلك من رمي الأساورة، وأصل الباب الحساب، وإنما يقال لما يرمى به: حسبان لأنه يكثر كثرة الحساب.

قال: والزلق الأرض الملساء المستوية لا نبات فيها ولا شيء وأصل الزلق ما تزلق عنه الأقدام فلا تثبت عليه. انتهى.

وقد تقدم أن الصعيد هو سطح الأرض مستويا لا نبات عليه، والمراد بصيرورة الماء غورا صيرورته غائرا ذاهبا في باطن الأرض.

والآيتان كما تقدمت الإشارة إليه رد من المؤمن لصاحبه الكافر من جهة ما استعلى عليه بأنه أكثر منه مالا وأعز نفرا، وما أورده من الرد مستخرج من بيانه السابق ومحصله أنه لما كانت الأمور بمشية الله وقوته وقد جعلك أكثر مني مالا وأعز نفرا فالأمر في ذلك إليه لا إليك حتى تتبجح وتستعلي علي فمن الممكن المرجوأن يعطيني خيرا من جنتك ويخرب جنتك فيديرني إلى حال أحسن من حالك اليوم ويديرك إلى حال أسوأ من حالي اليوم فيجعلني أغنى منك بالنسبة إلي ويجعلك أفقر مني بالنسبة إليك.

والظاهر أن تكون{ترن} في قوله:{ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ} إلخ من الرأي بمعنى الاعتقاد فيكون من أفعال القلوب، و{أنا} ضمير فصل متخلل بين مفعوليه اللذين هما في الأصل مبتدأ وخبر، ويمكن أن يكون من الرؤية بمعنى الإبصار فأنا ضمير رفع أكد به مفعول ترن المحذوف من اللفظ.

ومعنى الآية إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا فلا بأس والأمر في ذلك إلى ربي فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها أي على جنتك مرامي من عذابه السماوي كبرد أوريح سموم أوصاعقة أونحو ذلك فتصبح أرضا خالية ملساء لا شجر عليها ولا زرع، أويصبح ماؤها غائرا فلن تستطيع أن تطلبه لإمعانه في الغور.

قوله تعالى:{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} إلى آخر الآية الإحاطة بالشيء كناية عن هلاكه، وهي مأخوذة من إحاطة العدو واستدارته به من جميع جوانبه بحيث ينقطع عن كل معين وناصر وهو الهلاك، قال تعالى:{ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ}: يونس: 22.

وقوله:{ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} كناية عن الندامة فإن النادم كثيرا ما يقلب كفيه ظهرا لبطن، وقوله:{ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} كناية عن كمال الخراب كما قيل فإن البيوت الخربة المنهدمة تسقط أولا عروشها وهي سقوفها على الأرض ثم تسقط جدرانها على عروشها الساقطة والخوي السقوط وقيل: الأصل في معنى الخلو.

وقوله:{ وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} أي يا ليتني لم أتعلق بما تعلقت به ولم أركن ولم أطمأن إلى هذه الأسباب التي كنت أحسب أن لها استقلالا في التأثير وكنت أرجع الأمر كله إلى ربي فقد ضل سعيي وهلكت نفسي.

والمعنى: وأهلكت أنواع ماله أوفسد ثمر جنته فأصبح نادما على المال الذي أنفق والجنة خربة ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ولم أسكن إلى ما سكنت إليه واغتررت به من نفسي وسائر الأسباب التي لم تنفعني شيئا.

قوله تعالى:{ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} الفئة الجماعة، والمنتصر الممتنع.

وكما كانت الآيات الخمس الأولى أعني قوله:{قال له صاحبه - إلى قوله - طلبا} بيانا قوليا لخطإ الرجل في كفره وشركه كذلك هاتان الآيتان أعني قوله:{وأحيط بثمره - إلى قوله - وما كان منتصرا} بيان فعلي له أما تعلقه بدوام الدنيا واستمرار زينتها في قوله:{ما أظن أن تبيد هذه أبدا} فقد جلى له الخطأ فيه حين أحيط بثمره فأصبحت جنته خاوية على عروشها، وأما سكونه إلى الأسباب وركونه إليها وقد قال لصاحبه {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا } فبين خطاؤه فيه بقوله تعالى:{ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وأما دعوى استقلاله بنفسه وتبجحه بها فقد أشير إلى جهة بطلانها بقوله تعالى:{ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا }.

قوله تعالى:{ هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} القراءة المشهورة{الولاية} بفتح الواووقرىء بكسرها والمعنى واحد، وذكر بعضهم أنها بفتح الواو بمعنى النصرة وبكسرها بمعنى السلطان، ولم يثبت وكذا{الحق} بالجر، والثواب مطلق التبعة والأجر وغلب في الأجر الحسن الجميل، والعقب بالضم فالسكون وبضمتين: العاقبة.

ذكر المفسرون أن الإشارة بقوله:{هنالك} إلى معنى قوله:{أحيط بثمره} أي في ذلك الموضع أوفي ذلك الوقت وهو موضع الإهلاك ووقته الولاية لله، وأن الولاية بمعنى النصرة أي إن الله سبحانه هو الناصر للإنسان حين يحيط به البلاء وينقطع عن كافة الأسباب لا ناصر غيره.

وهذا معنى حق في نفسه لكنه لا يناسب الغرض المسوق له الآيات وهو بيان أن الأمر كله لله سبحانه وهو الخالق لكل شيء المدبر لكل أمر، وليس لغيره إلا سراب الوهم وتزيين الحياة لغرض الابتلاء والامتحان، ولوكان كما ذكروه لكان الأنسب توصيفه تعالى في قوله:{لله الحق} بالقوة والعزة والقدرة والغلبة ونحوها لا بمثل الحق الذي يقابل الباطل، وأيضا لم يكن لقوله:{ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} وجه ظاهر وموقع جميل.

والحق والله أعلم أن الولاية بمعنى مالكية التدبير وهو المعنى الساري في جميع اشتقاقاتها كما مر في الكلام على قوله تعالى:{إنما وليكم الله ورسوله}: المائدة: 55 أي عند إحاطة الهلاك وسقوط الأسباب عن التأثير وتبين عجز الإنسان الذي كان يرى لنفسه الاستقلال والاستغناء ولاية أمر الإنسان وكل شيء وملك تدبيره لله لأنه إله حق له التدبير والتأثير بحسب واقع الأمر وغيره من الأسباب الظاهرية المدعوة شركاء له في التدبير والتأثير باطل في نفسه لا يملك شيئا من الأثر إلا ما أذن الله له وملكه إياه وليس له من الاستقلال إلا اسمه بحسب ما توهمه الإنسان فهو باطل في نفسه حق بالله سبحانه والله هو الحق بذاته المستقل الغني في نفسه.

وإذا أخذ بالقياس بينه - تعالى عن القياس - وبين غيره من الأسباب المدعوة شركاء في التأثير كان الله سبحانه خيرا منها ثوابا فإنه يثيب من دان له ثوابا حقا وهي تثيب من دان لها وتعلق بها ثوابا باطلا زائلا لا يدوم وهو مع ذلك من الله وبإذنه، وكان الله سبحانه خيرا منها عاقبة لأنه سبحانه هو الحق الثابت الذي لا يفنى ولا يزول ولا يتغير عما هو عليه من الجلال والإكرام، وهي أمور فانية متغيرة جعلها الله زينة للحياة الدنيا يتوله إليها الإنسان وتتعلق بها قلبه حتى يبلغ الكتاب أجله وإن الله لجاعلها صعيدا جرزا.

وإذا كان الإنسان لا غنى له عن التعلق بشيء ينسب إليه التدبير ويتوقع منه إصلاح شأنه فربه خير له من غيره لأنه خير ثوابا وخير عقبا.

وذكر بعضهم أن الإشارة بقوله:{هنالك} إلى يوم القيامة فيكون المراد بالثواب والعقب ما في ذلك اليوم.

والسياق كما تعلم لا يساعد على شيء من ذلك.

________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص249-258.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

تجسيد لموقف المستكبرين مِن المستضعفين:

في الآيات السابقة رأينا كيف أنَّ عبيد الدنيا كانوا يُحاولون الإِبتغاد في كل شيء عن رجال الحق وأهله المستضعفين، ثمّ عرَّفتنا الآيات جزاءهم في الحياة الأُخرى.

الآيات التي نبحثها تُشير إلى حادثة اثنين مِن الأصدقاء أو الإِخوة الذين يُعتبر كل واحد مِنهم نموذجاً لإِحدى المجموعتين، ويوضحان طريقة تفكير وقول وعمل هاتين المجموعتين.

في البداية تخاطب الآيات الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فتقول: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا}.

البستان والمزرعة كانَ فيهما كل شيء: العنب والتمر والحنطة وباقي الحبوب، لقد كانت مزرعة كاملة ومكفية مِن كل شيء: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا}.

والأهم مِن ذلك هو توفّر الماء الذي يُعتبر سر الحياة، وأمراً مهمّاً لا غنى للبستان والمزرعة عنه، وقد كانَ الماء بقدر كاف: {وفجرنا خلالهما نهراً}.

على هذا الأساس كانَت لصاحب البستان كل أنواع الثمار: {وكانَ لهُ ثمر}.

ولأنَّ الدنيا قد استهوته فقد أصيب بالغرور لضعف شخصيته ورأي أن الإِحساس العميق بالأفضلية والتعالي على الآخرين، حيث التفت وهو بهذه الحالة إِلى صاحبه: { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُو يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا }.

بناءاً على هذا فأنا أملك قوّة إِنسانية كبيرة وعندي مالٌ وثروة، وأنا أملك ـ أيضاً ـ نفوذاً وموقعاً إِجتماعياً، أمّا أنت (والخطاب لصاحبه) فماذا تستطيع أن تقول، وهل لديك ما تتكلم عنه؟!

لقد تضخَّم هذا الإِحساس ونما تدريجياً ـ كما هو حاله ـ ووصلَ صاحب البستان إلى حالة بدأ يظن معها أنَّ هذه الثروة والمال والجاه والنفوذ إِنّما هي أُمور أبديّة، فدخل بغرور إلى بستانه (في حين أنَّهُ لا يعلم بأنَّهُ يظلم نفسه) ونظر إلى أشجاره الخضراء التي كادت أغصانها أن تنحني مِن شدَّة ثقل الثمر، وسمع صوت الماء الذي يجري في النهر القريب من البستان والذي كان يسقي أشجاره، وبغفلة قال: لا أظن أن يفنى هذا البستان، وبلسان الآية وتصوير القرآن الكريم: { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا}.

بل عمدَ إِلى ما هو أكثر مِن هذا، إِذ بما أنَّ الخلود في هذا العالم بتعارض مع البعث والمعاد، لذا فقد فكَّر في إِنكار القيامة وقال: { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}وهذا كلام يعكس وهم قائلة وتمنياته!

ثمّ أضاف! حتى لو فرضنا وجود القيامة فإِنّي بموقعي ووجاهتي سأحصل عند ربّي ـ إذا ذهبت إليه ـ على مقام وموقع أفضل. لقد كان غارقاً في أوهامه { وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا}.

لقد أخذ صاحب البستان ضمن الحالة النفسية التي يعيشها والتي صورها القرآن الكريم، يضيف إلى نفسه في كل فترة وهماً بعد آخر مِن أمثال ما حكت عنهُ الآيات آنفاً، وعندَ هذا الحد انبرى لهُ صديقه المؤمن وأجابه بكلمات يشرحهما لنا القرآن الكريم.

جواب المؤمن:

هذه الآيات هي ردّ على ما نسجهُ من أوهام ذلك الغني المغرور العديم الإِيمان، نسمعها تجري على لسان صاحبه المؤمن.

لقد بدأ الكلام بعد أن ظلَّ صامتاً يستمع إلى كلام ذلك الرجل ذي الأفق الضيق والفكر المحدود، حتى ينتهي مِن كلامه، ثمّ قال له: { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}.

وهُنا قد يُثار هذا السؤال، وهو: إِنَّ كلام ذلك الرجل المغرور المتكبر الذي مرَّ ذكره في الآيات الآنفة، لم يصرّح فيه بإِنكار الحق جلَّ وعلا، في حين أنَّ جواب الإِنسان المؤمن ركزَّ فيه أوّلا على إِنكاره للخالق!؟ لذلك فإِنَّهُ وجَّه نظره أوّلا إلى قضية خلق الإِنسان التي هي من أبرز أدلة التوحيد والتوجّه نحو الخالق العالم القادر. الله الذي خلق الإِنسان مِن تراب، حيثُ امتصت جذور الأشجار المواد الغذائية الموجودة في الأرض، والأشجار بدورها أصبحت طعاماً للحيوانات، والإِنسان إِستفاد مِن هذا النبات ولحم الحيوان، وانعقدت نطفته مِن هذه المواد، ثمّ سلكت النطفة طريق التكامل في رحم الأُم حتى تحوَّلت إلى إِنسان كامل، الإِنسان الذي هو أفضل مِن جميع موجودات الأرض، فهو يُفكِّر ويُصَمِّم ويُسَخِّر كلَّ شيء لأجله.

نعم، إِنَّ هذا التراب عديم الأهمية يتحوَّل إلى هذا الموجود العجيب، مع هذه الأجهزة المعقدة الموجودة في جسم الإِنسان وروحه، وهذا مِن الدلائل العظيمة على التوحيد.

وفي الجواب على السؤال المُثار ذكر المفسّرون تفاسير مُعتدَّدة نجملها فيما يلي:

1 ـ قالت مجموعة مِنهم: بما أنَّ هذا الرجل المغرور أنكر بصراحة المعاد والبعث أو شكَكَ فيه، فإِنَّهُ يلزم من ذلك إنكار الخالق، لأنَّ مُنكر المعاد الجسماني يُنكر في الواقع قدرة الله، ولا يصدّق بأنَّ هذا التُراب المتلاشي سوف تعود لهُ الحياة مرّة أُخرى، لذا فإِنَّ الرجل المؤمن مع ذكره للخلق الأوّل مِن تُراب، ثمّ من نطفة، ثمّ بإِشارته للمراحل الأُخرى ـ أراد أن يُلفت نظره إلى القدرة غير المتناهية للخالق حتى يعلم بأنَّ قضية المعاد يُمكن مشاهدتها هُنا وتمثَّلها بأعيننا في واقع هذه الأرض.

2 ـ وقال آخرون: إنَّ شركهُ وكفرهُ كانا بسبب ما رَآه لِنفسه مِن إستقلال في المالكية وما تصوره مِن دوام وأبدية هذه الملكية.

3 ـ الإِحتمال الثّالث أنّه لا يبعد أن يكون الرجل قد أنكر الخالق في بعض كلامه ولم يذكر القرآن هذا المقطع من كلامه. وقد يتوضح الأمر بقرينة جواب الرجل المؤمن، لذا نرى في الآية التي بعدها أنَّ الرجل المؤمن قالَ لصاحب البستان ما مضمونه: إن كنت أنكرت وجود خالقك وسلكت طريق الشرك، إِلاَّ أنّني لا أفعل ذلك أبداً.

على أي حال، ثمّة علاقة واضحة تربط بين الإِحتمالات الثلاثة، ويُمكن أن يكون كلام الرجل المؤمن المُوَحِّد إشارة الى هذه الإِحتمالات جميعاً.

ثمّ عَمِد الرجل الموحِّد المؤمن إِلى تحطيم كُفر وغرور ذلك الرجل (صاحب البستان) فقال: { لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي}(2). وإنّي أفتخر بهذا الإِعتقاد وأتباهى به، إنّك تفتخر بأنّك تملك بستاناً ومزرعة وفواكه وماءاً كثيراً; إِلاَّ أنّني أفتخر بأنَّ الله ربّي، إِنَّهُ خالقي ورازقي; إِنّك تتباهى بدنياك وأنا أفتخر بعقيدتي وإِيماني وتوحيدي: { وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}.

وبعد أن أشار إِلى قضية التوحيد والشرك اللذين يُعتبران مِن أهم المسائل المصيرية، جدَّد لومه لصاحبه قائلا: { وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ}(3).

فلماذا لا تعتبر كل هذه النعم مِن الخالق جلَّ وعلا، ولماذا لم تشكره عليها. ولماذا لم تقل: { لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}.

فإِذا كُنت قد هيَّأت الأرض وبذرت البذور وزرعت الغرس وربيت الأشجار، وفعلت كلَّ شيء في وقته المناسب حتى وصل الأمر إلى ما وصل إِليه; فإنَّ كل هذه الأُمور هي مِن قدرة الخالق جلَّوعلا، وقد وَضع سبحانه وتعالى الوسائل والإِمكانات تحت تصرفك، حيث أنّك لا تملك شيئاً من عندك، وبدونه تكون لا شيء!

ثمّ يقول له: ليسَ مِن المهم أن أكون أقل مِنك مالا وولداً: { إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا}.

{ فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ}.

وليسَ فقط أن يُعطيني أفضل ممّا عندك، بل ويرسل صاعقة من السماء على بُستانك، فتصبح الأرض الخضراء أرض محروقة جرداء: { وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}.

أو أنَّهُ سبحانه وتعالى يُعطي أوامره إلى الأرض كي تمنعك الماء: { أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا}.

«حُسبان» على وزن «لقمان» وهي في الأصل مأخوذة مِن كلمة «حساب»، ثمّ وردت بعد ذلك بمعنى السهام التي تُحَسب عندَ رميها، وتأتي أيضاً بمعنى الجزاء المرتبط بحساب الأشخاص، وهذا هو ما تشير إليه الآية أعلاه.

«صعيد» تعني القشرة التي فوق الأرض. وهي في الأصل مأخوذة مِن كلمة صَعود.

«زلق» بمعنى الأرض الملساء بدون أي نباتات بحيث أنَّ قدم الإِنسان تنزلق عليها (الطريف ما يقوم به الإِنسان اليوم حيث تتمّ عملية تثبيت الأرض والرمال المتحركة، ومنع القرى مِن الإِندثار تحت هذه الرمال عند هبوب العواصف الرملية، وذلك مِن خلال زراعتها بالنباتات والأشجار، أو ـ كما يُصطلح عليه ـ إِخراجها مِن حال الزلق والإِنزلاق).

في الواقع، إِنَّ الرجل المؤمن والموحِّد حذَّر صديقه المغرور أن لا يطمأن لهذه النعم، لأنَّها جميعاً في طريقها إلى الزوال وهي غير قابلة للإِعتماد.

إِنَّهُ أراد أن يقول لصاحبه: لقد رأيت بعينيك ـ أو على الأقل سمعت بأذنك ـ كيف أنَّ الصواعق السماوية جعلت مِن البساتين والبيوت والمزروعات ـ وخلال لحظة واحدة ـ تلاًّ مِن التراب والدمار وأصبحت أرضهم يابسة عديمة الماء والكلأ.

وأيضاً سمعت أو رأيت بقيام هزة أرضية تطمس الأنهار وتُجفِّف العيون، بحيث تكون غير قابلة للإِصلاح والترميم.

وبمعرفتك لكل هذ الأُمور فَلِمَ هذا الغرور؟!

أنت الذي شاهدت أو سمعت كل هذا، فَلِمَ هذا الإِنشداد للأرض والهوى؟

ثمّ لماذا تقول: لا أعتقد أن تزول هذه النعم وأنّها باقية وخالدة; فلماذا هذا الجهل والبلاهة!!!؟

العاقبة السوداء:

أخيراً إنتهى الحوار بين الرجلين دون أن يُؤثر الشخص الموحِّد المؤمن في أعماق الغني المغرور، الذين رجع إلى بيته وهو يعيش نفس الحالة الروحية والفكرية، وغافل أنَّ الأوامر الإِلهية قد صدرت بإِبادة بساتينه ومزروعاته الخضراء، وأنَّهُ وَجَبَ أن ينال جزاء غروره وشركه في هذه الدنيا، لتكون عاقبته عبرة للآخرين.

ويحتمل أنَّ العذاب الإِلهي قد نزلَ في تلك اللحظة مِن الليل عِندما خيَّم الظلام، على شكل صاعقة مميتة أو عاصفة هوجاء مخيفة، أو على شكل زلزال مخرِّب ومدمِّر. وأيّاً كان فقد دُمِّرت هذه البساتين الجميلة والأشجار العالية والزرع المثمر، حيثُ أحاط العذاب الإِلهي بتلك المحصولات مِن كل جانب: (وأحيط بثمره).

«أحيط» مُشتقّة مِن «إِحاطة» وهي في هذه الموارد تأتي بمعنى (العذاب الشامل) الذي تكون نتيجته الإِبادة الكاملة.

وعند الصباح جاء صاحب البستان وتدور في رأسه الأحلام العديده ليتفقد ويستفيد من محصولات البستان، ولكنَّهُ قبل أن يقترب منه واجههُ مَنظر مُدهش وموحش، بحيث أنَّ فمهُ بقي مفتوحاً مِن شدة التعجُّب، وعيناه توقفتا عن الحركة والإِستدارة.

لم يكن يعلم بأنَّ هذا المنظر يشاهده في النوم أم في اليقظة! الأشجار جميعها ساقطة على التراب، النباتات مُدَمَّرة، وليسَ ثمّة أي أثر للحياة هُناك!

كان الأمر بشكل وكأنَّهُ لم يكن هُناك بستان ولا أراضي مزروعة، كانت أصوات (البوم) ـ فقط ـ تدوي في هذه الخرائب، قلبه بدأ ينبض بقوّة، بهت لونه، يَبَسَ الماء في فمه، وتحطَّم الكبرياء والغرور اللذان كانا يثقلان نفسه وعقله.

كأنَّهُ صحا مِن نوم عميق: { فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}.

وفي هذه اللحظة ندم على أقواله وأفكاره الباطلة: { وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}.

والأكثر حزناً وأسفاً بالنسبة لهُ هو ما أصبح عليه مِن الوحدة في مقابل كل هذه المصائب والإِبتلاءات: { وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.

ولأنَّهُ فقد ما كان يملكهُ مِن رأس المال ولم يبقي لديه شيء آخر، فإِنَّ مصيره: { وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا}.

لقد إنهارت جميع آماله وظنونه الممزوجة بالغرور، لقد أدت الحادثة إلى انتهاء كل شيء، فهو مِن جانب كانَ يقول: إِنّي لا أصدق بأنَّ هذه الثروة العظيمة مِن الممكن أن تفنى، إِلاَّ أنّني رأيت فناءها بعيني!

ومِن جانب آخر فقد كان يتعامل مع رفيقه المؤمن بكبر ويقول: إِنّني أقوى مِنك وأكثر أنصاراً ومالا، ولكنَّهُ بعد هذه الحادثة اكتشف أن لا أحد ينصره!

ومِن جانب ثالث فإِنَّهُ كان يعتمد على قوته وقدرته الذاتية، ويعتقد بأنَّ غير قدرته محدودة، لكنَّهُ بعدَ هذه الحادثة، وبعد أن لم يكن بمقدوره الحصول على شيء، انتبه إلى خطئه الكبير، لأنَّهُ لم يعد يتملك شيئاً يعوضه جانباً مِن تلك الخسارة الكبرى.

وعادةً، فإنَّ الأصدقاء الذين يلتفون حولَ الإِنسان لأجلِ المال والثروة مثلهم كمثل الذباب حول الحلوى، وقد يُفكِّر الإِنسان أحياناً بالإِعتماد عليهم في الأيّام الصعبة، ولكن عندما يُصاب فيما يملك يتفرق هؤلاء الخلاّن مِن حوله، لأنَّ صداقتهم له لم تكن لرابط معنوي، بل كانت لأسباب مادية، فاذا زالت هذه الأسباب انتفت الرفقة!

وهكذا انتهي كل شيء ولا ينفع الندم، لأنّ مِثل هذِه اليقظة الإِجبارية التي تحدث عندَ نزول الإِبتلاءات العظيمة يُمكن ملاحظتها حتى عندَ أمثال فرعون ونمرود، وهي بلا قيمة، لهذا فإِنّها لا تؤثِّر على حال مَن ينتبه.

صحيح أنَّهُ ذكر عبارة { لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} وهي نفس الجملة التي كانَ قد قالها لهُ صديقه المؤمن، إِلاَّ أنَّ المؤمن قالها في حالة السلامة وعدم الإِبتلاء، بينما ردَّدها صاحب البستان في وقت الضيق والبلاء.

(هُنالك الولاية لله الحق) نعم، لقد أتضح أنَّ جميع النعم مِنهُ تعالى، وأنَّ كل ما يريده تعالى يكون طوع إِرادته، وأنَّهُ بدون الإِعتماد على لُطفه لا يمكن إِنجاز عمل: { هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا}.

إِذن، لو أراد الإِنسان أن يحب أحداً ويعتمد على شيء ما، أو يأمل بهديه مِن شخص ما، فمن الأفضل أن يكون الله سبحانه محط أنظاره، وموقع آماله، ومِن الأفضل أن يتعلق بلطفه تعالى وإِحسانه.

______________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص507-515.

2 ـ كلمة (لكنّا) في الأصل كانت (لكن إنَّ) ثمّ دمجت وأصبحت هكذا.

3 ـ جمله (ما شاء الله) لها محذوف إِذ تكون مع التقدير: ما شاء الله كان، أو: ما شاء الله، فإِنَّ هذا هو الشيء الذي يريدهُ الله.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .