أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-04-2015
5002
التاريخ: 2023-11-23
1857
التاريخ: 20-04-2015
1742
التاريخ: 30-05-2015
1891
|
هناك ارتباط وثيق بين هذا الموضوع وبحث إعجاز القرآن ؛ لأنّنا نتعرّف من خلال ذلك البحث على أنّ القرآن ليس ظاهرة بشرية، وبالتالي ليس من صنع محمّد صلّى اللّه عليه وآله، وإنّما يكشف - بجوانب التحدّي فيه - عن ارتباطه بعالم الغيب وما وراء الطبيعة ، كما أشرنا إلى ذلك في بحث إعجاز القرآن.
وعلى هذا الأساس نجد أنّ مناقشة الشبهات - التي تثار حول الوحي القرآنيّ - لا بدّ وأن تعتمد بصورة رئيسية على نتائج بحث إعجاز القرآن . ولذا فنحن حين نذكر هنا بعض ما يثار حول الوحي نقصد بذلك أن نعالج بعض التفاصيل ذات العلاقة بهذه الإثارة دون الجانب الأساسيّ للمسألة.
ولعلّ من أخبث الأساليب في إثارة الشبهة حول الوحي، هو الاسلوب الذي يحاول أن يضفي على النبي محمّد صلّى اللّه عليه وآله صفات الصدق والأمانة والإخلاص والذكاء، الأمر الذي أدّى به أن يتخيّل نفسه أنّه ممّن يوحى إليه، وهو ما يسمّى بالوحي النفسي ... فإنّ هذا الاسلوب يحاول أن يستر دوافعه المغرضة بمظاهر الانصاف والمحبّة والإعجاب.
القرآن وحي نفسيّ لمحمّد (صلى الله عليه واله وسلم)
وخلاصة ما قيل في صياغة هذه الشبهة : أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه وآله قد أدرك بقوّة عقله الذاتيّة- وبما يتمتّع به من نقاء وصفاء روحي ونفسي- بطلان ما كان عليه قومه من عبادة الاصنام، كما ادرك ذلك أيضا أفراد آخرون من قومه. وإنّ فطرته الزكية- بالاضافة إلى بعض الظروف الموضوعيّة كالفقر- حالت دون أن يمارس أساليب الظلم الاجتماعي من الاضطهاد، وأكل المال بالباطل، أو الانغماس في الشهوات، وارتكاب الفواحش كالاستمتاع بالسكر والتسرّي وعزف القيان وغير ذلك من القبائح.
وأنه طال تفكيره من أجل إنقاذهم من ذلك الشرك القبيح وتطهيرهم من تلك الفواحش والمنكرات، وقد استفاد من النصارى الذين لقيهم في أسفاره أو في مكة نفسها كثيرا من المعلومات عن الأنبياء والمرسلين ممّن بعثهم اللّه في بني اسرائيل وغيرهم، فأخرجوهم من الظلمات إلى النور. كما أنه لم يقبل جميع المعلومات التي وصلت إليه من هؤلاء النصارى، لما عرض للنصرانية من الأفكار الوثنيّة والانحرافات، كألوهية المسيح وامّه، وغير ذلك من البدع.
وانه كان قد سمع أنّ اللّه سيبعث نبيّا مثل أولئك الأنبياء من عرب الحجاز بشّر به عيسى المسيح وغيره من الأنبياء، وتولّد في نفسه أمل ورجاء في أن يكون ذلك النبيّ الذي آن أوانه. وأخذ يتوسّل إلى تحقيق هذا الأمل بالانقطاع إلى عبادة اللّه تعالى في خلوته بغار حراء.
وهنالك قوي إيمانه وسما وجدانه، فاتّسع محيط تفكيره وتضاعف نور بصيرته، فاهتدى عقله الكبير إلى الآيات والدلائل البيّنة في السماء والارض، على وحدانيّة اللّه سبحانه خالق الكون ومدبّر اموره. وبذلك أصبح أهلا لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
ثم ما زال يفكّر ويتأمّل وينقلب بين الآلام والآمال حتى أيقن أنه هو النبي المنتظر، الذي يبعثه اللّه لهداية البشريّة، وتجلّى له هذا الاعتقاد في الرؤى المناميّة ثم قوي حتّى صار يتمثّل له الملك يلقّنه الوحي في اليقظة.
وأمّا المعلومات التي جاءته من هذا الوحي، فهي مستمدّة في الأصل من تلك المعلومات، التي حصل عليها من اليهود والنصارى، وممّا هداه إليه عقله وتفكيره، في التمييز بين ما يصحّ منها وما لا يصحّ، ولكنّها كانت تتجلّى وكأنّها وحي السماء، وخطاب الخالق عزّ وجلّ، يأتيه بها الناموس الأكبر، الذي كان ينزل على موسى بن عمران وعيسى بن مريم، وغيرهما من النبيّين.
مناقشة الشبهة
وإذا أردنا أن ندرس هذه النظرية (نظرية الوحي النفسي)، لا نجدها تصمد أمام النقد والمناقشة العلمية، إذ يمكن أن يلاحظ عليها من خلال جوانب ثلاثة :
الاول :
أنّ الدلائل التاريخية، وطبيعة الظروف التي مرّ بها النبي صلّى اللّه عليه وآله تأبى التصديق بهذه النظرية وقبولها.
الثاني :
أنّ المحتوى الداخلي للظاهرة القرآنية، بما يضمّ من تشريع وأخلاق وعقائد وتاريخ، لا يتّفق مع هذه النظرية في تفسير الوحي القرآني.
الثالث :
أنّ موقف النبيّ محمّد صلّى اللّه عليه وآله من الظاهرة القرآنية، يشهد بوضوح على رفض تفسير الظاهرة القرآنية بنظرية الوحي النفسي.
1) الدلائل التاريخية تناقض نظريّة الوحي النفسي
لقد ذكر السيد رشيد رضا - بصدد مناقشته للمقدّمات التاريخية وغيرها التي رتّبها (درمنغام) لعرض نظرية الوحي النفسي- عشر ملاحظات وسوف نقتصر على تلخيص بعضها.
الاولى :
أنّ أكثر المقدّمات - التي بنى عليها أصحاب النظرية بنيانهم ونظريّتهم- لا تقوم على أساس تاريخي صحيح، وانما تنطلق من نقطة مفروضة على البحث بشكل مسبق، وهي أنّ الوحي القرآني ليس وحيا منفصلا عن الذّات المحمّدية، الأمر الذي كان يدعو أصحاب النظريّة إلى اختلاق الحوادث والأخبار، أو تخيّلها من أجل إكمال الصورة ووصل بعض الحلقات ببعضها الآخر.
ومن الأمثلة على ذلك ما يذكرونه من تفاصيل في مسألة لقاء الراهب بحيرا مع محمّد صلّى اللّه عليه وآله وهو بصحبة عمّه أبي طالب، الأمر الذي يدعوهم إلى الاستنتاج وافتراض محادثات دينية وفلسفية معقّدة.
وما يذكرونه أيضا بصدد تعليل اطّلاعه على أخبار عاد وثمود، من أنّه كان نتيجة مروره بأرض الأحقاف، بالرغم من أنّ هذه الأرض لا تقع على الطريق الاعتيادي لمرور القوافل التجارية، كما أنّ التاريخ لم يذكر لنا مرور النبيّ بها، إلى غير ذلك من الأحداث والقضايا.
الثانية :
أنّ افتراض تعلّم النبيّ محمّد صلّى اللّه عليه وآله من نصارى الشام وغيرهم لا يتّفق مع واقع الحيرة والتردّد في موقف المشركين من رسول اللّه؛ لأنّ مثل هذه العلاقة لا يمكن التستّر عليها أمام أعداء الدعوة من المشركين وغيرهم، الذين عاصروه وعرفوا أخباره وخبروا حياته العامّة بما فيها من سفرات ورحلات، وبالرغم من أنّ هؤلاء لم يمسكوا عن إطلاق شتّى التهم والأراجيف، وافترضوا في الوحي الفروض المتعددة، ومنها فرض التعليم والتلقّي من أشخاص معيّنين، كالرومي في مكة . (1) ولكن مع ذلك كلّه لم يكونوا ليفرضوا أن يكون قد تعلّم من نصارى الشام أو غيرهم.
الثالثة :
أنّه لم يعرف عن الرسول محمّد صلّى اللّه عليه وآله، أنه كان ينتظر أن يفاجأ بالوحي، أو يأمل أن يكون هو الرسول المنتظر، لينمو ويتطوّر هذا الأمل في نفسه، فيصبح واقعا نفسيّا، بالرغم من تدوين كتب السيرة النبويّة لأدقّ الأحداث والتفصيلات عن حياة الرسول الشخصية.
ولعلّ من القرائن التاريخية التي تشهد بكذب هذا الافتراض هو ما ذكرته كتب السيرة من اضطراب النبيّ وخوفه. حين فاجأه الوحي في غار حراء «وهذا الاضطراب أمر مشكوك فيه تماما».
الرابعة :
أنّ هذا النظرة تفرض أن يكون إعلان النبوّة نتيجة مرحلة معينة من التكامل العقلي والنفسي، ونتيجة مراحل طويلة من المعاناة والتفكير والتأمّل والحساب ... وهذا يستلزم بطبيعة الحال أن ينطلق الرسول في اللحظة الاولى من دعوته إلى طرح مفاهيمه وأفكاره ومناهجه عن الكون والحياة والمجتمع بجوانبه المتعددة؛ لأنّ المفروض أنّ الصورة كانت متكاملة عنده نتيجة التفكير الطويل ... مع أنّ التاريخ يؤكّد أنّ اسلوب الدعوة وطريقتها كان يختلف عن ذلك تماما، وأنّ الانطلاق إلى المجالات الاخرى بشكل تدريجي مع ما كان يتخلّل ذلك من ركود وانقطاع في الوحي.
2) المحتوى الداخلي للظاهرة القرآنية يناقض نظرية الوحي النفسي
إنّ لسعة النظرية القرآنية وآفاقها المتعددة ومجالاتها المتشبعة، أهمّية كبرى في رفض نظرية الوحي النفسي؛ إذ إنّ هذا الاتّساع والشمول لا يتّفق مع طبيعة المصادر التي تفرضها النظرية. ويتضح ذلك عند ما نلاحظ الامور التالية :
الأوّل :
إنّ الموقف العام للقرآن الكريم تجاه الديانتين اليهودية والمسيحية، هو موقف المصدّق لهما والمهيمن عليهما. فقد صدّق القرآن الكريم الأصل الإلهي لهاتين الديانتين وارتباطهما بالمبدإ الأعلى. كما جاء مهيمنا ورقيبا وحاكما على ما فيهما من ضلالات.
وجاءت هذه الرقابة دقيقة شاملة. فلم تترك مفهوما أو حكما أو حادثة إلّا ووضعت المقياس الصحيح فيه. ولا يمكن أن تتصور محمّدا صلّى اللّه عليه وآله- وهو يأخذ عن أهل الكتاب- يتمكن من أن يصفهم بالجهل والتحريف والتبديل بمثل هذا اليقين والثبات، ويوضح الموقف الصحيح في المسائل الكبرى التي اختلفوا فيها أو خالفوا الواقع الصحيح للديانة ثم تأتي نظريته بعد ذلك كلمة شاملة ودقيقة ليس فيها تناقض ولا اختلاف. ولكنّ محمّدا لم يكن قد أخذ منهم شيئا. وإنّما تلقّى كل ذلك عن الوحي الإلهي الذي جاء مصدّقا لما سبقه من الوحي ومهيمنا على الانحراف والتحريف معا.
الثاني :
ونجد القرآن أيضا يخالف التوراة والإنجيل في بعض الأحداث التاريخية، فيذكرها بدقّة متناهية ويتمسّك بها بإصرار، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يتجاهل على الأقل، تفاديا للاصطدام بالتوراة والإنجيل.
ففي قصّة موسى يشير القرآن إلى أنّ التي كفلت موسى هي امرأة فرعون، مع أنّ سفر الخروج يؤكّد أنها كانت ابنته. كما أنّ القرآن يذكر غرق فرعون بشكل دقيق لا يتجاهل حتى مسألة نجاة بدن فرعون من الغرق مع موته وهلاكه { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } [يونس : 92] في الوقت الذي نجد التوراة تشير إلى غرق فرعون بشكل مبهم. ويتكرّر نفس الموقف في قضية العجل، حيث يذكر التوراة أنّ الذي صنعه هو هارون، ويتكرّر أيضا في قصّة ولادة مريم للمسيح (عليهما السلام ) وغيرهما من القضايا ...
ولا يصحّ لمحمّد صلّى اللّه عليه وآله وهو الإنسان الصادق الأمين الذكي أن يذكر هذه التفاصيل، فيصطدم بالتوراة والإنجيل دون سبب معقول، لو لا أن يكون قد تلقّى ذلك عن طريق الوحي الالهي الذي لا يستطيع مخالفته.
الثالث :
إنّ سعة التشريع الإسلامي وعمقه وشموله للمجالات المختلفة من الحياة، مع دقّة التفاصيل التي تناولها، والانسجام الكبير بين هذه التفصيلات، برهان واضح على تلقّيه ذلك عن طريق الوحي. إذ لم يكن لمحمّد صلّى اللّه عليه وآله- وهو الإنسان الامّي، الذي كان يعيش في ذلك العصر المظلم، كما أنّه قضى أكثر حياة دعوته في خضم الصراع الاجتماعي ...- ليتمكّن كإنسان أن يفعل ذلك لو لا أن يكون قد تلقّى ذلك عن طريق الوحي والسماء.
3) موقف النبي من الظاهرة القرآنية شاهد على رفض نظرية الوحي النفسي (2)
لقد كان النبيّ محمّد صلّى اللّه عليه وآله، يدرك بشكل واضح، الانفصال التام بين ذاته المتلقّية والذات الالهية الملقية من أعلى. وهذا الادراك هو حقيقة الوحي الذي أشرنا إليه سابقا. وقد صوّر الرسول صلّى اللّه عليه وآله هذا الوعي والادراك في مناسبات متعددة وأوضحه للمسلمين فيما روي عنه حيث قال : «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليّ فيفصم عنّي وقد وعيت ما قال. وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول» . (3)
_________________________
(1) { ولَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} : ( النحل : 103)
(2) لخّصنا هذا الموضوع عن الدكتور صبحي الصالح في كتابه ( مباحث علوم القرآن) : ص 28- 38 وهو بدوره أخذه كما يظهر من الدكتور محمّد عبد اللّه دراز في كتابه « النبأ العظيم» ومالك بن نبي في كتابه« الظاهرة القرآنية».
(3) صحيح البخاري ، كتاب بدء الوحي ، الحديث رقم 2.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|