المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17644 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

النظرة النبوية في النقد الأدبي
4-6-2017
نص الرسالة الطبية الذهبية
31-7-2016
ما معنى إحكامه سبحانه آياته ؟
24-11-2014
تزاحم الوصايا
26-9-2018
SPATIAL ENERGY DISTRIBUTIONS: TRANSVERSE MODES
17-3-2016
حمل النظير على النظير
2023-03-12


تفسير الاية (73-77) من سورة الأسراء  
  
8275   06:53 مساءً   التاريخ: 22-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الإسراء /

 

قال تعالى: { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا } [الإسراء: 73 - 77]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 حكى الله سبحانه عن الكفار فقال: { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} إن هذه مخففة من الثقيلة والمعنى أن المشركين الذين تقدم ذكرهم في هذه السورة هموا وقاربوا أن يزلوك ويصرفوك عن القرآن الذي أوحينا إليك أي من حكمه { لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} أي: لتخترع علينا غير ما أوحيناه إليك والمعنى لتحل محل المفتري لأنك تخبر إنك لا تنطق إلا عن وحي فإذا اتبعت أهواءهم أوهممت أنك تفعله بأمر الله فكنت كالمفتري { وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} معناه: وإنك لو أجبتهم إلى ما طلبوا منك لتولوك وأظهروا خلتك أي صداقتك لموافقتك معهم وقيل: هو من الخلة التي هي الحاجة أي فقيرا محتاجا إليهم والأول أوجه.

{ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} أي: ثبتنا قلبك على الحق والرشد بالنبوة والعصمة والمعجزات وقيل بالألطاف الخفية { لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} أي: ركونا قليلا والمعنى لقد قاربت أن تسكن إليهم بعض السكون وأن تميل إليهم ميلا قليلا فتعطيهم بعض ما سألوك يقال كدت أفعل كذا أي: قاربت أن أفعله ولم أفعله وقد صح عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قوله وضع عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أوتتكلم به قال ابن عباس يريد حيث سكت عن جوابهم والله أعلم بنبيه ثم توعده سبحانه على ذلك لو فعله فقال { ذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} أي: لو فعلت ذلك لعذبناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات أي: مثلي ما نعذب به المشرك في الدنيا ومثلي ما نعذب به المشرك في الآخرة لأن ذنبك يكون أعظم وقيل إن المراد بالضعف العذاب المضاعف ألمه والمعنى لأذقناك عذاب الدنيا وعذاب الآخرة عن أبان بن تغلب وأنشد قول الشاعر :

لمقتل مالك إذ بأن سني                              أبيت الليل في ضعف أليم

 أي عذاب قال ابن عباس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) معصوم ولكن هذا تخويف لأمته لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين في شيء من أحكام الله وشرائعه { ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} أي: ناصرا ينصرك وقال إنه لما نزلت هذه الآية قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا عن قتادة .

ثم بين سبحانه أن الكفار لما يئسوا من إجابته إياهم فيما التمسوه منه كادوا له فقالوا: { وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} معناه: وإن المشركين أرادوا أن يزعجوك من أرض مكة بالإخراج عن قتادة ومجاهد وقيل: عن أرض المدينة يعني اليهود عن ابن عباس وقيل: يعني جميع الكفار أرادوا أن يخرجوك من أرض العرب عن الجبائي وقال الحسن: ليستفزونك معناه ليقتلونك { وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} معناه: أنهم لو أخرجوك لكانوا لا يلبثون بعد خروجك إلا زمانا قليلا ومدة يسيرة قيل وهي المدة بين خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من مكة وقتلهم يوم بدر عن الضحاك وقيل: إنهم أخرجوه وأهلكوا والمراد بقوله { إلا قليلا } إلا ناسا قليلا منهم يريد من انفلت منهم يوم بدر وآمنوا بعد ذلك.

 { سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا} معناه: أنهم لو أخرجوك لاستاصلناهم بعد خروجك كسنتنا فيمن قبلك قال سفيان بن عيينة يقول لم نرسل قبلك رسولا فأخرجه قومه إلا أهلكوا فقد سننا هذه السنة فيمن أرسلنا قبلك إليهم { وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} أي: تبديلا ومعناه ما يتهيأ لأحد أن يقلب سنة الله ويبطلها والسنة هي العادة الجارية والصحيح أن المعنيين في الآية مشركو مكة وأنهم لم يخرجوه من مكة ولكنهم هموا بإخراجه كما في قوله { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} إلى قوله { أويخرجوك } ثم خرج (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما أمر بالهجرة خوفا منهم وندموا على خروجه ولذلك ضمنوا الأموال في رده فلم يقدروا على ذلك ولوأخرجوه لاستؤصلوا بالعذاب ولماتوا طرا .

______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص278-280.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } . ضمير كادوا ويفتنونك يعود إلى المشركين ، فلقد حاولوا أن يساوموا رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم ) في أن يستجيبوا له ، ويتخذوه وليا وصدّيقا لبعض ما يريدون . . . من ذلك أن يتمسح بآلهتهم ، كما في بعض الروايات ، أويترك التنديد بها - على الأقل - ولكن النبي لم يستجب لطلب المشركين لأنه معصوم ، والمعصوم لا يساوم على دينه ورسالته .

وتسأل : ان قوله تعالى : { كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ } يدل على أنه همّ وأوشك أن يستجيب لمساومتهم ؟ .

الجواب : ان هذه الآية تتصل اتصالا وثيقا بالآية التي تليها بلا فاصل ، وهي قوله تعالى : { ولَولا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } ولولا حرف امتناع تدخل على جملتين ، وتربط امتناع الجملة الثانية بوجود الأولى ، والجملة الممتنعة هي لقد كدت ، والجملة المانعة هي ثبتناك أي عصمناك ، وعليه يكون المعنى انك يا محمد لولا عنايتنا بك بالعصمة عن الذنب لأوشكت أن تركن إلى المشركين ، وتستجيب لهم ، فالعصمة هي التي منعتك عن الاستجابة . .

وهذا تماما كقول القائل: لولا فلان لهلكت. وتقدم نظيره في ج 4 ص 303 عند تفسير الآية 24 من سورة يوسف: « ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها لَولا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ». هذا إلى أن التفكير بالفعل شيء ، ومباشرته شيء آخر ، وقد تواتر عن النبي أنه قال : « وضع عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تفعل أوتتكلم » أي ان مجرد حديث النفس لا أثر له ، وفي رواية ان المشركين حين عرضوا على النبي ما عرضوا سكت عن جوابهم .

{ إِذاً لأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وضِعْفَ الْمَماتِ } . ضعف الشيء ما زاد عليه بمقداره ،والمعنى لو ركنت إلى المشركين يا محمد لعذبناك بمثلي عذاب غيرك في الدنيا والآخرة لو فعل ذلك ، لأن عقوبة العظماء تكون على مقدار عظمتهم ومكانتهم . . . هذا مجرد فرض، وفرض المحال ليس بمحال { ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً } يدفع عنك العذاب. وفي نهج البلاغة: « يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر، فيلقى في جهنم، يدور فيها كما تدور الرحى، ثم يربط في قعرها ».

{ وإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً } . لما عجز المشركون عن استدراج النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) إلى المساومة حاولوا أن يستخفوه ويزعجوه بكل وسيلة لكي يخرج من مكة ، ولوأخرجوه لأهلكهم اللَّه بعد خروجه بزمن قليل .

وتسأل : من المعلوم ان المشركين اتفقوا على قتل النبي حتى اضطر إلى الخروج من مكة خائفا يترقب . . . ذكرنا ذلك في ج 3 ص 472.

الجواب : المراد ان المشركين لو اخرجوا النبي عنوة وقسرا بحيث يصبح شريدا طريدا لا يدري أين يتجه لعجل اللَّه في هلاكهم . . ولكن النبي حسين خرج من مكة انما خرج منها بأمر اللَّه إلى قوم يفدونه بالأنفس والمال والعيال .

{ سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا ولا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً }. لقد سبق في حكم اللَّه وقضائه ان أي قوم  يخرجون نبيهم من دياره قسرا وعنوة أن يعجل في هلاكهم . . . وهذي هي سنته في خلقه لا تتغير ولا تتبدل، بل تطرّد في كل زمان ومكان.

_________________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 71-72.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

تذكر الآيات بعض مكر المشركين بالقرآن وبالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - بعد ما ذمتهم على تماديهم في إنكار التوحيد والمعاد واحتجت عليهم في ذلك - حيث أرادوا أن يفتنوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بعض ما أوحي إليه ليداهنهم فيه بعض المداهنة، وأرادوا أن يخرجوه من مكة.

وقد أوعد الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أشد الوعيد إن مال إلى الركون إليهم بعض الميل، وأوعدهم أن أخرجوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهلاك.

وفي الآيات إيصاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلوات والالتجاء بربه في مدخله ومخرجه وإعلام ظهور الحق.

قوله تعالى:{وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا} إن مخففة بدليل اللام في{ليفتنونك} والفتنة الإزلال والصرف، والخليل من الخلة بمعنى الصداقة وربما قيل: هو من الخلة بمعنى الحاجة وهو بعيد.

وظاهر السياق أن المراد بالذي أوحينا إليك القرآن بما يشتمل عليه من التوحيد ونفي الشريك والسيرة الصالحة وهذا يؤيد ما ورد في بعض أسباب النزول أن المشركين سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكف عن ذكر آلهتهم بسوء ويبعد عن نفسه عبيدهم المؤمنين به والسقاط حتى يجالسوه ويسمعوا منه فنزلت الآيات.

والمعنى: وإن المشركين اقتربوا أن يزلوك ويصرفوك عما أوحينا إليك لتتخذ من السيرة والعمل ما يخالفه فيكون في ذلك افتراء علينا لانتسابه بعملك إلينا وإذا لاتخذوك صديقا.

قوله تعالى:{ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} التثبيت - كما يفيده السياق – هو العصمة الإلهية وجعل جواب لولا قوله:{لقد كدت تركن} دون نفس الركون والركون هو الميل أوأدنى الميل كما قيل دليل على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يركن ولم يكد، ويؤكده إضافة الركون إليهم دون إجابتهم إلى ما سألوه.

والمعنى: ولولا أن ثبتناك بعصمتنا دنوت من أن تميل إليهم قليلا لكنا ثبتناك فلم تدن من أدنى الميل إليهم فضلا من أن تجيبهم إلى ما سألوا فهو(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجبهم إلى ما سألوا ولا مال إليهم شيئا قليلا ولا كاد أن يميل.

قوله تعالى:{ إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} سياق الآية سياق توعد فالمراد بضعف الحياة والممات المضاعف من عذاب الحياة والممات، والمعنى لو قارنت أن تميل إليهم بعض الميل لأذقناك الضعف من العذاب الذي نعذب به المجرمين في حياتهم والضعف مما نعذبهم به في مماتهم أي ضعف عذاب الدنيا والآخرة.

ونقل في المجمع، عن أبان بن تغلب أن المراد بالضعف العذاب المضاعف ألمه والمعنى لأذقناك عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وأنشد قول الشاعر:

لمقتل مالك إذ بان.مني.                              أبيت الليل في ضعف أليم.

أي: في عذاب أليم.

وما في ذيل الآية من قوله:{ثم لا تجد لك علينا نصيرا} تشديد في الإيعاد أي إن العذاب واقع حينئذ لا مخلص منه.

قوله تعالى:{ وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} الاستفزاز الإزعاج والتحريك بخفة وسهولة، واللام في{الأرض} للعهد والمراد بها مكة، والخلاف بمعنى بعد، والمراد بالقليل اليسير من الزمان.

والمعنى وإن المشركين قاربوا أن يزعجوك من أرض مكة لإخراجك منها ولو كان منهم وخرجت منها لم يمكثوا بعدك فيها إلا قليلا فهم هالكون لا محالة.

وقيل: هؤلاء الذين كادوا يستفزونه هم اليهود أرادوا أن يخرجوه من المدينة وقيل: المراد المشركون واليهود أرادوا جميعا أن يخرجوه من أرض العرب.

ويبعد ذلك أن السورة مكية والآيات ذات سياق واحد وابتلاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باليهود إنما كان بالمدينة بعد الهجرة.

قوله تعالى:{ سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} التحويل نقل الشيء من حال، إلى حال، وقوله:{سنة} أي كسنة من قد أرسلنا وهو متعلق بقوله:{لا يلبثون} أي لا يلبثون بعدك إلا قليلا كسنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا.

وهذه السنة وهي إهلاك المشركين الذين أخرجوا رسولهم من بلادهم وطردوه من بينهم سنة لله سبحانه، وإنما نسبها إلى رسله لأنها مسنونة لأجلهم بدليل قوله بعد:{ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} وقد قال تعالى:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ}: إبراهيم: 13.

والمعنى: وإذا نهلكهم لسنتنا التي سنناها لأجل من قد أرسلنا قبلك من رسلنا وأجريناها ولست تجد لسنتنا تحويلا وتبديلا.

____________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص139-141.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

بما أنَّ الآيات السابقة كانت تبحث حول الشرك والمشركين، لذا فإِنَّ الآيات التي نبحثها تحذَّر الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) مِن وساوس وإِغواءات هذه المجموعة، حيث لا يجوز أن يُبدي أدنى ضعف في محاربة الشرك وعبادة الأصنام، بل يجب الإِستمرار بصلابة أكبر.

في البداية تقول الآية أنّ وساوس المشركين كادت أن تؤثر فيك: { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا}.

ثمّ بعد ذلك تضيف أنّه لولا نور العصمة وأنّ اللّه تعالى ثبّتك على الحق: { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}.

وأخيراً لو أنّك ركنت اليهم فسوف يكون جزاءك ضعف عذاب المشركين في الحياة الدنيا، وضعف عذابهم في الآخرة: { إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}.

مُؤامرة خبيثة أُخرى:

في الآيات السابقة رأينا كيف أنَّ المشركين أرادوا مِن خلال مكائدهم المختلفة أن يحرفوا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن الطريق المستقيم، لكن الله أنجاه بلطفه له ورعايته إِيّاه، وبذلك فشلت خطط المشركين.

بعد تلك الأحداث، وطبقاً للآيات التي بين أيدينا، وضع المشركون خطّة أُخرى للقضاء على دعوة الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه الخطّة تقضي بإِبعاد الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)عن مسقط رأسه (مكّة) إِلى مكان آخر قد يكون مجهولا وبعيداً عن الأنظار. إِلاَّ أنَّ هذه الخطّة فشلت أيضاً بلطف الله أيضاً.

الآية الأُولى تقول: { وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} بخطة دقيقة.

وبما أنَّ كلمة «يستفزونك» مُشتقة مِن «استفزاز» التي تأتي في بعض الأحيان بمعنى قطع الجذور، وفي أحيان أُخرى بمعنى الإِثارة مع السرعة والمهارة، فإِنّنا نفهم مِن ذلك أنَّ المشركين وضعوا خطّة محكمة تجعل الوسط المحيط بالرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) غير مناسب له، وتُثير عامّة الناس ضدَّه كي يخرجوه بسهولة مِن مكّة. لكن هؤلاء لا يعرفون أنَّ هناك قوّة أعظم مِن قوّتهم، وهي قوّة الخالق الكبير حيث تتلاشى إِرادتهم دون إِرادته عزَّوجلّ.

ثمّ يحذّرهم القرآن بعد ذلك بقوله: { وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}فهؤلاء سيُبادون بسرعة بسبب ذنبهم العظيم في إِخراج القائد الكفوء ـ الذي تذهب نفسه حسرات على العباد ـ مِن البلد، إِذ يعتبر ذلك أوضح مداليل كفران النعمة، ومثل هؤلاء القوم لا يستحقون الحياة ويستحقون العذاب الإِلهي.

إِنَّ هذا الأمر لا يخص مشركي العرب وحسب، بل هو { سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا}. وهذه السنة تنبع مِن مَنطق واضح، حيث أنَّ هؤلاء القوم لا يشكرون النعم، ويحطمون مصباح هدايتهم ومنبع النور إِليهم بأيديهم، إنَّ مِثل هؤلاء الأقوام لا يستحقون رحمة الخالق، وإِنَّ العقاب سيشملهم. ونعلم هُنا أنَّ الله تبارك وتعالى لا يفرق بين عباده، وبذلك فإِنَّ الأعمال المتشابهة في الظروف المتشابهة لها عقاب مُتشابه، وهذا هو معنى عدم اختلاف سنن الخالق جلَّوعلا.

إِنَّ السنن الإِلهية هي عكس السنن والقوانين التي يضعها البشر حيث تقتضي مصالحهم في يوم أن تكون هناك سنة أو قانون معين، وفي يوم آخر يمكن أن تنقلب هذه السُنَّة أو القانون إِلى عكسه تماماً.

ونعرف هنا أنَّ اختلاف السنن والقوانين البشرية إِمّا أن يعود إِلى عدم وضوح الأُمور، والتي عادة ما تتوضح بمرور الزمن، وتنكشف للإِنسان اشتباهاته وأخطاؤه، أو أنَّ السبب في ذلك يعود إِلى مُقتضيات المصالح الخاصّة وشروط الحياة التي تتحوَّل وتتغيَّر في كل وقت. ولمّا كانت هذه الأُمور لا تؤثِّر على الإِرادة الإِلهية، فإِنَّ ما يصدر عن الحكمة الإِلهية مِن سنن تكون ثابتة في جميع الحالات والشرائط.

________________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص357-363.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .