المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6857 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

condition (n.)
2023-07-17
المبيدات الميكروبية لمكافحة الحشرات
22-7-2019
النواهي
30-8-2016
كيفية زراعة محصول القمح
9-3-2016
daughter-dependency grammar (DDG)
2023-08-03
مدينة طولكرم
2-2-2016


معركة تستر والهرمزان  
  
5605   04:14 مساءً   التاريخ: 24-7-2020
المؤلف : علي الكوراني العاملي
الكتاب أو المصدر : قراءة جديدة للفتوحات الإسلامية
الجزء والصفحة : ج1، ص226-248
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / الخلفاء الاربعة / عمربن الخطاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-11-2016 1321
التاريخ: 24-7-2020 2686
التاريخ: 25-5-2021 3609
التاريخ: 28-7-2020 2276

معركة تستر والهرمزان

أرسل يزدجرد الهرمزان إلى تستر

بعد انتصار المسلمين في القادسية وانهزام جيش الفرس ، لم يستطع يزدجرد أن يجمع قواته ، كما تأخر وصول القوات إليه من داخل إيران ، فهرب إلى حلوان .

ثم وصلت القوات الآتية للدفاع عن المدائن ، فتجمعت في جلولاء وخانقين .

لذلك فتح المسلمون المدائن بدون معركة مهمة ، وتوجهوا إلى جلولاء فكانت معركة كبيرة قادها البطل الشيعي هاشم المرقال ، ورفقاؤه الأبطال أمثال حجر بن عدي ، وعدي بن حاتم الطائي ، وعمرو بن معدي كرب ، وانتصروا ، وتقدموا إلى حلوان ففتحوها بدون قتال يذكر ، فهرب يزدجرد إلى أصفهان .

قال البلاذري : 2 / 387 : « هرب يزدجرد من المدائن إلى حلوان ، ثم إلى إصبهان فلما فرغ المسلمون من أمر نهاوند ، هرب من إصبهان إلى إصطخر » .

أما تستر وهي معربة عن « شوشتر » أي البلد الأنزه والأطيب ( معجم البلدان : 2 / 29 ) فقد كانت عاصمة الأهواز ، وترتبط معركتها بالهرمزان أو الهرمزان ، وهو أخ زوجة كسرى ، وخال ابنه شيرويه الذي قتل أباه وملك بعده شهوراً . وكان الهرمزان ملك الأهواز، ومن قادة الفرس في القادسية وغيرها .

قال الطبري : 3 / 171 : « كان الهرمزان من أحد البيوتات السبعة في أهل فارس ، وكانت أمَّتُهُ ( قومه ) في مهرجان قذق وكور الأهواز ، فهؤلاء بيوتات دون سائر أهل فارس ، فلما انهزم يوم القادسية كان وجهه إلى أمته فملكهم ، وقاتل بهم من أرادهم ، فكان الهرمزان يغير على أهل ميسان ودست ميسان من وجهين ، من مناذر ونهرتيري ، فاستمد عتبة بن غزوان سعداً ، فأمده سعد بنعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود ، وأمرهما أن يأتيا أعلى ميسان ودست ميسان حتى يكونا بينهم وبين نهرتيري ، ووجه عتبة بن غزوان سلمى بن القين وحرملة بن مريطة ، وكانا من المهاجرين مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهما من بني العدوية من بني حنظلة ، فنزلا على حدود أرض ميسان ودست ميسان ، بينهم وبين مناذر ، ودعوا بني العم فخرج إليهم غالب الوائلي وكليب بن وائل الكليبي ، فتركا نعيماً ونعيماً ونكبا عنهما ، وأتيا سلمى وحرملة وقالا : أنتما من العشيرة وليس لكما مترك ، فإذا كان يوم كذا وكذا فانهدا للهرمزان ، فإن أحدنا يثور بمناذر والآخر بنهر تيري ، فنقتل المقاتلة ثم يكون وجهنا إليكم ، فليس دون الهرمزان شئ إن شاء الله . . فالتقوا هم والهرمزان بين دلث ونهر تيري ، وسلمى بن القين على أهل البصرة ، ونعيم بن مقرن على أهل الكوفة فاقتتلوا ، فبينا هم في ذلك أقبل المدد من قبل غالب وكليب ، وأتى الهرمزان الخبر بأن مناذر ونهر تيري قد أخذتا ، فكسر الله في ذرعه وذرع جنده وهزمه وإياهم ، فقتلوا منهم ما شاؤوا وأصابوا منهم ما شاؤوا ، واتبعوهم حتى وقفوا على شاطئ دجيل » .

وقال الدينوري في الأخبار الطوال / 129 : « ولما انتهت هزيمة العجم إلى حلوان ، وخرج يزدجرد هارباً . . قال له رجل من خاصته وأهل بيته يسمى هرمزان ، وكان خال شيرويه بن كسرى أبرويز : أيها الملك إن العرب قد اقتحمت عليك من هذه الناحية ، يعني حلوان ، ولهم جمع بناحية الأهواز ليس في وجوههم أحد يردهم ولا يمنعهم من العيث والفساد ، يعني خيل أبي موسى الأشعري ومن كان معه . قال يزدجرد : فما الرأي ؟ قال الهرمزان : الرأي أن توجهني إلى تلك الناحية ، فأجمع إليَّ العجم وأكون ردءً في ذلك الوجه ، وأجمع لك الأموال من فارس والأهواز وأحملها إليك لتتقوى بها على حرب أعدائك . فأعجبه ذلك من قوله وعقد له على الأهواز وفارس ، ووجه معه جيشاً كثيفاً » .

وقال في معجم البلدان : 5 / 233 ، عن مهرجان قذق ، وهي بلد الهرمزان : « هي كورة حسنة واسعة ذات مدن وقرى ، قرب الصيمرة من نواحي الجبال ، عن يمين القاصد من حلوان العراق إلى همذان » .

وفي معجم البلدان : 5 / 41 : « مهرجان قذق ، وهي عدة مدن منها : أريوجان وهي مدينة حسنة في الصحراء بين جبال كثيرة الشجر كثيرة الِحمَّات والكباريت والزاجات والبوارق والأملاح ( مياه حارة ومعدنية ومواد كيمائية ) وماؤها يخرج إلى البندنيجين فيسقي النخل بها ، ولا أثر لها ( أي في القرن السابع ) إلا حِمَّات ثلاث وعين ، إن احتقن انسان بمائها أسهل إسهالاً عظيماً ، وإن شربه قذف أخلاطاً عظيمة كثيرة ، وهو يضر أعصاب الرأس ، ومن هذه المدينة إلى الرذ ، بالراء ، عدة فراسخ ، وبها قبر المهدي ( العباسي الذي كان يتصيد فيها ) وليس له أثر إلا بناء قد تعفت رسومه ، ولم يبق منه إلا الآثار . ثم نخرج منها إلى السيروان وبها آثار حسنة ومواطن عجيبة ، ومنها إلى الصيمرة » .

« أما صيمرة والسيروان فمدينتان صغيرتان غير أن بنيانهما الغالب عليه الجص والحجارة وفيهما الليمون والجوز وما يكون في بلاد الصرود والجروم . وفيهما مياه كثيرة وأشجار ، وهما نزهتان يجري الماء في دورهم » . ( معجم البلدان : 3 / 439 ) .

الهرمزان يتحصن في تستر

قال الدينوري في الأخبار الطوال / 130 : « فأقبل الهرمزان حتى وافى مدينة تستر فنزلها ، ورمَّ حصنها ، وجمع الميرة فيها لحصار إن رهقه ، وأرسل فيما يليه يستنجدهم فوافاه بشر عظيم . فكتب أبو موسى إلى عمر يخبره الخبر ، فكتب عمر إلى عمار بن ياسر يأمره أن يوجه النعمان بن مقرن في ألف رجل من المسلمين إلى أبي موسى ، فكتب عمار إلى جرير وكان مقيماً بجلولاء ، يأمره باللحاق بأبي موسى فخلف جرير بجلولاء عروة بن قيس البجلي في ألفي رجل من العرب ، وسار ببقية الناس حتى لحق بأبي موسى .

فكتب أبو موسى إلى عمر يستزيده من المدد ، فكتب عمر إلى عمار يأمره أن يستخلف عبد الله بن مسعود على الكوفة في نصف الناس ، ويسير بالنصف الآخر حتى يلحق بأبي موسى ، فسار عمار حتى ورد على أبي موسى ، وقد وافاه جرير من ناحية جلولاء » .

وقال ابن سعد في الطبقات : 5 / 90 : « فلما انقضى أمر جلولاء خرج يزدجرد من حلوان إلى أصبهان ، ثم أتى إصطخر ووجه الهرمزان إلى تستر فضبطها وتحصن في القلعة ، ومعه الأساورة وجمع كثير من أهل تستر ، وهي في أقصى المدينة مما يلي الجبل والماء محيط بها ، والمادة تأتيهم من أصبهان ، فمكثوا كذلك ما شاء الله . وحاصرهم أبو موسى سنتين ، ويقال ثمانية عشر شهراً » !

أقول : هذا الحصار الطويل دليل على سوء إدارة أبي موسى الأشعري ، وهو والي البصرة ، وعنده قوة كافية للهجوم ، أو للضغط عليهم لقبول الصلح . لكنه استعمل بدل ذلك البطش بمن تصل إليه يده من عامة أهل تستر وقراها !

قال في معجم البلدان : 2 / 30 : « وجعل الرجل من الأعاجم يقتل أهله وولده ويلقيهم في دجيل ، خوفاً من أن تظفر بهم العرب » !

وفي تاريخ خليفة / 98 : « ثم سار أبو موسى إلى تستر فأقام عليها . . وفيها حاصر هرم بن حيان أهل ريسهر ، فرأى ملكهم امرأة تأكل ولدها ، فقال : الآن أصالح العرب ، فصالح هرماً على أن خلى لهم المدينة » !

وروى ابن قتيبة في المعارف / 206 ، أن محمد بن جعفر بن أبي طالب وأخاه عوناً ، قد شاركا في معركة تستر واستشهدا فيها ، رضي الله عنهم .

وفي فتوح البلاذري : 2 / 467 : « فقدَّم عمار جرير بن عبد الله البجلي ، وسار حتى أتى تستر ، وعلى ميمنته ، يعنى ميمنة أبى موسى ، البراء بن مالك أخو أنس بن مالك ، وعلى ميسرته مجزأة بن ثور السدوسي ، وعلى الخيل أنس بن مالك .

وعلى ميمنة عمار البراء بن عازب الأنصاري ، وعلى ميسرته حذيفة بن اليمان العبسي ، وعلى خيله قرظة بن كعب الأنصاري ، وعلى رجالته النعمان بن مقرن المزني . فقاتلهم أهل تستر قتالاً شديداً ، وحمل أهل الكوفة حتى بلغوا باب تستر فضاربهم البراء بن مالك على الباب حتى استشهد ودخل الهرمزان وأصحابه المدينة بشر حال ، وقد قتل منهم في المعركة تسع مئة ، ضربت أعناقهم بعد ( أي أخذوا أسرى فضربت أعناقهم ! ) . ثم إن رجلاً من الأعاجم استأمن إلى المسلمين ، على أن يدلهم على عورة المشركين ، فأسلم واشترط أن يفرض لولده ويفرض له ( يجعل له راتب ) فعاقده أبو موسى على ذلك ، ووجه معه رجلاً من شيبان يقال له أشرس بن عوف ، فخاض به دجيل على عرق من حجارة ، ثم علا به المدينة وأراه الهرمزان ، ثم رده إلى العسكر . . فأدخلهم المدينة فقتلوا الحرس وكبروا على سور المدينة ، فلما سمع الهرمزان هرب إلى قلعته ، وكانت موضع خزانته وأمواله . . وقال الهرمزان : ما دل العرب على عورتنا إلا بعض من معنا ممن رأى إقبال أمرهم وإدبار أمرنا . . وطلب الهرمزان الأمان ، وأبى أبو موسى أن يعطيه ذلك إلا على حكم عمر ، فنزل على ذلك ، وقتل أبو موسى من كان في القلعة ممن لا أمان له ! وحمل الهرمزان إلى عمر ، فاستحياه وفرض له » .

وفي الروض المعطار للحميري / 141: «واقتسموا ما أفاء الله عليهم، فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف، والراجل ألفاً» .

وصف معركة تستر واستسلام الهرمزان

قال الطبري : 3 / 181 : « فنزلوا جميعاً على تستر ، والنعمان على أهل الكوفة وأهل البصرة متساندون ، وبها الهرمزان وجنوده من أهل فارس وأهل الجبال والأهواز في الخنادق ، وكتبوا بذلك إلى عمر واستمده أبو سبرة فأمدهم بأبي موسى ، فسار نحوهم وعلى أهل الكوفة النعمان ، وعلى أهل البصرة أبو موسى ، وعلى الفريقين جميعاً أبو سبرة ، فحاصروهم أشهراً وأكثروا فيهم القتل ، وقَتل البراء بن مالك فيما بين أول ذلك الحصار إلى أن فتح الله على المسلمين مائة مبارز سوى من قتل في غير ذلك ، وقَتل مجزأة بن ثور مثل ذلك ، وقَتل كعب بن ثور مثل ذلك ، وقتل أبو تميمة مثل ذلك ، في عدة من أهل البصرة وفي الكوفيين مثل ذلك ، منهم حبيب بن قرة ، وربعي بن عامر ، وعامر بن عبد الأسود ، وكان من الرؤساء في ذلك ما ازدادوا به إلى ما كان منهم . وزاحفهم المشركون في أيام تستر ثمانين زحفاً في حصارهم ، يكون عليهم مرة ولهم أخرى ، حتى إذا كان في آخر زحف منها واشتد القتال قال المسلمون : يا براء أقسم على ربك ليهزمنهم لنا . فقال : اللهم اهزمهم لنا واستشهدني . قال : فهزموهم حتى أدخلوهم خنادقهم ثم اقتحموها عليهم ، وأرزوا إلى مدينتهم وأحاطوا بها فبينا هم على ذلك وقد ضاقت بهم المدينة وطالت حربهم » .

ووصف ابن الأعثم المعركة فقال : 2 / 281 : « ودنى المسلمون من الفرس والفرس من المسلمين ، فتراموا بالنشاب والنبل ساعة ، ثم إنهم تلاحموا فاختلطوا ، واشتبك الحرب بينهم من وقت بزوغ الشمس إلى قريب من الظهر . . وإذا رجلٌ من عظماء الفرس من أهل تستر يقال له هرمك ، قد خرج فجعل يجول ويطلب البراز ، فخرج إليه شيخ من باهلة من بني حلوة يقال له أوس ، على فرس له عجفاء ، فلما نظر إليه أبو موسى عرفه ، فناداه أن ارجع يا أخا باهلة ، فلست من أهل هذا الفارسي ، لأنك شيخ بال وأنت على فرس بال ! قال : فرجع الشيخ ولم يخرج ، وجعل الفارسي يطلب البراز ، فأحجم عنه الناس وخرج إليه الشيخ ثانية فرده أبو موسى ، فغضب الباهلي من ذلك ولم يلتفت إلى كلام أبي موسى ومضى نحو الفارسي ، فالتقيا بطعنتين ، طعنة الباهلي قتلته ، ثم أقبل راجعاً نحو المسلمين ! قال فقال له أبو موسى : يا أخا باهلة ! إن الأشعري لم يرد بكلامه إياك بأساً ، فقال الباهلي : ولا الباهلي أراد بأسا أيها الأمير !

قال : وتقدم جرير بن عبد الله البجلي حتى وقف بين الصفين ثم نادى بأعلى صوته : أيها المسلمون ! الجهاد ثوابه عظيم وخطره جسيم ، وهذا يوم له ما بعده من الأيام ، وقد دعاكم الله عز وجل إلى الجهاد ووعدكم عليه الثواب ، ونهاكم عن التثاقل وحذركم العقاب ، فاعملوا في يومكم هذا عملاً يرضى به ربكم عنكم ، ألا وإني حامل يا معشر بجيلة فاحملوا .

قال : ثم جعل جرير يرتجز ، قال : ثم حمل جرير من الميمنة وحمل النعمان بن مقرن من الميسرة واختلط الفريقان ، ودارت بهما الحرب فاقتتلوا قتالاً شديداً ، ثم صدقهم المسلمون القتال والحملة وكبروا ، وإذا الهرمزدان قد ولى بين يدي أصحابه فاتبعته الأعاجم ، ووضع المسلمون فيهم السيف فقتلوا منهم في المعركة مقتلة عظيمة ، وأسروا منهم ست مائة رجل ، ودخل الهرمزدان وأصحابه إلى تستر بأشر حالة تكون ، وعامة أصحابه جرحاء ، ورجع المسلمون إلى معسكرهم ، وقدم أبو موسى هؤلاء الأسراء فضرب أعناقهم عن آخرهم .

فلما كان من غدٍ إذا برجل من الفرس من أهل تستر يقال له نسيبه بن دارنة ، قد أقبل إلى أبي موسى الأشعري من بعد صلاة العشاء الآخرة فقال : أيها الأمير أتعطيني الأمان على نفسي ومالي وولدي وأهلي ، وأدفع إليك هذه المدينة ؟

فقال له أبو موسى : لك ذلك ، فقال الفارسي : فابعث معي الساعة رجلاً حتى أوقفه على الطريق الذي يتهيأ لكم أن تدخلوا المدينة منه .

قال : فبعث معه أبو موسى برجل يقال له عوف بن مجزأة ، فقال له : انطلق مع هذا الرجل حتى يوقفك على الطريق الذي يتهيأ لنا أن ندخل منه إلى مدينة تستر قال : فخرج عوف بن مجزأة مع نسيبه هذا الفارسي في جوف الليل ، حتى جاز به الفارسي نهر تستر فأراه المخاضة من موضع عرفه ، ثم مر به على عرق الجبل حتى أصعده السور ، وعلى السور قوم نيام قد أوقفهم الهرمزدان في ذلك الموضع حرساً للمدينة . قال : فجاز به نسيبه رويداً رويداً حتى أنزله إلى مدينة تستر ، ثم جاء به إلى منزله فبات فيه ، فلما أصبح نسيبه أخذ طيلساناً له فدفعه إلى عوف بن مجزأة فقال له : غط رأسك بهذا الطيلسان واتبعني !

قال : فخرج المسلم يتبع نسيبه حتى جاز به على باب الهرمزدان والهرمزدان في وقته قد وضع الموائد على بابه يغدي قواده وأساورته ، فقال نسيبه للمسلم : هذه دار الهرمزدان فاعرفها لتخبر أصحابك بذلك ! قال : ثم جاء به حتى أوقفه على باب المدينة فعرفه إياه ، وطاف به في مدينة تستر حتى أوقفه على الموضع الذي جاء به منه فقال : أعبر الآن هذا النهر ، وسر إلى صاحبك فخبره بما رأيت ، وقل له فليبعث معك بجماعة وليتبعوك حتى تدخل المدينة كما أدخلتك إياها ، وليحتالوا في قتل هؤلاء الحرس ، فإذا كان وقت الصبح فلينزلوا إلى باب المدينة فليعالجوه حتى يفتحوه ، ويكون صاحبك قد عبأ أصحابه وأوقفهم على الباب فإني أرجو أن يفتح الله هذه المدينة لكم ، فإني قد أوقفتك على مدخلها ومخرجها فخبر أنت أصحابك بذلك ، وكن أنت الدليل لهم على فتحها .

قال : فخرج عوف بن مجزأة إلى أبي موسى فخبره بذلك ، فلما كان في الليلة الثانية قال أبو موسى لأصحابه : أيها المسلمون من يهب نفسه لله تعالى في هذه الليلة فليخرج مع عوف بن مجزأة حتى يدخل بهم مدينة تستر ، فيكونوا هم الذين يفتحون لنا بابها من داخلها ، فقد تعلمون أنه ليس لنا في تستر حيلة إلا أن تفتح لنا من داخلها ، لأجل هذا النهر الذي يدور حولها .

قال : فانتدب له سبعون رجلاً أو يزيدون من أهل البصرة وأهل الكوفة ، فتقلدوا بسيوفهم ثم مضوا نحو تستر ، وعوف بن مجزأة بين أيديهم ، حتى جاز بهم النهر فخاضه من الموضع الذي قد عرفه ، ثم أصعدهم على عرق الجبل حتى أوقفهم على السور ، والحرس في وقتهم ذلك نيام لا يعقلون . قال : فنكى فيهم هؤلاء المسلمون فذبحوهم عن آخرهم ، ثم قعدوا على السور ينتظرون الصبح .

فلما كان وقت الصبح وثب المسلمون فصلوا بغلس وركبوا دوابهم وتقلدوا سيوفهم وتناولوا رماحهم، وقصدوا نحو باب تستر والباب مغلق، قال: ونزل هؤلاء السبعون الذين مضوا في أول الليل ، فساروا إلى باب تستر من داخل ليعالجوه فيفتحوه ، وكان على الباب ثلاثة أقفال ، ومفاتيح الأقفال عند الهرمزدان قال : وكبر المسلمون من خارج الباب ، وكبر المسلمون السبعون من داخل الباب ، وسمعت الفرس بذلك فبادروا وخرجوا من دورهم وقصورهم وركبوا ، وركب الهرمزدان في أساورته ومرازبته نحو الباب .

قال : فجعل هؤلاء السبعون رجلاً يقاتلون أهل تستر بأجمعهم ، وكان قوم يعالجون فتح الباب وقوم يحاربون ، حتى كسروا قفلين ، وقتل عامة هؤلاء السبعين ، فما بقي منهم إلا نفر قليل .

قال : وجعل المسلمون يكبرون من خارج المدينة وليس لهم في أصحابهم حيلة فلم يزالوا كذلك حتى قتل السبعون بأجمعهم غير ثلاثة نفر ، ففتحوا القفل الثالث ، واقتحم المسلمون مدينة تستر ، وهؤلاء الثلاثة أيضاً داستهم الخيل فقتلتهم ! قال : وسار المسلمون بأجمعهم حتى صاروا في مدينة تستر ، فجعلوا يقتلون وينهبون ، وخرج الهرمزان عن مدينة تستر هارباً حتى صار إلى قلعة له ، وقد كان قدم أهله وولده وعامة أمواله إلى تلك القلعة ، في نفر من أهل بيته وخدمه وحشمه ، فتحصن هنالك .

وغنم أبو موسى والمسلمون جميع ما كان بتستر من أموالها وغنائمها ، ومرت الفرس على وجوهها يمنة ويسرة ، وقد كانوا وجهوا بنسائهم وأولادهم وأموالهم ، ففرقوهم في البلاد خوفاً من المسلمين .

قال : وجمع أبو موسى غنائم تستر فأخرج منها الخمس ليوجه به إلى عمر بن الخطاب ، وقسم باقي ذلك في المسلمين فأعطى كل ذي حق حقه ، ثم سار في جميع أصحابه حتى نزل إلى قلعة الهرمزان فحاصره بها أشد الحصار ، فلما رأى الهرمزان ما هو فيه بعث إلى أبي موسى يسأله أن يعطيه الأمان ، على أن يحمله إلى عمر بن الخطاب مع أهله وولده وحشمه وجميع أهل بيته ، فأجابه أبو موسى إلى ذلك ، وكتب له أمانا منشوراً فبعث به إليه ، فنزل الهرمزدان من قلعته ، فأخذوا جميع ما كان فيها .

قال : ثم دعا أبو موسى بالهرمزدان فقيده بقيد ثقيل ، ووجه به وأهله وولده وجميع ما كان معه إلى عمر بن الخطاب ، ووجه إليه أيضاً بالخمس من غنائم المسلمين من تستر . قال : وبلغ ذلك أهل المدينة فجعلوا ينظرون إلى الهرمزدان ومن معه من أصحابه ، قال : ودخل المسلمون المدينة وطلبوا عمر بن الخطاب في منزله فلم يصيبوه ، فقال الهرمزدان : لمن تطلبون ؟ قالوا : نطلب أمير المؤمنين ، قال الهرمزدان : أو ليس له من يقضي حوائجه ؟ قالوا : بلى ولكنه عون نفسه ، قال : فعجب الهرمزدان من ذلك !

ثم جاء المسلمون فإذا هم بعمر بن الخطاب وهو نائم في مَشرفةٍ من وراء المسجد ، فوقفوا عليه وسلموا ، فاستيقظ عمر بن الخطاب ، ثم استوى جالساً فنظر إلى الهرمزدان وإلى من معه ، فخرَّ لله ساجداً ، ثم قال : الحمد لله الذي جعله وأشباهه فيئاً للمسلمين . قال : ثم وثب عمر فدخل المسجد واجتمع إليه المهاجرون والأنصار ، وأتي بالخمس حتى وضع بين يديه ، فنظر إليه عمر وحمد الله عز وجل على ذلك .

ثم دعا بالهرمزدان فأوقفه بين يديه ثم قال : يا هرمزدان ! كيف رأيت صنع الله عز وجل بك ؟ فقال الهرمزدان: لست بأول من نزلت به هذه النازلة، المصائب قد تصيب الرجال. فقال عمر: صدقت فقل لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فقال الهرمزدان : على هذه الحالة لا أقول . قال : عمر : فإني قاتلك ، قال الهرمزدان : فإني عطشان فاسقني قبل أن تقتلني . قال عمر : إئتوه بماء حتى يشرب ، قال : فأتي بماء في إناء من خشب أو غير ذلك ، فقال الهرمزدان : إني لا أشرب في مثل هذا الإناء ولا أشرب إلا في جوهر ، قال عمر : إنا لا نشرب في الجوهر ولا نرى ذلك . فقال له علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : فلا عليك إئته بماء في قوارير فإنه جوهر أيضاً .

قال : فأتي بقدح فيه ماء فتناوله ، فقال له عمر : إشرب ! فقال الهرمزدان : أخاف أن تقتلني قبل أن أشربه ، قال عمر : فلك الله عز وجل راع وكفيل لا أقتلك أو تشربه ، قال : فرفع الهرمزدان القدح فضرب به الأرض فكسره ! فقال عمر : أيها المسلمون ما ترون في هذا ؟ فسكت المسلمون فقال علي : إنك قد أعطيته الأمان وحلفت له أن لا تقتله أو يشرب الماء ، فلم يشربه ، فليس لك أن تقتله ، ولكن ضع عليه الجزية ، وذره ليكونن بالمدينة .

فقال الهرمزدان : إنه لا توضع الجزية على مثلي ، وأنا ملك وابن ملك ، غير أني داخل في دين الإسلام طائعاً غير مكره ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . قال : وأسلم الهرمزدان وأسلم كل من كان معه من أهل بيته وولده وخدمه وحشمه ، فأمر عمر بفك قيده وقربه وأدناه وفرح بإسلامه ، وخلطه المسلمون بأنفسهم .

قال : ودخل رجل من المسلمين ممن كان مع أبي موسى إلى قلعة الهرمزدان فجعل يدور فيها ، فبينا هو كذلك إذ نظر إلى تمثال من حجر وقد مد يده كذا نحو الأرض ، قال : وكان هذا المسلم داهياً فقال : ما وضع هذا التمثال في هذا الموضع ماداً يده إلى الأرض إلا وتحت يده كنز ! ثم جاء إلى أبي موسى الأشعري فخبره بذلك ، فأرسل أبو موسى بثقات من أصحابه وأمرهم ، فحفروا تحت التمثال فإذا هم بسفط عظيم مقفل ، فحملوه إلى أبي موسى ، فأمر به ففتح فإذا دنانير كثيرة كسروية وحلى من قرطة وشنوف ومخانق ( عقود ) وخلاخيل وأسورة وخواتيم ، وكل ذلك من الذهب مرصع بالدر والجوهر .

قال : فنظر أبو موسى والمسلمون إلى ذلك ، قال : ونظر أبو موسى إلى فص ياقوت هناك فأخذه ولم يعلم قيمته ، ثم قفل السفط وختمه وأرسل به إلى عمر بن الخطاب وكتب إليه بحاله وقصته . قال : فكتم عمر هذا السفط ، ثم بعث إلى الهرمزدان فدعاه ثم قال : يا هرمزدان ! إني أسألك عن أموالك ما حالها ؟ فقال الهرمزدان : إن مالي وأموال غيري قد صارت إلى أبي موسى وقد قسمها في أصحابه ووجه إليك ما وجه .

قال عمر : فهل بقي لك في قلعتك شئ من المال ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين ! ما بقي لي هنالك شئ إلا سفط مدفون في القلعة لا يقدر عليه أحد وقد عزمت على أن أوجه من يأتيني به . قال : فضحك عمر ثم دعا بالسفط فوضعه بين يديه ، قال : هذا سفطك ؟ قال : هذا هو يا أمير المؤمنين ! فمن أتاك بهذا ؟ قال : وجه به إلينا أبو موسى الأشعري ، ولكن افتحه وانظر هل تفقد منه شيئاً ، قال : ففتحه الهرمزدان وجعل ينظر ويميزها ثم قال : ما أفقد منه إلا فصاً واحداً هو خير مما في هذا السفط ! فقال عمر : فإن صاحبي كتب إلي أن الفص صار إليه فاجعله له إن شئت ، قال الهرمزدان : فإني قد جعلته له يا أمير المؤمنين ، وهو أعف رجل يكون إذ لم يكتمك أمر هذا الفص .

قال : واختصم أهل البصرة وأهل الكوفة ، فقال أهل البصرة : الفتح لنا ، وقال أهل الكوفة : بل الفتح لنا ، فاختصموا في ذلك حتى كاد أن يقع بينهم شئ من المكروه ، ثم إنهم رضوا بعمر بن الخطاب وكتبوا إليه بذلك . قال : فكتب عمر بن الخطاب : أما بعد فإن تستر من مغازي أهل البصرة ، غير أنهم إنما نصروا بإخوانهم من أهل الكوفة . . ورجع أهل الكوفة مع أميرهم عمار بن ياسر إلى الكوفة ، ورجع أهل البصرة مع أبي موسى إلى البصرة ، ورجع أهل حلوان مع جرير بن عبد الله وأصحابه إلى حلوان » .

وفي البيان والتبيين للجاحظ / 344 : « إن السائب شهد فتح مهرجان قذق ، ودخل منزل الهرمزان وفي داره ألف بيت ( غرفة ) فطاف فيه ، فإذا ظبي من جص في بيت منها مادٌّ يده ، فقال : أقسم بالله إنه يشير إلى شئ ، أنظروا . فنظروا فاستخرجوا سفط كنز الهرمزان ، فإذ فيه ياقوت وزبرجد ، فكتب فيه السائب إلى عمر وأخذ منه فصاً أخضر ، وكتب إلى عمر : إن رأى أمير المؤمنين أن يهبه لي فليفعل ، فلما عرض عمر السفط على الهرمزان قال : فأين الفص الصغير ؟ قال عمر : سألنيه صاحبنا فوهبته له . فقال : إن صاحبك بالجوهر لعالم » .

وفي الأخبار الطوال للدينوري / 130 : « وأقام المسلمون على باب مدينة تستر أياماً كثيرة ، وحاصروا العجم بها ، فخرج ذات ليلة رجل من أشراف أهل المدينة ، فأتى أبا موسى مستسراً فقال : تؤمنني على نفسي وأهلي وولدي ومالي وضياعي حتى أعمل في أخذك المدينة عنوة . . . قال الرجل ، وكان اسمه سينه » .

وقال ابن سعد في الطبقات : 5 / 90 : « ثم نزل أهل القلعة على حكم عمر فبعث أبو موسى بالهرمزان إليه ومعه اثنا عشر أسيراً من العجم عليهم الديباج ومناطق الذهب وأسورة الذهب . . . فاستسقى الهرمزان ماء ، فقال عمر : لا نجمع عليك القتل والعطش فدعا له بماء فأتوه بماء في قدح خشب فأمسكه بيده فقال عمر : إشرب لا بأس عليك إني غير قاتلك حتى تشربه ، فرمى الإناء من يده وقال : يا معشر العرب ، كنتم وأنتم على غير دين نتعبدكم ونقضيكم ونقتلكم ، وكنتم أسوأ الأمم عندنا حالاً وأخسها منزلة ، فلما كان الله معكم لم يكن لأحد بالله طاقة ، فأمر عمر بقتله ، فقال : أوَلم تؤمني ؟ قال : وكيف ؟ قال : قلت لي تكلم لا بأس عليك ، وقلت : إشرب لا بأس عليك ، لا أقتلك حتى تشربه !

فقال الزبير بن العوام وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري : صدق . فقال عمر قاتله الله أخذ أماناً ولا أشعر ، وأمر فنزع ما كان على الهرمزان من حلية وديباجه وقال لسراقة بن مالك بن جعثم وكان نحيفاً أسود دقيق الذراعين كأنهما محترقان : إلبس سواري الهرمزان فلبسهما ولبس كسوته ، فقال عمر : الحمد لله الذي سلب كسرى وقومه حليهم وكسوتهم ، وألبسها سراقة بن مالك . .

قال أنس بن مالك : ما رأيت رجلاً بطِناً ، ولا أبعد أخمص ( أصابع ) ، ولا أبعد ما بين المنكبين ، من الهرمزان »

ملاحظات على فتح تستر وأسر الهرمزان

الملاحظة الأولى ، قسوة حصار المسلمين لتستر ومحيطها ، والذي طال نحو سنتين ، واضطر المحاصرون فيها إلى إرسال عوائلهم إلى منطقة ثانية ، أو قتلهم لئلا يقعوا في قبضة المسلمين ، وقد منعوا عن بعض مناطقهم المواد الغذائية حتى اضطرت امرأة إلى أكل ولدها ، كما تقدم !

 

والملاحظة الثانية ، روي أن الهرمزان أسلم قبل أن يصل إلى عمر ، في الأهواز أو في الطريق . ففي مسند الشاميين للطبراني (3 / 60): «عن عاصم بن عمر أن عمر بن الخطاب حين أتاه الهرمزان من ديار الأهواز قال: إن هذا المرزبان عظيم الأهواز وقد نزل على حكمي، فأما أنا فلا أرى إلا قتله، فلم يرجع إليه أحد منهم شيئاً فردد ذلك عليهم مرات ، فقام رجل من الصحابة فقال : إني قد رأيته صلى ، قال عمر : فوالله لا نقتله إن كان قد صلى » .

لكن الرواية الأصح ما رواه في مناقب آل أبي طالب : 2 / 119 : « أن عمر أراد قتل الهرمزان فاستسقى ، فأتيَ بقدح فجعل ترعد يده ، فقال له في ذلك فقال : إني خائف أن تقتلني قبل أن أشربه . فقال : إشرب ولا بأس عليك ، فرمى القدح من يده فكسره ! فقال : ما كنت لأشربه أبداً ، وقد آمنتني ! فقال : قاتلك الله لقد أخذت أماناً ولم أشعر به ! وفي رواياتنا أنه شكى ذلك إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فدعا الله تعالى فصار القدح صحيحاً مملوءً من الماء ! فلما رأى الهرمزان المعجز أسلم » !

ويؤيده أن الهرمزان جاء من الأهواز مع عمار ، أو مع معقل ، وهما من خواص علي ( عليه السلام ) . قال البلاذري في أنساب الأشراف : 12 / 160 : « وكان معقل بن قيس يكنى أبا رميلة ، وكان من رجال أهل الكوفة ، وكان فيمن وفد مع عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب مع الهرمزان بفتح تستر . . وقد كان عليٌّ ( عليه السلام ) صيّره على شرطه » .

وفي شرح النهج : 15 / 92 : « معقل بن قيس ، كان من رجال الكوفة وأبطالها ، وله رياسة وقدم ، أوفده عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب مع الهرمزان » .

ويؤيده ، أن الهرمزان كان من سهم علي ( عليه السلام ) من الفئ فأعتقه ، فكان له ولاؤه ، ولذلك كان ولي دمه ، عندما قتله عبيد الله بن عمر .

فعندما قتل أبو لؤلؤة عمر ، دفعت حفصة أخاها عبيد الله وهو الفارس الوحيد في أولاد عمر ، وأمه وأم أخيه زيد : أم كلثوم بنت جرول ، فقتل الهرمزان وجفينة المعلم النصراني ، والطفلة بنت أبي لؤلؤة !

روى عبد الرزاق في المصنف : 5 / 478 ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر : « فخرج عبيد الله ابن عمر مشتملاً على السيف حتى أتى الهرمزان ، فقال : إصحبني حتى ننظر إلى فرس لي ، وكان الهرمزان بصيراً بالخيل ، فخرج يمشي بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف ، فلما وجد حرَّ السيف قال : لا إله إلا الله ، فقتله ، ثم أتى جفينة وكان نصرانياً فدعاه فلما أشرف له علاوة بالسيف ، فَصَلَّبَ بين عينيه ، ثم أتى ابنة أبي لؤلؤة جارية صغيرة تدعي الإسلام فقتلها ، فأظلمت المدينة يومئذ على أهلها ، ثم أقبل بالسيف صلتاً في يده وهو يقول : والله لا أترك في المدينة سبياً إلا قتلته وغيرهم ، وكأنه يعرض بناس من المهاجرين ، فجعلوا يقولون له : ألقِ السيف ويأبى ، ويهابون أن يقربوا منه ، حتى أتاه عمرو بن العاص فقال : أعطني السيف يا ابن أخي ! فأعطاه إياه ، ثم ثار إليه عثمان ، فأخذ برأسه فتناصيا حتى حجز الناس بينهما .

فلما ولي عثمان قال : أشيروا عليَّ في هذا الرجل الذي فتق في الإسلام ما فتق ، يعني عبيد الله بن عمر ، فأشار عليه المهاجرون أن يقتله ، وقال جماعة من الناس : أقُتل عمر أمس وتريدون أن تتبعوه ابنه اليوم ، أبعد الله الهرمزان وجفينة ! قال : فقام عمرو بن العاص فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الأمر ولك على الناس من سلطان ، إنما كان هذا الأمر ولا سلطان لك ، فاصفح عنه يا أمير المؤمنين ! قال : فتفرق الناس على خطبة عمرو ، وودى عثمان الرجلين والجارية . قال الزهري : وأخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر قال : يرحم الله حفصة إن كانت لممن شجع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة » !

وفي كتاب الاستغاثة : 1 / 58 : « وكان أسلم على يد أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ثم أعتقه من قسمة الفئ ، فبادر إليه عبيد الله بن عمر فقتله من قبل أن يموت عمر ، فقيل لعمر : إن عبيد الله قتل الهرمزان ، فقال : أخطأ ، فإن الذي ضربني أبو لؤلؤة ، وما كان للهرمزان في أمري صنع ، وإن عشت احتجت أن أقتله به ، فإن علياً لا يقبل منا الدية وهو مولاه . فمات عمر واستولى على الناس عثمان فقال علي ( عليه السلام ) لعثمان : إن عبيد الله بن عمر قتل مولاي الهرمزان بغير حق وأنا وليه والطالب بدمه ، فسلمه لي لأقتله به . فقال عثمان : بالأمس قتل عمر وأقتل اليوم ابنه ، أورد على آل عمر ما لا قوام لهم به . فامتنع من تسليمه إلى أمير المؤمنين شفقة منه بزعمه على آل عمر ما لا قوام به ، فقال علي ( عليه السلام ) : أما لئن مكنت منه يوماً لأقتلنه . فلما رجع الأمر إليه ( عليه السلام ) هرب عبيد الله بن عمر إلى الشام ، فصار مع معاوية ، وحضر صفين مع معاوية محارباً لعلي ( عليه السلام ) ، فقتله في معركة الحرب فوجدوه يومئذ متقلداً بسيفين » . ونحوه الخرائج : 1 / 212 .

وقال العلامة في منهاج الكرامة / 109 : « وضيع ( عثمان ) حدود الله ، فلم يُقِدْ عبيد الله بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يطلب عبيد الله لإقامة القصاص عليه ، فلحق بمعاوية » .

وقال البيهقي في معرفة السنن : 6 / 270 : « وقد أشار المهاجرون على عثمان بقتل عبيد الله بن عمر ، حين قتل الهرمزان وجفينة » .

أقول : قضية الهرمزان تفتح الباب على فعاليات مهمة لعلي ( عليه السلام ) وخاصة شيعته ، لم تصل إلينا ، ومنها فعاليات سلمان الفارسي لإقناع الفرس بالإسلام .

 

والملاحظ الثالثة ، أن الهرمزان عاش في المدينة نحو خمس سنوات ، فإن فتح تستر في سنة 17 ، وقد قتل الهرمزان مع قتل عمر في آخر سنة 22 .

وفي هذه السنوات عاش في المدينة عيشة الملوك ، لأن المسلمين لم يتعرضوا لماله الشخصي ، وهذه واحدة من مميزاتهم .

وقد سأله عمر : « يا هرمزدان إني أسألك عن أموالك ما حالها ؟ فقال الهرمزدان : إن مالي وأموال غيري قد صارت إلى أبي موسى ، وقد قسمها في أصحابه ووجه إليك ما وجه . قال عمر : فهل بقي لك في قلعتك شئ من المال ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين ، ما بقي لي هنالك شئ إلا سفط مدفون في القلعة لا يقدر عليه أحد ، وقد عزمت على أن أوجه من يأتيني به . قال : فضحك عمر ثم دعا بالسفط فوضعه بين يديه . . » .

وصدق الهرمزان في إسلامه ، وساعد المسلمين في فتح بقية إيران ، وقد شهد بذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال لعثمان لما قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان ، كما في أنساب الأشراف : 5 / 510 : « أقدِ الفاسق فإنّه أتى عظيماً ، قتل مسلماً بلا ذنب ! وقال لعبيد الله : يا فاسق لئن ظفرت بك يوماً لأقتلنك بالهرمزان » .

ومع أن الهرمزان كان موالياً لعلي ( عليه السلام ) فقد كان صديقاً لعمر ، ويذهب معه إلى الحج . ففي الطبقات : 5 / 90 : « قال المسور بن مخرمة : رأيت الهرمزان بالروحاء ، مُهِلَّا بالحج مع عمر ، عليه حلة حبرة » .

وكان أكثر الفرس في الأهواز يطيعون الهرمزان ، فكان ذلك سبباً في سماح عمر للمسلمين بفتح داخل إيران ، بعد أن منعهم منه منعاً باتاً ، وعاقب حاكم البحرين على حملته على إيران من جهة شيراز وكرمان .

قال الطبري : 3 / 185 : « وقدم الكتاب على عمر باجتماع أهل نهاوند ، وانتهاء أهل مهرجان قذق وأهل كور الأهواز إلى رأي الهرمزان ومشيئته ، فذلك كان سبب إذن عمر لهم في الإنسياح » .

وكانت للهرمزان في المدينة دار كبيرة تتسع لأن يستضيف الخليفة والمصلين معه ! قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة : 3 / 857 : « عن أبي هريرة التيمي قال : قال الهرمزان لعمر : إيذن لي أصنع طعاماً للمسلمين . قال إني أخاف أن تعجز . قال : لا . قال : فدونك . قال : فصنع لهم ألواناً من حلو وحامض ، ثم جاء إلى عمر فقال : قد فرغت فأقبل . فقام عمر وسط المسجد فقال: يا معشر المسلمين، أنا رسول الهرمزان إليكم ، فاتبعه المسلمون ، فلما انتهى إلى بابه قال للمسلمين : مكانكم ، ثم دخل فقال : أرني ما صنعته ، ثم دعا بأنطاع ، فقال : ألق هذا كله عليها ، واخلطوا بعضه ببعض ! فقال الهرمزان : إنك تفسده ، هذا حلو وهذا حامض ، فقال عمر : أردت أن تفسد عليَّ المسلمين ، ثم أذن للمسلمين ، فدخلوا فأكلوا » !

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).