أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-11-2016
1321
التاريخ: 24-7-2020
2686
التاريخ: 25-5-2021
3609
التاريخ: 28-7-2020
2276
|
معركة تستر والهرمزان
أرسل يزدجرد الهرمزان إلى تستر
بعد انتصار المسلمين في القادسية وانهزام جيش الفرس ، لم يستطع يزدجرد أن يجمع قواته ، كما تأخر وصول القوات إليه من داخل إيران ، فهرب إلى حلوان .
ثم وصلت القوات الآتية للدفاع عن المدائن ، فتجمعت في جلولاء وخانقين .
لذلك فتح المسلمون المدائن بدون معركة مهمة ، وتوجهوا إلى جلولاء فكانت معركة كبيرة قادها البطل الشيعي هاشم المرقال ، ورفقاؤه الأبطال أمثال حجر بن عدي ، وعدي بن حاتم الطائي ، وعمرو بن معدي كرب ، وانتصروا ، وتقدموا إلى حلوان ففتحوها بدون قتال يذكر ، فهرب يزدجرد إلى أصفهان .
قال البلاذري : 2 / 387 : « هرب يزدجرد من المدائن إلى حلوان ، ثم إلى إصبهان فلما فرغ المسلمون من أمر نهاوند ، هرب من إصبهان إلى إصطخر » .
أما تستر وهي معربة عن « شوشتر » أي البلد الأنزه والأطيب ( معجم البلدان : 2 / 29 ) فقد كانت عاصمة الأهواز ، وترتبط معركتها بالهرمزان أو الهرمزان ، وهو أخ زوجة كسرى ، وخال ابنه شيرويه الذي قتل أباه وملك بعده شهوراً . وكان الهرمزان ملك الأهواز، ومن قادة الفرس في القادسية وغيرها .
قال الطبري : 3 / 171 : « كان الهرمزان من أحد البيوتات السبعة في أهل فارس ، وكانت أمَّتُهُ ( قومه ) في مهرجان قذق وكور الأهواز ، فهؤلاء بيوتات دون سائر أهل فارس ، فلما انهزم يوم القادسية كان وجهه إلى أمته فملكهم ، وقاتل بهم من أرادهم ، فكان الهرمزان يغير على أهل ميسان ودست ميسان من وجهين ، من مناذر ونهرتيري ، فاستمد عتبة بن غزوان سعداً ، فأمده سعد بنعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود ، وأمرهما أن يأتيا أعلى ميسان ودست ميسان حتى يكونا بينهم وبين نهرتيري ، ووجه عتبة بن غزوان سلمى بن القين وحرملة بن مريطة ، وكانا من المهاجرين مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهما من بني العدوية من بني حنظلة ، فنزلا على حدود أرض ميسان ودست ميسان ، بينهم وبين مناذر ، ودعوا بني العم فخرج إليهم غالب الوائلي وكليب بن وائل الكليبي ، فتركا نعيماً ونعيماً ونكبا عنهما ، وأتيا سلمى وحرملة وقالا : أنتما من العشيرة وليس لكما مترك ، فإذا كان يوم كذا وكذا فانهدا للهرمزان ، فإن أحدنا يثور بمناذر والآخر بنهر تيري ، فنقتل المقاتلة ثم يكون وجهنا إليكم ، فليس دون الهرمزان شئ إن شاء الله . . فالتقوا هم والهرمزان بين دلث ونهر تيري ، وسلمى بن القين على أهل البصرة ، ونعيم بن مقرن على أهل الكوفة فاقتتلوا ، فبينا هم في ذلك أقبل المدد من قبل غالب وكليب ، وأتى الهرمزان الخبر بأن مناذر ونهر تيري قد أخذتا ، فكسر الله في ذرعه وذرع جنده وهزمه وإياهم ، فقتلوا منهم ما شاؤوا وأصابوا منهم ما شاؤوا ، واتبعوهم حتى وقفوا على شاطئ دجيل » .
وقال الدينوري في الأخبار الطوال / 129 : « ولما انتهت هزيمة العجم إلى حلوان ، وخرج يزدجرد هارباً . . قال له رجل من خاصته وأهل بيته يسمى هرمزان ، وكان خال شيرويه بن كسرى أبرويز : أيها الملك إن العرب قد اقتحمت عليك من هذه الناحية ، يعني حلوان ، ولهم جمع بناحية الأهواز ليس في وجوههم أحد يردهم ولا يمنعهم من العيث والفساد ، يعني خيل أبي موسى الأشعري ومن كان معه . قال يزدجرد : فما الرأي ؟ قال الهرمزان : الرأي أن توجهني إلى تلك الناحية ، فأجمع إليَّ العجم وأكون ردءً في ذلك الوجه ، وأجمع لك الأموال من فارس والأهواز وأحملها إليك لتتقوى بها على حرب أعدائك . فأعجبه ذلك من قوله وعقد له على الأهواز وفارس ، ووجه معه جيشاً كثيفاً » .
وقال في معجم البلدان : 5 / 233 ، عن مهرجان قذق ، وهي بلد الهرمزان : « هي كورة حسنة واسعة ذات مدن وقرى ، قرب الصيمرة من نواحي الجبال ، عن يمين القاصد من حلوان العراق إلى همذان » .
وفي معجم البلدان : 5 / 41 : « مهرجان قذق ، وهي عدة مدن منها : أريوجان وهي مدينة حسنة في الصحراء بين جبال كثيرة الشجر كثيرة الِحمَّات والكباريت والزاجات والبوارق والأملاح ( مياه حارة ومعدنية ومواد كيمائية ) وماؤها يخرج إلى البندنيجين فيسقي النخل بها ، ولا أثر لها ( أي في القرن السابع ) إلا حِمَّات ثلاث وعين ، إن احتقن انسان بمائها أسهل إسهالاً عظيماً ، وإن شربه قذف أخلاطاً عظيمة كثيرة ، وهو يضر أعصاب الرأس ، ومن هذه المدينة إلى الرذ ، بالراء ، عدة فراسخ ، وبها قبر المهدي ( العباسي الذي كان يتصيد فيها ) وليس له أثر إلا بناء قد تعفت رسومه ، ولم يبق منه إلا الآثار . ثم نخرج منها إلى السيروان وبها آثار حسنة ومواطن عجيبة ، ومنها إلى الصيمرة » .
« أما صيمرة والسيروان فمدينتان صغيرتان غير أن بنيانهما الغالب عليه الجص والحجارة وفيهما الليمون والجوز وما يكون في بلاد الصرود والجروم . وفيهما مياه كثيرة وأشجار ، وهما نزهتان يجري الماء في دورهم » . ( معجم البلدان : 3 / 439 ) .
الهرمزان يتحصن في تستر
قال الدينوري في الأخبار الطوال / 130 : « فأقبل الهرمزان حتى وافى مدينة تستر فنزلها ، ورمَّ حصنها ، وجمع الميرة فيها لحصار إن رهقه ، وأرسل فيما يليه يستنجدهم فوافاه بشر عظيم . فكتب أبو موسى إلى عمر يخبره الخبر ، فكتب عمر إلى عمار بن ياسر يأمره أن يوجه النعمان بن مقرن في ألف رجل من المسلمين إلى أبي موسى ، فكتب عمار إلى جرير وكان مقيماً بجلولاء ، يأمره باللحاق بأبي موسى فخلف جرير بجلولاء عروة بن قيس البجلي في ألفي رجل من العرب ، وسار ببقية الناس حتى لحق بأبي موسى .
فكتب أبو موسى إلى عمر يستزيده من المدد ، فكتب عمر إلى عمار يأمره أن يستخلف عبد الله بن مسعود على الكوفة في نصف الناس ، ويسير بالنصف الآخر حتى يلحق بأبي موسى ، فسار عمار حتى ورد على أبي موسى ، وقد وافاه جرير من ناحية جلولاء » .
وقال ابن سعد في الطبقات : 5 / 90 : « فلما انقضى أمر جلولاء خرج يزدجرد من حلوان إلى أصبهان ، ثم أتى إصطخر ووجه الهرمزان إلى تستر فضبطها وتحصن في القلعة ، ومعه الأساورة وجمع كثير من أهل تستر ، وهي في أقصى المدينة مما يلي الجبل والماء محيط بها ، والمادة تأتيهم من أصبهان ، فمكثوا كذلك ما شاء الله . وحاصرهم أبو موسى سنتين ، ويقال ثمانية عشر شهراً » !
أقول : هذا الحصار الطويل دليل على سوء إدارة أبي موسى الأشعري ، وهو والي البصرة ، وعنده قوة كافية للهجوم ، أو للضغط عليهم لقبول الصلح . لكنه استعمل بدل ذلك البطش بمن تصل إليه يده من عامة أهل تستر وقراها !
قال في معجم البلدان : 2 / 30 : « وجعل الرجل من الأعاجم يقتل أهله وولده ويلقيهم في دجيل ، خوفاً من أن تظفر بهم العرب » !
وفي تاريخ خليفة / 98 : « ثم سار أبو موسى إلى تستر فأقام عليها . . وفيها حاصر هرم بن حيان أهل ريسهر ، فرأى ملكهم امرأة تأكل ولدها ، فقال : الآن أصالح العرب ، فصالح هرماً على أن خلى لهم المدينة » !
وروى ابن قتيبة في المعارف / 206 ، أن محمد بن جعفر بن أبي طالب وأخاه عوناً ، قد شاركا في معركة تستر واستشهدا فيها ، رضي الله عنهم .
وفي فتوح البلاذري : 2 / 467 : « فقدَّم عمار جرير بن عبد الله البجلي ، وسار حتى أتى تستر ، وعلى ميمنته ، يعنى ميمنة أبى موسى ، البراء بن مالك أخو أنس بن مالك ، وعلى ميسرته مجزأة بن ثور السدوسي ، وعلى الخيل أنس بن مالك .
وعلى ميمنة عمار البراء بن عازب الأنصاري ، وعلى ميسرته حذيفة بن اليمان العبسي ، وعلى خيله قرظة بن كعب الأنصاري ، وعلى رجالته النعمان بن مقرن المزني . فقاتلهم أهل تستر قتالاً شديداً ، وحمل أهل الكوفة حتى بلغوا باب تستر فضاربهم البراء بن مالك على الباب حتى استشهد ودخل الهرمزان وأصحابه المدينة بشر حال ، وقد قتل منهم في المعركة تسع مئة ، ضربت أعناقهم بعد ( أي أخذوا أسرى فضربت أعناقهم ! ) . ثم إن رجلاً من الأعاجم استأمن إلى المسلمين ، على أن يدلهم على عورة المشركين ، فأسلم واشترط أن يفرض لولده ويفرض له ( يجعل له راتب ) فعاقده أبو موسى على ذلك ، ووجه معه رجلاً من شيبان يقال له أشرس بن عوف ، فخاض به دجيل على عرق من حجارة ، ثم علا به المدينة وأراه الهرمزان ، ثم رده إلى العسكر . . فأدخلهم المدينة فقتلوا الحرس وكبروا على سور المدينة ، فلما سمع الهرمزان هرب إلى قلعته ، وكانت موضع خزانته وأمواله . . وقال الهرمزان : ما دل العرب على عورتنا إلا بعض من معنا ممن رأى إقبال أمرهم وإدبار أمرنا . . وطلب الهرمزان الأمان ، وأبى أبو موسى أن يعطيه ذلك إلا على حكم عمر ، فنزل على ذلك ، وقتل أبو موسى من كان في القلعة ممن لا أمان له ! وحمل الهرمزان إلى عمر ، فاستحياه وفرض له » .
وفي الروض المعطار للحميري / 141: «واقتسموا ما أفاء الله عليهم، فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف، والراجل ألفاً» .
وصف معركة تستر واستسلام الهرمزان
قال الطبري : 3 / 181 : « فنزلوا جميعاً على تستر ، والنعمان على أهل الكوفة وأهل البصرة متساندون ، وبها الهرمزان وجنوده من أهل فارس وأهل الجبال والأهواز في الخنادق ، وكتبوا بذلك إلى عمر واستمده أبو سبرة فأمدهم بأبي موسى ، فسار نحوهم وعلى أهل الكوفة النعمان ، وعلى أهل البصرة أبو موسى ، وعلى الفريقين جميعاً أبو سبرة ، فحاصروهم أشهراً وأكثروا فيهم القتل ، وقَتل البراء بن مالك فيما بين أول ذلك الحصار إلى أن فتح الله على المسلمين مائة مبارز سوى من قتل في غير ذلك ، وقَتل مجزأة بن ثور مثل ذلك ، وقَتل كعب بن ثور مثل ذلك ، وقتل أبو تميمة مثل ذلك ، في عدة من أهل البصرة وفي الكوفيين مثل ذلك ، منهم حبيب بن قرة ، وربعي بن عامر ، وعامر بن عبد الأسود ، وكان من الرؤساء في ذلك ما ازدادوا به إلى ما كان منهم . وزاحفهم المشركون في أيام تستر ثمانين زحفاً في حصارهم ، يكون عليهم مرة ولهم أخرى ، حتى إذا كان في آخر زحف منها واشتد القتال قال المسلمون : يا براء أقسم على ربك ليهزمنهم لنا . فقال : اللهم اهزمهم لنا واستشهدني . قال : فهزموهم حتى أدخلوهم خنادقهم ثم اقتحموها عليهم ، وأرزوا إلى مدينتهم وأحاطوا بها فبينا هم على ذلك وقد ضاقت بهم المدينة وطالت حربهم » .
ووصف ابن الأعثم المعركة فقال : 2 / 281 : « ودنى المسلمون من الفرس والفرس من المسلمين ، فتراموا بالنشاب والنبل ساعة ، ثم إنهم تلاحموا فاختلطوا ، واشتبك الحرب بينهم من وقت بزوغ الشمس إلى قريب من الظهر . . وإذا رجلٌ من عظماء الفرس من أهل تستر يقال له هرمك ، قد خرج فجعل يجول ويطلب البراز ، فخرج إليه شيخ من باهلة من بني حلوة يقال له أوس ، على فرس له عجفاء ، فلما نظر إليه أبو موسى عرفه ، فناداه أن ارجع يا أخا باهلة ، فلست من أهل هذا الفارسي ، لأنك شيخ بال وأنت على فرس بال ! قال : فرجع الشيخ ولم يخرج ، وجعل الفارسي يطلب البراز ، فأحجم عنه الناس وخرج إليه الشيخ ثانية فرده أبو موسى ، فغضب الباهلي من ذلك ولم يلتفت إلى كلام أبي موسى ومضى نحو الفارسي ، فالتقيا بطعنتين ، طعنة الباهلي قتلته ، ثم أقبل راجعاً نحو المسلمين ! قال فقال له أبو موسى : يا أخا باهلة ! إن الأشعري لم يرد بكلامه إياك بأساً ، فقال الباهلي : ولا الباهلي أراد بأسا أيها الأمير !
قال : وتقدم جرير بن عبد الله البجلي حتى وقف بين الصفين ثم نادى بأعلى صوته : أيها المسلمون ! الجهاد ثوابه عظيم وخطره جسيم ، وهذا يوم له ما بعده من الأيام ، وقد دعاكم الله عز وجل إلى الجهاد ووعدكم عليه الثواب ، ونهاكم عن التثاقل وحذركم العقاب ، فاعملوا في يومكم هذا عملاً يرضى به ربكم عنكم ، ألا وإني حامل يا معشر بجيلة فاحملوا .
قال : ثم جعل جرير يرتجز ، قال : ثم حمل جرير من الميمنة وحمل النعمان بن مقرن من الميسرة واختلط الفريقان ، ودارت بهما الحرب فاقتتلوا قتالاً شديداً ، ثم صدقهم المسلمون القتال والحملة وكبروا ، وإذا الهرمزدان قد ولى بين يدي أصحابه فاتبعته الأعاجم ، ووضع المسلمون فيهم السيف فقتلوا منهم في المعركة مقتلة عظيمة ، وأسروا منهم ست مائة رجل ، ودخل الهرمزدان وأصحابه إلى تستر بأشر حالة تكون ، وعامة أصحابه جرحاء ، ورجع المسلمون إلى معسكرهم ، وقدم أبو موسى هؤلاء الأسراء فضرب أعناقهم عن آخرهم .
فلما كان من غدٍ إذا برجل من الفرس من أهل تستر يقال له نسيبه بن دارنة ، قد أقبل إلى أبي موسى الأشعري من بعد صلاة العشاء الآخرة فقال : أيها الأمير أتعطيني الأمان على نفسي ومالي وولدي وأهلي ، وأدفع إليك هذه المدينة ؟
فقال له أبو موسى : لك ذلك ، فقال الفارسي : فابعث معي الساعة رجلاً حتى أوقفه على الطريق الذي يتهيأ لكم أن تدخلوا المدينة منه .
قال : فبعث معه أبو موسى برجل يقال له عوف بن مجزأة ، فقال له : انطلق مع هذا الرجل حتى يوقفك على الطريق الذي يتهيأ لنا أن ندخل منه إلى مدينة تستر قال : فخرج عوف بن مجزأة مع نسيبه هذا الفارسي في جوف الليل ، حتى جاز به الفارسي نهر تستر فأراه المخاضة من موضع عرفه ، ثم مر به على عرق الجبل حتى أصعده السور ، وعلى السور قوم نيام قد أوقفهم الهرمزدان في ذلك الموضع حرساً للمدينة . قال : فجاز به نسيبه رويداً رويداً حتى أنزله إلى مدينة تستر ، ثم جاء به إلى منزله فبات فيه ، فلما أصبح نسيبه أخذ طيلساناً له فدفعه إلى عوف بن مجزأة فقال له : غط رأسك بهذا الطيلسان واتبعني !
قال : فخرج المسلم يتبع نسيبه حتى جاز به على باب الهرمزدان والهرمزدان في وقته قد وضع الموائد على بابه يغدي قواده وأساورته ، فقال نسيبه للمسلم : هذه دار الهرمزدان فاعرفها لتخبر أصحابك بذلك ! قال : ثم جاء به حتى أوقفه على باب المدينة فعرفه إياه ، وطاف به في مدينة تستر حتى أوقفه على الموضع الذي جاء به منه فقال : أعبر الآن هذا النهر ، وسر إلى صاحبك فخبره بما رأيت ، وقل له فليبعث معك بجماعة وليتبعوك حتى تدخل المدينة كما أدخلتك إياها ، وليحتالوا في قتل هؤلاء الحرس ، فإذا كان وقت الصبح فلينزلوا إلى باب المدينة فليعالجوه حتى يفتحوه ، ويكون صاحبك قد عبأ أصحابه وأوقفهم على الباب فإني أرجو أن يفتح الله هذه المدينة لكم ، فإني قد أوقفتك على مدخلها ومخرجها فخبر أنت أصحابك بذلك ، وكن أنت الدليل لهم على فتحها .
قال : فخرج عوف بن مجزأة إلى أبي موسى فخبره بذلك ، فلما كان في الليلة الثانية قال أبو موسى لأصحابه : أيها المسلمون من يهب نفسه لله تعالى في هذه الليلة فليخرج مع عوف بن مجزأة حتى يدخل بهم مدينة تستر ، فيكونوا هم الذين يفتحون لنا بابها من داخلها ، فقد تعلمون أنه ليس لنا في تستر حيلة إلا أن تفتح لنا من داخلها ، لأجل هذا النهر الذي يدور حولها .
قال : فانتدب له سبعون رجلاً أو يزيدون من أهل البصرة وأهل الكوفة ، فتقلدوا بسيوفهم ثم مضوا نحو تستر ، وعوف بن مجزأة بين أيديهم ، حتى جاز بهم النهر فخاضه من الموضع الذي قد عرفه ، ثم أصعدهم على عرق الجبل حتى أوقفهم على السور ، والحرس في وقتهم ذلك نيام لا يعقلون . قال : فنكى فيهم هؤلاء المسلمون فذبحوهم عن آخرهم ، ثم قعدوا على السور ينتظرون الصبح .
فلما كان وقت الصبح وثب المسلمون فصلوا بغلس وركبوا دوابهم وتقلدوا سيوفهم وتناولوا رماحهم، وقصدوا نحو باب تستر والباب مغلق، قال: ونزل هؤلاء السبعون الذين مضوا في أول الليل ، فساروا إلى باب تستر من داخل ليعالجوه فيفتحوه ، وكان على الباب ثلاثة أقفال ، ومفاتيح الأقفال عند الهرمزدان قال : وكبر المسلمون من خارج الباب ، وكبر المسلمون السبعون من داخل الباب ، وسمعت الفرس بذلك فبادروا وخرجوا من دورهم وقصورهم وركبوا ، وركب الهرمزدان في أساورته ومرازبته نحو الباب .
قال : فجعل هؤلاء السبعون رجلاً يقاتلون أهل تستر بأجمعهم ، وكان قوم يعالجون فتح الباب وقوم يحاربون ، حتى كسروا قفلين ، وقتل عامة هؤلاء السبعين ، فما بقي منهم إلا نفر قليل .
قال : وجعل المسلمون يكبرون من خارج المدينة وليس لهم في أصحابهم حيلة فلم يزالوا كذلك حتى قتل السبعون بأجمعهم غير ثلاثة نفر ، ففتحوا القفل الثالث ، واقتحم المسلمون مدينة تستر ، وهؤلاء الثلاثة أيضاً داستهم الخيل فقتلتهم ! قال : وسار المسلمون بأجمعهم حتى صاروا في مدينة تستر ، فجعلوا يقتلون وينهبون ، وخرج الهرمزان عن مدينة تستر هارباً حتى صار إلى قلعة له ، وقد كان قدم أهله وولده وعامة أمواله إلى تلك القلعة ، في نفر من أهل بيته وخدمه وحشمه ، فتحصن هنالك .
وغنم أبو موسى والمسلمون جميع ما كان بتستر من أموالها وغنائمها ، ومرت الفرس على وجوهها يمنة ويسرة ، وقد كانوا وجهوا بنسائهم وأولادهم وأموالهم ، ففرقوهم في البلاد خوفاً من المسلمين .
قال : وجمع أبو موسى غنائم تستر فأخرج منها الخمس ليوجه به إلى عمر بن الخطاب ، وقسم باقي ذلك في المسلمين فأعطى كل ذي حق حقه ، ثم سار في جميع أصحابه حتى نزل إلى قلعة الهرمزان فحاصره بها أشد الحصار ، فلما رأى الهرمزان ما هو فيه بعث إلى أبي موسى يسأله أن يعطيه الأمان ، على أن يحمله إلى عمر بن الخطاب مع أهله وولده وحشمه وجميع أهل بيته ، فأجابه أبو موسى إلى ذلك ، وكتب له أمانا منشوراً فبعث به إليه ، فنزل الهرمزدان من قلعته ، فأخذوا جميع ما كان فيها .
قال : ثم دعا أبو موسى بالهرمزدان فقيده بقيد ثقيل ، ووجه به وأهله وولده وجميع ما كان معه إلى عمر بن الخطاب ، ووجه إليه أيضاً بالخمس من غنائم المسلمين من تستر . قال : وبلغ ذلك أهل المدينة فجعلوا ينظرون إلى الهرمزدان ومن معه من أصحابه ، قال : ودخل المسلمون المدينة وطلبوا عمر بن الخطاب في منزله فلم يصيبوه ، فقال الهرمزدان : لمن تطلبون ؟ قالوا : نطلب أمير المؤمنين ، قال الهرمزدان : أو ليس له من يقضي حوائجه ؟ قالوا : بلى ولكنه عون نفسه ، قال : فعجب الهرمزدان من ذلك !
ثم جاء المسلمون فإذا هم بعمر بن الخطاب وهو نائم في مَشرفةٍ من وراء المسجد ، فوقفوا عليه وسلموا ، فاستيقظ عمر بن الخطاب ، ثم استوى جالساً فنظر إلى الهرمزدان وإلى من معه ، فخرَّ لله ساجداً ، ثم قال : الحمد لله الذي جعله وأشباهه فيئاً للمسلمين . قال : ثم وثب عمر فدخل المسجد واجتمع إليه المهاجرون والأنصار ، وأتي بالخمس حتى وضع بين يديه ، فنظر إليه عمر وحمد الله عز وجل على ذلك .
ثم دعا بالهرمزدان فأوقفه بين يديه ثم قال : يا هرمزدان ! كيف رأيت صنع الله عز وجل بك ؟ فقال الهرمزدان: لست بأول من نزلت به هذه النازلة، المصائب قد تصيب الرجال. فقال عمر: صدقت فقل لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فقال الهرمزدان : على هذه الحالة لا أقول . قال : عمر : فإني قاتلك ، قال الهرمزدان : فإني عطشان فاسقني قبل أن تقتلني . قال عمر : إئتوه بماء حتى يشرب ، قال : فأتي بماء في إناء من خشب أو غير ذلك ، فقال الهرمزدان : إني لا أشرب في مثل هذا الإناء ولا أشرب إلا في جوهر ، قال عمر : إنا لا نشرب في الجوهر ولا نرى ذلك . فقال له علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : فلا عليك إئته بماء في قوارير فإنه جوهر أيضاً .
قال : فأتي بقدح فيه ماء فتناوله ، فقال له عمر : إشرب ! فقال الهرمزدان : أخاف أن تقتلني قبل أن أشربه ، قال عمر : فلك الله عز وجل راع وكفيل لا أقتلك أو تشربه ، قال : فرفع الهرمزدان القدح فضرب به الأرض فكسره ! فقال عمر : أيها المسلمون ما ترون في هذا ؟ فسكت المسلمون فقال علي : إنك قد أعطيته الأمان وحلفت له أن لا تقتله أو يشرب الماء ، فلم يشربه ، فليس لك أن تقتله ، ولكن ضع عليه الجزية ، وذره ليكونن بالمدينة .
فقال الهرمزدان : إنه لا توضع الجزية على مثلي ، وأنا ملك وابن ملك ، غير أني داخل في دين الإسلام طائعاً غير مكره ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . قال : وأسلم الهرمزدان وأسلم كل من كان معه من أهل بيته وولده وخدمه وحشمه ، فأمر عمر بفك قيده وقربه وأدناه وفرح بإسلامه ، وخلطه المسلمون بأنفسهم .
قال : ودخل رجل من المسلمين ممن كان مع أبي موسى إلى قلعة الهرمزدان فجعل يدور فيها ، فبينا هو كذلك إذ نظر إلى تمثال من حجر وقد مد يده كذا نحو الأرض ، قال : وكان هذا المسلم داهياً فقال : ما وضع هذا التمثال في هذا الموضع ماداً يده إلى الأرض إلا وتحت يده كنز ! ثم جاء إلى أبي موسى الأشعري فخبره بذلك ، فأرسل أبو موسى بثقات من أصحابه وأمرهم ، فحفروا تحت التمثال فإذا هم بسفط عظيم مقفل ، فحملوه إلى أبي موسى ، فأمر به ففتح فإذا دنانير كثيرة كسروية وحلى من قرطة وشنوف ومخانق ( عقود ) وخلاخيل وأسورة وخواتيم ، وكل ذلك من الذهب مرصع بالدر والجوهر .
قال : فنظر أبو موسى والمسلمون إلى ذلك ، قال : ونظر أبو موسى إلى فص ياقوت هناك فأخذه ولم يعلم قيمته ، ثم قفل السفط وختمه وأرسل به إلى عمر بن الخطاب وكتب إليه بحاله وقصته . قال : فكتم عمر هذا السفط ، ثم بعث إلى الهرمزدان فدعاه ثم قال : يا هرمزدان ! إني أسألك عن أموالك ما حالها ؟ فقال الهرمزدان : إن مالي وأموال غيري قد صارت إلى أبي موسى وقد قسمها في أصحابه ووجه إليك ما وجه .
قال عمر : فهل بقي لك في قلعتك شئ من المال ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين ! ما بقي لي هنالك شئ إلا سفط مدفون في القلعة لا يقدر عليه أحد وقد عزمت على أن أوجه من يأتيني به . قال : فضحك عمر ثم دعا بالسفط فوضعه بين يديه ، قال : هذا سفطك ؟ قال : هذا هو يا أمير المؤمنين ! فمن أتاك بهذا ؟ قال : وجه به إلينا أبو موسى الأشعري ، ولكن افتحه وانظر هل تفقد منه شيئاً ، قال : ففتحه الهرمزدان وجعل ينظر ويميزها ثم قال : ما أفقد منه إلا فصاً واحداً هو خير مما في هذا السفط ! فقال عمر : فإن صاحبي كتب إلي أن الفص صار إليه فاجعله له إن شئت ، قال الهرمزدان : فإني قد جعلته له يا أمير المؤمنين ، وهو أعف رجل يكون إذ لم يكتمك أمر هذا الفص .
قال : واختصم أهل البصرة وأهل الكوفة ، فقال أهل البصرة : الفتح لنا ، وقال أهل الكوفة : بل الفتح لنا ، فاختصموا في ذلك حتى كاد أن يقع بينهم شئ من المكروه ، ثم إنهم رضوا بعمر بن الخطاب وكتبوا إليه بذلك . قال : فكتب عمر بن الخطاب : أما بعد فإن تستر من مغازي أهل البصرة ، غير أنهم إنما نصروا بإخوانهم من أهل الكوفة . . ورجع أهل الكوفة مع أميرهم عمار بن ياسر إلى الكوفة ، ورجع أهل البصرة مع أبي موسى إلى البصرة ، ورجع أهل حلوان مع جرير بن عبد الله وأصحابه إلى حلوان » .
وفي البيان والتبيين للجاحظ / 344 : « إن السائب شهد فتح مهرجان قذق ، ودخل منزل الهرمزان وفي داره ألف بيت ( غرفة ) فطاف فيه ، فإذا ظبي من جص في بيت منها مادٌّ يده ، فقال : أقسم بالله إنه يشير إلى شئ ، أنظروا . فنظروا فاستخرجوا سفط كنز الهرمزان ، فإذ فيه ياقوت وزبرجد ، فكتب فيه السائب إلى عمر وأخذ منه فصاً أخضر ، وكتب إلى عمر : إن رأى أمير المؤمنين أن يهبه لي فليفعل ، فلما عرض عمر السفط على الهرمزان قال : فأين الفص الصغير ؟ قال عمر : سألنيه صاحبنا فوهبته له . فقال : إن صاحبك بالجوهر لعالم » .
وفي الأخبار الطوال للدينوري / 130 : « وأقام المسلمون على باب مدينة تستر أياماً كثيرة ، وحاصروا العجم بها ، فخرج ذات ليلة رجل من أشراف أهل المدينة ، فأتى أبا موسى مستسراً فقال : تؤمنني على نفسي وأهلي وولدي ومالي وضياعي حتى أعمل في أخذك المدينة عنوة . . . قال الرجل ، وكان اسمه سينه » .
وقال ابن سعد في الطبقات : 5 / 90 : « ثم نزل أهل القلعة على حكم عمر فبعث أبو موسى بالهرمزان إليه ومعه اثنا عشر أسيراً من العجم عليهم الديباج ومناطق الذهب وأسورة الذهب . . . فاستسقى الهرمزان ماء ، فقال عمر : لا نجمع عليك القتل والعطش فدعا له بماء فأتوه بماء في قدح خشب فأمسكه بيده فقال عمر : إشرب لا بأس عليك إني غير قاتلك حتى تشربه ، فرمى الإناء من يده وقال : يا معشر العرب ، كنتم وأنتم على غير دين نتعبدكم ونقضيكم ونقتلكم ، وكنتم أسوأ الأمم عندنا حالاً وأخسها منزلة ، فلما كان الله معكم لم يكن لأحد بالله طاقة ، فأمر عمر بقتله ، فقال : أوَلم تؤمني ؟ قال : وكيف ؟ قال : قلت لي تكلم لا بأس عليك ، وقلت : إشرب لا بأس عليك ، لا أقتلك حتى تشربه !
فقال الزبير بن العوام وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري : صدق . فقال عمر قاتله الله أخذ أماناً ولا أشعر ، وأمر فنزع ما كان على الهرمزان من حلية وديباجه وقال لسراقة بن مالك بن جعثم وكان نحيفاً أسود دقيق الذراعين كأنهما محترقان : إلبس سواري الهرمزان فلبسهما ولبس كسوته ، فقال عمر : الحمد لله الذي سلب كسرى وقومه حليهم وكسوتهم ، وألبسها سراقة بن مالك . .
قال أنس بن مالك : ما رأيت رجلاً بطِناً ، ولا أبعد أخمص ( أصابع ) ، ولا أبعد ما بين المنكبين ، من الهرمزان »
ملاحظات على فتح تستر وأسر الهرمزان
الملاحظة الأولى ، قسوة حصار المسلمين لتستر ومحيطها ، والذي طال نحو سنتين ، واضطر المحاصرون فيها إلى إرسال عوائلهم إلى منطقة ثانية ، أو قتلهم لئلا يقعوا في قبضة المسلمين ، وقد منعوا عن بعض مناطقهم المواد الغذائية حتى اضطرت امرأة إلى أكل ولدها ، كما تقدم !
والملاحظة الثانية ، روي أن الهرمزان أسلم قبل أن يصل إلى عمر ، في الأهواز أو في الطريق . ففي مسند الشاميين للطبراني (3 / 60): «عن عاصم بن عمر أن عمر بن الخطاب حين أتاه الهرمزان من ديار الأهواز قال: إن هذا المرزبان عظيم الأهواز وقد نزل على حكمي، فأما أنا فلا أرى إلا قتله، فلم يرجع إليه أحد منهم شيئاً فردد ذلك عليهم مرات ، فقام رجل من الصحابة فقال : إني قد رأيته صلى ، قال عمر : فوالله لا نقتله إن كان قد صلى » .
لكن الرواية الأصح ما رواه في مناقب آل أبي طالب : 2 / 119 : « أن عمر أراد قتل الهرمزان فاستسقى ، فأتيَ بقدح فجعل ترعد يده ، فقال له في ذلك فقال : إني خائف أن تقتلني قبل أن أشربه . فقال : إشرب ولا بأس عليك ، فرمى القدح من يده فكسره ! فقال : ما كنت لأشربه أبداً ، وقد آمنتني ! فقال : قاتلك الله لقد أخذت أماناً ولم أشعر به ! وفي رواياتنا أنه شكى ذلك إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فدعا الله تعالى فصار القدح صحيحاً مملوءً من الماء ! فلما رأى الهرمزان المعجز أسلم » !
ويؤيده أن الهرمزان جاء من الأهواز مع عمار ، أو مع معقل ، وهما من خواص علي ( عليه السلام ) . قال البلاذري في أنساب الأشراف : 12 / 160 : « وكان معقل بن قيس يكنى أبا رميلة ، وكان من رجال أهل الكوفة ، وكان فيمن وفد مع عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب مع الهرمزان بفتح تستر . . وقد كان عليٌّ ( عليه السلام ) صيّره على شرطه » .
وفي شرح النهج : 15 / 92 : « معقل بن قيس ، كان من رجال الكوفة وأبطالها ، وله رياسة وقدم ، أوفده عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب مع الهرمزان » .
ويؤيده ، أن الهرمزان كان من سهم علي ( عليه السلام ) من الفئ فأعتقه ، فكان له ولاؤه ، ولذلك كان ولي دمه ، عندما قتله عبيد الله بن عمر .
فعندما قتل أبو لؤلؤة عمر ، دفعت حفصة أخاها عبيد الله وهو الفارس الوحيد في أولاد عمر ، وأمه وأم أخيه زيد : أم كلثوم بنت جرول ، فقتل الهرمزان وجفينة المعلم النصراني ، والطفلة بنت أبي لؤلؤة !
روى عبد الرزاق في المصنف : 5 / 478 ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر : « فخرج عبيد الله ابن عمر مشتملاً على السيف حتى أتى الهرمزان ، فقال : إصحبني حتى ننظر إلى فرس لي ، وكان الهرمزان بصيراً بالخيل ، فخرج يمشي بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف ، فلما وجد حرَّ السيف قال : لا إله إلا الله ، فقتله ، ثم أتى جفينة وكان نصرانياً فدعاه فلما أشرف له علاوة بالسيف ، فَصَلَّبَ بين عينيه ، ثم أتى ابنة أبي لؤلؤة جارية صغيرة تدعي الإسلام فقتلها ، فأظلمت المدينة يومئذ على أهلها ، ثم أقبل بالسيف صلتاً في يده وهو يقول : والله لا أترك في المدينة سبياً إلا قتلته وغيرهم ، وكأنه يعرض بناس من المهاجرين ، فجعلوا يقولون له : ألقِ السيف ويأبى ، ويهابون أن يقربوا منه ، حتى أتاه عمرو بن العاص فقال : أعطني السيف يا ابن أخي ! فأعطاه إياه ، ثم ثار إليه عثمان ، فأخذ برأسه فتناصيا حتى حجز الناس بينهما .
فلما ولي عثمان قال : أشيروا عليَّ في هذا الرجل الذي فتق في الإسلام ما فتق ، يعني عبيد الله بن عمر ، فأشار عليه المهاجرون أن يقتله ، وقال جماعة من الناس : أقُتل عمر أمس وتريدون أن تتبعوه ابنه اليوم ، أبعد الله الهرمزان وجفينة ! قال : فقام عمرو بن العاص فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الأمر ولك على الناس من سلطان ، إنما كان هذا الأمر ولا سلطان لك ، فاصفح عنه يا أمير المؤمنين ! قال : فتفرق الناس على خطبة عمرو ، وودى عثمان الرجلين والجارية . قال الزهري : وأخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر قال : يرحم الله حفصة إن كانت لممن شجع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة » !
وفي كتاب الاستغاثة : 1 / 58 : « وكان أسلم على يد أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ثم أعتقه من قسمة الفئ ، فبادر إليه عبيد الله بن عمر فقتله من قبل أن يموت عمر ، فقيل لعمر : إن عبيد الله قتل الهرمزان ، فقال : أخطأ ، فإن الذي ضربني أبو لؤلؤة ، وما كان للهرمزان في أمري صنع ، وإن عشت احتجت أن أقتله به ، فإن علياً لا يقبل منا الدية وهو مولاه . فمات عمر واستولى على الناس عثمان فقال علي ( عليه السلام ) لعثمان : إن عبيد الله بن عمر قتل مولاي الهرمزان بغير حق وأنا وليه والطالب بدمه ، فسلمه لي لأقتله به . فقال عثمان : بالأمس قتل عمر وأقتل اليوم ابنه ، أورد على آل عمر ما لا قوام لهم به . فامتنع من تسليمه إلى أمير المؤمنين شفقة منه بزعمه على آل عمر ما لا قوام به ، فقال علي ( عليه السلام ) : أما لئن مكنت منه يوماً لأقتلنه . فلما رجع الأمر إليه ( عليه السلام ) هرب عبيد الله بن عمر إلى الشام ، فصار مع معاوية ، وحضر صفين مع معاوية محارباً لعلي ( عليه السلام ) ، فقتله في معركة الحرب فوجدوه يومئذ متقلداً بسيفين » . ونحوه الخرائج : 1 / 212 .
وقال العلامة في منهاج الكرامة / 109 : « وضيع ( عثمان ) حدود الله ، فلم يُقِدْ عبيد الله بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يطلب عبيد الله لإقامة القصاص عليه ، فلحق بمعاوية » .
وقال البيهقي في معرفة السنن : 6 / 270 : « وقد أشار المهاجرون على عثمان بقتل عبيد الله بن عمر ، حين قتل الهرمزان وجفينة » .
أقول : قضية الهرمزان تفتح الباب على فعاليات مهمة لعلي ( عليه السلام ) وخاصة شيعته ، لم تصل إلينا ، ومنها فعاليات سلمان الفارسي لإقناع الفرس بالإسلام .
والملاحظ الثالثة ، أن الهرمزان عاش في المدينة نحو خمس سنوات ، فإن فتح تستر في سنة 17 ، وقد قتل الهرمزان مع قتل عمر في آخر سنة 22 .
وفي هذه السنوات عاش في المدينة عيشة الملوك ، لأن المسلمين لم يتعرضوا لماله الشخصي ، وهذه واحدة من مميزاتهم .
وقد سأله عمر : « يا هرمزدان إني أسألك عن أموالك ما حالها ؟ فقال الهرمزدان : إن مالي وأموال غيري قد صارت إلى أبي موسى ، وقد قسمها في أصحابه ووجه إليك ما وجه . قال عمر : فهل بقي لك في قلعتك شئ من المال ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين ، ما بقي لي هنالك شئ إلا سفط مدفون في القلعة لا يقدر عليه أحد ، وقد عزمت على أن أوجه من يأتيني به . قال : فضحك عمر ثم دعا بالسفط فوضعه بين يديه . . » .
وصدق الهرمزان في إسلامه ، وساعد المسلمين في فتح بقية إيران ، وقد شهد بذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال لعثمان لما قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان ، كما في أنساب الأشراف : 5 / 510 : « أقدِ الفاسق فإنّه أتى عظيماً ، قتل مسلماً بلا ذنب ! وقال لعبيد الله : يا فاسق لئن ظفرت بك يوماً لأقتلنك بالهرمزان » .
ومع أن الهرمزان كان موالياً لعلي ( عليه السلام ) فقد كان صديقاً لعمر ، ويذهب معه إلى الحج . ففي الطبقات : 5 / 90 : « قال المسور بن مخرمة : رأيت الهرمزان بالروحاء ، مُهِلَّا بالحج مع عمر ، عليه حلة حبرة » .
وكان أكثر الفرس في الأهواز يطيعون الهرمزان ، فكان ذلك سبباً في سماح عمر للمسلمين بفتح داخل إيران ، بعد أن منعهم منه منعاً باتاً ، وعاقب حاكم البحرين على حملته على إيران من جهة شيراز وكرمان .
قال الطبري : 3 / 185 : « وقدم الكتاب على عمر باجتماع أهل نهاوند ، وانتهاء أهل مهرجان قذق وأهل كور الأهواز إلى رأي الهرمزان ومشيئته ، فذلك كان سبب إذن عمر لهم في الإنسياح » .
وكانت للهرمزان في المدينة دار كبيرة تتسع لأن يستضيف الخليفة والمصلين معه ! قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة : 3 / 857 : « عن أبي هريرة التيمي قال : قال الهرمزان لعمر : إيذن لي أصنع طعاماً للمسلمين . قال إني أخاف أن تعجز . قال : لا . قال : فدونك . قال : فصنع لهم ألواناً من حلو وحامض ، ثم جاء إلى عمر فقال : قد فرغت فأقبل . فقام عمر وسط المسجد فقال: يا معشر المسلمين، أنا رسول الهرمزان إليكم ، فاتبعه المسلمون ، فلما انتهى إلى بابه قال للمسلمين : مكانكم ، ثم دخل فقال : أرني ما صنعته ، ثم دعا بأنطاع ، فقال : ألق هذا كله عليها ، واخلطوا بعضه ببعض ! فقال الهرمزان : إنك تفسده ، هذا حلو وهذا حامض ، فقال عمر : أردت أن تفسد عليَّ المسلمين ، ثم أذن للمسلمين ، فدخلوا فأكلوا » !
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|