أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2016
1423
التاريخ: 8-8-2016
1452
التاريخ: 29-8-2016
1767
التاريخ: 31-8-2016
5014
|
هل الصيغة بنفسها تدلّ على المرّة أو التكرار وعلى الفور أو التراخي أو لا يدّل على شيء منها؟ توضيح الحال في هذا المجال يحصل بذكر مقدّمة واحدة فنقول:
لا شكّ أنّ للصيغة وضعين مادّيا وهيئيّا، فالمادّة أعني الحروف الأصليّة الجارية في هيئات المشتقات موضوعة بحكم الوجدان للجامع المقسمي وهو معنى معرّى عن كلّ قيد من المرّة والتكرار والفور والتراخي بل الوجود والعدم؛ ولهذا يصحّ أن يقال: هذه الطبيعة موجودة أو معدومة وهو المقسم لغير الآبي عن الحمل الذي هو معنى الأوصاف، وللأبي عنه الذي هو معنى سائر المشتقّات من المصادر وغيرها.
وأمّا الهيئة فهي موضوعة للإرادة إمّا الفعليّة القائمة بالنفس وإمّا الإيقاعيّة، فلا محالة يكون المعنى عند انضمام الهيئة بالمادّة إرادة الطبيعة، ولا شكّ أنّ الطبيعة بنفسها غير قابلة لتعلّق الإرادة بها؛ لأنّها ليست إلّا هي، فلا بدّ بحكم العقل من لحاظ الوجود معها أعني جامع الوجودات الخارجيّة الذي هو بنفسه متحقّق في الخارج كما في الذهن، غاية الأمر أنّه في الأوّل موصوف بالتكثر، وفي الثاني بالوحدة، فبانضمام القيد العقلي إلى المفاد اللفظي يصير المتحصّل إرادة وجود الطبيعة.
وتعلّق الطلب بالطبيعة بلحاظ الوجود يتصوّر على أربعة أنحاء:
الأوّل: أن يتعلّق بها بلحاظ الوجود الساري بحيث صار عند التحليل كلّ وجود موضوعا مستقلا لطلب مستقلّ كما في «تواضع للعالم».
الثاني: أن يتعلّق بلحاظ مجموع الوجودات من حيث المجموع.
الثالث: أن يتعلّق بها بلحاظ إحدى الوجودات على نحو مدلول النكرة فيكون المطلوب ساريا إلى تمام الوجودات على البدل
فإن قلت: الطلب في هذه الثلاثة متعلّق بالفرد؛ لأنّ وجود الطبيعة عين الفرد فهي خارجة عن الفرض من تعلّقه بالطبيعة.
قلت: للوجود إضافتان: واحدة إلى الفرد واخرى إلى الطبيعة، والمراد في المقام هو بلحاظ إضافته إلى الطبيعة، وهو وإن كان ينطبق في الخارج على الفرد لا محالة، لكن سهم الصيغة ليس إلّا صرف وجود الطبيعة بأحد هذه الأنحاء الذي هو منفكّ في الذهن عن جميع الخصوصيّات الفرديّة، فإفهامها محتاج إلى دالّ زائد.
الرابع: أن يتعلّق بلحاظ صرف الوجود الذي هو نقض العدم الأزلي، وهو ينطبق قهرا على الوجود الأوّل؛ لا أنّ الأوّلية مأخوذة فيه وبعد ذلك لا ينطبق على الأفراد المتأخّرة؛ إذ نقض العدم الأزلي للطبيعة لا يعقل فيه التكرار، والوجود بأيّ نحو من هذه الأنحاء كان لا يمتنع العقل من أخذه في متعلّق الإرادة، فإن كان في البين قرينة على إرادة أحدها فلا كلام، وإلّا فحيث لا انصراف في البين فقضيّة مقدّمات الحكمة لو كان المتكلّم بصدد البيان إرادة الأقلّ مأونة الذي هو الوجه الأخير، فجزؤه العدمي أعني: عدم المأونة الزائدة يحرز بهذه المقدّمات، وجزئه الأخير أعني أصل الوجود محرز بحكم العقل، فيصير المتحصّل من مجموع القيد العقلي ومفاد الصيغة إرادة صرف وجود الطبيعة.
وهذا معنى معرّى عن المرّة والتكرار والفور والتراخي، نعم له انطباق قهريّ على المرّة، وعلى هذا فيمتنع الامتثال بالفرد الثاني وما بعده؛ إذ لا يعقل سلب الانطباق عن الفرد الأوّل؛ ولهذا قيل: الامتثال عقيب الامتثال محال.
لكنّهم ذكروا هنا شيئا وهو أنّ الغرض والنتيجة الداعية إلى الأمر تارة يحصل بمجرّد الإتيان بالمأمور به كما لو قال: اضرب زيدا، فبحصول الضرب يحصل الغرض وهو التشفّي، وحينئذ يكون الفرد الثاني وما بعده لغوا لا محالة، واخرى لا يحصل بمجرّد إتيانه كما لو قال المولى لعبده: اسقني شربة من الماء فأتى بالماء ووضعه في جنبه ولكن لم يشربه المولى بعد، وحينئذ لو وجد العبد ماء أعذب وأبرد من الأوّل فبادر وأتى به إلى المولى قبل شرب الأوّل ليرفع عطشه بالثاني فهو كأنّه بدّل فرد الامتثال بفرد آخر وجعل ما أتى به ثانيا عوضا عمّا أتى به أوّلا، ويعدّ فعله مستحسنا عند العقلاء ويصير نفسه ممدوحا؛ لأنّه فعل فعلا نافعا لغرض المولى، وهذا الفعل الثاني وإن لم يكن امتثالا للأمر وخروجا عن عهدته ولهذا ليس للمولى إلزام العبد به، لكنّه يحسب بدلا عن الفعل الأوّل بمعنى أنّ المولى يستعمله في محلّ الأوّل ويحصل منه فائدة الأوّل وثمرته.
وبالجملة فعدم لغويّة الفرد الثاني بل استحسانه واقامته مقام الفرد الأوّل في تحصيل الغرض فيما إذا كان الغرض متأخّر الحصول عن المأمور به لا امتناع فيه عقلا قطعا.
وحيث اشكل عليهم الأمر في باب الصلاة المعادة جماعة من حيث إنّ قضيّة كون مطلوبيّة الصلاة بلحاظ صرف الوجود وامتناع الامتثال عقيب الامتثال بطلانها، ومع ذلك ورد النص الصريح بصحّتها كقوله عليه السلام: «يختار اللّه أحبّهما إليه» جعلوا هذا محملا للصحّة، ببيان أنّ ما هو المطلوب في حدّ ذاته غير المطلوب من المكلّف، فرفع العطش في المثال مطلوب للآمر وليس مطلوبا إيجاده من المأمور، بل يحصل بفعله، وفعل الأمر مفاد المطلوب منه إنّما هو إتيان الماء فقط، ولا شكّ أنّه يحصل ويسقط بالفرد الأوّل، فيمكن أن يأتي المأمور بداعي المطلوب الذاتي الذي لم يسقط بعد بالفرد الثاني ويصرفه الآمر في مصرف الفرد الأوّل، وكما يمكن ذلك في حقّ البشر فكذا في حقّه تعالى، غاية الأمر أنّ المطلوب الذاتي له تعالى أبدا ينفع بحال العبد ويعود إليه، وللبشر قد يكون كذلك وقد يعود إلى نفسه.
لكن لهم شبهة اخرى في باب صحة صلاة من جهر في صلاته مقام الإخفات أو عكس ناسيا أو جاهلا ولو جهلا لا يعذر فيه، كما هو قضيّة إطلاق لفظ «لا يدري» في الخبر وعدم لزوم الإعادة عليه لا في الوقت ولا في خارجه كما هو قضيّة قوله عليه السلام فيه: «تمّت صلاته» وهي: أنّ الجاهل المقصّر كيف يحكم عليه المولى إذا علم بالمسألة في الوقت بأنّه لا يلزم عليك الإعادة بل صلاتك مجزية ومع ذلك اعاقبك على ترك كيفيّة الصلاة من الجهر أو الإخفات، مع أنّ العقل حاكم بأنّ اللازم حينئذ إلزامه بالإعادة ورفع العقاب عنه لفرض بقاء الوقت.
وأجابوا عنها بأنّه يمكن أن يكون للمولى غرض أقصى متعلّق بالصلاة بالجهر أو الإخفات، لكنّه إذا انعدمت الكيفيّة فنفس الصلاة أيضا مشتملة على مقدار مصلحة واجب، فالصلاة مع الكيفيّة ذات مصلحتين ملزمتين إحداهما قائمة بنفسها والاخرى بكيفيتها، وعلى هذا يصير الحكم بصحّة الصلاة وعقوبة المكلّف كلاهما صحيحا.
أمّا الأوّل فلأنّه قضيّة قيام المصلحة الملزمة بنفس الصلاة، وأمّا الثاني فلأنّه يلزم من صحّة الصلاة وسقوطها عن المكلّف فوات محلّ المصلحة الملزمة القائمة بالكيفيّة وسقوطه عن القابليّة، فلا يمكن إدراكها بعد ذلك؛ لعدم المحلّ لها، فيعاقب المكلّف على ذلك لاستناده إليه.
وأنت خبير بأنّه بناء على ما ذكروه في تصوير صحّة الصلاة المعادة جماعة يلزم أن لا يفوت محلّ هذه المصلحة لإمكان إدراكها بالصلاة المعادة جماعة التي هي أفضل من الصلاة مع الكيفيّة، فيعود الإشكال من أنّه يلزم حينئذ الحكم بلزوم إعادتها كذلك ورفع العقاب، لا عدم اللزوم والعقاب.
واجيب عن هذا بوجهين:
الأوّل: أنّ الأخبار الواردة باستحباب الإعادة جماعة لا يشمل المقام؛ إذ مورد السؤال فيها هو ما إذا وقعت الصلاة المنفردة كاملة.
فإن قلت: كيف ذلك ولا مخصّص لها لا عقلا ولا شرعا؟.
قلت: لا عموم ولا إطلاق لهذه الأخبار بالنسبة إلى المقام حتى يسأل عن المخصّص؛ وذلك لأنّ خصوصيّة السؤال ربّما يوجب عدم ظهور الجواب في العموم أو ظهوره في الخصوص، فالثاني كقوله عليه السلام في الجواب عن السؤال من الشرب من الإناء المفضّض: «اشرب منه واعزل فمك عن موضع الفضّة» فإنّ اللام في لفظ الفضّة بقرينة السؤال عهديّة وإشارة إلى الفضّة المتّصلة بالإناء ولا يشمل غيرها وإن كان لو قيل ابتداء: اعزل فمك عن موضع الفضّة كان اللام ظاهرا في الجنس والأوّل كما في أخبار الباب؛ فإنّ الجواب فيها بالنسبة إلى غير مورد السؤال، وهو ما إذا وقعت الصلاة المنفردة كاملة مجمل، وإحراز الإطلاق بمقدّمات الحكمة غير ممكن، أمّا بناء على اشتراط اعمالها بعدم وجود القدر المتيقّن في البين فواضح، وأمّا بناء على عدم الاشتراط فلأنّ الإمام ليس في مقام البيان بالنسبة إلى غير هذا المورد.
نعم ربّما يكون عدم ملحوظيّة الخصوصيّة للمخاطبين وملغائيّتها في نظرهما مستفادا من الخارج، كما لو سئل عن موت الفارة في القربة أو الحبّ هل موجب للنجاسة أو لا؟ فقيل: موجب لها؛ فإنّ من المعلوم أنّ نظرهما ليس إلى خصوص الفأرة والقربة أو الحبّ بل يعمّ كلّ نجس إذا لاقى الماء القليل.
ولكنّ الإنصاف أنّه مع ذلك لا يمكن القطع بهذا الوجه أعني: اختصاص الاستحباب بصورة كامليّة الصلاة المنفردة، فالأولى في الجواب هو الوجه الثاني.
الثاني: أنّه وإن كان الإعادة جماعة مستحبّة هنا إلّا أنّه لا يمكن إدراك تلك المصلحة الفائتة بها، غاية الأمر أنّه يدرك بها فضيلة الجماعة علاوة على المصلحة الملزمة القائمة بنفس الصلاة، فمفاد قوله: «يختار اللّه أحبّهما» أنّ الصلاة الثانية أحبّ بالنسبة إلى الاولى، فإن كان الاولى كاملة كانت الثانية أحبّ بالنسبة إلى الكامل، وإن كانت ناقصة كانت الثانية أحبّ بالنسبة إلى الناقص.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|