أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-4-2020
3182
التاريخ: 17-4-2020
8384
التاريخ: 13-4-2020
6324
التاريخ: 17-4-2020
11033
|
قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } [الأحزاب : 56 - 58]
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1)
لما صدر سبحانه هذه السورة بذكر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وقرر في أثناء السورة ذكر تعظيمه ختم ذلك بالتعظيم الذي ليس يقاربه تعظيم ولا يدانيه فقال {إن الله وملائكته يصلون على النبي} معناه إن الله يصلي على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ويثني عليه بالثناء الجميل ويبجله بأعظم التبجيل وملائكته يصلون عليه [يثنون عليه](2) بأحسن الثناء ويدعون له بأزكى الدعاء .
{يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} قال أبوحمزة الثمالي حدثني السدي وحميد بن سعد الأنصاري وبريد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال لما نزلت هذه الآية قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ قال : قولوا (اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد) .
حدث عن عبد الله بن مسعود قال إذا صليتم على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قالوا فعلمنا قال قولوا اللهم اجعل صلاتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الدين وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد .
حدث عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية فقلت كيف صلاة الله على رسوله فقال يا أبا محمد تزكيته له في السماوات العلى فقلت قد عرفت صلواتنا عليه فكيف التسليم فقال هوالتسليم له في الأمور فعلى هذا يكون معنى قوله {وسلموا تسليما} انقادوا لأوامره وابذلوا الجهد في طاعته وفي جميع ما يأمركم به وقيل معناه سلموا عليه بالدعاء أي قولوا السلام عليك يا رسول الله ( الحديث ) .
وحدث عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال دخلت على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فلم أره أشد استبشارا منه يومئذ ولا أطيب نفسا قلت يا رسول الله ما رأيتك قط أطيب نفسا ولا أشد استبشارا منك اليوم فقال وما يمنعني وقد خرج آنفا جبرائيل من عندي قال قال الله تعالى من صلى عليك صلاة صليت بها عليه عشر صلوات ومحوت عنه عشر سيئات وكتبت له عشر حسنات .
{إن الذين يؤذون الله ورسوله} قيل هم المنافقون والكافرون والذين وصفوا الله بما لا يليق به وكذبوا رسله وكذبوا عليه فعلى هذا يكون معنى يؤذون الله يخالفون أمره ويصفونه بما هو منزه عنه ويشبهونه بغيره فإن الله عز اسمه لا يلحقه أذى ولكن لما كانت مخالفة الأمر فيما بيننا تسمى إيذاء خوطبنا بما نتعارفه وقيل يؤذون الله يلحدون في أسمائه وصفاته وقيل معناه يؤذون رسول الله فقدم ذكر الله على وجه التعظيم إذ جعل أذى رسوله أذى له تشريفا له وتكريما فكأنه يقول لو جاز أن يناله أذى من شيء لكان ينالني من هذا واتصاله بما قبله أنه كأنه يقول صلوا عليه ولا تؤذوا فإن من آذاه فهو كافر .
ثم أوعد عليه بقوله {لعنهم الله في الدنيا والآخرة} أي يبعدهم الله من رحمته ويحل بهم وبال نقمته بحرمان زيادات الهدى في الدنيا والخلود في النار في الآخرة {وأعد لهم} في الآخرة {عذابا مهينا} أي مذلا لهم حدثنا السيد أبو الحمد قال حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال حدثنا أبوعبد الله الحافظ قال حدثنا أحمد بن محمد بن أبي دارم الحافظ قال حدثنا علي بن أحمد العجلي قال حدثنا عباد ابن يعقوب قال حدثنا أرطاة بن حبيب قال حدثنا أبو خالد الواسطي وهو آخذ بشعره قال حدثني زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) وهو آخذ بشعره قال حدثني علي بن الحسن وهو آخذ بشعره قال حدثني الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو آخذ بشعره قال حدثني علي بن أبي طالب وهو آخذ بشعره قال حدثني رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهو آخذ بشعره فقال ((من آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فعليه لعنة الله)) .
{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا} أي يؤذونهم من غير أن عملوا ما يوجب أذاهم {فقد احتملوا بهتانا} أي فقد فعلوا ما هو أعظم الإثم مع البهتان وهو الكذب على الغير يواجهه به فجعل إيذاء المؤمنين والمؤمنات مثل البهتان وقيل يعني بذلك أذية اللسان فيتحقق فيها البهتان {وإثما مبينا} أي ومعصية ظاهرة قال قتادة والحسن إياكم وأذى المؤمنين فإن الله تعالى يغضب له وقيل نزلت في قوم من الزناة كانوا يمشون في الطرقات ليلا فإذا رأوا امرأة غمزوها وكانوا يطلبون الإماء عن الضحاك والسدي والكلبي .
________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص179-181 .
2- ما بين المعقفتين غير موجود في المخطوطتين .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1)
{ إِنَّ اللَّهً ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيماً} . صلاة اللَّه على النبي معناها الرضا والرحمة والثناء عليه بكل خير ، والصلاة عليه من الملائكة معناها التزكية ، ومن المؤمنين الدعاء بعلو المنزلة . فقد سئل الإمام الرضا (عليه السلام) عن معنى صلاة اللَّه والملائكة والمؤمنين على النبي ؟ فقال :
الصلاة من اللَّه الرحمة ، ومن الملائكة التزكية ، ومن المؤمنين الدعاء . . ولا تنحصر الصلاة على النبي باللَّه والملائكة والمؤمنين برسالة محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ، فكل إنسان يعمل بشيء من سنته أو يدرسها أو يستدل بها أو يدوّنها ، أو يذكر فضيلة من فضائله فقد صلى عليه مؤمنا كان أم غير مؤمن ، أراد ذلك أم لم يرد .
وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : ان صلاة الرجل على محمد مثل قوله :
سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر . يريد الإمام ان ثواب الصلاة على محمد تماما كثواب التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير . وعن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال : البخيل حقا من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ . اللهم صلّ على محمد وآل محمد .
كيف نصلي عليك يا رسول اللَّه ؟
في صحيح البخاري ج 8 باب (الصلاة على محمد) ، وتفسير الطبري والرازي والمراغي وغيرهم من المفسرين ، وفي كتب المحدثين أيضا : قيل : يا رسول اللَّه كيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد .
وفي تفسير (روح البيان) لإسماعيل حقي : (ينبغي أن يقول المصلي : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد بإعادة كلمة (على) فإن أهل السنة التزموا إدخال (على) على الآل ردا على الشيعة فإنهم منعوا ذكر (على) بين النبي وآله) . ونحن لا نجد أي فرق بين قول من قال : اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، وقول من قال : وعلى آل محمد ، أما حديث : {من فصل بيني وبين آلي لم تنله شفاعتي} فاللَّه أعلم بصحته . وقال الإمام الشافعي :
يا أهل بيت رسول اللَّه حبكم * فرض من اللَّه في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر انكم * من لا يصلَّي عليكم لا صلاة له
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهً ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً} . المراد بإيذاء اللَّه تعالى غضبه ونقمته ، والسبب الموجب لغضبه الجحود ونسبة الشريك أو الولد إليه أو معصية حكم من أحكامه ، وإيذاء الرسول يكون بإنكار رسالته أو إهمال سنته ، أما اللعنة من اللَّه فهي الطرد والابعاد من رحمته ، ومن الناس الشتم والدعاء بالسوء ، وفي نهج البلاغة لعن اللَّه الآمرين بالمعروف التاركين له ، والناهين عن المنكر العاملين به .
{والَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وإِثْماً مُبِيناً} . بغير ما اكتسبوا أي بغير جناية يستحقون بها الإيذاء ، ويكون الإيذاء بالغيبة والكيد والافتراء وما إليه ، وفي الحديث : {المسلم من سلم الناس من يده ولسانه . . عز المؤمن بكفّ الأذى عن الناس . . وأذلّ الناس من أهان الناس} .
وقال الإمام علي (عليه السلام) : أسوأ الناس حالا من لم يثق بأحد لسوء ظنه ، ولم يثق به أحد لسوء فعله .
_____________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص236-238 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1)
قوله تعالى : {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} قد تقدم أن أصل الصلاة الانعطاف فصلاته تعالى انعطافه عليه بالرحمة انعطافا مطلقا لم يقيد في الآية بشيء دون شيء وكذلك صلاة الملائكة عليه انعطاف عليه بالتزكية والاستغفار وهي من المؤمنين الدعاء بالرحمة .
وفي ذكر صلاته تعالى وصلاة ملائكته عليه قبل أمر المؤمنين بالصلاة عليه دلالة على أن في صلاة المؤمنين له اتباعا لله سبحانه وملائكته وتأكيدا للنهي الآتي .
وقد استفاضت الروايات من طرق الشيعة وأهل السنة أن طريق صلاة المؤمنين أن يسألوا الله تعالى أن يصلي عليه وآله .
قوله تعالى : {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا} من المعلوم أن الله سبحانه منزه من أن يناله الأذى وكل ما فيه وصمة النقص والهوان فذكره مع الرسول وتشريكه في إيذائه تشريف للرسول وإشارة إلى أن من قصد رسوله بسوء فقد قصده أيضا بالسوء إذ ليس للرسول بما أنه رسول إلا ربه فمن قصده فقد قصد ربه .
وقد أوعدهم باللعن في الدنيا والآخرة واللعن هو الإبعاد من الرحمة والرحمة الخاصة بالمؤمنين هي الهداية إلى الاعتقاد الحق وحقيقة الإيمان ، ويتبعه العمل الصالح فالإبعاد من الرحمة في الدنيا تحريمه عليه جزاء لعمله فيرجع إلى طبع القلوب كما قال : {لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة : 13] ، وقال : {وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : 46] ، وقال : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [محمد : 23] .
وأما اللعن في الآخرة فهو الإبعاد من رحمة القرب فيها وقد قال تعالى : { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } [المطففين : 15] .
ثم أوعدهم بأنه أعد لهم - أي في الآخرة - عذابا مهينا ووصف العذاب بالمهين لأنهم يقصدون باستكبارهم في الدنيا إهانة الله ورسوله فقوبلوا في الآخرة بعذاب يهينهم .
قوله تعالى : {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} تقييد إيذائهم بغير ما اكتسبوا لأن إيذاءهم بما اكتسبوا كما في القصاص والحد والتعزير لا إثم فيه .
وأما إيذاؤهم بغير ما اكتسبوا ومن دون استحقاق فيعده سبحانه احتمالا للبهتان والإثم المبين ، والبهتان هو الكذب على الغير يواجهه به ، ووجه كون الإيذاء من غير اكتساب بهتانا أن المؤذي إنما يؤذي لسبب عنده يعده جرما له يقول : لم قال كذا؟ لم فعل كذا؟ وليس بجرم فيبهته عند الإيذاء بنسبة الجرم إليه مواجهة وليس بجرم .
وكونه إثما مبينا لأن الافتراء والبهتان مما يدرك العقل كونه إثما من غير حاجة إلى ورود النهي عنهما شرعا .
_____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص272-274 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1)
الصلاة على النّبي والسلام عليه : (2)
بعد البحوث التي مرّت في الآيات السابقة حول وجوب حفظ حرمة النّبي (صلى الله عليه وآله)وعدم إيذائه ، فإنّ هذه الآيات تتحدّث أوّلا عن محبّة الله وملائكته للنّبي (صلى الله عليه وآله)وتعظيمهم له ، وبعد ذلك تأمر المؤمنين بذلك ، ثمّ تذكر العواقب المشؤومة الأليمة لاُولئك الذين يؤذون النّبي (صلى الله عليه وآله) ثمّ تبيّن أخيراً عظم ذنب الذين يؤذون المؤمنين بإتّهامهم والإفتراء عليهم .
تقول أوّلا : {إنّ الله وملائكته يصلّون على النّبي} .
إنّ مقام النّبي (صلى الله عليه وآله) ومنزلته من العظمة بمكان ، بحيث أنّ خالق عالم الوجود ، وكلّ الملائكة الموكّلين بتدبير أمر هذا العالم بأمر الله سبحانه يصلّون عليه ، وإذا كان الأمر كذلك فضمّوا أصواتكم إلى نداء عالم الوجود هذا ، فـ {يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً} .
إنّه جوهرة نفيسة لعالم الخلقة ، وقد جُعل بينكم بلطف الله ، فلا تستصغروا قدره ، ولا تنسوا مقامه ومنزلته عند الله وملائكة السماوات . . إنّه إنسان ظهر من بينكم ، لكنّه ليس إنساناً عادياً ، بل هو إنسان يتلخّص عالم الوجود في وجوده .
وهنا اُمور يجب الإلتفات إليها :
1 ـ (الصلاة) وجمعها «صلوات» ، كلّما نسبت إلى الله سبحانه فإنّها تعني «إرسال الرحمة» ، وكلّما نسبت إلى الملائكة فإنّها تعني «طلب الرحمة»(3) .
2 ـ إنّ التعبير بـ (يصلّون) وهو فعل مضارع يدلّ على الإستمرار ، يعني أنّ الله وملائكته يصلّون عليه دائماً وباستمرار صلاة دائمة خالدة .
3 ـ إختلف المفسّرون في الفرق بين (صلّوا) و(سلّموا) والذي يبدو أنسب للأصل اللغوي للكلمتين ، وأوفق لظاهر الآية القرآنية ، هو : أن (صلّوا) أمر بطلب الرحمة والصلاة على النّبي ، أمّا (سلِّموا) فتعني التسليم لأوامر نبي الإسلام الأكرم ، كما ورد في الآية (65) من سورة النساء (ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً) .
وكما نقرأ في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ أبا بصير سأله فقال : قد عرفت صلاتنا على النّبي ، فكيف التسليم؟ قال : «هو التسليم له في الاُمور»(4) .
أو أن يكون بمعنى «السلام» على النّبي (صلى الله عليه وآله) بـ (السلام عليك يا رسول الله) وما أشبه ذلك ، والذي يعني طلب سلامة النّبي (صلى الله عليه وآله) من الله سبحانه .
يروي «أبوحمزة الثمالي» عن «كعب» ـ وهو أحد أصحاب النّبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : لمّا نزلت هذه الآية قلنا : قد عرفنا السلام عليك ، فكيف نصلّي عليك؟ فقال : «قولوا : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد»(5) . ومن هذا الحديث تتّضح كيفية الصلاة على النّبي (صلى الله عليه وآله)وكذلك يتّضح معنى «السلام» .
وبالرغم من أنّ هذين المعنيين للسلام يبدوان مختلفين تماماً ، إلاّ أنّه يمكن عطفهما وإرجاعهما إلى نقطة واحدة إذا دقّقنا فيهما ، وهي : التسليم القولي والفعلي للنبي (صلى الله عليه وآله) ، لأنّ من يسلّم عليه ويرجو من الله سلامته ، يعشقه ويعرفه كنبي مفترض الطاعة .
4 ـ ممّا يلفت النظر أنّه قد ورد صريحاً في كيفية الصلاة على النّبي وفي روايات لا تحصى من طرق العامّة وأهل البيت ، أن يضاف (آل محمّد) عند الصلوات على محمّد (صلى الله عليه وآله) .
فقد روي في «الدرّ المنثور» عن صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه ورواه آخرين عن كعب بن عجرة : أنّ رجلا أتى إلى النّبي (صلى الله عليه وآله) فقال : أمّا السلام عليك فقد علمناه ، فكيف الصلاة عليك؟ فقال النّبي (صلى الله عليه وآله) : «قل اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد . اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد» .
وقد أورد صاحب تفسير الدرّ المنثور ثمانية عشر حديثاً آخر إضافةً إلى هذا الحديث ، صرّحت جميعاً بوجوب ذكر «آل محمّد» عند الصلوات .
وقد رويت هذه الأحاديث عن كتب أهل السنّة المعروفة المشهورة عن جماعة من الصحابة منهم : ابن عبّاس ، وطلحة ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو هريرة ، وأبو مسعود الأنصاري ، وبريدة ، وابن مسعود ، وكعب بن عجرة ، وأمير المؤمنين علي(عليه السلام) (6) .
وقد رويت في صحيح البخاري (وهو أشهر مصادر الحديث عند أهل السنّة) روايات عديدة في هذا الباب يستطيع من يريد مزيد الإيضاح أن يرجع إليه (7) .
وكذلك وردت في صحيح مسلم روايتان في هذا الباب (8) .
والعجيب في هذا الكتاب أنّه بالرغم من ورود (آل محمّد) عدّة مرّات في هذين الحديثين ، فإنّه إختار هذا العنوان لهذا الباب : (باب الصلاة على النّبي (صلى الله عليه وآله)) بدون ذكر «الآل»!!
وثمّة مسألة تستحقّ الإنتباه وهي : أنّ في بعض روايات أهل السنّة ، وفي كثير من روايات أهل البيت لم ترد حتّى كلمة (على) لتفرّق بين محمّد وآل محمّد ، بل كيفية الصلاة هي : اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد .
وننهي هذا البحث بحديث آخر عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فإنّ «ابن حجر» يروي في الصواعق : أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) قال : «لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، فقالوا : وما الصلاة البتراء؟ قال : تقولون : اللهمّ صلّ على محمّد وتمسكون ، بل قولوا : اللهمّ صلّ على على محمّد وآل محمّد» (9) .
ولهذه الرّوايات فقد اعتبر جمع من كبار فقهاء العامّة إضافةً (آل محمّد) إلى اسم «محمّد» في تشهد الصلاة واجباً (10) .
5 ـ هل أنّ الصلاة على النّبي (صلى الله عليه وآله) واجبة أم لا؟ وإذا كانت واجبة فأين تجب ؟
يقول الفقهاء في الإجابة عن هذا السؤال : إنّ جميع فقهاء أهل البيت يعتبرونها واجبة في التشهّد الأوّل والثّاني من الصلاة ، ومستحبة في غيرهما .
وعلاوةً على الأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في هذا الباب ، فإنّ الروايات الواردة في كتب أهل السنّة ، والدالّة على الوجوب ، ليست بالقليلة ، ومن جملتها ما ورد عن عائشة أنّها قالت : سمعت رسول الله يقول : «لا يقبل صلاة إلاّ بطهور وبالصلاة عليّ» .
ويعتبر «الشافعي» ـ وهومن فقهاء العامّة ـ الصلاة على النّبي (صلى الله عليه وآله) واجبة في التشهّد الثاني ، و«أحمد» في إحدى الروايتين المرويتين عنه ، وجمع آخر من الفقهاء ، غير أنّ «أبا حنيفة» لا يعتبرها واجبة .
والطريف أنّ «الشافعي» قد نظّم فتواه هذه شعراً وذكرها بصراحة حيث يقول :
ياأهل بيت رسول الله حبّكم فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له (11)
ثمّ تبيّن الآية التالية النقطة المقابلة للآية السابقة ، فتقول : {إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً} .
ماذا يراد من أذى الله سبحانه ؟
قال البعض : إنّ المراد منه هو الكفر والإلحاد الذي يُغضِب الله عزّوجلّ ، لأنّ «الأذى» لا يعني في شأن الله تعالى إلاّ إغضابه .
ويحتمل أيضاً أن يكون إيذاء النّبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين هو إيذاء الله تعالى ، وذكر الله في الآية لأهمية المطلب وتأكيده .
وأمّا إيذاء نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) فله معنى واسع ، ويشمل كلّ عمل يؤذيه ، سواء كان الكفر والإلحاد ومخالفة أوامر الله والإفتراءات والتّهم ، أم الأذى الذي يراه حين يدعوهم إلى بيته ، كما مرّ في الآية (53) من هذه السورة { إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب : 53] .
أو الموضوع الذي ورد في الآية (61) من سورة التوبة عندما اتّهموا النّبي (صلى الله عليه وآله)بأنّه «اُذن» نتيجة إصغائه لكلام الناس ورعايته لأدب المحادثة {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } [التوبة : 61] وأمثال ذلك .
بل ويستفاد من الرواية الواردة في ذيل الآية أنّ إيذاء أهل بيت النّبي وخاصّة علي وفاطمة (عليهما السلام) ، يدخل ضمن الآية ، وقد جاء في المجلّد الخامس من صحيح البخاري ، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : «فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني»(12) .
وورد هذا الحديث في «صحيح مسلم» بهذه العبارة : «إنّ فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها»(13) .
وروي هذا المعنى في حقّ علي (عليه السلام) عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)(14) .
وأمّا «اللعن» الوارد في الآية أعلاه ، فإنّه بمعنى الطرد عن رحمة الله ، وهو في مقابل الرحمة والصلوات التي وردت في الآية السابقة تماماً .
إنّ اللعن والطرد عن رحمة الله سبحانه . . تلك الرحمة الواسعة التي لا تعرف الحدود ، يعدّ أسوأ أنواع العذاب ، خاصّةً إذا كان هذا الطرد في الدنيا والآخرة كما هو في الآية مورد البحث ، ولعلّ ذكر مسألة اللعن قبل العذاب المهين لهذا السبب .
والتعبير بـ (أعَدّ) دليل على تأكيد هذا العذاب وشدّته .
وتتحدّث الآية الأخيرة عن إيذاء المؤمنين ، وتهتمّ به جدّاً بعد إيذاء الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ، فتقول : (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) لأنّ للمؤمن علاقة بالله ورسوله عن طريق الإيمان ، ولهذا جعل في مرتبة الله ورسوله هنا .
وتعبير (بغير ما اكتسبوا) إشارة إلى أنّ هؤلاء لم يرتكبوا ذنباً حتّى يؤذوا ، ومن هنا يتّضح أنّهم إن بدر منهم ذنب يستوجب الحدّ والقصاص فلا مانع من إجرائه وتنفيذه في حقّهم ، وكذلك لا يشمل هذا الكلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إنّ تقديم «البهتان» على «الإثم المبين» لأهميّته ، لأنّ البهتان يعتبر من أكبر الذنوب ، والجراحات التي تنجم عنه أشدّ ألماً من جراحات السنان ، كما قال الشاعر العربي :
جراحات السنان لها التيام ولا يلتام ما جرح اللسان
وقد أولت الرّوايات الإسلامية هذه المسألة إهتماماً فائقاً ، ففي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «إنّ الله عزّوجلّ يقول : «ليأذن بحرب منّي من آذى عبدي المؤمن» (15) .
وقال بعض المفسّرين : يستفاد من اُسلوب الآية أنّ جماعة في المدينة كانوا يطلقون الشائعات ويثيرون الشبهات حول المؤمنين ، ويتّهمونهم بما ليس فيهم ، وحتّى نبي الله لم يكن بمنأى عن ألسن اُولئك المؤذين . وهذه الفئة ليست قليلة في المجتمعات الاُخرى ، وخاصّة في مجتمعات اليوم ، وليس لها عمل إلاّ التآمر ضدّ الصالحين والمحسنين ، وإختلاق الأكاذيب والتّهم .
لقد هاجم القرآن الكريم هؤلاء الأشخاص أشدّ هجوم ، ووصفت أعمالهم بالبهتان والإثم المبين . والشاهد لهذا الكلام سيأتي في الآيات التالية .
وجاء في حديث آخر يرويه الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «من بهت مؤمناً أو مؤمنة ، أوقال فيه ما ليس فيه أقامه الله تعالى يوم القيامة على تلّ من نار حتّى يخرج ممّا قاله فيه»(16) .
_____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص472-477 .
2 ـ الطريف أنّ البدء بهذه الآيات صادف ليلة ميلاد النّبي (صلى الله عليه وآله) في شهر ربيع الأوّل سنة الف وأربعمائة وأربع للهجرة .
3 ـ أورد الراغب هذا المعنى بعبارات اُخرى في المفردات .
4 ـ مجمع البيان ذيل الآية مورد البحث .
5 ـ المصدر السابق . وروي الحديث الثّاني في كتب الفريقين بطرق متعدّدة ، وبعبارات قريبة الألفاظ .
6 ـ تفسير الدرّ المنثور ذيل الآية مورد البحث ، طبقاً لتفسير الميزان ، ج16 ، صفحة 344 .
7 ـ صحيح البخاري ، المجلّد 6 ، صفحة 151 .
8 ـ صحيح مسلم ، المجلّد 1 ، صفحة 305 باب الصلاة على النّبي (صلى الله عليه وآله) .
9 ـ الصواعق المحرقة ، صفحة 144 .
10 ـ أورد العلاّمة الحلّي هذا القول في بحث التشهّد من التذكرة ـ إضافةً إلى كلّ علماء الشيعة ـ عن الإمام أحمد وبعض الشافعية .
11 ـ ذكر العلاّمة الأميني في كتاب «الغدير» النفيس نسبة هذه الأشعار إلى الشافعي عن شرح المواهب للزرقاني وجماعة آخرين .
12 ـ صحيح البخاري ، الجزء 5 ، صفحة 26 .
13 ـ صحيح مسلم ، المجلّد 4 ، صفحة 1903 باب فضائل فاطمة .
14 ـ تفسير مجمع البيان ذيل الآية مورد البحث .
15 ـ اُصول الكافي ، المجلّد 2 ، صفحة 35 .
16 ـ بحار الأنوار ، المجلّد 75 ، صفحة 194 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|