المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05
إجراءات المعاينة
2024-11-05

الأخلاق في القرآن
27-4-2021
فروع علم الجغرافيا - الجغرافية التاريخية
20/12/2022
شعر لأبي العباس النجار
28-1-2023
اخذ النماذج للطلاء والوارنيش
2023-08-20
عدد السيتان Cetane Number
20-6-2017
العقيلة (عليها السّلام) مع الشامي ويزيد (لعنه الله)
4-10-2017


تفسير الآية (6-8) من سورة الاحزاب  
  
4603   05:19 مساءً   التاريخ: 13-4-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأحزاب /

قال تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُوالْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا } [الأحزاب : 6 ، 8] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} أي هو أولى بهم منهم بأنفسهم وقيل في معناه أقوال ( أحدها ) أنه أحق بتدبيرهم وحكمه أنفذ عليهم من حكمهم على أنفسهم خلاف ما يحكم به لوجوب طاعته التي هي مقرونة بطاعة الله تعالى عن ابن زيد ( وثانيها ) أنه أولى بهم في الدعوة فإذا دعاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعته أولى بهم من طاعة أنفسهم عن ابن عباس وعطا وهذا قريب من الأول ( وثالثها ) أن حكمه أنفذ عليهم من حكم بعضهم على بعض كقوله {فسلموا على أنفسكم} فإذا كان هو أحق بهم وهولا يرث أمته بما له من الحق فكيف يرث من توجبون حقه بالتبني .

وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما أراد غزوة تبوك وأمر الناس بالخروج قال قوم نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت هذه الآية وروي عن أبي وابن مسعود وابن عباس أنهم كانوا يقرءون النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم وكذلك هو في مصحف أبي وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) قال مجاهد وكل نبي أب لأمته ولذلك صار المؤمنون إخوة لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أبوهم في الدين وواحدة الأنفس نفس ، وهي خاصة الحيوان الحساسة الداركة التي هي أنفس ما فيه . ويحتمل أن يكون اشتقاقه من التنفس الذي هو التروح ويحتمل أن يكون من النفاسة لأنه أجل ما فيه وأكرمه .

{وأزواجه أمهاتهم} المعنى إنهن للمؤمنين كالأمهات في الحرمة وتحريم النكاح ولسن أمهات لهم على الحقيقة إذ لوكن كذلك لكانت بنتاه أخوات المؤمنين على الحقيقة فكان لا يحل للمؤمن التزويج بهن فثبت أن المراد به يعود إلى حرمة العقد عليهن لا غير لأنه لم يثبت شيء من أحكام الأمومة بين المؤمنين وبينهن سوى هذه الواحدة أ لا ترى أنه لا يحل للمؤمنين رؤيتهن ولا يرثن المؤمنين ولا يرثونهن ولهذا قال الشافعي وأزواجه أمهاتهم في معنى دون معنى وهو أنهن محرمات على التأبيد وما كن محارم في الخلوة والمسافرة وهذا معنى ما رواه مسروق عن عائشة أن امرأة قالت لها يا أمه فقالت لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم فعلى هذا لا يجوز أن يقال لإخوانهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالات المؤمنين قال الشافعي تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر ولم يقل هي خالة المؤمنين .

{وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين} وهو مفسر في آخر الأنفال {وأولو الأرحام} هم ذوو الأنساب .

لما ذكر سبحانه أن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمهات المؤمنين عقبه بهذا وبين أنه لا توارث إلا بالولادة والرحم والمعنى أن ذوي القرابات بعضهم أولى بميراث بعض من المؤمنين أي من الأنصار والمهاجرين أي الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وقيل معناه من المؤمنين والمتواخين والمهاجرين فصارت هذه الآية ناسخة للتوارث بالهجرة والمؤاخاة في الدين دالة على أن الميراث بالقرابة فمن كان أقرب في قرباه فهو أحق بالميراث من الأبعد .

{إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا} هذا استثناء منقطع ومعناه لكن إن فعلتم إلى أوليائكم المؤمنين وخلفائكم ما يعرف حسنه وصوابه فهو حسن قال السدي عنى بذلك وصية الرجل لإخوانه في الدين وقال غيره لما نسخ التوارث بالمؤاخاة والهجرة أباح الوصية فيوصي لمن يتولاه بما أحب من الثلث فمعنى المعروف هنا الوصية وحكي عن محمد بن الحنفية وعكرمة وقتادة أن معناه الوصية لذوي القرابات من المشركين وقيل إن هذا لا يصح لأنه تعالى نهى عن ذلك بقوله لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء وقد أجاز كثير من الفقهاء الوصية للقرابة الكافرة وقال أصحابنا إنها جائزة للوالدين والولد .

{كان ذلك} أي نسخ الميراث بالهجرة ورده إلى أولي الأرحام من القرابات {في الكتاب} أي في اللوح المحفوظ وقيل في القرآن وقيل في التوراة {مسطورا} أي مكتوبا ومن في قوله {من المؤمنين والمهاجرين} يحتمل أمرين ( أحدهما ) ما ذكرناه ( والآخر ) أن يكون التقدير وأولو الأرحام من المؤمنين والمهاجرين أولى بالميراث .

{وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم} أي واذكر يا محمد حين أخذ الله الميثاق على النبيين خصوصا بأن يصدق بعضهم بعضا ويتبع بعضهم بعضا عن قتادة وقيل أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله ويدعو إلى عبادة الله وأن يصدق بعضهم بعضا وأن ينصحوا لقومهم عن مقاتل {ومنك} يا محمد وإنما قدمه لفضله وشرفه {ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم} خص هؤلاء بالذكر لأنهم أصحاب الشرائع .

{وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} أي عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا من أعباء الرسالة وتبليغ الشرائع وقيل على أن يعلنوا أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ويعلن محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه لا نبي بعده وإنما أعاد ذكر الميثاق على وجه التغليظ وذكره في أول الآية مطلقا وفي آخرها مقيدا بزيادة صفة .

ثم بين سبحانه الفائدة في أخذ الميثاق فقال {ليسأل الصادقين عن صدقهم} قيل معناه إنما فعل ذلك ليسأل الأنبياء المرسلين ما الذي جاءت به أممكم عن مجاهد وقيل ليسأل الصادقين في توحيد الله وعدله والشرائع عن صدقهم أي عما كانوا يقولونه فيه تعالى فيقال لهم هل ظلم الله تعالى أحدا هل جازى كل إنسان بفعله هل عذب بغير ذنب ونحو ذلك فيقولون نعم عدل في حكمه وجازى كلا بفعله وقيل معناه ليسأل الصادقين في أقوالهم عن صدقهم في أفعالهم وقيل ليسأل الصادقين ماذا قصدتم بصدقكم وجه الله أو غيره ويكون فيه تهديد للكاذب قال الصادق (عليه السلام) إذا سأل عن صدقه على أي وجه قاله فيجازي بحسبه فكيف يكون حال الكاذب .

ثم قال سبحانه {وأعد للكافرين عذابا أليما} أي مؤلما .

___________

  1. مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص121-124 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

هل النبي حاكم بأمره ؟

{النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} . للولاية معان تختلف باختلاف من تنسب إليه ، فولاية اللَّه سبحانه معناها السلطة والقوة التي لا تغلب ، ومعنى ولاية النبي الطاعة من غير اعتراض ، وهذا المعنى هو المراد من قوله تعالى : {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} .

وتسأل : أليس معنى هذا ان النبي حاكم بأمره ، ولا حرية معه لفرد أو جماعة ؟ وكيف تجمع بين هذا وبين مبدأ الحرية التي هي حق طبيعي لكل إنسان ؟

الجواب : نجمع بينهما كما نجمع بين حرية الإنسان وطاعته للَّه . . ان النبي لسان اللَّه وبيانه : {وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُو إِلَّا وَحْيٌ يُوحى} - 4 النجم .

وصحّ الحديث عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) : {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به} . فالتبعية والطاعة لما جاء به من عند اللَّه لا من عند نفسه . . هذا إلى أن الحر هو الذي يلتزم الطريق القويم ، ويعمل بالحق ويتحمل مسؤوليته بإرادته ، ويدافع عنه حسب طاقته ، أما من يندفع وراء الرغبات غير مكترث بحسيب ورقيب فهو عبد الأهواء والشهوات . قال فيلسوف شهير : {الحرية ليست فضيلة داخلية تسمح بأن نفصل أنفسنا عن المواقف الملحة ، وانما هي القدرة على بناء مستقبل أفضل} .

{وأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ} . ان لأزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)من الاحترام وحرمة الزواج بهن من بعده تماما ما للأمهات ، وما عدا ذلك فهن والأجنبيات سواء {وأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والْمُهاجِرِينَ} . تقدم في الآية 75 من سورة الأنفال ج 3 ص 516 {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً} .

المراد بالمعروف هنا الوصية ، وبالأولياء الأصدقاء والمعتقون والأقارب غير الوارثين .

والمعنى ان الميراث هو لأقرب الناس إلى الميت ، أما الوصية فهي للموصى له قريبا كان أم بعيدا {كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً} أي ان هذا الحكم ثابت عند اللَّه ومن عصاه فهومن الهالكين .

{وإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ومِنْكَ ومِنْ نُوحٍ وإِبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} . الخطاب في {منك} لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، والمراد بالميثاق تبليغ رسالة اللَّه على أكملها ، والصبر على ما يصيبهم في سبيلها . . وخص سبحانه بالذكر نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا بعد أن ذكر النبيين على وجه العموم ، ذكرهم بالخصوص لأنهم أفضل الأنبياء ، وقدم محمدا لأنه أفضل الخمسة ، وفي الآية 35 من سورة الأحقاف إشارة إلى انهم من أولي العزم ، وسبب هذه التسمية كما في بعض الروايات ان كل نبي بعد نوح كان تابعا لشريعته ، ثم نسخت شريعة نوح بشريعة إبراهيم ، ونسخت هذه بشريعة موسى ، وشريعته بشريعة عيسى ، ثم نسختها شريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)التي لا تنسخ إلى يوم القيامة حيث لا نبي بعده .

{وأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً} . هذا الميثاق هو الأول بالذات ، وأعاده سبحانه ليصفه بالمتانة والقوة ، وقد وصف الميثاق بالغليظ في مواضع ثلاثة من كتابه العزيز :

الأول ميثاق الزواج : {وأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً} [النساء - 21] . الثاني الميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل : {وأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً} [النساء - 154] .

الثالث الميثاق الذي أخذه على النبيين . وقد ذهل الشيخ محمود شلتوت عن ذلك حيث قال : (ان وصف الميثاق بالغليظ لم يرد في موضع من مواضعه - أي مواضع القرآن - إلا في عقد الزواج) . والعصمة للَّه .

{لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} . أرسل سبحانه الأنبياء وأخذ عليهم ميثاق التبليغ كي يسأل الصادقين : ما ذا أرادوا بالصدق ؟ هل أرادوا به وجه اللَّه ، أو ليقول الناس : انهم صادقون وما إلى ذلك من الأغراض الشخصية ؟ قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : (إذا سأل اللَّه الإنسان عن صدقه على أي وجه قاله ، فيجازى بحسبه ، فكيف حال الكاذب ؟) . {وأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً} .

لما ذكر سبحانه الرسل قال : من كفر به فله عذاب أليم ، وبالمقابل من آمن وعمل صالحا فله جنات النعيم .

_______________

  1. الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص193-195 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} أنفس المؤمنين هم المؤمنون فمعنى كون النبي أولى بهم من أنفسهم أنه أولى بهم منهم : ومعنى الأولوية هو رجحان الجانب إذا دار الأمر بينه وبين ما هو أولى منه فالمحصل أن ما يراه المؤمن لنفسه من الحفظ والكلاءة والمحبة والكرامة واستجابة الدعوة وإنفاذ الإرادة فالنبي أولى بذلك من نفسه ولو دار الأمر بين النبي وبين نفسه في شيء من ذلك كان جانب النبي أرجح من جانب نفسه .

ففيما إذا توجه شيء من المخاطر إلى نفس النبي فليقه المؤمن بنفسه ويفده نفسه وليكن النبي أحب إليه من نفسه وأكرم عنده من نفسه ولودعته نفسه إلى شيء والنبي إلى خلافه أو أرادت نفسه منه شيئا وأراد النبي خلافه كان المتعين استجابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطاعته وتقديمه على نفسه .

وكذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بهم فيما يتعلق بالأمور الدنيوية أو الدينية كل ذلك لمكان الإطلاق في قوله : {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} .

ومن هنا يظهر ضعف ما قيل : إن المراد أنه أولى بهم في الدعوة فإذا دعاهم إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى خلافه كان عليهم أن يطيعوه ويعصوا أنفسهم ، فتكون الآية في معنى قوله : {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء : 59] ، وقوله : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ } [النساء : 64] ، وما أشبه ذلك من الآيات وهو مدفوع بالإطلاق .

وكذا ما قيل إن المراد أن حكمه فيهم أنفذ من حكم بعضهم على بعض كما في قوله : {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور : 61] ، ويئول إلى أن ولايته على المؤمنين فوق ولاية بعضهم على بعض المدلول عليه بقوله : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة : 71] .

وفيه أن السياق لا يساعد عليه .

وقوله : {وأزواجه أمهاتهم} جعل تشريعي أي أنهن منهم بمنزلة أمهاتهم في وجوب تعظيمهن وحرمة نكاحهن بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما سيأتي التصريح به في قوله : {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} .

فالتنزيل إنما هو في بعض آثار الأمومة لا في جميع الآثار كالتوارث بينهن وبين المؤمنين والنظر في وجوههن كالأمهات وحرمة بناتهن على المؤمنين لصيرورتهن أخوات لهم وكصيرورة آبائهن وأمهاتهن أجدادا وجدات وإخوتهن وأخواتهن أخوالا وخالات للمؤمنين .

قوله تعالى : {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين} إلخ ، الأرحام جمع رحم وهي العضو الذي يحمل النطفة حتى تصير جنينا فيتولد ، وإذ كانت القرابة النسبية لازمة الانتهاء إلى رحم واحدة عبر عن القرابة بالرحم فسمي ذوو القرابة أولي الأرحام .

والمراد بكون أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ، الأولوية في التوارث ، وقوله : {في كتاب الله} المراد به اللوح المحفوظ أو القرآن أو السورة ، وقوله : {من المؤمنين والمهاجرين} مفضل عليه والمراد بالمؤمنين غير المهاجرين منهم ، والمعنى : وذوو القرابة بعضهم أولى ببعض من المهاجرين وسائر المؤمنين الذين كانوا يرثون بالمؤاخاة الدينية ، وهذه الأولوية في كتاب الله وربما احتمل كون قوله : {من المؤمنين والمهاجرين} بيانا لقوله : {وأولوا الأرحام} .

والآية ناسخة لما كان في صدر الإسلام من التوارث بالهجرة والموالاة في الدين .

وقوله : {إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا} الاستثناء منقطع ، والمراد بفعل المعروف إلى الأولياء الوصية لهم بشيء من التركة ، وقد حد شرعا بثلث المال فما دونه ، وقوله : {كان ذلك في الكتاب مسطورا} أي حكم فعل المعروف بالوصية مسطور في اللوح المحفوظ أو القرآن أو السورة .

قوله تعالى : {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} إضافة الميثاق إلى ضمير النبيين دليل على أن المراد بالميثاق ميثاق خاص بهم كما أن ذكرهم بوصف النبوة مشعر بذلك فالميثاق المأخوذ من النبيين ميثاق خاص من حيث إنهم نبيون وهو غير الميثاق المأخوذ من عامة البشر الذي يشير إليه في قوله : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } [الأعراف : 172] .

وقد ذكر أخذ الميثاق من النبيين في موضع آخر وهو قوله : {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا } [آل عمران : 81] .

والآية المبحوث عنها وإن لم تبين ما هو الميثاق المأخوذ منهم وإن كانت فيها إشارة إلى أنه أمر متعلق بالنبوة لكن يمكن أن يستفاد من آية آل عمران أن الميثاق مأخوذ على وحدة الكلمة في الدين وعدم الاختلاف فيه كما في قوله : {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 92] ، وقوله : {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى : 13] .

وقد ذكر النبيين بلفظ عام يشمل الجميع ثم سمى خمسة منهم بأسمائهم بالعطف عليهم فقال : {ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم} ومعنى العطف إخراجهم من بينهم وتخصيصهم بالذكر كأنه قيل : وإذ أخذنا الميثاق منكم أيها الخمسة ومن باقي النبيين .

ولم يخصهم بالذكر على هذا النمط إلا لعظمة شأنهم ورفعة مكانهم فإنهم أولوا عزم وأصحاب شرائع وكتب وقد عدهم على ترتيب زمانهم : نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى بن مريم (عليهما السلام) ، لكن قدم ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو آخرهم زمانا لفضله وشرفه وتقدمه على الجميع .

وقوله : {وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} تأكيد وتغليظ للميثاق نظير قوله : {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [هود : 58] .

قوله تعالى : {ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما} اللام في {ليسأل} للتعليل أو للغاية وهو متعلق بمحذوف يدل عليه قوله : {وإذ أخذنا} وقوله : {وأعد} معطوف على ذلك المحذوف ، والتقدير فعل ذلك أي أخذ الميثاق ليتمهد له سؤال الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما .

ولم يقل : وليعد للكافرين عذابا ، إشارة أن عذابهم ليس من العلل الغائية لأخذ الميثاق وإنما النقص من ناحيتهم والخلف من قبلهم .

وأما سؤال الصادقين عن صدقهم فقيل : المراد بالصادقين الأنبياء وسؤالهم عن صدقهم هو سؤالهم يوم القيامة عما جاءت به أممهم وكأنه مأخوذ من قوله تعالى : {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة : 109] .

وقيل : المراد سؤال الصادقين في توحيد الله وعدله والشرائع عن صدقهم أي عما كانوا يقولون فيه ، وقيل : المراد سؤال الصادقين في أقوالهم عن صدقهم في أفعالهم ، وقيل : المراد سؤال الصادقين عما قصدوا بصدقهم أ هو وجه الله أو غيره؟ إلى غير ذلك من الوجوه وهي كما ترى .

والتأمل فيما يفيده قوله : {ليسأل الصادقين عن صدقهم} يرشد إلى خلاف ما ذكروه ، ففرق بين قولنا : سألت الغني عن غناه وسألت العالم عن علمه ، وبين قولنا : سألت زيدا عن ماله أوعن علمه ، فالمتبادر من الأولين أني طالبته أن يظهر غناه وأن يظهر علمه ، ومن الأخيرين أني طالبته أن يخبرني هل له مال أوهل له علم؟ أو يصف لي ما له من المال أومن العلم .

وعلى هذا فمعنى سؤال الصادقين عن صدقهم مطالبتهم أن يظهروا ما في باطنهم من الصدق في مرتبة القول والفعل وهو عملهم الصالح في الدنيا فالمراد بسؤال الصادقين عن صدقهم توجيه التكليف على حسب الميثاق إليهم ليظهر منهم صدقهم المستبطن في نفوسهم وهذا في الدنيا لا في الآخرة فأخذ الميثاق في نشأة أخرى قبل الدنيا كما يدل عليه آيات الذر {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم أ لست بربكم قالوا بلى} الآيات .

وبالجملة الآيتان من الآيات المنبئة عن عالم الذر المأخوذ فيه الميثاق وتذكر أن أخذ الميثاق من الأنبياء (عليهم السلام) وترتب شأنهم وعملهم في الدنيا على ذلك في ضمن ترتب صدق كل صادق على الميثاق المأخوذ منه .

ولمكان هذا التعميم ذكر عاقبة أمر الكافرين مع أنهم ليسوا من قبيل النبيين والكلام في الميثاق المأخوذ منهم فكأنه قيل : أخذنا ميثاقا غليظا من النبيين أن تتفق كلمتهم على دين واحد يبلغونه ليسأل الصادقين ويطالبهم بالتكليف والهداية إظهار صدقهم في الاعتقاد والعمل ففعلوا فقدر لهم الثواب وأعد للكافرين عذابا أليما .

ومن هنا يظهر وجه الالتفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة في قوله : {ليسأل الصادقين} إلخ ، و ذلك لأن الميثاق على عبادته وحده لا شريك له وإن كان أخذه منه تعالى بوساطة من الملائكة المصحح لقوله : {أخذنا} {وأخذنا} فالمطالب لصدق الصادقين والمعد لعذاب الكافرين بالحقيقة هو تعالى وحده ليعبد وحده فتدبر .

__________________

  1. الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص224-227 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

تتطرّق الآية الاولى إلى مسألة مهمّة اُخرى ، أي إبطال نظام «المؤاخاة» بينهم .

وتوضيح ذلك : أنّ المسلمين لمّا هاجروا من مكّة إلى المدينة وقطع الإسلام كلّ روابطهم وعلاقاتهم بأقاربهم وأقوامهم المشركين الذين كانوا في مكّة تماماً ، فقد أجرى النّبي (صلى الله عليه وآله) بأمر الله عقد المؤاخاة بينهم وعقد عهد المؤاخاة بين «المهاجرين» و«الأنصار» ، وكان يرث أحدهم الآخر كالأخوين الحقيقيين ، إلاّ أنّ هذا الحكم كان مؤقّتاً وخاصّاً بحالة إستثنائية جدّاً ، فلمّا اتّسع الإسلام وعادت العلاقات السابقة تدريجيّاً لم تكن هناك ضرورة لإستمرار هذا الحكم ، فنزلت الآية أعلاه وألغت نظام المؤاخاة الذي كان يحلّ محلّ النسب ، وجعل حكم الإرث وأمثاله مختّصاً بأُولي الأرحام الحقيقيين .

وبالرغم من أنّ نظام المؤاخاة كان نظاماً إسلامياً ـ على خلاف نظام التبنّي الذي كان نظاماً جاهلياً ـ ولكن كان من الواجب أن يُلغى بعد إرتفاع الحالة الموجبة له ، وهكذا حصل ، غاية ما في الأمر أنّ الآية قبل أن تذكر هذا الحكم ذكرت حكمين آخرين ـ أي كون النّبي (صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وكون نساء النّبي (صلى الله عليه وآله) كاُمّهاتهم ـ كمقدّمة ، فقالت : {النّبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه اُمّهاتهم} .

 

ومع أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) بمنزلة الأب ، وأزواجه بمنزلة اُمّهات المؤمنين إلاّ أنّهم لا يرثون منهم مطلقاً ، فكيف يُنتظر أن يرث الابن المتبنّي؟!

ثمّ تضيف الآية : {واُولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين} ولكن مع ذلك ، ومن أجل أن لا تغلق الأبواب بوجه المسلمين تماماً وليكون بإمكان المؤمنين تعيين شيئاً من الإرث لإخوانهم ـ وإن كان بأن يوصوا بثلث المال ـ فإنّ الآية تضيف في النهاية : {إلاّ أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً} .

وتقول في آخر جملة تأكيداً لكلّ الأحكام السابقة ، أو الحكم الأخير : {كان ذلك في الكتاب مسطوراً} ـ في اللوح المحفوظ أوفي القرآن الكريم ـ .

كان هذا خلاصة تفسير الآية أعلاه ، والآن يجب أن نتطرّق إلى تفصيل كلّ واحد من الأحكام الأربعة التي وردت في هذه الآية :

1 ـ ما هو المراد من كون النّبي أولى بالمؤمنين؟

لقد ذكر القرآن في هذه الآية أولوية النّبي (صلى الله عليه وآله) بالمسلمين بصورة مطلقة ، ومعنى ذلك أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) أولى بالإنسان المسلم من نفسه في جميع الصلاحيات التي يمتلكها الإنسان في حقّ نفسه .

ومع أنّ بعض المفسّرين فسّروها بمسألة «تدبير الاُمور الإجتماعية» ، أو «الأولوية في مسألة القضاء» ، أو «طاعة الأمر» ، إلاّ أنّنا في الواقع لا نمتلك أي دليل على إنحصار الآية في أحد هذه الاُمور الثلاث .

وإذا لاحظنا في بعض الروايات الإسلامية تفسير الأولوية بـ «الحكومة» ، فهوفي الحقيقة بيان لأحد فروع هذه الأولوية (2) .

لذلك يجب أن يقال : إنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) أولى من كلّ إنسان مسلم في المسائل الإجتماعية والفردية ، وكذلك في المسائل المتعلّقة بالحكومة والقضاء والدعوة ، وإنّ إرادته ورأيه مقدّم على إرادة أي مسلم ورأيه .

ولا ينبغي العجب من هذه المسألة ، لأنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) معصوم ووكيل لله سبحانه ، ولا يفكّر ويقرّر إلاّ في صالح المجتمع والفرد ، ولا يتّبع الهوى أبداً ، ولا يعتبر مصالحه مقدّمة على مصالح الآخرين وأهمّ منها ، بل على العكس من ذلك ، فهو يؤثّر ويقدّم مصالح الاُمّة على مصالحه دائماً عند تعارض المصلحتين .

إنّ هذه الأولوية فرع من أولوية المشيئة الإلهيّة ، لأنّ كلّ ما لدينا من الله سبحانه . إضافة إلى أنّ الإنسان لا يصل إلى أوج الإيمان إلاّ عند ما يضحّي بأقوى العلائق والدوافع فيه ، وهو عشقه لذاته في طريق عشقه لذات الله وخلفائه ، ولذلك نقرأ في حديث : «لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعاً لما جئت به» (3) .

وجاء في حديث آخر : «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين» (4) .

وكذلك روي عنه (صلى الله عليه وآله) : «ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة» (5) .

ويقول القرآن الكريم في الآية (36) من سورة الأحزاب هذه : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب : 36] .

ونؤكّد مرّة اُخرى على أنّ هذا الكلام لا يعني أنّ الله قد جعل أمر الناس تبعاً لأهواء ورغبات شخص ما ، بل من جهة أنّ للنبي (صلى الله عليه وآله) مقام العصمة ، وبمصداق : {لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى} فإنّ كلّ ما يقوله هو كلام الله ومن الله ، وهو أحرص وأرحم حتّى من الأب بهذه الاُمّة .

إنّ هذه الأولوية في الحقيقة تقع في مسير منافع الناس في جوانب الحكومة وتدبير المجتمع الإسلامي ، وكذلك في المسائل الشخصية والفردية .

ويتبيّن من هذه الأدلّة أنّ هذه الأولوية تضع على عاتق النّبي (صلى الله عليه وآله) مسؤوليات ثقيلة ضخمة ، ولذلك نقرأ في الرواية المشهورة الواردة في مصادر الشيعة والسنّة ، أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) قال : «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه ، ومن ترك مالا فللوارث ، ومن ترك دَيناً أو ضياعاً فإليّ وعليّ» (6) .

ينبغي الإلتفات إلى أنّ «الضياع» هنا بمعنى الأولاد أو العيال الذين بقوا بدون معيل ، والتعبير بـ «الدَّين» قبلها قرينة واضحة على هذا المعنى ، لأنّ المراد بقاء الدَّين بدون مال يسدّد به .

2 ـ الحكم الثّاني في هذا الباب يتعلّق بأزواج النّبي حيث يُعتبرن كاُمّهات لكلّ المؤمنين ، وهي طبعاً اُمومة معنوية وروحية ، كما أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) أب روحي ومعنوي للاُمّة .

إنّ تأثير هذا الإرتباط المعنوي كان منحصراً في مسألة حفظ إحترام أزواج النّبي وحرمة الزواج منهنّ ، كما جاء الحكم الصريح بتحريم الزواج منهنّ بعد وفاة النّبي (صلى الله عليه وآله) في آيات هذه السورة ، وإلاّ فليس لهذه العلاقة أدنى أثر من ناحية الإرث وسائر المحرّمات النسبية والسببية ، أي إنّ المسلمين كان من حقّهم أن يتزوّجوا بنات النّبي ، في حين أنّ أيّ أحد لا يستطيع الزواج من إبنة اُمّه . وكذلك مسألة كونهنّ أجنبيات ، وعدم جواز النظر إليهن إلاّ للمحارم .

في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «إنّ امرأة قالت لعائشة : يا اُمّه! فقالت : لست لك باُمّ إنّما أنا اُمّ رجالكم» (7) وهو إشارة إلى أنّ الهدف من هذا التعبير هو حرمة التزويج ، وهذا صادق في رجال الاُمّة فقط .

وثمّة مسألة مطروحة ، وهي إحترامهنّ وتعظيمهنّ ـ كما قلنا ـ إضافةً إلى قضيّة عدم الزواج ، ولذلك فإنّ نساء المسلمين كنّ قادرات على مخاطبة نساء النّبي بالاُمّ بعنوان إحترامهنّ .

والشاهد لهذا القول ، أنّ القرآن الكريم يقول : {النّبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} وهذا يعني أولوية النّبي بكلّ النساء والرجال ، وضمير الجملة التالية يعود إلى هذا العنوان الواسع المعنى ، ولذلك نقرأ في العبارة التي نقلت عن «اُمّ سلمة» ـ وهي من أزواج النّبي (صلى الله عليه وآله) ـ أنّها قالت : أنا اُمّ الرجال منكم والنساء (8) .

وهنا يطرح سؤال ، وهو : هل أنّ تعبير {وأزواجه اُمّهاتهم} يتناقض مع ما ورد في الآية (2) من سورة المجادلة : {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة : 2] .

فكيف تعتبر نساء النّبي ـ والحال هذه ـ اُمّهات المسلمين ولم يولدوا منهنّ؟

وينبغي في الإجابة على هذا السؤال الإلتفات إلى أنّ مخاطبة امرأة ما بالاُمّ إمّا أن تكون من الناحية الجسمية أو الروحية . .

فأمّا من الناحية الجسمية : فإنّ هذه المخاطبة تكون واقعية في حالة كون الإنسان مولوداً منها فقط ، وهذا هو الذي جاء في الآيات السابقة بأنّ الاُمّ الجسمية للإنسان هي التي تلده فقط .

وأمّا الأب أو الاُمّ الروحيين ، فهو الذي له حقّ معنويّ على الإنسان كالنّبي (صلى الله عليه وآله)الذي يعتبر الأب الروحي للاُمّة ، ولأجله إكتسبت أزواجه منزلة وإحترام الاُمّ .

والإشكال الذي كان يوجّه إلى عرب الجاهلية في مورد «الظهار» أنّهم عندما كانوا يخاطبون أزواجهم بخطاب الاُمّ فمن المسلّم أنّ مرادهم ليس الاُمّ المعنوية ، بل المقصود أنّهنّ كالاُمّ الجسمية ، ولذلك كانوا يعدّونه نوعاً من الطلاق ، ونعلم أنّ الاُمّ الجسمية لا تتحقّق بمجرّد الألفاظ ، بل إنّ شرط ذلك الولادة الجسمية ، وبناءً على هذا فإنّ كلامهم كان منكراً وزوراً .

أمّا في مورد أزواج النّبي (صلى الله عليه وآله) ، فبالرغم من أنّهنّ لسن اُمّهات جسمياً ، إلاّ أنّهنّ اُمّهات روحيات إكتساباً من مقام وإحترام النّبي (صلى الله عليه وآله) ولهنّ وجوب الإحترام كاُمّهات . وإذا رأينا القرآن قد حرّم الزواج من أزواج النّبي (صلى الله عليه وآله) في الآيات القادمة ، فإنّ ذلك شأن آخر من شؤون إحترامهنّ وإحترام النّبي (صلى الله عليه وآله) كما سيأتي توضيح ذلك بصورة مفصّلة إن شاء الله تعالى .

وهناك نوع ثالث من الاُمّهات في الإسلام وهي الاُمّ المرضعة ، والتي اُشير إليها في الآية (23) من سورة النساء : {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ } [النساء : 23] إلاّ أنّها في الحقيقة فرع من فروع الاُمّ الجسمية .

3 ـ الحكم الثالث : مسألة أولوية اُولي الأرحام في الإرث بالنسبة إلى الآخرين ، لأنّ قانون الإرث في بداية الإسلام ـ حيث قطع المسلمون علاقتهم بأقوامهم وأقاربهم على أثر الهجرة ـ نظّم على أساس الهجرة والمؤاخاة ، أي أنّ المهاجرين كانوا يرثون بعضهم من بعض أو مع الأنصار الذين تآخوا معهم ولكن لم تكن هناك ضرورة للإستمرار عليه بعد توسّع الإسلام وإعادة كثير من العلاقات القومية والرحمية السابقة نتيجة إسلام أقوامهم ـ (وينبغي الإلتفات إلى أنّ سورة الأحزاب قد نزلت في السنة الخامسة للهجرة ، وهي سنة «حرب الأحزاب») لذلك ثبّتت أولوية اُولي الأرحام بالنسبة إلى الآخرين .

وهناك قرائن على أنّ المراد من الأولوية هنا هي الأولوية الإلزامية لا الإستحبابية ، لأنّ إجماع علماء الإسلام على هذا المعنى ، إضافة إلى الروايات الكثيرة الواردة في المصادر الإسلامية ، والتي تثبت هذا الموضوع .

ويجب هنا الإلتفات إلى هذه المسألة بدقّة ، وهي : أنّ هذه الآية بصدد بيان أولوية اُولي الأرحام في مقابل الأجانب ، لا بيان أولوية طبقات الإرث الثلاث بالنسبة إلى بعضها البعض ، وبتعبير آخر ، فإنّ المفضّل عليهم هنا هم المؤمنون والمهاجرون الذين ورد ذكرهم في متن القرآن : {من المؤمنين والمهاجرين} .

بناءً على هذا فإنّ مفهوم الآية يصبح : إنّ اُولي الأرحام أولى من الأجانب من ناحية الإرث ، أمّا كيف يرث هؤلاء الأرحام؟ وعلى أي أساس ومعيار؟ فإنّ القرآن سكت عن ذلك في هذا الموضع ، مع أنّه بحث الموضوع مفصّلا في آيات سورة النساء (9) .

4 ـ الحكم الرّابع الذي ورد في الآية أعلاه كإستثناء ، هو إستفادة وإنتفاع الأصدقاء والأفراد المعينين الذين يخصّهم الأمر من الأموال التي يتركها الإنسان كذكرى ، والذي بُيّن بجملة : {إلاّ أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا} ومصداقه الواضح هو حكم الوصيّة ، حيث يستطيع الإنسان أن يتصرّف في ثلث أمواله ويضعه حيث يشاء ، أو يوصي به لمن يشاء .

وبهذا فإنّ الإسلام عندما وضع أساس الإرث على دعامة القرابة والرحم بدل الروابط والعلاقات السابقة ، لم يقطع وشائج الصلة بين الإنسان ورفقائه الذين يعزّهم وباقي إخوته المسلمين تماماً ، فالإنسان حرّ في التصرّف في ماله من ناحية الكميّة والكيفية ، إلاّ أنّ هذه الحرية مشروطة بأن لا تزيد على الثلث ، ومن الطبيعي أنّ الإنسان إذا لم يوص بشيء فإنّ كلّ أمواله تقسّم بين أقاربه وذوي رحمه طبقاً لقانون الإرث ، ولا يترك له ثلث في هذه الحالة (10) .

وقوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} [الأحزاب : 7 ، 8]

ميثاق الله الغليظ :

لمّا كانت الآيات السابقة قد بيّنت الصلاحيات الواسعة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)تحت عنوان (النّبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) فإنّ هذه الآيات تبيّن واجبات النّبي (صلى الله عليه وآله) وسائر الأنبياء العظام الثقيلة العظيمة ، لأنّا نعلم أنّ الصلاحيات تقترن دائماً بالمسؤوليات ، وحيثما وجد «حقّ» كان إلى جانبه «تكليف» ومسؤولية ، فإنّ هذين الأمرين لا يفترقان أبداً . بناءً على هذا فإنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) إن كان له حقّ وصلاحية واسعة ، فإنّ عليه في المقابل مسؤوليات ضخمة .

تقول الآية الاُولى : {وإذا أخذنا من النّبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً} وعلى هذا فإنّها تذكر أوّلا جميع الأنبياء في مسألة الميثاق ، ثمّ تخصّ بالذكر منهم خمسة أنبياء هم اُولو العزم ، وعلى رأسهم نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) لعظمته وجلالته وشرفه ، وبعده الأنبياء الأربعة من اُولي العزم حسب ترتيب ظهورهم ، وهم : «نوح وإبراهيم وموسى وعيسى» (عليهم السلام) .

وهذا يوحي بأنّ الميثاق المذكور كان ميثاقاً عامّاً أُخذ من جميع الأنبياء ، وإن كان اُولو العزم متعهّدين بذلك الميثاق ومسؤولين عنه بصورة أشدّ . ذلك الميثاق الذي بُيّن بتأكيد شديد جدّاً بجملة : {وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً} (11) .

المهمّ أن نعلم أيّ ميثاق هذا الذي أخذ من كلّ الأنبياء؟! للمفسّرين هنا أقوال مختلفة يمكن القول أنّها جميعاً فروع مختلفة لأصل واحد ، وهو تأدية مسؤولية التبليغ والرسالة والقيادة وهداية الناس في كلّ الأبعاد والمجالات .

إنّ الأنبياء كانوا مكلّفين جميعاً بدعوة كلّ البشر إلى التوحيد قبل كلّ شيء ، وكانوا مكلّفين أيضاً بأن يؤيّد بعضهم بعضاً ، كما أنّ الأنبياء اللاحقين يصدّقون ويؤكّدون صحّة دعوة الأنبياء السابقين . والخلاصة : أن تكون الدعوة إلى جهة واحدة ، وأن يبلغ الجميع حقيقة واحدة ، ويوحّدوا الاُمم تحت راية واحدة .

ويمكن ملاحظة الشاهد على هذا الكلام في سائر آيات القرآن أيضاً ، فنقرأ في الآية (81) من سورة آل عمران : {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } [آل عمران : 81] .

وورد نظير هذا المعنى في الآية (187) من سورة آل عمران ، حيث تقول بصراحة : {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } [آل عمران : 187] وعلى هذا فإنّ الله سبحانه قد أخذ الميثاق المؤكّد من الأنبياء بأن يدعوا الناس إلى توحيد الله ، وتوحيد دين الحقّ والأديان السماوية ، وكذلك أخذه من علماء أهل الكتاب بأن لا يقصّروا في تبيان الدين الإلهي بكلّ ما في وسعهم ، وأن لا يكتموا ذلك أبداً .

وتبين الآية التالية الهدف من بعثة الأنبياء والميثاق الغليظ الذي اُخذ منهم ، فتقول : {ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعدّ للكافرين عذاباً أليماً} .

للمفسّرين تفسيرات كثيرة لكلمة «الصادقين» ، ومن هم المقصودون بها؟ وأيّ سؤال هذا السؤال؟ إلاّ أنّ الذي يبدو منسجماً مع آيات هذه السورة وآيات القرآن الاُخرى ، هو : أنّ المراد منهم المؤمنون الذين صدّقوا ادّعاءهم بالعمل ، وأثبتوا صدقه بترجمته عمليّاً ، وبتعبير آخر : فإنّهم خرجوا من ساحة الإختبار والإمتحان الإلهي مرفوعي الرؤوس .

والشاهد لهذا القول :

أوّلا : إنّ «الصادقين» هنا وُضعوا في مقابل الكافرين ، فيستفاد هذا المعنى بوضوح من قرينة المقابلة .

ثانياً : نقرأ في الآية (23) من هذه السورة : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } [الأحزاب : 23] ثمّ تقول الآية (24) مباشرةً : {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب : 24] .

ثالثاً : عرّفت الآية (15) من سورة الحجرات ، والآية (8) من سورة الحشر (الصادقين) جيّداً ، ففي آية الحجرات نقرأ : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات : 15] .

وتقول آية الحشر : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر : 8] .

وبهذا يتّضح أنّ المراد من الصادقين : هم الذين أثبتوا صدقهم وإخلاصهم في ميادين حماية دين الله والجهاد والثبات والصمود أمام المشاكل وبذل الأرواح والأموال (12) .

أمّا ما هو المراد من سؤال الصادقين عن صدقهم؟ فيتّضح بملاحظة ما قلناه آنفاً أنّ المراد هو : هل يُثبتون إخلاص نيّتهم في أعمالهم ويصدقون في إدّعائهم . . في الإنفاق والجهاد والثبات أمام الصعاب والمشاكل ، وخاصّة صعوبات ميدان الحرب ، أم لا؟

وأين سأل هذا السؤال؟ ظاهر الآية أنّه في القيامة ، في محكمة العدل الإلهيّة ، وآيات القرآن العديدة أيضاً تخبر عن وقوع مثل هذا السؤال في القيامة بصورة عامّة .

إلاّ أنّه يحتمل أيضاً أن يكون لهذا السؤال جانب عملي ويقع في الدنيا ، حيث يخضع كلّ من يدّعي الإيمان للسؤال عن بعثة الأنبياء ، وعمله هو الجواب على هذا السؤال ، لأنّه سيقرّر فيما إذا كان صادقاً في إدّعائه .

__________________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص333-343 .

2 ـ وردت هذه الروايات في اُصول الكافي ، وكتاب علل الشرائع . راجع تفسير نور الثقلين ، المجلّد 4 ، صفحة 238 ـ 239 .

3 ـ تفسير في ظلال القرآن ، ذيل الآيات مورد البحث .

4 ـ المصدر السابق .

5 ـ صحيح البخاري ، المجلّد 6 ، صفحة 145 تفسير سورة الأحزاب ، ومسند أحمد ، الجزء 2 ، صفحة 334 .

6 ـ نقل هذا الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في وسائل الشيعة ، الجزء 7 ، صفحة 551 ، وورد هذا المضمون بتفاوت يسير في تفسير القرطبي ، وروح المعاني في ذيل الآيات مورد البحث ، وورد أيضاً في صحيح البخاري ، المجلّد 6 ، صفحة 145 تفسير سورة الأحزاب .

7 ـ مجمع البيان ، وروح المعاني ، ذيل الآيات مورد البحث .

8 ـ روح المعاني ، ذيل الآيات مورد البحث .

9 ـ بناءً على هذا ، فإنّ إستدلال بعض الفقهاء بهذا التعبير على أولوية طبقات الإرث بالنسبة إلى بعضها البعض لا يبدو صحيحاً ، وربّما سبّب حرف الباء في (أولى ببعض) مثل هذا الإشتباه ، فظنّوا أنّ المفضّل عليهم هنا هم البعض ، في حين أنّ القرآن الكريم ذكر صريحاً أنّ المفضّل عليهم هم من المؤمنين والمهاجرين .

نعم . . إنّ تعبير (اُولو الأرحام) لا يستطيع أن يشعر بمفرده أنّ المعيار هو الرحم والقرابة ، وأنّ درجة القرابة كلّما قويت وإرتفعت فستكون أحقّ بالتقدّم ـ لاحظوا ذلك ـ .

10 ـ يعتقد جمع من المفسّرين أنّ الإستثناء في جملة (إلاّ أن تفعلوا . .) إستثناء منقطع ، لأنّ حكم الوصيّة غير حكم الإرث ، ولكنّا نعتقد أن لا مانع من أن يكون الإستثناء هنا متّصلا ، لأنّ جملة (واُولو الأرحام . . .) دليل على أن الأقارب أولى من الأجانب بالنسبة إلى الأموال التي يتركها الميّت ، إلاّ أن يكون قد أوصى ، فإنّ الموصى له يكون حينئذ أولى من الأرحام في إطار الثلث ، وهذا في الحقيقة شبيه بالإستثناءات التي وردت في آيات الإرث بصيغة (من بعد وصيّة . . .) .

11 ـ الميثاق ـ كما يقول الراغب في مفرداته ـ هو العقد المؤكّد بيمين وعهد ، وبناءً على هذا فإن ذكر (غليظاً) في الآية تأكيد يضاف على هذا المعنى .

12 ـ احتمل جمع من المفسّرين إحتمالا آخر في معنى هذه الآية ، وهو أنّ المراد من «الصادقين» هنا هم الأنبياء ، حيث يسألون يوم القيامة عن مدى قيامهم ووفائهم بعهدهم وميثاقهم ؟ إلاّ أنّ الشواهد الثلاثة التي ذكرناها أعلاه تنفي هذا التّفسير .

واحتمل أيضاً أن يكون المراد أعمّ من الأنبياء والمؤمنين ، إلاّ أنّ التّفسير الذي ذكر أعلاه أكثر إنسجاماً مع آيات هذه السورة وسائر آيات القرآن .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .