المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
من هم المحسنين؟
2024-11-23
ما هي المغفرة؟
2024-11-23
{ليس لك من الامر شيء}
2024-11-23
سبب غزوة أحد
2024-11-23
خير أئمة
2024-11-23
يجوز ان يشترك في الاضحية اكثر من واحد
2024-11-23



التشبيه  
  
9790   04:46 مساءاً   التاريخ: 25-03-2015
المؤلف : ابن رشيق القيرواني
الكتاب أو المصدر : العمدة في محاسن الشعر وآدابه
الجزء والصفحة : ص94-99
القسم : الأدب الــعربــي / البلاغة / البيان /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-2-2020 47485
التاريخ: 2-2-2019 53777
التاريخ: 26-09-2015 5546
التاريخ: 25-03-2015 14661

التشبيه: صفة الشيء بما قاربه وشاكله، ومن جهة واحدة أو جهات كثيرة لا من جميع جهاته؛ لأنه لو ناسبه مناسبة كلية لكان إياه، ألا ترى أن قولهم " خذ كالورد " إنما أرادوا حمرة أوراق الورد وطراوتها، لا ما سوى ذلك من صفرة وسطه وخضرة كمائمه، وكذلك قولهم " فلان كالبحر، أو كالليث " إنما يريدون كالبحر سماحة وعلماً، وكالليث شجاعة وقرما، وليس يريدون ملوحة البحر وزعوقته، ولا شتامة الليث وزهوقته؛ فوقوع التشبيه إنما هو أبداً على الأعراض لا على الجواهر؛ لأن الجواهر في الأصل كلها واحد، اختلفت أنواعها أو اتفقت؛ فقد يشبهون الشيء بسميه ونظيره من غير جنسه، كقولهم " عين كعين المهاة، وجيد كجيد الريم " فاسم العين واقع على هذه الجارحة من الإنسان والمهاة، واسم الجيد واقع على هذا العضو من الإنسان والريم، والكاف للمقاربة، وإنما يريدون أن هذه العين لكثرة سوادها قاربت أن تكون سوداء كلها كعين المهاة، وأن هذا الجيد لانتصابه وطوله كجيد الريم، ألا ترى أن الأصمعي سئل عن الحور فقال: أن تكون العين سوداء كلها كعيون الظباء والبقر، ولا حور في الإنسان، هذا أحد أقوال الأصمعي في الحور، ويدلك على أن التشبيه إنما هو  بالمقاربة كما قلنا.

والتشبيه والاستعارة جميعاً يخرجان الأغمض إلى الأوضح، ويقربان البعيد، كما شرط الرماني في كتابه، وهما عنده في باب الاختصار.

قال: واعلم أن التشبيه على ضربين: تشبيه حسن، وتشبيه قبيح، فالتشبيه الحسن هو الذي يخرج الأغمض إلى الأوضح فيفيد بياناً، والتشبيه القبيح ما كان على خلاف ذلك، قال:

وشرح ذلك أن ما تقع عليه الحاسة أوضح في الجملة مما لا تقع عليه الحاسة، والمشاهد أوضح من الغائب؛ فالأول في العقل أوضح من الثاني، والثالث أوضح من الرابع، وما يدركه الإنسان من نفسه أوضح مما يعرفه من غيره، والقريب أوضح من البعيد في الجملة، وما قد ألف أوضح مما يؤلف، ثم عاب على بعض شعراء عصره:

صدغه ضد خده مثل ما الوع ... د إذا ما اعتبرت ضد الوعيد

من قبل أنه شبه الأوضح بالأغمض، وما تقع عليه الحاسة بما لا تقع عليه، وكذلك قوله:

له غرة كلون وصالٍ ... فوقها طرة كلون صدود

وقال في موضع آخر: التشبيه على ضربين والأصل واحد: فأحدهما التقدير، والآخر التحقيق؛ فالذي يأتي على التقدير التشبيه من وجه واحد دون وجه، والذي يأتي على التحقيق التشبيه على الإطلاق، وهو التشبيه بالنفس، مثل تشبيه الغراب بالغراب، وحجر الذهب بحجر الذهب إذا كان مثله سواء، وحمرة شقائق بحمرة الشقائق.

قال صاحب الكتاب: أما ما شرط في التشبيه فهو الحق الذي لا يدفع، لا أنه قد حمل على الشاعر فيما أخذ عليه؛ إذ كان قصد الشاعر أن يشبه ما يقوم في النفس دليله بأكثر مما هو عليه في الحقيقة، كأنه أراد المبالغة، ولعله يقول أو يقول المحتج له: معرفة النفس والمعقول أعظم من إدراك الحاسة، لا سيما قد جاء مثل هذا القرآن وفي الشعر الفصيح: قال الله عز وجل: " طلعها رءوس الشياطين " فقال قوم: إن شجرة الزقوم وهي أيضاً الأستن لها صورة منكرة وثمرة قبيحة يقال لها: رؤوس الشياطين، وقال قوم: الشياطين الحيات في غير هذا المكان، والأجود الأعرف أنه شبه بما لا يشك أنه منكر قبيح؛ لما جعل الله عز وجل في قلوب الإنس من بشاعة صور الجن والشياطين، وإن لم يروها عياناً، فخوفنا تعالى بما أعد للعقوبة، وشبهه بما نخاف أن نراه، وقال امرؤ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال

فشبه نصال النبل بأنياب الأغوال لما في النفس منها. وعلى هذا التأويل قال أبو تمام وفيه عكس:

وأحسن من نور يفتحه الندى ... بياض العطايا في سواد المطالب

وقال أعرابي قديم:

يزملون حديث الضغن بينهم ... والضغن أسود أو في وجهه كلف

فوصفه بما يتصور ويقوم في النفس، كأنه يقول: لو كان صورة لكان هكذا، وقال بعض المولدين:

وتدبر عيناً في صحيفة فضة ... كسواد يأس في بياض رجاء

فاليأس على الحقيقة غير أسود؛ لأنه لا يدرك بالعيان، لكن صورته في المعقول وتمثيله كذلك مجازاً، والرجاء أيضاً على هذا التقدير في البياض.

وقد يقول المحتج الأول: إن هذا داخل في باب الاستطراد، كأن الشاعر لم يقصد الإخبار عن الغرة والطرة وشبههما، لكن عن الوصال والصدود، وعكس التشبيه ثقة بأن ما أشبه شيئاً من جهة فقد أشبهه الآخر من تلك الجهة.

فأما قول ابن المعتز يصف شرب حمار:

وأقبل نحو الماء يشتل صفوه ... كما أغمدت أيدي الصياقل منصلا

فإنه بديع، يشبه فيه انسياب الماء في شدقيه إلى حلقه بمنصل يغمد، وهذا تشبيه مليح يدرك بالحس، ويتمثل في المعقول، وكرر هذا التشبيه فقال يذكر إبل سفر:

وأغمدن في الأعناق أسياف لجةٍ ... مصقلةً تفرى بهن المفاوز

وزعم قدامة أن أفضل التشبيه ما وقع بين شيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما، حتى يدنى بهما إلى حال الاتحاد، وأنشد في ذلك وهو عنده أفضل التشبيه كافةً:

له أيطلا ظبي، وساقا نعامةٍ ... وإرخاء سرحان، وتقريب تتفل

وهذا تشبيه أعضاء بأعضاء هي هي بعينها، وأفعال بأفعال هي هي أيضاً بعينها، إلا أنها من حيوان مختلف كما قدمت، والأمر كما قال في قرب التشبيه، إلا أن فضل الشاعر فيه غير كبير حينئذ؛ لأنه كتشبيه نفس الشيء المشبه الذي ذكره الرماني في تشبيه الحقيقة، وإنما حسن التشبيه أن يقرب بين البعيدين حتى تصير بينهما مناسبة واشتراك، كما قال الأشجعي:

كأن أزيز الكير إرزام شخبها ... إذا امتاحها في محلب الحي ماتح

فشبه ضرع العنز بالسكير، وصوت الحلب بأزيزه، فقرب بين الأشياء البعيدة بتشبيهه حتى تناسبت، ولو كان الوجه ما قال قدامة لكان الصواب أن يشبه الأشجعي ضرع عنزة بضرع بقرة، أو خلف ناقة؛ لأنه إنما أراد كبره وكثرة ما فيه من اللبن، وكان يعدل عن ذكر الكير وأزيزه الذي دل به على أعظم ما يكون من صفة كبر الضرع وكثرة لبنه.

وسبيل التشبيه إذ كانت فائدته إنما هي تقريب المشبه من فهم السامع، وإيضاحه له أن تشبه الأدون بالأعلى إذا أردت مدحه، وتشبه الأعلى بالأدون إذا أردت ذمه، فتقول في المدح: تراب كالمسك، وحصى كالياقوت، وما أشبه ذلك، فإذا أردت الذم قلت: مسك كالسك أو التراب، وياقوت كالزجاج أو كالحصى؛ لأن المراد في التشبيه ما قدمته من تقريب الصفة وإفهام السامع، وإن كان ما شابه الشيء من جهة فقد شابهه الآخر منها، إلا أن المتعارف وموضوع التشبيه ما ذكرت.

وأصل التشبيه مع دخول الكاف وأمثالها أو كأن وما شاكلها كلها شيء بشيء في بيت واحد، إلى أن صنع امرؤ القيس في صفة عقاب:

كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي

فشبه شيئين بشيئين في بيت واحد، واتبعه الشعراء في ذلك؛ فقال لبيد ابن ربيعة:

وجلا السيول عن الضلول كأنها ... زبر تجد متونها أقلامها

فشبه الطلول بالزبر والسيول بالأقلام، بل زاد فشبه جلاء هذه عن هذه بتجديد تلك لتلك. وحكى عن بشار أنه قال: ما قر بي القرار مذ سمعت قول امرئ القيس كأن قلوب الطير رطباً ويابساً حتى صنعت:

كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

فإن كان مراده الترتيب فصدق، ولم يقع بعد بيت امرئ القيس في ترتيبه كبيته، وإن كان المراد تشبيهين في بيت فقد قال الطرماح في صفة ثور وحشي:

يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد

وهذا نهاية في الجودة. وأما قول من قال في بيت الحارث بن حلزة:

وحسبت وقع سيوفنا برؤوسهم ... وقع السحابة بالطراف المشرج

إن فيه تشبيهين من جهة الكثرة والحس أو السرعة والحس؛ فمحتمل، إلا أن الشاعر لم يصرح إلا بالوقع خاصة، يريد بذلك الحس وحده ظاهر الأمر ولذلك خص الطراف؛ لكونه من الأدم، فصوت القطر عليه أشد منه على غيره من سائر البيوت. وقال بشار أيضاً:

خلقنا سماء فوقهم بنجومها ... سيوفاً ونقعاً يقبض الطرف أقسما

وقال فشبه شيئين مختلفين بشيئين من جنس واحد:

من كل مشتهرٍ في كف مشتهرٍ ... كأن غرته والسيف نجمان

وربما شبهوا شيئاً بشيئين كقول القطامي:

فهن كالحلل الموشى ظاهرها ... أو كالكتاب الذي قد مسه البلل

وربما شبهوا بثلاثة أشياء كما قال البحتري:

كأنما يبسم عن لؤلؤٍ ... منظم، أو بردٍ، أو أقاح

فقول الشاعر " أو " زيادة تشبيه وإن لم يصح من جميع المشبه بها إلا شيء واحد من جهة الحكم في " أو " . ومن الناس من يرويه:

كأنما يبسم عن لؤلؤٍ ... أو فضة، أو بردٍ، أو أقاح

وهي زعموا رواية أكثر أهل الأندلس والمغرب؛ فيكون حينئذ الثغر مشبهاً بأربعة أشياء، وقد تقدم أبو تمام فقال:

وثناياك إنها إغريض ... ولآل توم وبرق وميض

فشبهها بثلاثة أشياء حقيقة؛ لأن حكم الواو غير حكم " أو " لا سيما وقد أتى التشبيه بغير كاف ولا شيء من أخوتها، فجاء كأنه إيجاب وتحقيق.

وكثر تشبيههم شيئين بشيئين حتى لم يصر عجباً، وقد جاءوا بتشبيه ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء في بيت واحد: بالكاف؛ وبغير كاف؛ فقال مرقش:

النشر مسك، والوجوه دنا ... نير، وأطراف الأكف عنم

وقال ابن الرومي:

كأن تلك الدموع قطر ندى ... يقطر من نرجس على ورد

وقال أيضاً ويدخل في باب قول مرقش:

إن أقبلت فالبدر لاح، وإن مشت ... فالغصن ماد، وإن رنت فالريم

وقال ابن المعتز:

بدر وليل وغصن ... وجه وشعر وقد

خمر ودر وورد ... ريق وثغر وخد

وقال صاحب الكتاب:

كأن ثناياه أقاحٍ، وخده ... شقيق، وعينيه بقية نرجس

وقال أيضاً على جهة التفسير:

بكؤوس حكين من شف قلبي ... شفة لم تذق وثغراً وريقا

يريد حافة الكأس والحباب والخمر.

ثم أتوا بتشبيه أربعة بأربعة: بالكاف أيضاً، وبغير كاف، فقال امرؤ القيس وهو أول من فتح هذا الباب:

له أيطلا ظبي، وساقا نعامةٍ ... وإرخاء سرحان، وتقريب تتفل

فجاء بتشبيه إضافة كما ترى حتى جعله تحقيقاً لولا مفهوم الخطاب.

بدت قمراً، ومالت خوط بان، ... وفاحت عنبراً، ورنت غزالا

فجاء بالتشبيه على إسقاط الكاف. وقال أيضاً:

ترنو إلي بعين الظبي مجهشةً ... وتمسح الطل فوق الورد بالعنم

فشبه في القسيم الأول عينها بعين الظبي، وشبه في القسيم الآخر ثلاثة بثلاثة، وقد تقدم أبو نواس فقال:

يبكي فيذري الدر من نرجس ... ويلطم الورد بعناب

وهذا مليح جداً. سئل ابن مناذر: من أشعر الناس؟ فقال: الذي يقول:

يا قمراً أبصرت في مأتمٍ ... يندب شجواً بين أتراب

يبكي فيذري الدر من نرجس ... ويلطم الورد بعناب

هذا أشعر الجن والأنس. وقد جاء بالشعر على سجيته أعني أبا نواس وشاهد ذلك ظاهر في لفظه، وإلا فهو قادر أن يجعل مكان الدر الطل حتى يتناسب الكلام، لكنه لم يكن يؤثر التصنيع ولا يراه فضيلة؛ لما فيه من الكلفة ومن الناس من يرويه كذلك، ومنهم من يرويه فيذري الدر من جفنة ومما شبه أربعة بأربعة مع الكاف قول ابن حاجب وهو عبد العزيز وزير القادر بالله أبي العباس النعمان :

ثغر وخد ونهد واختضاب يدٍ ... كالطلع والورد والرمان والبلح

وقال صاحب الكتاب:

بفرع ووجه وقدٍ وردفٍ ... كليلٍ وبدرٍ وغصنٍ وحقفٍ

ومما وقع فيه تشبيه خمسة بخمسة قول أبي الفرج الوأواء، وأتى به بغير آلة تشبيه:

فأسبلت لؤلؤاً من نرجس وسقت ... ورداً وعضت على العناب بالبرد

وقال أبو الفتح البستي شاعر مصر في وقتنا هذا يصف شمعة:

قد شابهتني في لونٍ وفي قضفٍ ... وفي احتراق وفي دمع وفي سهر

فقوله قد شابهتني أظهر مقدرة من المجيء بالكاف؛ لأنهم إنما استصعبوا ذلك مع الكاف وأخوتها من جهة ضيق الكلام بها، فهذا الذي أتى به البستي أشد ضيقاً، ألا ترى أنه لو قال: " كأنها أنا " لكان هو الصواب ويكون قد أتى بكأن وضميرين بعدها فضلاً عن الكاف.

ومنهم من يأتي بالتشبيه الواحد بغير كاف كقول امرئ القيس:

سموت إليها بعد ما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حال

وقوله أيضاً:

إذا ما الثريا في السماء تعرضت ... تعرض أثناء الوشاح المفضل

يريد كسمو حباب الماء، وكتعرض أثناء الوشاح.

وأبدع من هذا عندهم وأغرب قول المنخل اليشكري:

دافعتها فتدافعت ... مشي القطاة إلى الغدير

وإنما براعته عندهم لما لم يكن قبله فعل من لفظه.

ومن مليح التشبيه قول أبي كبير الهذلي:

فالطعن شغشغة، والضرب هيقعة ... ضرب المعول تحت الديمة العضدا

وللقسي أزاميل وغمغمة ... حس الجنوب تسوق الماء والبردا

فالأول من نوع بيتي امرئ القيس، والثاني من نوع بيت المنخل، وأنا أستحسن هذين البيتين جداً.

وقد يقع التشبيه بين الضدين والمختلفين: كقولك " العسل في حلاوته كالصبر في مرارته، أو كالخل في حموضته " .

قال أبو الحسن الرماني: وهذا الضرب من التشبيه لا يقال إلا بتقييد وتفسير ومن هذا النوع الذي ذكره الرماني قول ابن المهدي للمأمون يعتذر:

لئن جحدتك معروفاً مننت به ... إني لفي اللؤم أحظى منك بالكرم

وكذلك قول أبي نواس:

أصبح الحسن منك يا أحسن الأم ... ة يحكي سماجة ابن حبيش

يريد أن هذا غاية كما أن ذاك غاية.

قال الجرجاني: التشبيه والتمثيل يقع مرة بالصورة والصفة، وأخرى بالحالة والطريقة، اعتذر بذلك عن قول أبي الطيب:

بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها ... وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه

إنه إنما أراد وقوفاً خارجاً عن المتعارف. وأنشد:

رب نيل أمد من نفس العا ... شق طولاً قطعته بانتحاب

فهذا والله هو النقد العجيب الذي غفل الناس عنه، بل عموا وصموا. والبيت لمحمد بن عبد الملك الزيات، ويروي لماني الموسوس. ومثله قول أبي تمام:

ومسافة كمسافة الهجر ارتقى ... في صدر باقي الحب والبرحاء

وأنشد الرماني لذي الرمة:

كأنه كوكب في إثر عفريت ... مسوم في سواد الليل منقضب

ثم قال: قد اجتمع الثور والكوكب في السرعة إلا أن انقضاض الكوكب أسرع، واستدل بهذا على جودة التشبيه.

وأنا أرى أن فيه دركاً على الشاعر، وإغفالاً من الشيخ المفسر، وذلك أن الثور مطلوب، والكوكب طالب، فشبهه به في السرعة والبياض، ولو شبهه بالعفريت وشبه الكلب وراءه بالكوكب لكان أحسن وأوضح، لكنه لم يتمكن له المعنى الذي أراده من فوت الثور الذي شبه به راحلته؛ وأما ما أغفله الشيخ فإن الشاعر إنما رغب في تشبيه الثور بالكوكب، واحتمل عكس التشبيه: بأن جعل المطلوب طالباً لبياضه فإن الثور لهق لا محالة؛ وأما السرعة التي زعم فإن العفريت لو وصفه به وشبهه بسرعته لما كان مقصراً، ولا متوسطاً، بل فوق ذلك.

ومن التشبيهات عقم لم يسبق أصحابها إليها، ولا تعدى أحد بعدهم عليها، واشتقاقها فيما ذكر من الريح العقيم، وهي التي لا تلقح شجرة ولا تنتج ثمرة، نحو قول عنترة العبسي يصف ذباب الروض:

وخلا الذباب بها فليس بارحٍ ... غرداً كفعل الشارب المترنم

هزجاً يحك ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم

وقوله أيضاً في صفة الغراب:

خرق الجناح كأن لحي رأسه ... جلمان بالأخبار هش مولع

وقال الحطيئة يصف لغام ناقته:

ترى بين لحييها إذا ما ترغمت ... لغاماً كبيت العنكبوت الممدد

وقال الشماخ يصف آثار ريش نعامة:

كأنما منثني أقماع ما مرطت ... من العفاء بليتيها الثآليل

وقول عدي بن الرقاع يصف قرن ظبي:

تزجي أغن كأن إبرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها

وقول الراعي يصف جعد الرأس:

جدلاً أسك كأن فروة رأسه ... بذرت فأنبت جانباها فلفلا

وقول بشر بن أبي خازم يصف عروق الأرطى وقد كشفها ثور:

يثير ويبدي عن عروقٍ كأنها ... أعنة خراز تخط وتنشر

وقول الطرماح في صفة الظليم:

مجتاب شملة برجد لسراته ... قدداً، وأسلم ما سواه البرجد

وقول ذي الرمة في صفة الليل:

وليل كجلباب العروس قطعته ... بأربعةٍ والشخص في العين واحد

وقول مضرس بن ربعي في صفة رأس النعامة:

سكاء عارية الأخادع رأسها ... مثل المدق وأنفها كالمسرد

وقال النابغة في صفة النسور:

تراهن خلف القوم خزراً عيونها ... جلوس الشيوخ في ثياب المرانب

وهذا التشبيه عندهم عقيم، إلا أني أقول: إنه من قول طرفة يصف عقاباً:

وعجزاء دفت بالجناح كأنها ... مع الصبح شيخ في بجاد مقنع

وينظر أيضاً إلى قول امرئ القيس قبله:

كأن ثبيراً في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل

وقال عبد الله بن الزبير الأسدي في تشبيه رأس القطاة:

تقلب للإصغاء رأساً كأنها ... يتيمة جوز أغبرتها المكاسر

وفي الشعر من هذا صدر جيد، وفي القرآن تشبيه كثير كقوله تعالى: " والقمر قدرناها منازل حتى عاد كالعرجون القديم " وقوله تعالى: " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيمة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً " وقوله: " إذا غشيهم موج كالظلل " وقوله: " كأنهم جراد منتشر " ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم: " الناس كأسنان المشط، وإنما يتفاضلون بالعافية " وقال: " الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " وكثير من هذا يطول تقصيه.

وقد أتت القدماء بتشبيهات رغب المولدون إلا القليل عن مثلها استبشاعاً لها، وإن كانت بديعة في ذاتها، مثل قول امرئ القيس:

وتعطو برخص غير شثن كأنه ... أساريع ظبي أو مساويك إسحل

فالبنانة لا محالة شبيهة بالأسروعة، وهي دودة تكون في الرمل، وتسمى جماعتها بنات النقا، وإياها عنى ذو الرمة بقوله:

خراعيب أمثال كأن بنانها ... بنات النقا تخفى مراراً وتظهر

فهي كأحسن البنان: ليناً، وبياضاً، وطولاً، واستواءً، ودقة، وحمرة رأس، كأنه ظفر قد أصابه الحناء، وربما كان رأسها أسود، إلا أن نفس الحضري المولد إذا سمعت قول أبي نواس في صفة الكأس:

تعاطيكها كف كأن بنانها إذا اعترضتها العين صف مداري

أو قول علي بن العباس الرومي:

سقى الله قصراً بالرصافة شاقني ... بأعلاه قصري الدلال رصافي

أشار بقضبان من الدر قمعت ... يواقيت حمراً فاستباح عفافي

وقول عبد الله بن المعتز:

أشرن على خوف بأغصان فضة ... مقومة أثمارهن عقيق

كان ذلك أحب إليها من تشبيه البنان بالدود في بيت امرئ القيس، وإن كان تشبيهه أشد إصابة. وفي قول الطائي أبي تمام:

بسطت إليك بنانة أسروعا ... تصف الفراق ومقلة ينبوعا

وقرب هذا عنده وهو مدح من قول حسان في الهجو:

وأمك سوداء نوبية ... كأن أناملها الحنظب

إذ كانا جميعاً من خشاش الأرض. فأما قول امرئ القيس أو مساويك إسحل فجار مجرى غيره من تشبيهاتهم؛ لأنهم يصفونها بالعنم والأقلام وما أشبه ذلك، والبنان قريب الشبه من أعواد المساويك: في القدر، والاستواء، والإملاس، إلا أن الأول على كراهته أشبه بها، والإسحل: شجر المخيطا.

وقد استبشع قوم قول الآخر يصف روضاً

كان شقائق النعمان فيه ... ثياب قد روين من الدماء

فهذا وإن كان تشبيهاً مصيباً فإن فيه بشاعة ذكر الدماء، ولو قال من العصفر مثلاً أو ما شاكله لكان أوقع في النفس وأقرب إلى الأنس.

وكذلك صفتهم الخمر في حبابها بسلخ الشجاع وما جرى هذا المجرى من التشبيه، فإنه وإن كان مصيباً لعين الشبه فإنه غير طيب في النفس، ولا مستقر على القلب، ومن ذلك قول أبي عون الكاتب:

تلاعبها كف المزاج محبة ... لها، وليجري ذات بينهما الأنس

فتزبد من تيه عليها كأنها ... غريرة خدر قد تخبطها المس

فلو أن في هذا كل بديع لكان مقيتاً بشعاً، ومن ذا يطيب له أن يشرب شيئاً يشبه بزبد المصروع وقد تخبطه الشيطان من المس؟! وكأني أرى بعض من لا يحسن إلا الاعتراض بلا حجة قد نعى على هذا المذهب، وقال: رد على امرئ القيس، ولم أفعل، ولكني بينت أن طريق العرب القدماء كثير من الشعر قد خولفت إلى ما هو أليق بالوقت وأشكل بأهله. وقد عاب الأصمعي بين يدي الرشيد قول النابغة:

نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر السقيم إلى وجوه العود

على أنه تشبيه لا يلحق، ولا يشق غبار صاحبه، ولم يجد فيه المطعن إلا بذكر السقيم؛ فإنه رغب عن تشبيه المحبوبة به، وفضل عليه قول عدي بن الرقاع العاملي:

وكأنها وسط النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم

وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم

وأجرى الناس هذا المجرى قول صريع الغواني على أنه لم يقع لأحد مثله، وهو:

فلطت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع

فهذا تشبيه مصيب جداً، إلا أنهم عابوه بما بينت، وإنما أشار إلى قول النابغة:

ويخططن بالعيدان في كل منزل ... ويخبأن رمان الثدي النواهد

ومثله قول أبي محجن الثقفي في وصف قينة:

وترفع الصوت أحياناً وتخفضه ... كما يطن ذباب الروضة الغرد

فأي قينة تحب أن تشبه بالذباب؟ وقد سرق بيت عنترة وقلبه فأفسده.





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.