أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-03-2015
2720
التاريخ: 24-03-2015
2917
التاريخ: 25-03-2015
3526
التاريخ: 24-03-2015
5138
|
أقول: قال الخليل: سُمي بذلك لتقارب أجزائه لأنها خماسية. وقال الزجّاج: لتقارب أسبابه من أوتاده، وقيل لتقارب أوتاده، وكلاهما ظاهر، فإنّ بين كل سببين وتداً وبين كل وتدين سبباً، فالأسباب تقارب بعضها من بعض، وكذلك الأوتاد. وهو مبنيّ في الدائرة من ثمانية أجزاء على هذه الصورة: فعولن فعولن فعولن فعولن، فعولن فعولن فعولن فعولن وما ألطف قول الشيخ جمال الدين بن نباتة المصري يداعب شخصاً يسمى عثمان:
إذا جاء عثمان مستخبراً
عن المتقارب وزناً فقولوا
ثقيلٌ ثقيل ثقيل ثقيل
ثقيل ثقيل ثقيل ثقيلُ
قال:
سبوْ الابنِ مُرٍّ نسوةً ورووا لميةٍ
دِمنةً لا تبتئسْ فكذا قضى
أفاد فجاد ابنا خداشٍ برفدهِ
وقلت سداداً فيه منك لنا حلاٍ
أقول. السين من ((سبوا)) إشارة إلى أن هذا البحر هو البحر الخامس عشر، وهو خاتمة البحور عند الخليل وإياه اتبع الناظم، والباءُ إشارة إلى أن له عروضين، والواو إشارة إلى أن له ستة أضرب. فالعروض الأولى تامة لها أربعة أضرب أو لها مثلها وبيته:
فأما تميمٌ تميم بنُ مُرٍّ
فألفاهمُ القومُ روبى نياما
فقوله ((نُمُررن)) هو العروض، وقوله ((نياماً)) هو الضرب، وزن كلّ منهما فعولن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((لابن مر)). الضرب الثاني مقصور وبيته:
ويأوى إلى نسوةٍ بائساتٍ
وشععثٍ مراضيع مثل الَّعالْ
فقوله ((ئساتن)) هو العروض، وقوله ((سعالْ)) هو الضرب، وزنه فعولْ. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((نسوة)). الضرب الثالث محذوف وبيته:
وأروي من الشعر شعراً عويصاً
يُنَسّى الرواة الذي قد رووا
فقوله ((عويصن)) هو العروض، وقوله ((رووا)) هو الضرب، وزنه فعلْ. كان أصله فعولن فذهب سببه الخفيف فيبقى فنقل إلى فعل وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((ورووا)). الضرب الرابع أبتر وبيته:
خليليَّ عُوجا على رسمِ دارٍ
خلتْ من سُليمى ومن ميَّهْ
فقوله ((مدارن)) هو العروض، وقوله ((يهْ)) هو الضرب وزنه فل أو فَعْ، كان أصله فعولن فحذف سببه ثم قُطع وتده فذهبت واوه وسكنت عينه فبقي فع، فبعضهم يقرّه على هذه الصيغة وبعضهم يعبر عنه بفلْ وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((لمية)). العروض الثانية مجزوءة محذوفة لها ضربان الأول مثلها وبيته:
أمنْ دمنةٍ أقفرتْ
لسلمي بذات الغضى
فقوله ((فرتْ)) هو العروض وقوله ((غضا)) هو الضرب، وزن كلّ منهما فعلْ. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((دمنة)). الضرب الثاني أبتر، وبيته:
تعفَّف ولا تبتئسْ
فما يُقضَ يأتيكا
فقوله ((تئس)) هو العروض، وقوله ((كا)) هو الضرب، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((لا تبتئس)). وهذا الضرب الأبتر لهذه العروض الثانية مختلفٌ فيه، فحكاه بعضهم عن خلف الأحور، وحكاه بعضهم عن الخليل. ومنهم من لم ينقله عنه، قال بعضهم: والصحيح نقله عنه، لأن الأخفش والزجاج أثبتاه في كتبهما ولم يتعرضا لنفيه عن الخليل، ولو لم يكن قاله لنبّها عليه كما جرت عادتهما. قلت: وفي نسبة النقل إلى الخليل بهذه القرينة نظر. والناظم تبع من أثبت هذا الضرب. ويدخل هذا البحر من الزحاف القبض إلا في الجزأين اللذين قبل الضربين الأبترين، وهما الضرب الرابع والضرب السادس، فإنه لا يدخلهما عند الخليل، وخالفه الأخفش والزجّاج، واعتلوا للخليل بأن الضربين الأبترين لم يبقيا إلا على هيئة سببٍ خفيفٍ فلا يقبض حينئذ ساكن الجزء الذي قبله لفقدان ما يعتمد عليه. قال الصفاقسي: وهذا الاعتلال لا يستقيم على أصل الخليل لأن الاعتماد عنده على الوتد القبليّ جائز، فلمَ لايجوز أن يحذف لاعتماده على الوتد الذي قبله معه في الجزء. وأما الأخفش فالمشهور عنه دخول القبض فيه، هكذا حكى الزجاج عنه واستحسنه، وحكاه أيضاً النديم، وحكى عنه بعضُ العروضيين التفرقةَ بين الضرب الرابع فيجيزه في الجزء الذي قبله، وبين الضرب السادس فيمنعه في الجزء السابق له، واعترض بعدم الفارق لأن الوتد البعديّ معتلّ فيهما فإن صلحَ علةً لمنع قبض ما قبله كان المنع فيهما وإلا فالجواز فيهما. وأجاب عنه أبو الحكم بمنع استقلال ما ذكر بالعلّية، بل هو جزء علة والعلة هي المجموع الوكب من ذلك ومن اعتلال بيته بكونه مجزوءاً، وهذا المجموع ليس موجوداً في الضرب الرابع فلم يمتنع قبضُ الجزء الذي قبله. ثم اعترض أبو الحكم على الأخفش بأن الجاري على مذهبه منعَ القبض فيهما لأن الاعتماد عنده لا يكون إلا على الوتد البعديّ، وقد اعتلّ بصيرورته على هيئة السبب فلا يقبض حينئذ ما قبله. قال الصفاقسي
ولقائل أن يمنع أن اختلال الوتد عنده مانعٌ من الاعتماد، ولِمَ لا يجوز أن يكون المعتبر عنده في الاعتماد كونَ البعديَ وتداً غما في الحال أو في الأصل، ويحملُ مذهبه على هذا جمعاً بين كلاميه. وحكى أبو الحكم عن الخليل أيضاً أنه لا يجيز القبض في الجزء الذي قبل الضرب الخامس، قال: لأنه قد دخله الحذف مع ما فيه من الاعتلال بكونه مجزوءاً. قال الصفاقسي: ويلزم على هذه العلة منع القبض في الجزء الذي قبل عروضه لوجود هذه العلة فيه، ولم أر أحداً حكاه عن الخليل، وقد التزمه بعض المتأخرين. وحكى أيضاً عن بعض العروضيين منع قبض الجزأين اللذين قبل الضرب الثاني والثالث وهما المقصور والمحذوف، واعتراضه بأن الموجب لذلك فيما تقدم مفقودٌ هنا، فلا ينبغي أن يلحق به. وهل القبض في هذا البحر أحسن من التمام لكثرته فيه أو التمام أحسن من القبض لأن الأول تكثر السواكن فيه ولهذا جمعوا فيه بين ساكنين كما تقدمتْ حكايته عن بعضهم؟ فيه خلاف. فبيت القبض:
أفاد فجاد وساد فزاد
وقاد فذاد وعاد فأفضلْ
أجزاؤه كلها إلا الضرب مقبوضة. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((أفاد فجاد)). ويدخل الجزء الأول من البيت في هذا البحر الثَّلم والثّرم. فبيت الثّلم:
لولا خاشٌ أخذت جمالا
تِبكرٍ ولم أعطه ما عليها
فقوله ((لولا)) أثلم وزنه فعلن بإسكان العين وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((خداش)): وبيت الثرم:
فلتُ سداداً لمن جاءني
فأحسنت قولاً وأحسنت رأياً
قوله ((قلت)) أثرم وزنه فعل. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((وقلت سداد)). فإن قلت: قد تقدمَ في باب ما أجرى من العلل مجرى الزِّحاف أن العروض الأولى يدخلها الحذف وهو علة لكنه يعامل فيها معاملة الزحاف فلا يكون لازماً بل يدخل في بيتٍ ولا يدخل في آخر وذلك في القصيدة الواحدة، فهلاً أشار بكلمة إلى شاهدٍ لذلك فهذا محله؟ قلتُ: بيتُ الثرم الذي أنشدناه آنفاً وهو قوله:
قلتُ سداداً لمن جاءني000إلخ
يتضمن دخول الحذف في العروض، وذلك لأن قوله ((أنى)) جزء محذوف وزنه فعل، وهو العروض الأولى من هذا البحر، فلعل الناظم اكتفى به عن الإتيان بشاهدٍ لمحض الحذف على حدته، فتأمل. وهذا آخر الكلام على بحر المتقارب وهو المستعمل من الدائرة الخامسة وهي دائرة المُتَِفق. والكلام على المتدارك سبق من قبل، والله أعلم. قال:
فالأضربُ والأعاريض لدنةٌ
والأبحر يهمى والدوائر هي الهُدا
أقول هذا كالفذلكة للحساب، كأنه يقول قذ ذكرناه ضروب الشعر المستعملة مرموزاً لها بالحروف السابقة مفرقةً في البحور فجملتها ثلاثةٌ وستون ضرباً، فالسن والجيم من قوله ((سَجْح)) رمز لذلك، وكذلك عددنا الأعاريض مثبوتةً في محالها من البحور فجملتاه أربعٌ وثلاثون عروضاً، فاللام والدال من قوله ((لدنة)) إشارة لذلك، وسردنا البحور واحداً واحداً ودللنا على رتبة كل واحد منها فجملتها خمسةَ عشرَ مجراً فالياء والهاء من قوله ((يهمى)) رمز لذلك. وذكرناه أولاً أن الدوائر هي المرموز لها بالحروف الخمسة المجموعة في قولنا ((خف لشق)) فهي خمس دوائر لها بالهاء من قوله ((هي))، واستعمل الناظم جمع القلة للكثرة في قوله ((فالا ضرب)) وقوله ((والأبحر))، وجمع الكثرة للقلة في قوله ((والدوائر)). قال:
وقُلْ واجبُ التغيير أضرب بحرهِ
وجائزهُ جنسُ الزِّحاف كما انبني
أقول: يعني أن التغيير الذي يلحق الشعر على قسمين: جائز وواجب، فالواجب منه لا يكون إلا في أضرب بحره وهو التغيير المعبرّ عنه عندهم بالعلة، والأعاريض مشاركةٌ للضروب في أنها أيضاً محلّ لدخول التغيير الواجب، فكان على الناظم أن يسوقها مساقاً واحداً لاتحاد حكمها في ذلك. واعتذر الشريف عنه بأن قال وإنما ذكرَ الضروب ولم يذكر الأعاريض ولا فرق في وجوب التغيير بين الأعاريض والضروب لأن العروض الواحدة يكون لها أضرب متعددة فتتحد العروض مع تعدد الضرب فيظهر التغيير في الأضرب دون العروض. قلت: وهذا اعتذارٌ لا يجدي الناظم شيئاً، فإن اتحاد العروض في بعض الأحوال وتعدد الأضرب في أكثر الحالات لا يقتضي ظهور التغيير في الأضرب دون العروض، فإن التغيير الواجب متى لحق العروض ظهر فيها وإن كانت واحدةً كما يظهر في الأضرب وإن تعددت. فإن قلت: كلٌّ من العروض والضرب لا يلزم التزام التغيير الواقع فيه، بل تارةً يلزم فكيف يُقال إن الأعاريض و الضروب واجبة التغيير؟ قلت: لم قل الناظم هذا، ولعلك فهمته من كلامه بأن أعربتَ ((أضرب بحره)) مبتدأ مؤخراً وجعلت ((واجب التغيير)) خبراً له مقدما عليه، والمعنى أنّ أضرب بحر الشعر شيء واجب التغيير، فاعلم أن الأمر ليس كما فهمته، وإنما ((واجب التغيير)) مبتدأ ((وأضرب بحره)) هو الخبر، وهو ظرف، والمعنى أن التغيير الواجب يكون في أضرب البحر، ولا يفهم من هذا أن الأضرب تكون واجبةَ التغيير دائماً، فتأمل. وإضافة ((واجب)) إلى ((التغيير)) على هذا من إضافة الخاص إلى العام لأن التغيير أعمّ من أن يكون واجباً أو جائزاً، فإضافة أحدهما إليه كالإضافة في ((خاتمُ حديد))، والواجب حينئذ في المعنى صفةٌ للتغيير، غير أنّ في جعلِ ((أضرب بحره)) ظرفاً منصوباً على إسقاط الخافض ما فيه. وقوله ((وجائزه جنس الزحاف)) يعني أن التغيير الجائز هو المسمى بالزحاف، وقد يدخل الأعاريض والضروب كما يدخل الحشو. وقوله ((كماانبنى)) أي كما انبنى في الشواهد التي أوردناها في البحور حسب ما يظهر بأدنى تأمل. قال:
وخذْ لَقَبَ المذكور مما شرحته وصغ زِنةً تحذو بها حذو من مضى
أقول: يعني أنك في الأبيات التي أشار إليها بالكلمات المقطّعات فيما تقدم المسوقة للاستشهاد على الأعاريض والضروب والزحافات، وتعتبر ما فيها من التغيير العارض لها فخذ لقبه مما شرحه في الكلام على العلل والكلام على الزحاف، فهو مما يرشدك إلى ذلك ويدل عليه. ونضرب مثالاً لذلك فنقول: قد أشار فيما مر إلى أن للطويل عروضاً واحدة وثلاثة أضرب، وأشار إلى شواهدها بالكلمات المنتزعة من الأبيات التي أنشدها العروضيون، ((فغزوا)) من قوله: أبا منذرٍ كانت غُروراً صحيفتي ولم أعطكمْ في الطّوع مالي ولا عرضي
وقد علمت من كلامه فيما سبق أن العروض هي الجزء الأخير من النصف الأول وأن الضرب هو الجزء الأخير من النصف الثاني. وأشار إلى أن أول بحر مركبٌ من فعولن مفاعيلن أربع مرات، وأخبر بصريح لفظه أنه يتكلم هنا على بحر الطويل، فإذا عَمَدنا إلى تقطيع هذا البيت على أوزان هذه الأجزاء قلنا: أبا من ذرنكانت غرورن صحيفتي، فوجدنا الجزء الأخير من هذا النصف الأول هو قوله ((صحيفتي)) فنسميه عروضاً عملاً بقوله فيما سبق ((وقل آخر الصدر العروض))، ووجدنا هذه العروض على ستة أحرف: متحركين فساكن فمتحركين فساكن، فليس على زنة مفاعيلن وإنما هو على زنة مفاعلن. وقد علمت أن ياء مفاعيلن ثاني سبب وهي خامسة الجزء، وقد أسلف في باب الزِّحاف أن حذف الخامس الساكن إذا كان ثاني سبب يُسمى قبضاً فنسمي هذا الجزء الرابع عروضاً مقبوضة لما قررناه. ثم نقطع النصف الثاني فنقول: ولم أُعْ طِكُمْ فططو عمالى ولا عرضي، فنجد قوله ((ولا عرضي)) هو الجزء الأخير من هذا النصف الثاني فنسميه ضرباً عملاً بقوله ((ومثله من العجز الضرب))، ونجد هذا الجزء لم يدخله تغيير، بل أتى على ما هو عليه في الدائرة فنسميه صحيحاً عملاً بقوله ((وإن تنج فالموفور يتلوه سالم صحيح))، وعلى هذا فقِسْ جميع ما ذكره من شواهد البحور. وقوله ((وصنع زنة تحذو بها حذو من مضى)) لا شك أن العروضيين ينقلون صيغ الأفاعيل في كثير من الأوقات عند دخول التغيير عليها إلى لفظٍ آخر تحسيناً للعبارة، كما إذا فُقد منه بالتغيير فءُ أو عين أو لام فينقل إلى لفظ فيه هذه الأحرف كمتعلن مخبول مستفعلن يُنقل إلى فَعِلتُن، وكفالاتن أو فاعاتن المشعّث يُرَدُّ إلى مقعولن، وكمتفا أحذَّ متفاعلن يرد إلى فعلن. وكذا إذا سُكنت اللام بالتغيير في الجزء كفاعل مقطوع فاعلن ينقل إلى فعلن، وكذا إذا سكنت التاء يردّ إلى غيره كفاعلات مقصور فاعلاتن يرد إلى فاعلان. وكذا إذا صار الجزء بالتغيير على هيئة المنصوب الموقوف
عليه كفاعلا محذوف فاعلاتن فيردّ إلى فاعلن. فمراد الناظم أنه إذا عَرَضَ لك بالتغيير إخراج الجزء عن الأوزان المألوفة عن السلف فصُنع له زنةً تقفو بها أثر من مضى من أئمة هذا الشأن. وإنما أَمَرَ بذلك إيثاراً لموافقة الجماعة وكراهةً للخروج عن سننهم، والله تعالى أعلم. وينبغي أن نعقد هنا فصلاً للأووزان المستعملة عندهم، وبها يتيسر لك اقتفاء طريقهم والاقتداء بفريقهم فنقول: اعلم أن الأجزاء المسماة بالتفاعيل السالمة من التغيير عشرة، وتغير بالِّحاف تارة وبالعلة أخرى، وقد يجتمعان. ثم غالبُ أمرِ العلة أن تكون محضة، وقد تكون جاريةً مجرى الزحاف، وإذا لحق التغيير جزءاً منها فقد لا يشتبه بغيره أصلاً وقد يشتبه، وإذا اشتبه فقد يكون الاشتباه مخصوصاً بجزء سالم من تلك الأجزاء العشرة، وقد يشتبه بجزء آخر مغير، وقد يجتمع فيه الأمران فيشتبه بسالم ومغير معاً. ويتضح ذلك بالكلام أولاً على ما يدخل كلَّ منها من التغييرات، وثانياً بتفصيل الكلام على وجوه الاشتباه ومراتبه، فنقول: الجزء الأول من الأجزاء العشرة السالمة من التغيير: ((فعولن))، ويدخله من الزحاف نوع واحد وهو القبض بالطويل والمتقارب فيصير فعولُ بتحريك اللام، ولا ينفك عن هذه الصيغة. ويدخله من العلة المحضة ثلاثة أشياء في المتقارب خاصةً، أحدها القصر فيصير فعولْ بإسكان اللام، وهكذا يتلفظ به، وثانيها الحذف فيصير فعو فينقل إلى فعلْ، وثالثها البتر فيصير فَعْ، وبعضهم يبقيه على هذه الصيغة وبعضهم يعبر عنه بفَلْ. ويدخله من العلة الجارية مجرى الزّحاف ثلاثة أشياء: أحدها الحذف بالعروض الأولى من المتقارب فيعبر عنه بفعل كما سبق، وثانيها الثَّلم بالطويل والمتقارب فيصير عولن فيعبر عنه بفعلن بإسكان العين، وثالثها الثَّرم فيهما أيضاً فيصير عولُ فيعبر عنه بفعل، فهذه ستة أجزاء فرعية نشأت عن فعولن. الجزء الثاني ((مفاعيلن))، ويدخله من الزحاف القبض في الطويل والهزج
والمضارع، فيصير مفاعلن فلا تنقل هذه الصيغة إلى شيء آخر، والكفّ فيهن جميعاً فيصير مفاعيلُ فيبقى على هذه الصيغة أيضاً. ويدخله من العلة المحضة أمر واحدٌ وهو الحذف بالطويل والهزج فيصير مفاعي فينقل إلى فعولن. ويدخله من العلة الجارية مجرى الز حا ف ث لاثة أشياء أحدها الخرم بالهزج فيصير فاعيلن فينقل إلى مفعولن، وثانيها الشَّتر بالهزج والمضارع فيصير فاعلن ويبقى على هذه الصيغة. وثالثها الخرب فيهما فيصير فاعيل فينقل إلى مفعولُ. فهذه ستة أجزاء تفرعت عن مفاعيلن. الجزء الثالث ((مفاعلتن)) وليس إلا في الوافر ويدخله من الزحاف العَصْب المهملة، فيصير مفاعلتن بإسكان اللام فينقل إلى مفاعيلن، والعقلُ فيصير مفاعتن فيعبر عنه بمفاعلن، والنقصُ فيصير مفاعلتُ بإسكان اللام فيعبر عنه بمفاعيل. ويدخله من العلة المحضة أمر واحد وهو القطف فيصير مفاعلْ فينقل إلى فعولن.
ويدخله من العلة الجارية مجرى الزحاف أربعة أشياء: أحدها العضب، بالضاد المعجمة، فيصير فاعلتن، فيعبر عنه بمفتعلن، وثانيها القصم فيصير فاعلتن، بإسكان اللام، فينقل إلى فعول فاعلتن، فيعبر عنه بمفتعلن، وثانيها القصم فيصير فاعلتن، بإسكان اللام، فينقل إلى فعولن، وثالثها الجمم فيصير فاعتن، فينقل إلى فاعلن، ورابعها العقص فيصير فاعلت فينقل إلى مفعول. فهذه ثمانية أجزاء متفرعة من هذا الأصل. الجزء الخامس فاعلن ويدخله من الزحاف الخبن بالمديد والبسيط فيصير فعلن، وبهذا يعبر عنه ويدخله من العلة المحضة القطع بالبسيط خاصةً فيصير فاعل فينقل إلى فعلن بإسكان العين، فهذان جزآن تفرعا من هذا الأصل. الجزء السادس مستفعلن ذو الوتد المجموع، ويدخله من الزحاف بالبسيط والرجز والسريع والمنسرح الخبن فيصير مُتفعلن فيعبر عنه بمفاعلن، والطي بها أيضاً وبالمقتضب فيصير مستعلن فيعبر عنه بمفتعلن، والخبل بما عدا المقتضب فيصير مُتعلن فينقل إلى فَعلتن. ويدخله من العلة المحضة شيئان أحدهما التذييل بالبسيط فيصير مستفعلنن، بنونين ساكنين، فينقل إلى مستفعلان، ويخبن هذا المذيلُ فيصير متفعلان فينقل إلى مفاعلان، ويطوى فيصير مستعلان فينقل إلى مفتعلان، ويخبل فيصير متعلان فينقل إلى فعلتان. وثانيهما القطع بالبسيط والرجز فيصير مسْتَعِل فينقل إلى مفعولن، ثم قد يخبن هذا المقطوع فيصير معولن فيعبر عنه بفعولن. فهذه تسعةُ أجزاء تفرعت من هذا الأصل. الجزء السابع فاعلاتن ذو الوتد المجموع، ويدخله من الزحاف بالمديد والرمل والخفيف والمجتث الخبن فيصير فَعلاتن فيبقى على هذه الضيغة، والكفُّ فاعلات فالجزء السابع فاعلاتن ذو الوتد المجموع، ويدخله من الزحاف بالمديد والرمل والخفيف والمجتث الخبن فيصير فَعلاتن فيبقى على هذه الضيغة، والكفُّ فاعلات فيبقى على ذلك، والشكل فيصير فَعِلاتُ فلا يحول إلى صيغة أخرى. ويدخله من العلة المحضة أربعة أشياء: أحدها
التسبيغ بالرّمل فيصير فاعلاتن بنون مشدَّدة موقوفٍ عليها فيعبر عنه عند الأكثرين بفاعليّان، وبعضهم يعبر عنه بفاعلانان، ثم قد يخبن هذا المسبّغُ فيعبر عنه بفعليّان. وثانيها القصر بالمديد والرمل فيصير فاعلاتْ بإسكان التاء فيعبر عنه بفاعلان بالنون الساكنة، ويخبن هذا المقصور بالرمل فيصير فَعِلان، وبذلك يعبر عنه. وثالثها الحذف فيهما وفي الخفيف فيصير فاعلا فينقل إلى فاعلن، ويخبن هذا المحذوف فيصير فَعلن، وكذلك ينطق بها. ورابعها البتر بالمديد فيصير فاعلْ فينقل إلى فَعْلن. ويدخله من العلة الجارية مجرى الزحاف التشعيث بالخفيف والمجتث فينقل إلى مفعولن عند كل قائل. فهذه أحدَ عشر فرعاً لهذا الأصل. الجزء الثامن متفاعلن ولا يقع إلا في الكامل، ويدخله من الزحاف الإضمار فيصير مُتفاعلن فيعبر عنه بمستفعلن، والوقص فيصير مُفاعلن بضم الميم فينقل إلى مفاعلن بفتحها، والخزل فيصير متُفْعِلن فينقل إلى مفْتَعِلن. ويدخله من العلة المحضة أربعة أشياء: أحدها الترفيل فيصير مُتَفاعلنتن فيعبرعنه بمفاعلاتن، ويضمر هذا المرّفل فيعبر عنه بمستفعلاتن، ويرقص فيعبر عنه بمفاعلاتن، ويخزل فيعبر عنه بمفتعلاتن. وثانيها التذييل فيصير مُتَفاعلنّ بتشديد النون فيعبر عنه بمُتفاعلان، ويضمر فيعبر عنه بمستفعلان، ويوقص فيعبر عنه بمفاعلان، ويخزل فيعبر عنه بمفتعلان. وثالثها القطع فيصير متفاعل فينقل إلى فعلاتن، ويضمر هذا المقطوع فيصير فعلاتن، بإسكان العين فينقل إلى مفعولٌ. ورابعها حذذ فيصير متفا فينقل إلى فعلن مكسور العين، ويضمر هذا الأحذّ فيصير متفا فينقل إلى فعلن بسكون العين فهذه خمسة عشر فرعاً تفرعت من هذا الأصل. الجزء التاسع مفعولات، ويدخله من الزحاف الخبن بالمنسرح والمقتضب فيصير معولات فينقل إلى فعولات، والطي فيهما فيصير مفعلات فينقل إلى فاعلات، والخبل في المنسرح فيصير معلات فينقل إلى فعلات فيدخله من العلة المحضة ثلاثة أشياء: أحدها
الوقف بالسريع والمنسرح فيصير مفعولات بإسكان التاء فيعبر عنه بمفعولان وبالنون الساكنة، فيخبن فيها فيصير معولان فيعبر عنه بفعولان ويطوى في السريع فيصير مفعلات فينقل إلى فاعلان وثانيهما الكشف بالسريع والمنسرح فيصير مفعولن فيعبر عنه بمفعولن ويخبن فيصير معولن فيعبر عنه بفعولن ويطوى بالسريع فيصير مفعلا فينقل
إلى فاعلن ويخبل فيصير معلا فينقل إلى فعلن بتحريك العين. وثالثها الصلم بالسريع فيصير مفعو فيعبر عنه بفعل بإسكان العين، فهذه إحدى عشر جزءاً تفرعت من هذا الأصل الجزء العاشر مستفع لن ذو الوتد المفروق، ويدخله من الزحاف بالخفيف والمجتث والخبن فيصير متفع لن فيعبر بمفاع لن، والكف فيصير مستفع لُ فيعبر عنه بذلك ولا تغير الصيغة، والشكل فيصير متفع لُ فيعبر عنه بمفاع لُ. ويدخله من العلل المحضة علة واحدة وهي القصر مقروناً بالخبن فيصير متفع لُ فينقل إلى فعولن، ولا يكون ذلك إلا في الخفيف إذا كان مجزوءاً، فهذه أربعة أجزاء فروع نشأت عن هذا الأصل.
وهنا انتهى التفريع وقد استبان لك أن جميع الفروع ثلاثة وسبعون جزءاً ناشئة عن العشرة الأصول السالمة من التغيير فتكون جملة الأجزاء التي يوزن بها عند العروضيين في البحور الخمسة عشر ثلاثة وثمانين جزءاً ما بين أصلي وفرعي. ثم هذه الفروع كما أسلفناه على قسمين: القسم الأول ما لا يشتبه بغيره أصلاً وهي تسعة عشر جزءاً: فعولُ وفعولْ وفعلْ وفعلَ وفلَ وفعلتانْ وفعلانْ وفاعليانْ وفعليانْ ومتفاعلاتنْ ومستفعلاتنْ ومفاعلاتنْ ومفتعلاتنْ ومتفاعلانْ ومفعولانْ وفعولانْ ومستفعِ لُ ومفاعِ لُ.
القسم الثاني ما يشتبه بغيره، ثم هو على ثلاثة أضرب: ما يشتبه بسالم فقط، وما يشتبه بمغير فقط، وما يشتبه بمغير وسالم. فالضرب الأول جزآن ليس إلا، وهما مفاعلتن المعصوب يشتبه بمفاعلين ومتفاعلن المضمر يشتبه بمستفعلن. وأما ما لا يكون مختصاً بالاشتباه بالسالم فإنه على خمس مراتب: المرتبة
الأولى أن يكون الجزء المغير له مثل واحد، ولها سبعة أجزاء الأول: مفعولن أخرب مفاعلين وأعقص مفاعلتن، الثاني مستفعلان مذيل مستفعلن ومضمر متفاعلن المذال، الثالث مفاعلان مخبون مستفعلن المذيل، وموقوص متفاعلن المذيل، الرابع مفتعلان مطوي مستفعلن المذيل، وموقوص متفاعلن المذيل، الرابع مفتعلان مطوي مستفعلن المذيل، ومخزول متفاعلن المذيل، الخامس فعلاتن مخبون فاعلاتن ومقطوع متفاعلن، السادس فعلات مشكول فاعلاتن، مخبول مفعولات، السابع فاعلان مقصور فاعلاتن ومطوى مفعولات الموقوف.
المرتبة الثانية أن يكون الجزء المغير له مثلان، وفي هذه المرتبة ثلاثة أجزاء: الأول مفاعيل مكفوف مفاعيلن ومنقوص مفاعلتن ومخبون مفعولات، الثاني مفتعلن مطوي مستفعلن ومعصوب مفاعلتن ومخزول متفاعلتن، الثالث فاعلات مكفوف فاعلاتن ذي الوتد المجموع ومكفوف فاع لاتن ذي الوتد المفروق ومطوى مفعولات.
المرتبة الثالثة أن يكون الجزء المغير له ثلاثة أمثال، ولهذه المرتبة جزآن: الأول فاعلن أشتر مفاعيلن وأجم مفاعلتن ومحذوف فاعلاتن ومطوى مفعولات المكشوف، الثاني فعلن بتحريك العين مخبون فاعلن ومخبول مفعولات المكشوف، الثاني فعلن بتحريك العين مخبون فاعلن ومخبول مفعولات المكشوف ومخبون فاعلاتن المحذوف وأحد متفاعلن.
المرتبة الرابعة أن يكون الجزء المغير له أربعة أمثال، ولهذه المرتبة ثلاثة أجزاء: الأول فعلن بإسكان العين، أثلم فعولن ومقطوع فاعلن وأبتر فاعلاتن وأصلم مفعولات ومضمر متفاعلن الأحذ. الثاني مفاعلن مقبوض مفاعلين ومخبون مستفعلن ذي الوتد المجموع وذي الوتد المفروق ومعقول مفاعلتن وموقوص متفاعلن. الثالث فعولن محذوف مفاعلين ومخبون مستفعلن المقطوع ومقطوف مفاعلتن ومخبون مفعولات المكشوف ومخبون مستفع لن المقصور.
المرتبة الخامسة أن يكون الجزء المغير له خمسة أمثال، ولهذه المرتبة جزء واحد وهو مفعولن، فإنه يكون أخرم مفاعلين ومقطوع مستفعلن ومشعث فاعلاتن وأقصم مفاعلتن ومضمر متفاعلن المقطوع ومكشوف مفعولات.
وهنا انتهى تعداد المراتب. ولا يخفى عليك أن الأجزاء الثلاثة والثمانين التي قدمنا أنها جملة التفاعيل الموزون بها إنما يأتي تعديدها كذلك باعتبار ما طرأ من التغييرات التي أسلفناها مع قطع النظر عن الاشتباه وعدمه، فإن رمت ضبطها بغير تكرار فاعلم أنها ثلاثة وأربعون جزأً ليس إلا، وهو الأصول العشرة والتسعة عشر فرعاً التي لا تشتبه بغيرها، وأجزاء المرتبة الأولى وهي سبعة، وأجزاء المرتبة الثانية مفاعلين ومتفعلن وفاعلات، والجزء الثاني من المرتبة الثالثة وهي فعلن المتحركة بالعين، وجزآن من المرتبة الرابعة وهما فعلن الساكن العين ومفاعلن، وجزء المرتبة الخامسة وهو مفعولن.
فإذا أراد عروضيّ أن يزن شيئاً من الشعر العربي لم يخرج عن هذه الثلاثة الأربعين جزءاً، ولا يمكنه إلا الإيتان ببعضها عند التفعيل فتأمل ذلك والله تعالى أعلم بالصواب.
ولنختم الكلام في فن العروض بفصل ذكره ابن برىّ التازي في شرحه لعروض ابن السقاط فنورده برمته لاشتماله على فوائد لا بأس بالإحاطة بها علماً. قال: وقد تجافى بعض المتعسفين عن هذا العلم ووضعوا منه واعتقدوا أن لا جدوى له واحتجوا بأن صانع الشعر إن كان مطبوعاً على الوزن فلا حاجة له بالعروض كما لم يحتج إليه من سبق الخليل من العرب وإن كان غير مطبوع فلا يتأتى له نظم العروض إلا بتكلف ومشقة، كما قال أبو فراس الحمداني:
تناهض الناسُ للمعالي
لمّا رأوا نحوها نهوضي
تكلفوا المكرمات كدّاً
تكلفَ النظم بالعروض
ولأن بعض كبراء الشعراء لم يقف عندما حدَّه الخليل وحصره من الأعاريض بل تجاوزها. ولمّا قال العتاهية أبياته التي أولها:
عُتْبُ ما للخيال
خبريني ومالي
قيل له إنك خرجت عن العروض فقال أنا سبقت العروض. ولأنه يُخرج بديع الألفاظ ورائق السبك إلى الاستبراد والركاكة، وذلك حالة التقطيع والتفعيل، وربما أوقع المرء في مهوى الزلل ومقام الخجل بما يتحول إليه ضوغ البنية من منكر الكلام وشنيع الفحش، كما جرى في مداعبة أبي نواس وعنان جارية الناطفي حين قالت إن كنت تحسن النظر في العروض فقطع هذا البيت:
حوَّلوا عنا كنيستكم
يا بني حمّالة الحطبِ
فقطعه فضحكت منه، وفعل بها مثل ذلك في تقطيع قوله:
أكلتُ الخردل الشّاميّ
في صفحةِ خبّازِ
وقد صرح الجاحظ وهو من علماء اللسان بذمّ علم العروض فقال: هو علم مولّد وأدب مستبرد ومذهبٌ مرذول يستنكد العقول بمستفعلن وفعول من غير فائدةٍ ولا محصول. والجواب أن الحق الذي به كل منصف أن لهذا العلم شرفاً على ما سواه من علوم الشعر لصحة أساسه واطراد قياسه ونُبل صنعته ووضوح أدلّته. وجدواه حصر أصول الأوزان ومعرفة ما يعتريها من الزيادة والنقصان وتبيين ما يجوز منها على حسن أو قبح وما يمتنع، وتفقدُ محالٌ المعاقبة والمراقبة والخرم والخزم وغير ذلك مما لا يتزن على اللسان ولا تتفطن إليه الفِطرُ والأذهان، فالجاهل بهذا العلم قد يظن البيت من الشعر صحيح الوزن سليما من العيب وليس كذلك، وقد يعتقد الزّحاف السائغ كسراً وليس به كقوله:
قلتُ استجيبي فلما لم تُجبْ
سالت دموعي على ردائي
وقول الآخر:
عيناك دمعها سِجالُ
كأن شأنيهما أوشالُ
وقول الآخر:
النشرُ مسكٌ والوجوهُ دنا
نير وأطراف الأكفّ عنمْ
وقول الآخر: شمنازلٌ عفا هُنّ بذي الأرا_ك كلُّ وابلٍ مُبلٍ هطلِ وقول الآخر:
صرمتكَ أسماءُ بعد وصالها فأصبحت مكتئباً حزينا
فهذه أبيات كلها صحيحة الوزن سائغة مستعملة عند العرب مع أن الطبع ينبو عنها، ولا يدرك جوازها إلا من نظر في هذا العلم. وهل علم العروض للشعر إلا بمثابة علم الإعراب للكلام؟ فكما أن صنعة النحو وضعت ليعافى بها اللسان من فضيحة اللحن فكذلك علم العروض وضع ليعافى به الشعر من خلل الوزن، فلولاه لاختلطت الأوزان واختلفت الألحان وانحرفت الطباع عن الصواب انحراف الألسنة عن الإعراب. وقد وقع الخلل في شعر العرب كثيراً، وأنشد الأصمعي وأبو عبيدة وابن دريد وابن قًتيبة وغيرهم من كبار الأئمة بيتَ عبيد بن الأبرص هكذا مكسوراً:
هي الخمر تكنى الطَّلا كما الذئب يُكنى أبا جعدهْ
ووقع في شعر علقمة قوله في فكه أخاه شأساً:
دافعت عنه بشعري إذْ كان في الفداء جحدْ
فكان فيه ما أتاك وفي تسعين أسري مقرنين صفد
دافع قومي في الكتيبة إذ طار لأطراف الظباة وقد
فأصبحوا عند ابن حَفنةَ في الأغلال منهم والحديد عُقَدْ
إذ مُخنبٌ في المُخنبينَ وفي النَّهكة غَيٌّ باديٌ ورشد
فهذه القطعة مما أُدخلت في جملة شعره وهي مختلة الوزن حتى قال بعضهم إنها ليست بشعر. وأنشد ابن إسحق في كتاب السيرة لأمية بن أبي الصلت يبكي زمعةَ ابن الأسود وقتلى بني أسد:
عيني بكِّي بالمُسبِلات أبا الحارث لا تذخري على زمعه
ابكي عقيل بن الأسودِ أَسَدَ البأسِ ليوم الهياج والدّفَعَهْ
تلك بنو أَسَدٍ إخوةُ الجوزاء لا خانةٌ ولا خدعهْ
وهم الأسرة الوسيطة من كَعبٍ وهم ذروةُ السّنام والقمعهْ
وهم أنبتوا من معاشرٍ شَعَرَ الرأس وهم ألحقوهم المنعهْ
أمسى بنو عمهم إذ حضرَ البأسُ أكبادهم عليهم وجعهْ
وهُمْ هُمُ المطعون إذْ قحط القطرُ وحالت فلا ترى قَزَعَهْ
ولا حجة في ذمّ الجاحظ لهذا العلم، فقد مدحه أيضاً وإنما أراد بذلك إظهار الاقتدار على جمع المدح والذم في شيءٍ واحد فقال في مدحه: هو علمُ الشعر ومعياره، وقطبه الذي عليه مداره، به يُعرف الصحيح من السقيم والعليلُ من السليم، وعليه تبتني قواعد الشعر، وبه يَسلَمُ من الأود والكسر. وإنما يضع من هذا العلم من نبا طبعه البليد عن قبوله ونأى به فهمه البعيد عن وصوله. كما حكى الأصمعي أن اعرابياً مبتدئاً كان يجلس إلى بعض الأدباء وكلما أخذوا في الشعر أقبل بسمعه عليهم، حتى أخذوا في العروض وتقطيع الأبيات ولّى عنهم وهو ينشد:
قد كان إنشادهم للشعر يعجبني حتى تعاطوا كلام الزَّنج والرومِ
ولّيت منقلبا والله يعصمني من التّقحم في تلك الجراثيمِ
ولما وضع الخليل رحمه الله كتاب العروض، وأعمل فكره في تقطيع الأبيات وفكّ الدوائر دخل عليه أخوه وهو مُكبّ على دائرةٍ خَطّها وجعلها نُصبَ عينيه وهو يعالجُ فكّها بأجزاء التفعيل نادى قومه فقال هلموا فقد جُن الخليل فلمّا فرغ مما كان من ذلك صرف إلى أخيه وأنشد:
لو كنتُ تعلم ما أقول عَذَرتَني أو كنت أجهل ما تقولُ عذَلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهلٌ فعذَرتُكما
وحكى صاحب العقد أن الخليل إنما أَنشد هذين البيتين حين سأله ابن كيسان عن شيءٍ ففكر فيه الخليل يجيبه فلما استفتح الكلام قال ابن كيسان: لا أدري ما تقول، فأنشده إياهما. ورأيت في كتاب ((الزينة)) أن بعض أهل العلم ذكر أن الخليل أخذ رسم العروض من أصحاب محمد بن على ومن أصحاب علي بن الحسين. انتهى هذا الفصل الخاتم بفَصِّه وانقضى سَوقُ الحديث على نصه. فلنعد إلى كلام الناظم رحمه الله تعالى.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|