أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-5-2019
12528
التاريخ: 30-4-2019
4883
التاريخ: 11-6-2019
2048
التاريخ: 23-5-2019
3636
|
قال تعالى : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف : 158 ، 159] .
قال تعالى : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف : 158] .
أمر الله سبحانه ، نبينا ، أن يخاطب جميع الخلق من العرب والعجم ، فقال : {قل يا أيها الناس إني رسول الله} أرسلني {إليكم جميعا} أدعوكم إلى توحيده وطاعته ، واتباعي فيما أؤديه إليكم ، وإنما ذكر جميعا للتأكيد ، وليعلم أنه مبعوث إلى الكافة {الذي له ملك السماوات والأرض} معناه : الذي له التصرف في السماوات والأرض ، من غير دافع ، ومنازع {لا إله} أي : لا معبود {إلا هو} ولا شريك له في الإلهية {يحيي} الأموات {ويميت} الأحياء لا يقدر أحد على الإحياء والإماتة ، سواه لأنه لو قدر أحد على الإماتة ، لقدر على الإحياء ، فإن من شأن القادر على الشئ ، أن يكون قادرا على ضده {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله} يعني لم يأمركم بالإيمان حتى آمن هو أولا ، وعليه زيادة التكليف من أداء الرسالة ، وبيان الشرائع ، والقيام بالدعوة {وكلماته} أي : يؤمن بكلماته من الكتب المتقدمة ، والوحي ، والقرآن {واتبعوه لعلكم تهتدون} أي : لكي تهتدوا إلى الثواب والجنة .
- { وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف : 159] .
ثم عاد الكلام إلى قصة بني إسرائيل ، فقال سبحانه : {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق} أي : جماعة يدعون إلى الحق ، ويرشدون إليه {وبه يعدلون} أي : وبالحق يحكمون ، ويعدلون في حكمهم . واختلف في هذه الأمة من هم على أقوال أحدها : إنهم قوم من وراء الصين ، وبينهم وبين الصين واد جار من الرمل ، لم يغيروا ، ولم يبدلوا ، عن ابن عباس ، والسدي ، والربيع ، والضحاك ، وعطاء ، وهو المروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام . قالوا : وليس لأحد منهم مال دون صاحبه ، يمطرون بالليل ، ويصحون بالنهار ، ويزرعون ، لا يصل إليهم منا أحد ، ولا منهم إلينا . وهم على الحق . قال ابن جريج : بلغني أن بني إسرائيل ، لما قتلوا أنبياءهم ، وكفروا وكانوا اثنتي عشرة سبطا ، تبرأ سبط منهم مما صنعوا ، واعتذروا ، وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ، ففتح الله لهم نفقا من الأرض ، فساروا فيه سنة ونصف سنة ، حتى خرجوا من وراء الصين ، فهم هناك حنفاء مسلمون ، يستقبلون قبلتنا ، وقيل : إن جبرائيل انطلق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المعراج إليهم ، فقرأ عليهم من القرآن عشر سور نزلت بمكة ، فآمنوا به ، وصدقوه ، وأمرهم أن يقيموا مكانهم ، ويتركوا السبت ، وأمرهم بالصلاة والزكاة ، ولم يكن نزلت فريضة غيرهما ففعلوا ، قال ابن عباس : وذلك قوله : {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا} يعني عيسى بن مريم يخرجون معه .
وروى أصحابنا أنهم يخرجون مع ، قائم آل محمد . وروي أن ذا القرنين رآهم ، وقال : لو أمرت بالمقام لسرني أن أقيم بين أظهركم وثانيها : إنهم قوم من بني إسرائيل ، تمسكوا بالحق ، وبشريعة موسى عليه السلام ، في وقت ضلالة القوم ، وقتلهم أنبياءهم ، وكان ذلك قبل نسخ شريعتهم بشريعة عيسى عليه السلام ، فيكون تقدير الآية :
ومن قوم موسى أمة كانوا يهدون بالحق ، عن أبي علي الجبائي ، وأنكر القول الأول ، وقال : لو كانوا باقين ، لكانوا كافرين بجحد نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس هذا بشيء ، لأنه لا يمتنع أن يكون قوم لم يبلغهم دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا يحكم بكفرهم ، ويمكن أن يكون بلغهم خبر النبوة وآمنوا وثالثها : إنهم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل عبد الله بن سلام ، وابن صوريا ، وغيرهما .
وفي حديث أبي حمزة الثمالي ، والحكم بن ظهير : (إن موسى عليه السلام لما أخذ الألواح ، قال : رب إني لأجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، فاجعلهم أمتي؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إني لأجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق ، السابقون في دخول الجنة ، فاجعلهم أمتي؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : رب اني لأجد في الألواح أمة كتبهم في صدورهم يقرأونها ، فاجعلهم أمتي؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إني لأجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول ، وبالكتاب الآخر ، ويقاتلون الأعور الكذاب (2) ، فاجعلهم أمتي؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إني أجد في الألواح أمة ، إذا هم أحدهم بحسنة ، ثم لم يعملها ، كتبت له حسنة ، وإن عملها كتبت له عشرة أمثالها ، وإن هم بسيئة ، ولم يعملها لم يكتب عليه ، وإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة ، فاجعلهم أمتي؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إني أجد في الألواح أمة هم الشافعون ، وهم المشفوع لهم ، فاجعلهم أمتي؟ قال : تلك أمة أحمد . قال موسى : رب اجعلني من أمة أحمد صلى الله عليه وآله وسلم؟) .
قال أبو حمزة : فأعطي موسى آيتين لم يعطوها يعني أمة أحمد . قال الله : {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} ، وقال : {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} قال : فرضي موسى عليه السلام كل الرضا .
__________________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 375-378 .
2 . أريد به الدجال .
{قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} . هذه الآية مكية في سورة مكية ، وهي تكذب الذين قالوا : ان محمدا حين كان ضعيفا قال : أنا رسول اللَّه لأهل مكة ومن حولها ، وبعد أن صار قويا قال : أنا رسول اللَّه للناس أجمعين . وأجبنا هؤلاء بردود قاطعة عند تفسير الآية 92 من سورة الأنعام .
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأَرْضِ لا إِلهً إِلَّا هُوَ يُحيِي ويُمِيتُ} . تؤكد هذه الآية وكثير غيرها من الآيات انه لا واسطة بين اللَّه وعباده ، وان الملك والأمر للَّه وحده . . فمحمد ، وان كان مرسلا لجميع الناس في كل زمان ومكان وأشرف الخلق وخاتم النبيين وسيدهم ، ولكنه لا يملك لنفسه شيئا فضلا أن يملك لغيره : قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا ولا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ - 49 يونس .
وقد تكرر هذا المعنى في العديد من الآيات ، والقصد هو تعريف المسلمين بحقيقة محمد (صلى الله عليه وآله) وانه بشر مثلهم ، كيلا يغالوا فيه ، كما غالى النصارى بالسيد المسيح (عليه السلام) . وكفى بكلمة لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه التي يكررها المسلم ليل نهار ، كفى بها دليلا على تنزيه المسلمين من الغلو ، وايمانهم بأن محمدا لا يملك من الأمر إلا الرسالة والتبليغ .
{فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وكَلِماتِهِ واتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} . ان قوله : فاتبعوه بعد قوله : فآمنوا باللَّه ورسوله ، دليل على ان مجرد الإيمان لا يجدي شيئا ما لم يكن معه عمل بكتاب اللَّه وسنة رسوله . راجع فقرة لا ايمان بلا تقوى ج 1 ص 314 الآية 212 من سورة البقرة .
بين الصهيونية واليهودية :
{ومِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ} . قال الرازي : اختلفوا في ان هذه الأمة متى حصلت ؟ . وفي أي زمان كانت ؟ . فقيل : هم اليهود الذين آمنوا بمحمد (صلى الله عليه وآله) كعبد اللَّه بن سلام ، وابن صوريا . . وقيل : انهم قوم ثبتوا على دين موسى ، ولم يحرفوه كما فعل غيرهم من بني إسرائيل الذين أحدثوا البدع .
ونحن نميل إلى أن هؤلاء كانوا في عهد موسى ، ثم انقرضوا كما يومئ قوله تعالى : {مِنْ قَوْمِ مُوسى} أما ابن سلام وابن صوريا فلا يقال لهما ولا لعشرة مثلهما أمة وطائفة . . وعلى أية حال ، فإن القرآن قد نعت اليهود بكل قبيح ، وألصق بهم وبتاريخهم العار والشنار في العديد من آياته . . وان دل قوله : {مِنْ قَوْمِ مُوسى} على شيء فإنما يدل على ان لكل قاعدة شواذ ، وبديهة ان الشاذ النادر لا ينقض القاعدة ، بل يؤكدها ؟ .
وبصرف النظر عن الذكر الحكيم وآياته فهل الفساد والضلال بعيد عن طبيعة اليهود وسيرتهم ؟ . وهل اليهود منزهون عن الضلال والافتعال ؟ . بل هل في تاريخ اليهود بادرة واحدة فقط لا غير تعشر بالخير : .
ورب قائل : ان الفساد والضلال وصف لازم للصهيونية لأنها حركة عنصرية فاشيّة سياسية تهدف إلى خدمة الاستعمار وانتشاره ، أما اليهودية فإنها ديانة كغيرها من الديانات ! . .
ونجيب أولا : ما يدرينا ان المصدر الذي أوحى بهذا الفارق هم اليهود أنفسهم ليدفعوا عنهم ما لصق بهم وبتاريخهم القديم والحديث من العار والشنار على وجه العموم . . راجع فقرة الصهاينة تواطئوا مع النازية في تفسير الآية 64 من المائدة .
ثانيا : على فرض وجود الفارق بين اليهود والصهيونية - وهو فرض محل نظر - فهل اليهود بوجه العموم راضون أو ناقمون على الصهيونية التي أوجدت عصابة مسلحة باسم إسرائيل لا تهدف إلى شيء إلا إلى حماية مصالح الاستعمار ، وضرب القوى التحررية ؟ . . ولما ذا ناصر اليهود هذه العصابة الصهيونية ، ومدوها بالأموال والأرواح ، وتطوعوا بالألوف ذكورا وإناثا في حرب 5 حزيران سنة 1967 بعد أن تدربوا وتمرنوا على استعمال الأسلحة الجهنمية ؟ . ثم الا يؤمن اليهود دينا وعقيدة بأنهم شعب اللَّه المختار ، وان اللَّه متحيز معهم ضد جميع الناس ، وانه قد حرم دماءهم ، وأحل لهم دماء البشرية جمعاء ، وانهم وضعوا قوانينهم ونظمهم على هذا الأساس ، والقوة المنفذة عصابة إسرائيل ؟ .
وبعد ، فإن اليهودية كديانة نزلت من السماء على موسى (عليه السلام) قد ذهبت وباد أهلها ، ولم تبق منهم باقية ، كما باد غيرها من الديانات ، وان يهود اليوم صهاينة إلا من شذ ، والشاذ - كما قدمنا - لا يقاس عليه .
____________________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 405-407 .
قوله تعالى : ﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا - إلى قوله - ويميت﴾ لما لاح من الأوصاف التي وصف بها نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن عنده كمال الدين الذي به حياة الناس الطيبة في أي مكان فرضوا وفي أي زمان قدر وجودهم ، ولا حاجة للناس في طيب حياتهم إلى أزيد من أن يؤمروا بالمعروف ، وينهوا عن المنكر ، وتحلل لهم الطيبات ، وتحرم عليهم الخبائث ، ويوضع عنهم إصرهم والأغلال التي عليهم أمر نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعلن بنبوته الناس جميعا من غير أن تختص بقوم دون قوم فقال : ﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا﴾ .
وقوله : ﴿الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت﴾ صفات وصف الله بها ، وهي بمجموعها بمنزلة تعليل يبين بها إمكان الرسالة من الله في نفسها أولا وإمكان عمومها لجميع الناس ثانيا فيرتفع به استيحاش بني إسرائيل أن يرسل إليهم من غير شعبهم وخاصة من الأميين وهم شعب الله ومن مزاعمهم أنه ليس عليهم في الأميين سبيل ، وهم خاصة الله وأبناؤه وأحباؤه ، وبه يزول استبعاد غير العرب من جهة العصبية القومية أن يرسل إليهم رسول عربي .
وذلك أن الله الذي اتخذه رسولا هو الذي له ملك السماوات والأرض والسلطنة العامة عليها ، ولا إله غيره حتى يملك شيئا منها فله أن يحكم بما يشاء من غير أن يمنع عن حكمه مانع يزاحمه أو تعوق إرادته إرادة غيره فله أن يتخذ رسولا إلى عباده وأن يرسل رسوله إلى بعض عباده أو إلى جميعهم كيف شاء وهو الذي له الإحياء والإماتة فله أن يحيي قوما أو الناس جميعا بحياة طيبة سعيدة والسعادة والهدى من الحياة كما أن الشقاوة والضلالة موت ، قال تعالى : ﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم﴾ الأنفال : 24 ، وقال : ﴿أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس﴾ الأنعام : 122 ، وقال : ﴿إنما يستجيب الذين يسمعون ، والموتى يبعثهم الله﴾ الأنعام : 36 .
قوله تعالى : ﴿فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي﴾ إلى آخر الآية تفريع على ما تقدم أي إذا كان الحال هذا الحال فآمنوا بي فإني ذاك الرسول النبي الأمي الذي بشر به في التوراة والإنجيل ، وأنا أومن بالله ولا أكفر به وأومن بكلماته وهي ما قضى به من الشرائع النازلة علي وعلى الأنبياء السالفين ، واتبعوني لعلكم تفلحون .
هذا ما يقتضيه السياق ، ومنه يعلم وجه الالتفات من التكلم إلى الغيبة في قوله ﴿ورسوله النبي الأمي الذي﴾ الآية فإن الظاهر من السياق أن هذه الآية ذيل الآية السابقة ، وهما جميعا من كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ووجه الالتفات - كما ظهر مما تقدم - أن يدل بالأوصاف الموضوعة مكان ضمير المتكلم على تعليل الأمر في قوله : ﴿فآمنوا﴾ وقوله : ﴿واتبعوه لعلكم تهتدون﴾ .
والمراد بالاهتداء الاهتداء إلى السعادة الآخرة التي هي رضوان الله والجنة لا الاهتداء إلى سبيل الحق فإن الإيمان بالله ورسوله واتباع رسوله بنفسه اهتداء ، فيرجع معنى قوله : ﴿لعلكم تهتدون﴾ إلى معنى قوله في الآية السابقة في نتيجة الإيمان والاتباع : ﴿أولئك هم المفلحون﴾ .
قوله تعالى : ﴿ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ وهذا من نصفة القرآن مدح من يستحق المدح ، وحمد صالح أعمالهم بعد ما قرعهم بما صدر عنهم من السيئات فالمراد أنهم ليسوا جميعا على ما وصفنا من مخالفة الله ورسوله ، والتزام الضلال والظلم بل منهم أمة يهدون الناس بالحق وبالحق يعدلون فيما بينهم فالباء في قوله : ﴿بالحق﴾ للآلة وتحتمل الملابسة .
وعلى هذا فالآية من الموارد التي نسبت الهداية فيها إلى غيره تعالى وغير الأنبياء والأئمة كما في قوله حكاية عن مؤمن آل فرعون ولم يكن بنبي ظاهرا : ﴿وقال الذي آمن يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد﴾ المؤمنون : 38 .
ولا يبعد أن يكون المراد بهذه الأمة من قوم موسى (عليه السلام) الأنبياء والأئمة الذين نشئوا فيهم بعد موسى وقد وصفهم الله في كلامه بالهداية كقوله تعالى : ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون﴾ السجدة : 24 وغيره من الآيات وذلك أن الآية أعني قوله : ﴿أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ لو حملت على حقيقة معناها من الهداية بالحق والعدل بالحق لم يتيسر لغير النبي والإمام أن يتلبس بذلك وقد تقدم كلام في الهداية في تفسير قوله تعالى : ﴿قال إني جاعلك للناس إماما﴾ البقرة 124 وقوله : ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره﴾ الأنعام : 125 .
وغيرهما من الآيات .
____________________________
1. تفسير الميزان ، ج8 ، ص ٢٨٣ - 285 .
قال تعالى : {قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف : 158] .
دعوة النّبي العالميّة :
جاء في حديث عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : يا محمّد ، أنت الذي تزعم أنّك رسول الله ، وأنّك الذي يوحى إليك كما يوحى إلى موسى بن عمران؟ فسكت النّبي ساعة ثمّ قال : «نعم أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، وأنا خاتم النّبيين ، وإمام المتقين ، ورسول ربّ العالمين.» قالوا : إلى من ، إلى العرب أم إلى العجم ، أم إلينا؟ فأنزل الله هذه الآية التي صرّحت بأنّ رسالة النّبي صلى الله عليه وآله وسلم رسالة عالمية (2) .
ولكن مع ذلك لا يمكن إنكار ارتباط هذه الآية بالآية السابقة المتعلقة بصفات النّبي صلى الله عليه وآله وسلم والدعوة إلى اتباع دينه وشريعته .
وفي البداية يأمر الله تعالى رسول الله قائلا : {قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} .
إنّ هذه الآية مثل آيات كثيرة أخرى من القرآن الكريم دليل واضح على عالمية دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي الآية (28) من سورة «سبأ» أيضا نقرأ : {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} .
وفي الآية (19) من سورة الأنعام أيضا نقرأ : {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} أي بلغه القرآن .
وفي مطلع سورة الفرقان نقرأ : {تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً} فهو أرسل إلى الناس كافة ليحذرهم من المسؤوليات.
هذه نماذج من الآيات التي تشهد بعالمية دعوة الرّسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وسوف نبحث حول هذه المسألة أيضا في ذيل الآية (7) من سورة الشورى ، وقد مر لنا في ذيل الآية (92) من سورة الأنعام ـ أيضا ـ بحث مبسوط نوعا ما في هذا الصعيد .
ثمّ إنّه وصف الإله الذي يدعو إليه النّبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث صفات :
1 ـ {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} فله الحاكمية المطلقة .
2 ـ {لا إِلهَ إِلَّا هُوَ} فلا معبود يليق للعبادة سواه .
3 ـ {يُحيِي وَيُمِيتُ} بيده نظام الحياة والموت .
وبهذه الطريقة تنفي هذه الآية ألوهية غير خالق السماوات والأرض ، وألوهيّة كل صنم ، وكذا تنفي التثليث المسيحي ، كما وتؤكّد على رسالة النّبي العالمية وقدرة الله تعالى على أمر المعاد .
وفي الختام تدعو جميع أهل العالم إلى الإيمان بالله وبرسوله الذي لم يتعلّم القراءة والكتابة والقائم من بين الناس {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِ} .
النّبي الذي لا يكتفي بدعوة الآخرين إلى هذه الحقائق فحسب ، بل يؤمن هو في الدرجة الأولى ـ بما يقول ، يعني الإيمان بالله وكلماته {الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ} .
إنّه لا يؤمن فقط بالآيات التي نزلت عليه ، بل يؤمن بجميع الكتب الحقيقة للأنبياء السابقين .
إنّ إيمانه بدينه والذي يتجلى من خلال أعماله وتصرّفاته دليل واضح على حقانيته ، لأن عمل الآمر بشيء يعكس مدى إيمانه بما يأمر به ويدعو إليه. وإيمانه بقوله أحد الأدلة على صدقه. إنّ تأريخ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم برمّته يشهد بهذه الحقيقة وهي أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان أكثر من غيره التزاما بالتعاليم التي جاء بها.
أجل ، لا بدّ لكم من اتّباع مثل هذا النّبي حتى تسطع أنوار الهداية على قلوبكم ، لتهتدوا إلى طريق السعادة {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} .
وهذا إشارة إلى أنّه لا يكفي مجرّد الإيمان ، وإنما يفيد الإيمان إذا اقترن بالاتباع العمليّ .
والجدير بالالتفات إلى أن الآية الحاضرة نزلت في مكّة يوم كان المسلمون يشكلون أقلية صغيرة جدّا بحيث إنّه قلّما كان هناك من يحتمل أن يسيطر النّبي صلى الله عليه وآله وسلم على مكّة فضلا عن جزيرة العرب ، أو قسم كبير من العالم .
وعلى هذا الأساس ، فإنّ الذين يتصورون أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ادعى في البداية تبليغ الرسالة لأهل مكّة فقط ، وعند ما انتشر دينه وعلا أمره فكر في السيطرة على الحجاز ، ثمّ فكر في البلاد الأخرى ، وراسل ملوك العالم وأمراءه وقادته ، وأعلن عن رسالته العالمية. تجيب الآية الحاضرة التي نزلت في مكّة على كل تصوراتهم هذه ، فهي تصرح في غير إبهام ولا غموض بأنّه صلى الله عليه وآله وسلم أعلن عن دعوته العالمية منذ البداية .
- {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف : 159] .
جانب من نعم الله على بني إسرائيل :
في الآيات الحاضرة إشارة إلى حقيقة رأينا نظيرها في القرآن الكريم ، وهذه الحقيقة هي تحري القرآن للحق ، واحترامه لمكانة الأقليات الدينية الصالحة ، يعني أنّه لم يكن ليصف جميع بني إسرائيل بأسرهم بالفساد والإفساد ، وبأنّ هذا العزق القومي برمته ضالّ متمرد من دون استثناء ، بل اعترف بأن منهم أقلية صالحة غير موافقة على أعمال الأكثرية ، وقد أولى القرآن الكريم اهتماما خاصا بهؤلاء فيقول : {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} .
إنّ هذه الآية قد تشير إلى فريق صغير لم يسلّموا للسامريّ ودعوته ، وكانوا يدافعون عن دين موسى دائما وأبدا ، أو إلى الفرق والطوائف الصالحة الأخرى التي جاءت بعد موسى عليه السلام.
ولكن هذا المعنى يبدو غير منسجم مع ظاهر الآية ، لأن «يهدون» و «يعدلون» فعل مضارع ، وهو على الأقل يحكي عن زمان الحال ، يعني عصر نزول القرآن ، ويثبت وجود مثل هذا الفريق في ذلك الزمان ، إلّا أن نقدّر فعل «كان» فتكون الآية إشارة إلى الزمان الماضي ، ونعلم أن التقدير من دون قرينة خلاف الظاهر.
وكذلك يمكن أن يكون ناظرا إلى الأقلية اليهودية الذين كانوا يعيشون في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذين اعتنقوا الإسلام تدريجا وبعد مطالعة دعوة النّبي ومحتوى رسالته ، وانضموا إلى صفوف المسلمين الصادقين . وهذا التّفسير ينسجم أكثر مع ظاهر الفعلين المضارعين المستعملين فيها.
وما جاء في بعض روايات الشيعة والسنة من أنّ هذه الآية إشارة إلى فريق صغير من بني إسرائيل يعيشون فيما وراء الصين ، عيشة عدل وتقوى وتوحيد وعبودية الله تعالى فغير مقبول ، لأنّه مضافا إلى عدم موافقته لما نعلمه من جغرافيا العالم اليوم ، ومضافا إلى أن التواريخ الحاضرة الموجودة لا تؤيد هذا الموضوع ، فإنّ الأحاديث المذكورة غير معتبرة من حيث السند ، ولا يمكن أن يعتمد عليها كأحاديث صحيحة حسب قواعد علم الرجال.
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 538-542 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|