أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-6-2019
6455
التاريخ: 19-6-2019
3240
التاريخ: 6-5-2019
41294
التاريخ: 11-6-2019
4599
|
قال تعالى : {وقالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ} [الأعراف : 90-93] .
ثم حكى الله سبحانه ، ما قالت الجماعة الكافرة الجاحدة بآيات الله ، فقال : {وقال الملأ الذين كفروا من قومه} أي : من قوم شعيب الباقين منهم {لئن اتبعتم شعيبا} في دينه ، وتركتم دينكم انقيادا لأمره ونهيه ، لأن الاتباع هو طلب الثاني موافقة الأول فيما دعا إليه {إنكم إذا لخاسرون} والخسران : ذهاب رأس المال ، فكأنهم قالوا : إن اتبعتموه كنتم بمنزلة من ذهب رأس ماله : وقيل : خاسرون :
مغبونون ، عن ابن عباس . وقيل : هالكون .
{فأخذتهم الرجفة} أي : فأخذ قوم شعيب الزلزلة ، عن الكلبي . وقيل :
أرسل الله عليهم رمدة ، وحرا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم ، فدخلوا أجواف البيوت ، فدخل عليهم البيوت ، فلم ينفعهم ظل ولا ماء ، وأنضجهم الحر ، فبعث الله تعالى سحابة فيها ريح طيبة ، فوجدوا برد الريح وطيبها . وظل السحابة ، فتنادوا : عليكم بها ، فخرجوا إلى البرية ، فلما اجتمعوا تحت السحابة ، ألهبها الله عليهم نارا ، ورجفت بهم الأرض ، فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي ، وصاروا رمادا ، وهو عذاب يوم الظلة ، عن ابن عباس ، وغيره من المفسرين .
وقيل : بعث الله عليهم صيحة واحدة ، فماتوا ، عن أبي عبد الله عليه السلام .
وقيل : إنه كان لشعيب قومان قوم أهلكوا بالرجفة ، وقوم هم أصحاب الظلة {فأصبحوا في دارهم} أي : منازلهم {جاثمين} أي : ميتين ملقين على وجوههم {الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها} أي : كأنهم لم يقيموا بها قط ، لأن المهلك يصير كأن لم يكن . وقيل : {كأن لم يغنوا فيها} : كأن لم يعيشوا فيها مستغنين ، عن قتادة . وقيل : كأن لم يعمروا فيها ، عن ابن عباس .
{الذين كذبوا شعيبا ، : عاد اللفظ تأكيدا وتغليظا {كانوا هم الخاسرين} مر معناه : بين سبحانه انهم الخاسرون دون من آمن به {فتولى عنهم} شعيب أي :
أعرض عنهم لما رأى إقبال العذاب عليهم إعراض الآيس منهم {وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي} فيما أمرني ، فلم تؤمنوا {ونصحت لكم} فلم تقبلوا .
ومعناه : إن ما نزل بكم من البلاء ، وإن كان عظيما ، فقد استوجبتم ذلك بجنايتكم على أنفسكم .
{فكيف آسى} أي : فكيف أحزن {على قوم كافرين} حل العذاب بهم مع استحقاقهم له . وقوله : {فكيف آسى} وإن كان على لفظ الاستفهام ، فالمراد به النفي ، لأن جوابه في هذا الموضوع لا يصح إلا بالنفي ، وإنما يدخله معنى الانكار أيضا ، لهذه العلة . وهذا كما قال العجاج : {أطربا وأنت قنسري} . وهذا تسل من شعيب بما يذكر من حاله معهم في مناصحته لهم ، وتأديته رسالة ربه إليهم ، وأنه لا ينبغي أن يأسى عليهم مع تمردهم في كفرهم ، وشدة عتوهم . قال البلخي : وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز للمسلم أن يدعو للكافر بالخير . وأنه لا يجوز الحزن على هلاك الكافرين ، والظالمين .
______________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 308-310 .
{وقالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ} .
توجه المشركون أولا إلى شعيب صاحب الدعوة يهدون ويتوعدون ، ولما يئسوا منه تحولوا إلى الذين آمنوا به يحاولون فتنتهم عن دينهم ، وقالوا لهم فيما قالوا : انكم لخاسرون في اتباعكم شعيبا ، وهذا دأب من لا حجة له إلا الإغواء والإضلال .
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} . هذا هو الجواب الصحيح لمن عاند وتمرد ، وأبى إلا الضلال والفساد ، وتقدمت هذه الآية بالحرف 78 من هذه السورة .
{الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} . لقد أتى العذاب عليهم وعلى ديارهم وجميع آثارهم ، حتى كأنهم لم يعرفوا هذه الحياة وتعرفهم . . وكل امرئ مجزي بما أسلف عاجلا أو آجلا . {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ} . قال الذين أشركوا للذين آمنوا : انكم لخاسرون فكانت العاقبة خسرانهم وهلاكهم ، وربح المؤمنين ونجاتهم . . والعاقل لا يقول للمترف الهناء لك ، وللمستضعف الويل لك ، لأن للدهر مخبآت ومفاجآت ، والأمور بخواتيمها ، وإنما كرر {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً} تأكيدا لخسرانهم وهوانهم .
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ} . كيف أحزن على من أهلك نفسه بنفسه مصرا على الكفر باللَّه وكتبه ورسله ، والاستهزاء بمن آمن به واتبع صراطه القويم . وتقدم نظيره في الآية 79 من هذه السورة .
__________________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 363-364 .
قوله تعالى : ﴿وقال الملأ الذين كفروا من قومه﴾ إلى آخر الآية .
هذا تهديد منهم لمن آمن بشعيب أو أراد أن يؤمن به ويكون من جملة الإيعاد والصد اللذين كان شعيب ينهى عنهما بقوله : ﴿ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله﴾ ويكون إفراد هذا بالذكر هاهنا من بين سائر أقوالهم ليكون كالتوطئة والتمهيد لما سيأتي من قولهم بعد ذكر هلاكهم : ﴿الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين﴾ .
ويحتمل أن يكون الاتباع بمعناه الظاهر العرفي وهو اقتفاء أثر الماشي على الطريق والسالك السبيل بأن يكون الملأ المستكبرون لما اضطروه ومن معه إلى أحد الأمرين : الخروج من أرضهم أو العود في ملتهم ثم سمعوه يرد عليهم العود إلى ملتهم ردا قاطعا ثم يدعو بمثل قوله : ﴿ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين﴾ لم يشكوا أنه سيتركهم ويهاجر إلى أرض غير أرضهم ، ويتبعه في هذه المهاجرة المؤمنون به من القوم خاطبوا عند ذلك طائفة المؤمنين بقولهم : ﴿لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون﴾ فهددوهم وخوفوهم بالخسران إن تبعوه في الخروج من أرضهم ليخرج شعيب وحده فإنهم إنما كانوا يعادونه إياه بالأصالة ، وأما المؤمنون فإنما كانوا يبغضون من جهته ولأجله .
وعلى أي الوجهين كان فالآية كالتوطئة والتمهيد للآية الآتية : ﴿الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين﴾ كما تقدمت الإشارة إليه .
قوله تعالى : ﴿فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين﴾ أصبحوا أي صاروا أو دخلوا في الصباح ، وقد تقدم معنى الآية في نظيرتها من قصة صالح .
قوله تعالى : ﴿الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها - إلى قوله - الخاسرين﴾ قال الراغب في المفردات ، : وغني في مكان كذا إذا طال مقامه فيه مستغنيا به عن غيره بغنى قال : كأن لم يغنوا فيها .
و﴿كأن﴾ مخفف كأن خفف لدخوله الجملة الفعلية .
فقوله : ﴿الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها﴾ فيه تشبيه حال المكذبين من قومه بمن لم يطيلوا الإقامة في أرضهم فإن أمثال هؤلاء يسهل زوالهم لعدم تعلقهم بها في عشيرة أو أهل أو دار أو ضياع وعقار ، وأما من تمكن في أرض واستوطنها وأطال المقام بها وتعلق بها بكل ما يقع به التعلق في الحياة المادية فإن تركها له متعسر كالمتعذر وخاصة ترك الأمة القاطنة في أرض أرضها وما اقتنته فيها طول مقامها .
وقد ترك هؤلاء وهم أمة عريقة في الأرض دارهم وما فيها ، في أيسر زمان أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين .
وقد كانوا يزعمون أن شعيبا ومن تبعه منهم سيحشرون فخاب ظنهم وانقلبت الدائرة عليهم فكانوا هم الخاسرين فمكروا ومكر الله والله خير الماكرين .
وإلى هذا يشير تعالى حيث ذكر أولا قولهم : إن متبعي شعيب خاسرون ، ثم ذكر نزول العذاب وأبهم الذين أخذتهم الرجفة فقال : ﴿فأخذتهم الرجفة﴾ ولم يقل : فأخذت الذين كفروا الرجفة ، ثم صرح في قوله : ﴿الذين كذبوا شعيبا﴾ الآية أن الحكم الإلهي والهلاك والخسران كان لشعيب ومن تبعه على الذين كذبوه من قومه فكانوا هم الخاسرين الممكور بهم ، وهم يزعمون خلافه .
قوله تعالى : ﴿فتولى عنهم﴾ إلى آخر الآية .
ظاهر السياق أنه إنما تولى بعد نزول العذاب عليهم وهلاكهم ، وأن الخطاب خطاب اعتبار ، وقوله : ﴿فكيف آسى﴾ إلخ هو من الأسى أي كيف أحزن ، والباقي ظاهر .
___________________________
1 . تفسير الميزان ، ج8 ، ص 196-198 .
تتحدث الآية الأولى عند الدعايات التي كان يبثّها معارضو شعيب ضدّ من يحتمل فيهم الميل إلى الإيمان به فتقول : {وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ} .
والمقصود من الخسارة ـ هنا ـ الخسارات المادية التي تصيب المؤمنين بدعوة شعيب ، إذ من المسلّم عدم عودتهم إلى عقيدة الوثنية ، وعلى هذا الأساس كان يجب يخرجوا من بلدهم وديارهم بالقهر ، ويتركوا بيوتهم وأملاكهم.
وهناك احتمال آخر في تفسير الآية ، وهو أنّ مرادهم هو الأضرار المعنوية بالإضافة إلى الأضرار المادية ، لأنّهم كانوا يتصورون أنّ طريق النجاة يتمثل في الوثنية لا في دين شعيب.
وعند ما وصل أمرهم إلى الإصرار على ضلالتهم ، وعلى إضلال غيرهم أيضا ، ولم يبق أي أمل في إيمانهم وهدايتهم ، حلّت بهم العقوبة الإلهية بحكم قانون حسم مادة الفساد ، فأصابهم زلزال رهيب شديد بحيث تهاوى الجميع أجسادا ميّتة ، في داخل بيوتهم ومنازلهم {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} .
وقد مرّ في ذيل الآية (78) من هذه السورة ـ تفسير لفظة «جاثمين» وقلنا هناك أنّه قد استعملت عبارات وألفاظ مختلفة للتعبير عن عامل هلاك هذه الجماعة لا منافاة بينها.
فمثلا : جاء في شأن قوم شعيب ـ في الآية الحاضرة ـ أنّ عامل هلاكهم كان هو : «الزلزال» وفي الآية (94) من سورة هود أنّه «صيحة سماوية» وفي الآية (189) من سورة الشعراء : أنّه «ظلة من السحاب القاتل» وتعود كلها إلى موضوع واحد ، وهو أنّ العذاب المهلك كان صاعقة سماوية مخيفة ، اندلعت من قلب السحب الكثيفة المظلمة ، واستهدفت مدينتهم ، وعلى أثرها حدث زلزال شديد (هو خاصية الصواعق العظيمة) ودمّر كل شيء .
في الآية اللاحقة شرح القرآن الكريم أبعاد هذا الزلزال العجيب المخيف الرهيب بالعبارة التالية : {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} (2) . أي أنّ الذين كذبوا شعيبا أبيدوا إبادة عجيبة ، وكأنّهم لم يكونوا يسكنون تلك الديار.
وفي ختام الآية يقول : {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ} .
وكأنّ هاتين الجملتين جوابا لأقوال معارضي شعيب ، لأنّهم كانوا قد هدّدوا بأن يخرجوه هو وأتباعه في حالة عدم انصرافهم من دين التوحيد إلى الدين السابق ، فقال القرآن : إنّهم أبيدوا كاملة ، وكأنّهم لم يسكنوا في تلك المنازل ، فضلا عن أن يستطيعوا إخراج غيرهم من البلد.
وفي مقابل قولهم : إنّ أتباع شعيب يستلزم الخسران ، قال القرآن الكريم : إنّ نتيجة الأمر أثبتت أنّ مخالفة شعيب هي العامل الأصلي في الخسران .
وفي آخر آية ـ من الآيات المبحوثة ـ نقرأ آخر كلام لشعيب مع قومه بعد اعراضه عنهم حيث قال : لقد بلّغت رسالات ربّي ، ونصحتكم بالمقدار الكافي ، ولم آل جهدا في إرشادكم : {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} .
ثمّ قال {فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ} أي لست متأسّفا على مصير الكافرين ، لأنني قد بذلت كل ما في وسعي لهدايتهم وإرشادهم ، ولكنّهم لم يخضعوا للحق ولم يسلّموا ، فكان يجب أن ينتظروا هذا المصير المشؤوم.
أمّا أنّه هل قال شعيب هذا الكلام بعد هلاكهم ، أم قبل ذلك؟ هناك احتمالان ، فيمكن أن يكون قبل هلاكهم ، ولكن عند شرح القصة جاء ذكره بعد ذلك.
ولكن مع الالتفات إلى آخر عبارة ، والتي يقول فيها : إنّ مصير هؤلاء الكافرين المؤلم لا يدعو إلى الأسف أبدا ، يترجح للنظر أنّ هذه الجملة قيلت بعد نزول العذاب ، وأنّ هذه التعابير ـ كما أشرنا في ذيل الآية (79) من هذه السورة قيلت وتقال للأموات كثيرا (وقد أشرنا إلى شواهد ذلك) .
_________________________
1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 430-432 .
2. «يغنوا» مشقة من مادة «غني» بمعنى «الإقامة في المكان» يقول الطبرسي في مجمع البيان : لا يبعد أن يكون المفهوم الأصلي للغنى هو عدم الحاجة ، لأنّ من كان عنده منزل حاضر ، فهو مستغن عن منزل آخر .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|