أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-07-2015
3595
التاريخ: 27-02-2015
7453
التاريخ:
2774
التاريخ: 27-02-2015
2202
|
هو أبو بكر محمد بن السري(1)، كان من أحدث تلاميذ المبرد سنا مع ذكائه وحدّة ذهنه، وعكف على دروس أستاذه، متزودا بكل ما عنده من أزواد نحوية ولغوية. وعُني بجانب ذلك بدراسة المنطق والموسيقى، وتحول بعد موت المبرد إلى حلقات الزجاج يعبّ منها وينهل، ثم استقل عنه بحلقة كان يؤمّها كثيرون في مقدمتهم السيرافي، وأبو علي الفارسي وعليه قرأ كتاب سيبويه. وكان يُعنَى عناية واسعة بعلل النحو ومقاييسه، وفيهما صنّف كتاب الأصول الكبير، انتزعه من كتاب سيبويه وأضاف إليه إضافات بارعة، ويقال: إنه جعله تقاسيم على طريقة المناطقة. ولم يكتف فيه بآراء سيبويه، فقد ضم إليه كثيرا من آراء الأخفش الأوسط والكوفيين موازنا ومقارنا. وقال له أحد تلاميذه وهو يلقي بعض فصول هذا الكتاب: إنه أحسن من كتاب المقتضب للمبرد أستاذه، فبادره بقوله: لا تقل هذا؛ فإنما استفدنا ما استفدناه من صاحب المقتضب، وأنشد:
ولكن بكت قبلي فهاج لي البكا ... بكاها فقلت الفضل للمتقدِّم
وكان يحسن نظم الشعر وإنشاد المأثور منه في الأوقات والمواقف المناسبة، وكانت فيه دقة حس ورقة شعور، ويقال: إنه جاءه يوما بُني صغير له، فأظهر من العطف عليه ما جعل بعض جلسائه يسأله: أتحبه أيها الشيخ؟ فقال متمثلا:
أحبه حب الشحيح ماله ... قد كان ذاق الفقر ثم ناله
وله وراء كتاب الأصول مصنفات نحوية مختلفة, منها كتاب مجمل الأصول
ص140
وكتاب الاشتقاق وشرح سيبويه وكتاب احتجاج الفراء. وما زال يفيد طلابه بعلمه الغزير, حتى توفي سنة 316 للهجرة.
وكتابه الأصول الكبير لم يُنشر حتى اليوم، غير أن المصنفات النحوية التي جاءت بعده احتفظت منه بنصوص ترينا من بعض الوجوه طريقته(2) ، من ذلك ما ذكره عنه ابن جني من أنه فتح في هذا الكتاب بابا لما سماه العلة وعلة العلة، ومثّل فيه برفع الفاعل، قال: فإذا سُئلنا عن علة رفعه قلنا: إنه ارتفع بفعله، فإذا قيل: ولم صار الفاعل مرفوعا؟ فهذا سؤال عن علة العلة. ونحس كأنه استلهم تعليل الزجاج لاشتقاق الأفعال من المصادر, وأن المصادر هي الأصل والأفعال فروع منها، إذ يقول: "لو كانت المصادر مأخوذة من الأفعال جارية عليها, لوجب أن لا تختلف كما لا تختلف أسماء الفاعلين والمفعولين الجارية على أفعال نحو: ضارب ومضروب وشاتم ومشتوم ومكرِم ومكرَم وما أشبه ذلك مما لا ينكسر, ورأينا المصادر مختلفها أكثر مما جاء منها على الفعل كقولنا: شرب شُرْبا وشَربا ومَشْربا وشرابا, وعدل عن الحق عدلا وعدولا, وما أشبه ذلك, فعلمنا أنها غير جارية على الأفعال وأن الأفعال ليست بأصولها"(3). ويعلل لاختلاف صيغ الأفعال باختلاف أزمنتها بقوله: "كان حكم الأفعال أن تأتي كلها بلفظ واحد؛ لأنها لمعنى واحد، غير أنه لما كان الغرض في صناعتها أن تفيد أزمنتها خولف بين مُثُلها "أبنيتها"؛ ليكون ذلك دليلا على المراد منها، فإن أُمن اللبس فيها جاز أن يقع بعضها موقع بعض، وذلك مع حرف الشرط نحو: إن قمت جلست؛ لأن الشرط معلوم أنه لا يصح إلا مع الاستقبال, وكذلك: لم يقم أمس، وجب لدخول لم ما لولا هي لم يجز، ولأن المضارع أسبق في الرتبة من الماضي، فإذا نفي الأصل كان الفرع أشد انتفاء. وكذلك أيضا حديث الشرط في نحو: إن قمتَ قمتُ, جئتَ بلفظ الماضي الواجب تحقيقا للأمر وتثبيتا له، أي: إن هذا وعد موفى به لا محالة، كما أن الماضي واجب ثابت لا محالة" (4)
ص141
ويوضح تعليله لمجيء الماضي بدل المضارع في الشرط بصورة أكثر وضوحا من الصورة السالفة، إذ يقول: "وقوله: إن قمتَ قمتُ يجيء بلفظ الماضي والمعنى معنى المضارع، وذلك أنه أراد الاحتياط للمعنى، فجاء بمعنى المضارع المشكوك في وقوعه بلفظ الماضي المقطوع بكونه حتى كأن هذا قد وقع واستقر، لا أنه متوقَّع مترقَّب"(5). وكان يقول: إن العامل في الفعل من الحروف ينبغي أن يختص بدخوله عليه من أجل عمله فيه. وعلل عدم عمل السين في المضارع في مثل: سيقوم بأنها كالجزء منه؛ لأنها حرف واحد لا يستقل بنفسه، وألحق بها سوف. وكان يشبه الأداة الجازمة للمضارع بالدواء, والحركة في الفعل بالفضلة التي يخرجها الدواء, وكما أن الدواء إذا أصاب فضلة حذفها وإن لم يصادف فضلة أخذ من نفس الجسم, فكذلك الجازم إذا دخل على الفعل إن وجد حركة أخذها وإلا أخذ من نفس الفعل، وسهُل حذف حرف العلة لسكونه؛ لأنه بالسكون يضعف فيصير في حكم الحركة، فكما أن الحركة تُحْذَف فكذلك حروف مثل: يغزو ويرمي ويخشى(6).
وكان يعنى بالقياس عناية شديدة جعلته يهاجم من يعتدّون بالشواذ والنوادر، داعيا إلى إسقاطها حتى لا يحدث اضطراب في المقاييس النحوية والصرفية، وفي ذلك يقول: "اعلم أنه ربما شذّ شيء من بابه، فينبغي أن تعلم أن القياس إذا اطرد في جميع الباب لم يُعنَ بالحرف الذي يشذ عنه. وهذا مستعمل في جميع العلوم، ولو اعتُرض بالشاذ على القياس المطرد لبطل أكثر الصناعات والعلوم، فمتى سمعت حرفا مخالفا لا شك في خلافه لهذه الأصول فاعلم أنه شَذَّ، فإن كان سُمع ممن تُرضَى عربيته فلا بد أن يكون قد حاول به مذهبا أو نحا نحوا من الوجوه أو استهواه أمر غلطه. وليس البيت الشاذ والكلام المحفوظ بأدنى إسناد حجة على الأصل المجمع عليه في كلام ولا نحو ولا فقه، وإنما يركن إلى هذا ضَعَفَة أهل النحو "يريد الكوفيين" ومن لا حجة معه. وتأويل هذا وما أشبهه في الإعراب كتأويل ضعفة أصحاب الحديث وأتباع القُصَّاص في
ص142
الفقه" (7). وفي هذا ما يدل على نفاذ بصيرته، إذ تنبه إلى أن الأساس في كل قاعدة علمية أن تطرد، وأن يحكم على كل ما يخالفها بالشذوذ، لا أن يُتخذ قاعدة مستقلة كما يصنع ذلك الكوفيون, فإن ذلك من شأنه أن يعطل القواعد النحوية والصرفية ويصيبها بالشلل لمجرد وجود بيت شاذ عليها أو كلام محفوظ بأسانيد ضعيفة. وكأنه كان يرى أنه يكفي أن ينص على شذوذه، وأن لا يحاول أحد تأويله أو تخريجه كما كان يصنع أساتذته البصريون، ويشبه صنيعهم بصنيع القصاص وضعفة أصحاب الحديث في تصحيح ما يقوم كذبه, أو على الأقل شذوذه بالقياس إلى القواعد الفقهية المقررة.
وله آراء نحوية وصرفية كثيرة تداولتها كتب النحو التي جاءت بعده، منها أنه كان لا يرى ما يراه الجمهور من أن الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرا أو حالا أو نعتا يتعلقان بمحذوف تقديره: مستقر أو استقر، إذ كان يذهب إلى أنهما قسم مستقل بنفسه يقابل الجملتين الاسمية والفعلية(8). وكان جمهور البصريين يذهب إلى أن "ليس" فعل ناقص لاتصالها بالضمائر مثل: ليست ولستما ولسن، وذهب ابن السراج إلى أنها حرف لأنها لا تتصرف، أي: لا يأتي منها المضارع والأمر(9) ومثلها عسى، كان يرى أنها حرف لعدم تصرفها كليس، بينما كان يرى الجمهور أنها فعل لاتصالها بالضمائر مثل عساك وعساه(10). وكان يصحح جواز تقديم خبر كان ولو كان جملة, وكذلك توسطه بينها وبين اسمها، وكان الجمهور يمنع ذلك، غير أن ابن السراج كان يحتج بتقدم المعمول للخبر في قوله تعالى: {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} , {وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}, وكان يقول: تقديم المعمول يؤذن بتقدم العامل(11). وكان يجوز حذف مفعولي ظن وأخواتها ولو لم يكن هناك دليل على حذفهما، محتجا بقوله جل وعز: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} أي: يعلم وقوله: {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ}(12). وكان الجمهور يرى تعليق ظن وأخواتها عن العمل إذا تقدم المفعولين أداة استفهام أو ما وإن النافيتان
ص143
أو لام الابتداء, وأضاف ابن السراج لا النافية في مثل: ظننت لا يقوم زيد(13). ولم يكن الجمهور يصحح استعمال لا مكان ليس في مثل قولهم: قرأت كتابا ليس غير، بينما ذهب ابن السراج إلى أنها تستخدم مثلها في هذا الموضع, فيقال: قرأت كتابا لا غير، أي: إنه لم يكن يشترط في غير المبنية على الضم أن تكون تالية لليس وحدها دون لا(14). وكان الجمهور يعرب مثل القرفصاء في قولهم: قعد القرفصاء مفعولا مطلقا، أما هو فكان يعربه صفة لموصوف محذوف هو المفعول المطلق، وتقديره: عنده قعد القعدة القرفصاء(15) وذهب الجمهور إلى أن لما في مثل: "لما جاءني أكرمته" حرف وجود لوجود، بينما ذهب ابن السراج إلى أنها ظرف بمعنى حين(16). ومر بنا أن الأخفش كان يجوز العطف على العائد المنصوب المحذوف وتوكيده والبدل منه، مثل: جاءني الذي ضربت وعمرا, ولقيت الذي كلمت نفسه، وكان ابن السراج يمنع ذلك منعا باتا (17). وزاد على ما ذكره سيبويه من أبنية الأسماء وصيغها اثنين وعشرين بناء(18) ونوه القدماء طويلا بكتابه الذي صنفه في الاشتقاق، وفيه يقول السيوطي: "هو أصح ما وُضع في هذا الفن من علوم اللسان", وكان يقول: "من اشتق اللفظ الأعجمي المعرب من العربي, كان كمن ادعى أن الطير من الحوت" (19)
ص144
____________________
(1) انظر في ترجمة ابن السراج: السيرافي ص108, والزبيدي ص122, والفهرست ص98, ونزهة الألباء ص249, وتاريخ بغداد 5/ 319, والأنساب الورقة 205, ومعجم الأدباء 18/ 197, وإنباه الرواة 3/ 145, وابن خلكان, وشذرات الذهب 2/ 273, واللباب 1/ 547, ومرآة الجنان 2/ 270 , وبغية الوعاة ص44.
(2) في الأشباه والنظائر للسيوطي مادة وفيرة من هذا الكتاب.
(3) الزجاجي ص59.
(4) الخصائص 3/ 331.
(5) الخصائص 3/ 105.
(6) أسرار العربية ص323.
(7) المزهر 1/ 232.
(8) الهمع 1/ 99.
(9) المغني ص325, والهمع 1/ 10 .
(10) المغني ص162, والهمع 1/ 10 .
(11) الهمع 1/ 118.
(12) الهمع 1/ 152.
(13) الهمع 1/ 154.
(14) الهمع 1/ 210 .
(15) أسرار العربية ص176.
(16) المغني ص310 .
(17) الهمع 1/ 91.
(18) المزهر 2/ 4.
(19) المزهر 1/ 287.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
جامعة كربلاء: مشاريع العتبة العباسية الزراعية أصبحت مشاريع يحتذى بها
|
|
|