شعائر الإسلام وليدة إبداعات وتأثيرات متنوّعة كالصحابة الجاهليّة اليهوديّة النصرانيّة الفارسيّة و.. |
1933
10:12 صباحاً
التاريخ: 15-1-2019
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-1-2019
1619
التاريخ: 13-1-2019
1521
التاريخ: 13-1-2019
1589
التاريخ: NaN-undefine
4041
|
[نص الشبهة] : أنّ شعائر الإسلام جاءت من خلال إبداعات خاصّة أو تأثيرات متنوّعة : ( كالصحابة ، الجاهليّة ، اليهوديّة ، النصرانيّة ، الفارسيّة ، و...) .
ومن نماذج [الابداعات والتأثيرات في شعائر الاسلام] ما جاء تحت مادّة ( أذان ) التي يقول فيها ( جوينبل Th.Juynboll ) : ( وتقول الرواية الإسلاميّة : إنّ النبيّ تشاوَر مع أصحابه بعد دخوله المدينة مباشرةً ، في العام الأوّل أو الثاني للهجرة ، في خير الطرق لتنبيه المؤمنين إلى وقت الصلاة ، فاقترح بعضهم أنْ يُوقدوا لذلك ناراً أو ينفخوا في بوق أو يدقّوا ناقوساً ، ( مثل قطعة طويلة من الخشب تضرب بقطعة أُخرى وكان يستعمله المسيحيّون في الشرق للتنبيه إلى الصلاة ) ، ولكنّ واحداً من المسلمين هو عبد الله بن زيد أخبر أنّه رأى في المنام رجلاً يدعو المسلمين إلى الصلاة من سقف المسجد ، وامتدح عُمر هذه الطريقة في الدعوة إلى الصلاة ، ولمّا اتّفق رأي الجماعة على هذا الأذان أمر النبيّ باتّباعه ، ومن ذلك الوقت أخذ بلال يُنادي المؤمنين إلى الصلاة بهذا الأذان ، الذي يستعمله العالم الإسلامي إلى وقتنا هذا )(1) .
وتحت باب ( بلال ) يقول ( Fr. Buhl ) : ( وأدخل النبيّ الأذان بعد أنْ أبدى شيئاً من التردّد ( انظر مادّة أذان ) وجعل بلالاً مؤذّناً له )(2) .
ويصفّ ( كاستر M. Gaster ) أكثر فيقول عن ( القبلة ) تحت باب ( السامرة ) : ( وقد ورد في الإنصرة أيضاً كلمة القبلة ، أي التوجّه في الصلاة إلى الجبل المقدّس . والحق في أنّ الاتّجاه إلى المعبد معروف أيضاً عند اليهود... ويجوز أنّ محمّداً أخذ هذه الشعيرة من السامرة ، وقد صبغها مثلهم بصبغة دينيّة خاصّة ، أقوى وأشدّ ممّا يفعل اليهود ، وكذلك غيّر محمّدٌ وجهة الصلاة عندما اختلف مع اليهود ، وبذلك أفصح عن الأهميّة التي كان ينسبها إلى القبلة )(3) .
أمّا ( فنسنك A. J. Wensink ) فينقل هذه إلى أهمّ شعائر الإسلام على الإطلاق ، وهي الصلاة فيقول تحت مادّتها : ( ويبدو أنّ كلمة صلاة لم تظهر في الآثار الأدبيّة السابقة على القرآن ، وقد اتّخذها محمّد كما اتّخذ الشعيرة من اليهود والمسيحيّين في بلاد العرب )(4) .
ويستمرّ ( فنسنك ) في إبرام هذه فيقول تحت المادّة نفسها : ( واشتقاق كلمة ( صلوطا ) الآراميّة واضح كلّ الوضوح ، فالأصل ( صلأ ) ، في الآراميّة يعني الانحناء والانثناء والقيام... وتُستعمل في كثير من اللهجات الآراميّة للدلالة على الصلاة الشرعيّة... وقد نقل محمّد كلمة الصلاة بهذا المعنى من جيرانه .
ويكشف نظام الصلاة عند المسلمين عن تشابه كبير بصلاة اليهود والمسيحيّين... ومن البيّن أنّ محمّداً لم تكن بين يديه أوّل الأمر المادّة الوافية لهذه الشعيرة ؛ ولقد كانت تعوزه النصوص التي يتلوها ويرتّلها اليهود والمسيحيّون في صلاتهم )(5) .
ويستمر ( فنسنك ) تحت المادّة نفسها قائلاً : ( ومن ثمّ فنحن نجد فجأةً الصلاة الوسطى تظهر في السورة المدنيّة وهي البقرة ، الآية 237. ولا بد إذن أنْ تكون هذه الصلاة قد أُضيفت في المدينة إلى الصلاتين المعتادتين ، ويرجّح أنْ يكون ذلك قد تمّ محاكاةً لليهود الذين كانوا يُقيمون أيضاً صلاتهم ( ثقلاه ) ثلاث مرّات كلّ يوم )(6) .
ويقول أيضاً : إنّ ( جولد صيهر Gold Ziher ) وفي معرض ردّه على ( هوتسما ) في كيفيّة تقرير الصلوات الخمس ، يرى عكس ما يراه الأخير ويذهب إلى القول بوجود أثر فارسي في تقرير الصلوات الخمس(7) .
وعن عدد الركعات في الصلوات الخمس يقول ( فنسنك ) تحت مادّة ( الصلاة ) : (... إنّ الحديث [النبويّ] يقول أيضاً : إنّ الصلاة كانت في الأصل من ركعتين وإنّ هذا العدد نفسه عمل به في صلاة السفر... ويفترض ( متفوخ ) وجود التأثير اليهودي في الاختيار الأصلي للركعتين)(8) .
[جواب الشبهة] : وردّنا على مفردات هذه الصياغة من الدسّ ، والتشويه ، واختلاف الشبهات كالآتي :
أ ـ قول ( جوينبل ) تحت مادّة ( أذان ) وقول ( بول ) تحت مادّة ( بلال ) يرد عليه : إن مثل هذه الرواية التي ادّعاها ( جوينبل) ولم يذكر لنا مصدرها ، لا شكّ إنّها من المختلقات الإسرائيليّة التي اشتهر أمرها وحذّر العلماء وأهل الحديث والرواية منها ، أمّا الروايات الصحيحة التي وردت عن أئمّة أهل بيت النبوّة والعصمة ( عليهم السلام ) فهي على خلاف ذلك، حيث تنصّ على أنّ الأذان كان من الله بواسطة الوحي ( جبرئيل ) ، بل إنّ بعضاً منها تضمّن استنكاراً وزجراً ولعناً لِمَن زعموا أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد .
ومن هذه الروايات ما عن محمّد بن يعقوب عن أبيه عن ابن أبي عُمير عن حمّاد عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ( لمّا هبط جبرئيل ( عليه السلام ) بالأذان على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، كان رأسه في حِجْر عليّ ( عليه السلام ) ، فأذّن جبرئيل وأقام ، فلمّا انتبه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال : يا علي ، سمِعت ؟ قال : نعم ، قال : حفظت ؟ قال : نعم ، قال : ادع بلالاً فعلّمه ، فدعا عليّ ( عليه السلام ) بلالاً فعلّمه.
ورواه الصدوق بإسناده عن منصور بن حازم ، وروى الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم مثله.
وعن محمّد بن مكّي الشهيد في الذكرى : عن ابن أبي عقيل عن الصادق ( عليه السلام ) أنّه لعن قوماً زعموا أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أخذ الأذان من عبد الله بن زيد ، فقال : ( ينزل الوحي على نبيّكم فتزعمون أنّه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد ؟!)(9) .
ب ـ قول ( كاستر ) فيما يتعلّق بالقبلة تحت باب ( السامرة ) فيه : ما أوردناه على قول ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ) وقول ( ر. پاريه ) تحت مادّة ( أمّة ) فراجع .
على أنّ قضيّة القبلة لم تكن بالشكل الذي عرضه ( كاستر ) ، هذا من أنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) غيّر القبلة عندما اختلف مع اليهود ، بل كان أمراً إلهيّاً للردّ على دعوى اليهود التي ردّدها ( كاستر ) في قوله السالف من تبعيّة الإسلام ورسوله الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لهم ، بدليل اتّخاذه ( بيت المقدّس ) التي هي قبلة اليهود قبلةً للمسلمين ، وبهذا الأمر الإلهي تميّز المسلمون عن اليهود بجعل الكعبة المشرّفة قبلتهم دون سواهم .
وفي بيان هذه الحقيقة روى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : تحوّلت القبلة إلى الكعبة بعدما صلّى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بمكّة ، ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدِس ، وبعد مهاجرته إلى المدينة صلّى إلى بيت المقدِس سبعه أشهر ، قال : ثمّ وجّهه الله إلى الكعبة ، وذلك أنّ اليهود كانوا يعيّرون رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ويقولون له :
أنت تابع لنا ، تصلّي إلى قبلتنا ، فاغتمَّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من ذلك غمَّاً شديداً ، وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء ، ينتظر مِن الله تعالى في ذلك أمراً ، فلمّا أصبح وحضر وقت صلاة الظهر ، كان في مسجد بني سالم قد صلّى من الظهر ركعتين ، فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) فأخذ بعَضُديه وحوّله إلى الكعبة ، وأنزل عليه : {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] ، وكان صلّى ركعتين إلى بيت المقدِس وركعتين إلى الكعبة ، فقالت اليهود والسفهاء : {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142] (10) .
ج ـ أقوال ( فنسنك ) المتعدّدة تحت مادّة ( الصلاة ) يرد عليها جميعاً ما أوردناه على ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ) فراجع . ونضيف إليه :
1 ـ قوله : ( ويبدو أنّ كلمة صلاة لم تظهر في الآثار الأدبيّة السابقة على القرآن...) ، فيرد عليه ما أوردناه على ( ر. پاريه) تحت مادّة ( أُمّة ) ، مع تأكيدنا على بطلان ما ادّعاه ، فإنّ كلمة صلاة وردت في الشعر العربي الجاهلي قَبل نزول القرآن الكريم ، كما في قول أعشى قيس :
يُراوِح في صَلواتِهِ لِمَلِيك طَورَاً سُجودَاً وطَورَاً جوار .
ومعنى الصلاة لغة الدعاء والاستغفار ؛ فقد قال الأعشى أيضاً :
لها حارسٌ لا يَبرَح الدهر بَيتَها فإنْ ذبحت صلّى عليها وزمزما .
أي دعا لها ، وقال أيضاً :
وقابلها الريح في دنّها وصلّى على دنّها وارتسم .
أي دعا لها أنْ لا تحمض ولا تفسدَ .
والصلاة من الله تعالى : الرحمة ، قال عدِي بن الرقاع :
صلّى الإله على امرئ ودّعتُه وأتمّ نعمته عليه وزادها .
وقال :
صلّى على عزّة الرحمان وابنتها ليلى وصلّى على جاراتها الأُخر (11) .
وأصل الاشتقاق في الصلاة من اللزوم من قوله : ( تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ) ، والمصدر ( الصلا ) ، ومنه اصطلى بالنار إذا لزمها، والمصلِّي الذي يجيء في أثر السابق للزوم أثره ، ويُقال للعظم الذي في العجز صلاً ، وهما صلوان .
أمّا في اصطلاح الشريعة الإسلاميّة ، فهي عبارة عن العبادة الخاصّة التي شرعها الإسلام والمشتملة على الركوع والسجود على وجهٍ مخصوص وأركانٍ وأذكارٍ مخصوصة .
وقيل إنّها سُمّيت صلاة لأنّ المصلّي متعرّض لاستنجاح طلبته ، من ثوابِ الله ونِعَمه مع ما يسأل ربّه فيها مِن حاجاته (12) .
2 ـ قوله : إنّ نظام الصلاة عند المسلمين يُشابه بدرجةٍ كبيرة صلاة اليهود والمسيحيّين... وإنّ الصلاة الوسطى ظهرت فجأة في سورة البقرة المدنية ، وإنّها أُضيفت إلى الصلاتين المعتادتين فأصبحت ثلاثة ، ثمّ يفرّع عليها رجحان أنّ ذلك قد تمَّ محاكاةً لصلاة اليهود ( ثقلاه ) التي تقام ثلاث مرّات كلّ يوم .
يرد عليها أنّ التشابه يكون مرّة بعدد الصلوات ، وأُخرى بشكليّة الصلاة مِن قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ وأمثالها ، وثالثة بمضامين الصلاة من قراءات وأذكار ، أمّا الجانب الأوّل فإنّ الصلاة التي شرّعها الإسلام ، هي خمس صلوات وليس ثلاث صلوات ، كما لدى اليهود حسب قول ( فنسنك ) نفسه ، وليست سبعاً كما لدى المسيحيّين وهي : ( صلاة البكور وصلاة الساعة الثالثة ، والسادسة والتاسعة ، والحادية عشرة والثانية عشرة ثمّ صلاة منتصف الليل) .
والصلوات الإسلاميّة الخمسة هذه محدّدة أوقاتها بموجب آيتين قرآنيّتين نزلتا على الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في مكّة المكّرمة وليس في المدينة المنوّرة ، وهما في سورة الإسراء في قوله تعالى :
{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] ، وفي سورة هود في قوله تعالى : {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114] .
وفي بيان دلالة هاتين الآيتين ، روي عن زرارة مسنداً قال : ( سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عمّا فرض الله عزّ وجل من الصلاة ، فقال : ( خمسَ صلواتٍ في الليلِ والنهار ) ، فقلت : هل سمّاهنّ الله وبيّنهن في كتابه ؟ قال : ( نعم ، قال الله تعالى لنبيّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] ودلوكها زوالها ، وفيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات ، سمّاهنّ الله وبيّنهنّ ووقّتهنّ ، وغسق الليل هو انتصافه ، ثم قال تبارك وتعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] ، فهذه الخامسة ، وقال تبارك وتعالى في ذلك : {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114] وطَرَفاه : المغرب والغداة {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114] وهي صلاة العشاء الآخرة...) (13) .
وفي تفسير الآية الأولى قال ابن عبّاس والحسن ومجاهد وقتادة : ( دلوكها زوالها ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( عليهما السلام )... وقال الجبائي : غسَق الليل ظُلمته ، وهو وقت العشاء... وقال الحسن : ( لدلوك الشمس ) لزوالها : صلاة الظهر ، وصلاة العصر إلى ( غسق الليل ) صلاة المغرب والعشاء الآخرة ، كأنّه يقول من ذلك الوقت إلى هذا الوقت على ما يُبيّن لك مِن حال الصلوات الأربع ، ثمّ صلاة الفجر ، فأُفرِدت بالذكر )(14).
أمّا الصلاة الوسطى الواردة في سورة البقرة : {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فقد جاء في معنى الآية : الحثّ على مراعاة الصلوات ، ومواقيتهنّ ، وألاّ يقع فيها تضييع وتفريط (15).
وجاء في روايات متعدّدة أنّ الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر ، منها ما رُوي مسنداً عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ( في حديث ) قال : ( وقال تعالى : ( حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى ) وهي صلاة الظهر )(16) .
وعليه فلا يضُرّ أنْ تكون هذه الآية مدنيّة ؛ لأنّها لم تكن بصدد أصل تشريع الصلوات الخمس ، بل جاءت للحثّ على مراعاة الصلوات ومواقيتهن ، وخصوصاً الصلاة الوسطى منهنّ والتي سبَق تشريعها في الآيات المكيّة السالفة الذكر ، وبهذا تبطل دعوى فنسنك : بأنّها أُضيفت في المدينة إلى الصلاتين المعتادتين ، ويبطل أيضا قوله : بأنّها ثلاث صلوات أو ثلاث مرّات ، والتي يفرع عليها دعوى محاكاتها لصلاة اليهود ( ثقلاه ) ، كما يبطل مشابهتها لصلوات المسيحيّين من هذه الناحية لثبوت أنّ الصلوات المشرعة هي خمس وليست ثلاثاً كما عند اليهود ، وليست سبعاً كما لدى المسيحيّين كما أسلفنا .
أمّا الجانبان الثاني والثالث من التشابه المدّعى ففيه : أنّه ورد ( أنّ الأصل في جميع صلوات المسيحيّين إنّما هو الصلاة الربانيّة التي علّمها السيّد المسيح ، والأصل في تلاوتها أنْ يتلوها المصلّي ساجداً ، وقد تكون الصلاة لفظيّة ، بأنْ تُتلى بألفاظٍ منقولة أو مرتجلة ، وتكون عقليّة بأنْ تنوى الألفاظ ويكون الابتهال قلبيّاً محضاً )(17) .
ثمّ يحكي لنا مصدر آخر كيفيّة تطوّر صلواتهم قائلا : ( نشَر [الرهبان] الفرنسسكان عادة ( طريق الصليب ) أو ( مواضعه ) ، وهي التي تقضي بأنْ يتلو المتعبّد صلوات أمام صورة أو لوحة من لوحات أو صور أربع عشرة ، تمثّل كل منها مرحلة من مراحل آلام المسيح ؛ فكان القساوسة والرهبان والراهبات وبعض العلمانيّين ينشدون أو يتلون أدعية الساعات القانونيّة وهي : أدعية ، وقراءات ، ومزامير ، وترانيم صاغها البندكتيون وغيرهم ، وجمعها ( ألكوين Alcuin ) و( جريجوري السابع ) في كتاب موجز .
وكانت هذه الأدعية تَطرق أبواب السماء... كلّ يوم وليلة في فترات ، بين كلّ واحدة والتي تليها ثلاث ساعات ) (18) .
وعن مضامينها يقول المصدر نفسه : ( وأقدم الصلوات المسيحيّة هما : الصلاة التي مطلعها (أبانا الذي في السماوات) ، والتي مطلعها ( نؤمن بإلهٍ واحد ) ، وقبل أنْ ينتهي القرن الثاني عشر بدأت الصلاة التي مطلعها : ( السلام لك يا مريم ) تتّخذ صيغتها المعروفة ، وكانت هناك غير الصلوات أوراد شعريّة من الثناء والتضرّع ،... وكثيراً ما كانت الصلوات الرسميّة التي تُتلى في الكنائس توجَّه إلى الله الأب ، وكان عدد قليل منها يوجّه إلى الروح القدس ؛ ولكن صلوات الشعب كانت توجّه في الأغلب إلى عيسى ومريم ، والقديسين )(19) .
أمّا صلاة اليهود فقد ورد عنها القول : ( أمّا اليهود فليس في التوراة ما يدلّ دلالةً صريحةً على كيفيّة إقامة الصلاة عندهم ، والظاهر أنّهم إنّما كانوا يتلونها وقوفاً إلاّ في الاحتفالات الكبرى ، حيثُ كانوا يسجدون ، وكان لها ثلاثة أوقات قانونيّة : الصبح والظهر والمساء )(20).
أمّا الصلوات في الإسلام فقد ذكر الفقهاء كيفيّتها ، استناداً على الأدلّة الشرعيّة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة فقالوا : (... فهي تتكوّن من ركعات ، والحدّ الأقصى من الركَعَات في الصلاة أربعة ، كصلاة العشاء مثلاً ، والحدّ الأدنى من الركَعَات في الصلوات الواجبة ركعتان كصلاة الصبح ، وفي الصلوات المندوبة ركعة واحدة وهي ركعة الوتر .
وعلى العموم فالرَكَعَات هي : الوحدات والأجزاء الأساسيّة التي تتكوّن منها الصلاة ، ويُستثنى من ذلك الصلاة على الأموات، فإنّها مكوّنة من تكبيرات لا من رَكَعَات ، وليست هي صلاة إلاّ بالاسم فقط )(21) .
وهناك شروط يجب توافرها في كلّ صلاة وهي على قسمين : أحدهما شروط للمصلّي ، والآخر شروط لنفس الصلاة ، وأهمّها أن يكون المصلّي على وضوءٍ وطهارة ، وأنْ يكون بدَنَهُ طاهراً وكذلك ثيابه ، وأنْ يستقبل القبلة ( وهي الكعبة المشرّفة ) وأنْ يقصد بالصلاة القُربة إلى الله تعالى(22) .
وقد وردت روايات كثيرة عن الكيفيّة وعن مضامينها وأجزائها ، وشروط ذكرتها كتب الحديث في باب الصلاة (23) .
بعد هذا الاستعراض نرى بالمقارنة بين الصلوات لدى اليهود ولدى المسيحيّين ، وبين الصلوات في الإسلام وجود اختلافٍ أساسيٍّ بينها ، في العدد وفي الأوقات وفي شكليّاتها ومضامينها . فمِن أين استنتج ( فنسنك ) التشابه الكبير بينها ومحاكاة بعضها لبعض ، وأمثال ذلك في المقولات والدَعَوات الجزافيّة التي لا دليل ولا شاهد عليها ؟
هذا مع العلم أنّنا نلحظ من خلال سَوقنا لِما نُقل عن صلاة اليهود وصلوات المسيحيّين ، أنّ يد التغيير البشريّة قد طالت الأصل، وأحدثت فيه الشيء الكثير ، إذ نجد أنّ مفرداتها ـ وخصوصاً صلوات المسيحيّين ـ غدَت مشبّعة بمبدأ التثليث الذي هو من مقولات الشرك بالله سبحانه وتعالى ، بخلاف مبدأ التوحيد والإخلاص لله وحده لا شريك له في العبادات الإسلاميّة ، الذي تعبّر عنه جميع مفرداتها ، وخصوصاً الصلاة منها التي يشترط فيها كما أسلفنا نيّة التقرّب لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، وهذا ما يؤكّد حقيقة التحريف في الديانتين اليهوديّة والمسيحيّة وفي كتابَيهما التوراة والانجيل ، والتي لا نعدم وجود تشابه في أُصولِهما قبل التحريف بين الأحكام الواردة فيهما والتي لم تنسخ ، وبين نظائرها من الأحكام الواردة في القرآن الكريم والسنة الشريفة ، لأنّها من سراجٍ واحدٍ كما أسلفنا .
ـــــــــــــــــــــ
(1) دائرة المعارف الإسلاميّة 1 : 560 .
(2) دائرة المعارف الإسلاميّة 4 : 73 .
(3) المصدر السابق 11 : 92 .
(4) المصدر السابق 14 : 277 .
(5) المصدر السابق 14 : 278 .
(6) المصدر السابق 14 : 281 .
(7) المصدر السابق 14 : 282.
(8) المصدر السابق 14 : 286 .
(9) وسائل الشيعة 4 : 612 ـ 613، ح3 .
(10) مجمع البيان 1 : 223 .
(11) لسان العرب : ماّدة ( صلاة ) .
(12) الطوسي ، البيان 1 : 56 ـ 57 .
(13) وسائل الشيعة 3 : 5 ، ح1 .
(14) الطوسي ، التبيان 6 : 509 ـ 510 .
(15) الطوسي، التبيان 2 : 275 .
(16) وسائل الشيعة 3 : 14، ح1 .
(17) المعلّم البستاني ، بطرس ، دائرة المعارف 10: 10. مادّة ( الصلاة ) .
(18) ديورانت ، ول ، قصّة الحضارة 16 : 21 ـ 22. فصل الصلاة .
(19) المصدر السابق .
(20) المعلّم البستاني ، بطرس ، دائرة المعارف 10 : 10 مادّة ( الصلاة ) .
(21) لمزيد من التفصيل في أجزاء وكيفيّة الصلوات اليوميّة في الإسلام يراجع : السيّد الصدر ، محمّد باقر ، الفتاوى الواضحة : 258 ـ 260 .
(22) المصدر : 261.
(23) منها : وسائل الشيعة للحرّ العاملي ـ أبواب أفعال الصلاة ـ وبحار الأنوار للمجلسي ـ كتاب الصلاة . وغيرها من كتب الحديث .
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|