أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-2-2017
1751
التاريخ: 2023-12-20
906
التاريخ: 8-3-2021
2205
التاريخ: 17-8-2018
2934
|
الأوضاع الداخلية
نتحدث عن الإطار العام للأوضاع الداخلية في هذه المنطقة بجوانبها الثلاثة: السياسية والاجتماعية والدينية.
لقد كانت الموارد الاقتصادية تدور بصفة أساسية حول محاور ثلاثة: الرعي بنوعيه، المتنقل الضارب في قلب البادية والمستقر أو شبه المستقر على حدود الهلال الخصيب بدوله أو إمبراطورياته المستقرة، ثم الزراعة بنوعيها الخفيف والمكثف، ثم التجارة بخطوطها التجارية التي تربط بين شبه الجزيرة والمناطق المحيطة بها إلى الشمال الشرقي من جهة وإلى الشمال الغربي من جهة أخرى. كذلك كانت تحدق بالمنطقة دول أو إمبراطوريات في هاتين الجهتين وكان بين هذه الدول أو الإمبراطوريات صراع شبه مستمر لا يهدأ إلا لكي يثور من جديد، وكانت كل هذه العوامل تتداخل وتتفاعل في حركة تاريخية يبرز جانب منها حينًا ويبرز أكثر من جانب في أحيان أخرى، وكان لا بد لهذا كله أن يترك أثره على الأوضاع التي سادت شبه الجزيرة بشكل يظهر في كل قسم من أقسامها حسب موارده الاقتصادية ومدى تفاعلها مع الظرف التاريخي في مرحلة أو أخرى من مراحله.
1- الوضع السياسي:
وفيما يخص الوضع السياسي فقد ظهر هذا الاختلاف من قسم إلى قسم فيما يخص التكوين العام من جهة، وأعني بذلك الشكل السياسي الذي برز في كل قسم، سواء أكان ذلك تكوينًا صغيرًا أو كبيرًا، أم كان تكوينًا مستقلًّا أم تابعًا أم يقف في نقطة توازن متحركة بين الاستقلال والتبعية، ومن جهة أخرى من حيث نوعية التنظيم السياسي أو نظام الحكم الذي وجد في قسم أو في آخر من أقسام شبه الجزيرة.
أ- التكوينات السياسية:
وأحد الأشكال أو التكوينات السياسية في شبه الجزيرة العربية هو التكوين القبلي، ولا أعني هنا التكوين القبلي بمفهومه الاجتماعي، فقد وجدت القبائل كوحدات اجتماعية في كل أرجاء شبه الجزيرة، ولكني أعني التكوين أو الشكل القبلي الذي تصبح فيه القبيلة إلى جانب وظيفتها الاجتماعية وحدة سياسية كذلك تتصرف بوصفها كيانا سياسيا قائما بذاته سواء في أمورها الداخلية أو في علاقاتها الخارجية بما يدخل في ذلك من حرب وسلام واتفاقات وتحالفات ومناورات وغير ذلك من أشكال هذه العلاقات. وفي هذا الصدد فقد كانت الوحدة السياسية القبلية هي الشكل المنتشر في البادية؛ أدت إلى ذلك طبيعة هذه البادية بقسوتها التي كانت تدفع كل قبيلة إلى التنقل وراء الكلأ حيثما وجد انتجاعًا للمرعى -وهو وضع كان الشكل السياسي الوحيد الذي يتواءم معه هو الوحدة السياسية الصغيرة، وهي القبيلة.
وقد كانت الأسرة هي الخلية التي تتألف القبيلة من تكرارها وتكويناتها، تعيش الأسرة في خيمة أو ربما في عدد صغير من الخيام، وكل مجموعة من الأسر تشكل حيًّا أو قومًا يعتقدون، حقيقة أو تصورًا، أنهم ينحدرون من أصل واحد ومن ثم تربط بينهم آصرة الدم أو القرابة، ومن مجموع هذه الأحياء أو الأقوام تتكون القبيلة. وقد عبر أبناء الحي أو القوم الواحد عن آصرة القرابة التي تربط بينهم بانتسابهم إلى اسم هو الجد الأول لهم فيما كانوا يعتقدون، فهم بنوه الذين يعرفون ويتعاملون ويتفاخرون باسمه. فهناك بنو الأصفر وبنو جرم وبنو جرهم وبنو شاكر وبنو عباد وبنو عبد القيس وبنو هذيل، وبنو ذبيان، إلى آخر هذه الأسماء. وقد يسمي أبناء القبيلة كلها "أو ربما عدد من القبائل" أنفسهم أنهم بنو فلان أو غيره مثل: بني تنوخ أو بني لخم، ولكن الوضع السائد عادة هو أن هذه التسمية كانت لتمييز الأحياء أو الأقوام.
كذلك نجد بين بعض هذه الأسماء التي انتسبت إليها الأحياء أسماء نساء تشير بالضرورة إلى إحدى المراحل التي مر بها مجتمع البادية وهي المرحلة الأموية matriarchal التي كانت فيها الأم هي محور رابطة القرابة أو الدم ومن ثم كان الانتساب إليها. وهكذا وجد من بين عرب شبه الجزيرة أقوام مثل بني بجيلة وبني البقعاء وبني جهينة وبني ربيعة وبني فزارة وبني حنيفة وبني الرباب وبني أمية وبني جذيمة، وقد ظلت هذه التسميات الأموية قائمة حتى بعد أن انقرض النظام الأموي وحل محله النظام الأبوي patriarchal، بل لقد وصل الأمر إلى أن أصبحت بعض هذه الأسماء أسماء لذكور مثل أمية بن أبي الصلت أو جذيمة بن الأبرش. هذا، وجدير بالذكر هنا أن انتساب بعض الأقوام إلى نسب أموي ليس شيئًا غريبًا في حد ذاته، فقد كانت المرحلة الأموية إحدى المراحل التي مرت بها أغلب المجتمعات القديمة عامة، سواء في شبه الجزيرة العربية أو في غيرها من المناطق.
كذلك كان يحدث في بعض الأحيان أن يظهر نوع من التكوين القبلي ينتظم عددًا من القبائل تتكتل في هيئة مجموعات موحدة بصورة أو بأخرى ولسبب عارض أو دائم تحت رئاسة أو زعامة واحدة. ومثل هذه التكتلات العربية نستنتج وجودها من عدد من النقوش الآشورية التي نجد واحدًا منها يشير إلى قوة عسكرية "عربية" تحت زعامة "جندبو" كواحدة من القوات المتحالفة مع ملك دمشق ضد الملك الآشوري شلمنصر الثالث "858-824ق. م" كما نجد عددا آخر منها يشير إلى صدامات عسكرية أو علاقات سياسية مع عدد من الشخصيات يوصف كل منها بأنه "ملك بلاد العرب" أو أنها "ملكة بلاد العرب". والشيء ذاته نستنتجه من بعض مواضع في التوراة نجد فيها العرب يتكتلون مرة مع الفلسطينيين لاكتساح مملكة يهوذا "أو يهودية" في عهد الملك العبراني يهورام "851-843ق. م"، ثم نجد خلفه الملك عزّيّا "779-740ق. م" ينتصر على الفلسطينيين وعدد من حلفائهم من بينهم "العرب الساكنون في جور بعل" على نحو ما مر بنا في مناسبة سابقة. وكلها إشارات يدل ما جاء فيها من تسميات وما أحاط بها من ملابسات على أن المقصود هو تكتلات أو تجمعات قبلية وليست قبائل منفردة (1).
وإلى جانب هذا النوع من التكوينات السياسية، وهو التكوين القبلي سواء اتخذ شكل قبائل منفردة أو تجمعات من القبائل، وجد نوع آخر هو الإمارات أو الممالك الصغيرة التي قامت إما حول مراكز تجارية أو عند نقطة توازن بين دولتين كبيرتين متصارعتين أو على حدود كل من هاتين الدولتين، تدخل في منطقة نفوذ الواحدة أو الأخرى منهما وتعمل لحسابها لحماية حدودها ضد أية غارات من البدو أو من جانب القوة الأخرى. والصفة المشتركة بين هذه الإمارات أو الممالك الصغيرة هي أن وجودها كان عابرًا، إذ كان يتوقف على بقاء أوضاع تجارية مواتية أو على بقاء علاقات وظروف دولية بين الدول الكبيرة المتصارعة، كما كان تدهورها أو اندثارها معلقًا بأي تعديل في مسار الخطوط التجارية أو أي تغيير في ميزان العلاقات بين الدول الكبيرة المتصارعة.
ومن بين هذه الإمارات أو الممالك، مملكة الأنباط التي قامت في القسم الشمالي الغربي لشبه الجزيرة العربية حول المدينة التي عرفت في نصوص التوراة باسم "سيلع" أي: الصخرة، والتي عرفها الكتاب اليونان باسم بترا PETRA وهي الترجمة اليونانية للفظة ذاتها كما أنها الاسم الذي لا تزال المدينة تعرف به حتى الآن في صورته العربية "البتراء" والأنباط الذين كانوا في بدايتهم قبائل بدوية متنقلة استولوا من الإيدوميين في القرن السادس ق. م. على المنطقة السهلية التي تشرف عليها المدينة "وهي المنطقة التي تعرف الآن باسم وادي موسى" ثم ما لبثوا أن استولوا على المدينة ذاتها التي كانت موقعًا أساسيًّا على الخط التجاري الذي كان يصل بين سبأ والمناطق المجاورة في جنوبي شبه الجزيرة وبين الموانئ السورية في الشمال (2).
وقد وصل الأنباط نتيجة لهذا الموقع التجاري الحيوي الذي تميزت به عاصمتهم إلى قدر ظاهر من الازدهار الاقتصادي مكنهم من توسيع حدود مملكتهم على حساب جيرانهم، ففي 87 ق. م. أدخلوا ضمن هذه الحدود دمشق ومنطقة البقاع "جوف سورية koele syria في تعبير الكتاب اليونان" كما ضموا إلى مملكتهم كذلك المنطقة الشمالية من الحجاز "مدائن صالح" ربما في القرن الأول الميلادي، ولكن هذا القرن "الأول الميلادي" كان قد بدأ يشهد تطورين ما لبثا أن أديا إلى تدهور هذه المملكة ثم سقوطها واندثارها. ففي غضون هذا القرن نشط الخط التجاري البحري الذي يمر من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي ومن ثم انتقل إليه قسم غير قليل من التجارة التي كانت تنقل على الخطوط البرية، كذلك تزحزح مسار الخط البري الطولي من اليمن إلى سوريا نحو الشرق قليلًا فلم تعد البتراء تمثل موقعًا تجاريًّا حيويًّا، كما تزحزح الخط التجاري العرضي الذي كان يمر بين وادي الرافدين والشواطئ السورية نحو الشمال، فانتقلت الأهمية التجارية من البتراء إلى تدمر في الشمال، وكان هذا إيذانًا بالتدهور الاقتصادي لمملكة الأنباط (3).
أما التطور الآخر فهو أن مملكة الأنباط كانت في هذا القرن قد بدأت تسترعي انتباه الإمبراطورية الرومانية بشكل متزايد بعاصمتها المنيعة التي تحصنها التكوينات الصخرية المحكمة من ثلاث جهات هي الشرق والغرب والجنوب بحيث لا يمكن النفاذ إليها إلا من ممر ضيق بين الصخور في الشمال. وهكذا رأت روما في المنطقة حاجزا حدّيّا أمام محاولات الفرثيين "الإمبراطورية الفارسية" للتوسع على حساب أراضي الإمبراطورية الرومانية، ومن ثم أدخلت مملكة الأنباط في دائرة نفوذها في شكل تبعية غير رسمية. ورغم أن هذه التبعية لم تؤثر في البداية على ازدهار المنطقة "بل لقد وصل هذا الازدهار إلى درجة كبيرة في ظل هذه التبعية التي انحصر هدفها في القيمة العسكرية للموقع فحسب" إلا أن هذه التبعية لم تلبث أن وصلت إلى نهايتها المنطقية حين ضمت روما مملكة الأنباط إلى إمبراطوريتها بشكل رسمي في 105م على عهد الإمبراطور ترايانوس "تراجان،70-106م" لتصبح من تلك السنة ولاية رومانية ويختفي نشاطها من سجل التاريخ لعدة قرون (4).
والإمارة أو المملكة الأخرى التي تمثل هذا النوع من التكوينات السياسية هي تدمر التي يرجع قيامها وازدهارها إلى موقعها الذي يتحكم في خط تجاري حيوي من جهة ويشغل منطقة حدية مهمة في مجال التوازن بين القوتين الكبيرتين المتصارعتين في الشرق والغرب. ورغم أن تدمر لم تظهر على مسرح التاريخ كتكوين سياسي محسوس إلا منذ أوائل القرن الأول الميلادي، إلا أنها كانت موجودة قبل ذلك، ففي أحد النقوش التي ترجع إلى عهد الملك الآشوري تجلات بيليسر الأول "1114-1076ق. م" نجد ذكر هذه المدينة "تدمر بفتح الميم في النطق الآشوري" "الواقعة في آمورور" أي الغرب كموقع من المواقع التي اجتاحها هذا الملك في طريقه إلى سورية. ثم نسمع عنها بعد ذلك بأكثر من عشرة قرون حين يحاول القائد الروماني ماركوس أنطونيوس marcus antonius أن يستولي عليها في 42-41 ق. م. أما ظهورها ككيان سياسي يتميز عن مجرد كونه مكانًا أو موقعًا يشكل واحة في الصحراء الممتدة بين وادي الرافدين وسورية فيعود إلى ما قبل القرن الأول بقليل إذ ترجع أول نقوشها المحلية إلى 9 ق. م (5).
وقد دخلت تدمر في دائرة النفوذ الروماني في أوائل القرن الأول الميلادي وأصبحت ولاية رومانية في أوائل القرن الثاني وظلت كذلك حتى الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي ولكنها مع ذلك نظرًا لموقعها الحدي بين الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية كانت ولاية من نوع متميز بعض الشيء فلم ترسل روما ولاة رومانيين إليها، وإنما كان حكامها من أبنائها المحليين الذين أبدوا ولاءً غير عادي لروما في التصدي لمحاولات التوسع الفارسية على حساب الحدود الرومانية الشرقية. وفي ظل هذا الوضع المتميز وصلت تدمر إلى قمة ازدهارها الاقتصادي بين 130 و270م، وبخاصة بعد أن نشطت طريق التجارة البرية الآتية من الصين إلى الغرب مارة بهذه المدينة وهو ازدهار مَكَّن مملكة تدمر من أن توسع حدودها فلم تعد قاصرة على العاصمة والقرى أو المدن الصغيرة الواقعة بقربها وإنما اتسعت منطقة نفوذها، كمكافأة من الإمبراطور، لتشمل سورية وشمالي شبه الجزيرة العربية. ولكن حين حاولت الزبَّاء أو زينب "زينوبيا zenobia عند الرومان" أن تستغل موقعها الحدي بين الشرق والغرب وتتفاهم مع الفرس وتعتمد على هذا التفاهم لتحصل على مناطق توسع جديدة في آسيا الصغرى ومصر اجتاحت القوات الرومانية هذه المملكة ودمرت عاصمتها في 272م واختفت من فوق المسرح التاريخي ونسيت خرائبها حتى بدأ الرحالة وعلماء الآثار ابتداء من القرن الثامن عشر في اكتشافها وتكوين صورة تتضح يومًا بعد يوم عن تاريخها وحضارتها (6) .
كان هذان، إذن، مثالين من النوع الثاني للتكوينات السياسية التي ظهرت في شبه الجزيرة العربية، وهو النوع الذي اتخذ شكل الإمارة أو المملكة الصغيرة. وقد قامت المملكة الأولى وهي مملكة الأنباط، كما رأينا، بشكل أساسي على أساس من موقعها الحيوي المتحكم في الخط التجاري الطولي الذي يصل جنوبي شبه الجزيرة العربية بالمنطقة السورية من جهة، والخط التجاري الطولي الذي يصل جنوبي شبه الجزيرة العربية بالمنطقة السورية من جهة، والخط التجاري العرضي الذي يصل بين وادي الرافدين والمنطقة السورية، وحين تدهورت أهمية موقعها تدهورت معه المملكة وانتهت بالسقوط. أما المملكة الثانية وهي تدمر فقد قامت على أساسين متوازيين، أولهما هو الموقع التجاري الأوسط الذي يحكم الطريق التجارية العرضية بعد أن تزحزحت نحو الشمال، وثانيهما هو الاعتماد على موقعها الاستراتيجي المتوسط بين القوتين المتصارعتين: الإمبراطورية الفارسية في الشرق والإمبراطورية الرومانية في الغرب، بأن تضع نفسها في خدمة إحداهما وهي الإمبراطورية الرومانية، ولكنها حين حاولت أن تحول اللعبة لحسابها بتغيير ولائها إلى الجانب الآخر، أثبتت لعبة القوى الكبرى أنها أقوى منها، فدمرها الرومان ولم يساعدها الفرس.
أما المثال الثالث لهذا النوع الثاني من التكوينات السياسية في شبه الجزيرة العربية، وهو الممالك أو الإمارات الصغيرة، فتمثله إمارتان قامت إحداهما على حدود الإمبراطورية الفارسية والأخرى على حدود الإمبراطورية الرومانية. أما الأساس الذي قامت عليه كل منهما، فهو في قسم بسيط منه وقوع أقسام من الخطوط التجارية في أراضيهما، ولكن القسم الأهم منه هو قيام كل من هاتين الإمارتين بحماية حدود الإمبراطورية التي تدين لها الإمارة بالتبعية والولاء سواء من غارات البدو أو من محاولات التوسع التي يقوم بها الجانب الآخر -هاتان الإمارتان هما إمارة الغساسنة على الحدود الشرقية للشام وإمارة اللخميين على التخوم الغربية لنهر الفرات.
وربما كان الغساسنة يشكلون في الأصل قبيلة يمنية هاجرت إلى منطقة حوران على أثر تصدع سد مأرب في القرن الثالث الميلادي تحت زعامة عَمْر مزيقية بن عامر ماء السماء، ولكن المؤسس الحقيقي للإمارة بعد استقرارها في موطنها الجديد "إذا كانت حقيقة قد نزحت من اليمن" هو جفنة أحد أبناء هذا الزعيم أو الرئيس. وقد أسست هذه القبيلة إمارتها في المنطقة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من دمشق عند الطرف الشمالي للخط التجاري البري الذي يصل اليمن بالشام واتخذوا موقع "جابية" في الجولان عاصمة لهم كما كانت "جُلّق" عاصمة لهم بعض الوقت. وما لبث الغساسنة أن دخلوا في دائرة نفوذ الإمبراطورية البيزنطية "الرومانية الشرقية" ووضعوا أنفسهم في خدمة مصالحها في المنطقة، وكانت هذه المصالح تتمثل بالدرجة الأولى في الحفاظ على الحدود الشرقية للإمبراطورية على نحو ما أسلفت. وقد كان أهم ملوك هذه الإمارة هو الحارث الثاني أو الحارث بن جبلة "حوالي 529-569م" الذي لقب باسم الحارث الأعرج عند الكتاب المسلمين. وقد أظهر هذا الحاكم من الولاء للإمبراطور البيزنطي ما أدى بالإمبراطور يوستنيانوس justinianus "جستنيان" إلى أن يضفي عليه لقب فيلارخوس phylarchos وهو أسمى لقب في الإمبراطورية بعد لقب الإمبراطور، كما عينه في 529م سيدًا على كل القبائل العربية في سورية.
وقد أدى ملوك الغساسنة دورهم الذي تقتضيه تبعية إمارتهم للإمبراطورية البيزنطية، فدافعوا عن حدود هذه الإمبراطورية. وكان من بين ما قاموا به في هذا المجال حرب شرسة مستطيلة قام بها الحارث في أواسط القرن السادس الميلادي لصالح البيزنطيين ضد المنذر الثالث ملك الحيرة الذي كان بدوره يدافع عن حدود الإمبراطورية الفارسية. كذلك قام خلفه المنذر "الغساني" بغارة أحرق خلالها الحيرة عاصمة اللخميين. إلا أن البيزنطيين كانوا قد بدءوا يشكون في ولائه "لأسباب تتعلق بالمذهب الديني الذي كان يعتنقه" فأخذوه إلى القسطنطينية وسجنوه بعد ذلك في صقلية. أما ابنه النعمان فقد حاول أن يغير على بعض الأراضي التابعة للإمبراطورية فاستاقوه كذلك إلى القسطنطينية. وبانتهاء حكم النعمان يشيع في مملكة الغساسنة قدر ظاهر من التفكك وعدم الاستقرار كما لا نستطيع التحقق الكامل من ظروفها إلى أن يتم فتح المنطقة في 636م على يد خالد بن الوليد في موقعة اليرموك في عصر الفتوح الإسلامية (7).
أما إمارة اللخميين في الجانب الآخر فقد أقامتها مجموعة من القبائل من بني تنوخ الذين استقروا في المنطقة المتاخمة للضفة الغربية للفرات في أوائل القرن الثالث الميلادي "وهو ذات الوقت الذي استقر فيه الغساسنة في بادية الشام"، وكان التنوخيون يشكلون عددًا من قبائل مجموعة أكبر هي مجموعة قبائل اللخميين الذين ربما كانوا يشكلون هجرة يمنية إلى المنطقة وربما كانوا يشكلون مجرد تسرب بطيء من قبائل البادية إليها. وقد أقام التنوخيون مقرًّا لهم في الموقع الذي عرف بعد ذلك باسم الحيرة على مقربة من بابل "على مسافة كيلومترات قليلة جنوبي الكوفة". ونحو أواخر القرن ذاته أسس أحد التنوخيين وهو عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن لخم إمارة في المنطقة وضعت نفسها في خدمة الإمبراطورية الفارسية. وقد ظهر هذا واضحًا في اشتراك المنذر الأول إلى جانب الساسانيين في حربهم ضد البيزنطيين من 421م وفي قيام المنذر الثالث "حوالي 505-554" بغارات على سورية خربت أراضي المنطقة حتى أنطاكية إلى أن تصدى له الحارث الغساني.
وكما رأينا في حالة الإمارات السابقة، فهناك كذلك وصلت إمارة اللخميين إلى قدر من الاستقرار، كان من بين مظاهره قدر من النشاط المعماري المتقدم مثل قصر الخورنق الذي أقامه النعمان الأول "حوالي 400-418م" بالقرب من الحيرة والذي كان يعتبر أعجوبة معمارية في عصره، ومثل قصر السدير الذي يذكر لنا ياقوت الحموي أن النعمان أقامه كذلك، وكان يقوم في وسط الصحراء بين الحيرة وسورية، ومثل الدير، الذي أقامته إحدى أميرات هذه الإمارة وهي هند، أم عمرو بن هند، ومثل انتشار قدر من الحياة الثقافية في الحيرة. كما يدل على هذا الاستقرار كذلك ما وصل إلينا عن حياة البذخ التي كان يمكن للقصر أن يمارسها، كما تشهد على ذلك إشارات إلى توافد مغنين وموسيقيين من الرجال والنساء، سواء في ذلك الذين وفدوا من مكة أو البابليون أو اليونان.
ولكن هذا الاستقرار كان مرتبطًا دائمًا بإرادة الدولة الكبيرة، الإمبراطورية الفارسية، التي كان منطلقها الأساسي هو مصلحتها إزاء الصراع الكبير بينها وبين الإمبراطورية البيزنطية، ومدى ثقتها في ولاء الأمراء اللخميين إزاء هذا الهدف. وهكذا فرغم ظروف التخلخل الذي كانت تمر به الإمبراطورية من حين لآخر حول مسألة العرش -وهي ظروف أتاحت الفرصة لبعض حكام إمارة اللخميين للتدخل في مناسبة واحدة على الأقل في تحديد الشخص الذي يلي العرش "كما حدث أيام المنذر الأول 418-462م"- إلا أن الوضع كان يتغير تماما إذا أحس الأباطرة الفرس بشيء من الشك في ولاء الأمراء اللخميين، وقد حدث هذا بعد حكم النعمان الثالث أو النعمان أبي قابوس بن المنذر "580-602م" إذ نجد الإمبراطور الفارسي يعين إلى جانب الأمير العربي، وهو النعمان بن قبيسة الطائي "602-611م" مقيما فارسيا يمسك في يده بمقاليد الحكومة وهكذا تحول الأمراء العرب في المنطقة إلى حكام بلا سلطة، وظل الأمر كذلك حتى الفتوح الإسلامية حين حصل خالد بن الوليد على استسلام الحيرة في 633م (8).
وأصل الآن إلى المثال الأخير لهذا النوع الثاني من التكوينات السياسية التي عرفتها شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، وهو الإمارات أو الممالك الصغيرة، وهذا المثال هو مملكة كندة التي قامت في المنطقة الوسطى من شبه الجزيرة كمملكة تابعة للملك اليمني حسان بن تبَّع الحميري، وكان قيامها، فيما أرجح، يشكل نوعًا من حصول الملك اليمني على منطقة نفوذ قريبة من إمارتي اللخميين والغساسنة كإجراء لازم في ضوء الصراع الفارسي البيزنطي الذي لم يقتصر على الحدود المباشرة بين هاتين الإمبراطوريتين، وإنما اتسعت دائرته لتشمل المناطق التي تمر بها الخطوط التجارية البرية والبحرية التي تصل إلى الإمبراطوريتين ومن ثم وجدت منطقة اليمن نفسها منساقة إلى الاشتراك بشكل أو بآخر في هذا الصراع وإلى اتخاذ بعض المواقف إزاءه.
وقد بدأ ظهور مملكة كندة حين عين الملك الحميري في الربع الأخير من القرن الخامس "حوالي 480م" أحد رؤساء قبيلة كندة وحو حُجْر آكل المرر حاكمًا على بعض القبائل العربية الموجودة في وسط شبه الجزيرة والتي كان الملك الحميري قد غزاها في فترة سابقة. وفي مجال العمل السياسي في هذا الصراع المثلث بين القوى الدولية استطاع أحد ملوك كندة وهو الحارث بن عمرو أن يسيطر على الحيرة بعد موت الإمبراطور الفارسي قباذ، ولكن المنذر الثالث، ملك الحيرة، تمكن من استعادة إمارته "في 529م" وأعدم الحارث ونحو خمسين من زعماء مملكة كندة، ليحل بعد ذلك في هذه المملكة نوع من التفكك وضع نهاية لوجودها السياسي. ورغم أن أحد أمراء هذه القبيلة، وهو امرؤ القيس، حاول أن يعيد كيان هذه المملكة بمساعدة الإمبراطور البيزنطي معتمدًا على العداء بين هذا الإمبراطور والإمبراطور الفارسي الذي كانت إمارة الحيرة تابعة له، إلا أن لعبة الدول الكبرى كانت أوسع من طموحه، وهكذا لم يحصل على المساندة المنشودة وباءت هذه المحاولة بالفشل. ولكن رغم اندثار مملكة كندة بعد فترة وجيزة من ظهورها إلا أن قيامها في حد ذاته، رغم قصر مدته، كانت له في رأي أحد الباحثين المعاصرين قيمة أساسية من حيث إنها كانت سابقة لاتحاد قبائل وسط شبه الجزيرة العربية، أوجدت تصور الوحدة في هذه المنطقة ومن ثم كانت سابقة مهدت الطريق أمام توحيد المنطقة بعد ظهور الدعوة الإسلامية (9).
هذا عن النوع الثاني من التكوينات السياسية التي عرفتها شبه جزيرة العرب قبل الإسلام، وهو النوع الذي انتشر أساسًا في القسم الشمالي منها، أما النوع الثالث من هذه التكوينات فقد كانت تشكله الملكيات أو الممالك التي قامت في جنوبي شبه الجزيرة. وقد كان الأساس الذي قامت عليه هذه الملكيات أكثر ثباتًا واستقرارًا وأقل اعتمادًا على الظروف العارضة من الإمارات والممالك الشمالية. فبينما كانت هذه الأخيرة تقوم في المناطق الصحراوية وتعتمد على أساس من تجارة العبور التي تعتمد على الموقع التجاري ومن التوازن الدولي بين القوى الكبيرة المتصارعة في شرقي شبه الجزيرة وغربيها، ومن ثم تزدهر وتقوى إذا ظلت الخطوط التجارية في مكانها وعلى أهميتها وإذا ظل التوازن الدولي مؤاتيا، نجد أن الأساس الذي قامت عليه ممالك الجنوب يختلف عن ذلك اختلافا جذريا، فقد عرفت هذه الممالك الجنوبية مساحات ممتدة من الأراضي الخصبة وقدرًا كافيًا ومنتظمًا من الأمطار الموسمية الغزيرة، وهكذا عرفت الأساس الاقتصادي الزراعي المستمر، بل لقد كان السكان لا يكتفون بالأراضي السهلية فيزرعون محصولاتهم على "الأجلال" أو المدرجات التي يسوونها على جوانب الجبال (10).
كذلك عرفت المنطقة مساحات واسعة من الغابات الطبيعية والنباتات التي تنتج الطيوب والتوابل، وهي سلعة لم يكن للعالم القديم غناء عنها -الأمر الذي زاد من استقرار المورد الاقتصادي. أما المورد الذي شكل القسم الثاني من هذا الأساس الاقتصادي فهو ما سبقت الإشارة إليه في مناسبة سابقة وهو التجارة. وهذه التجارة لم تكن مثل نظيرتها في الشمال مجرد تجارة عبورية تعتمد على بقاء الخطوط التجارية وتختلّ إذا أصاب هذه الخطوط أي تغيير أو تعديل في مسارها، وإنما هي تجارة أصلية، الجزء الأكبر من مقوماتها "أو موادها الأولية" موجود في البلاد فعلًا، وإلى جانب كل من هذا فموقع هذه الممالك الموجود في جنوبي الجزيرة كان يجعلها بالضرورة على نقطة الانطلاق من بداية أية طريق برية نحو الشمال، كما كان موقعها عند ملتقى البحر الأحمر والمحيط الهندي يعطيها ميزة مضاعفة في مجال الخطوط التجارية، فالخطان البري والبحري موجودان، وإذا قوي أحدهما على حساب الآخر فإن هذا لا يدفع بها إلى خارج الصورة، وإنما تظل منتفعة في كل الأحوال (11). وقد كانت نتيجة كل ذلك أن بقيت هذه الممالك طوال العصر القديم. حقيقة إن واحدة منها قد تصل إلى مركز القوة على حساب الأخريات في بعض الأحيان، ولكن واحدة منها لم تندثر، كما حدث في بعض الإمارات والممالك الشمالية، كما كانت الحال مع مملكة الأنباط أو مملكة تدمر على سبيل المثال.
أما الصفة الثانية التي تميزت بها ممالك العربية الجنوبية فهي ما نلحظه بينها، رغم تعددها، من توافق أو ما يشبه التوافق، يقترب بها من التداخل بقدر ما يبتعد بها عن التناحر والتصارع الذي نجده في بعض إمارات الشمال مثل إمارة الغساسنة وإمارة اللخميين. ولعل مرجع هذا إلى التكامل الاقتصادي فيما بينها؛ فبعض المناطق تنتج نوعًا من الطيوب والتوابل وبعضها ينتج نوعًا آخر وكلها تصب عند بداية خط القوافل البري الذي يمر في مناطق حددتها التضاريس الطبيعية وجعلتها أنسب من غيرها، ومن ثَمَّ لم يكن هناك بديل لها. وهكذا كان لا بد من قدر من الاتفاق بين هذه الممالك جميعًا لا يمكن الاستغناء عنه، فكل منطقة تعتمد على الأخرى، هذه تنتج وتريد أن تسوِّق تجارتها وتلك تمر القوافل من أرضها وتستفيد مما تجنيه من ذلك من رسوم وأجور على ما تقدمه من خدمات، وفي بعض الأحيان تجمع بين الموردين: الإنتاج والنقل وهكذا. ومن ثم كانت السيادة السياسية بين هذه الممالك تتعاصر أحيانًا وتتتابع أحيانًا، وتتفوق فيه مملكة على مملكة أخرى، أو تصل إحدى هذه الممالك إلى السيطرة على كل الممالك الباقية فيما يشبه الوحدة السياسية.
ونظرة واحدة على المسار السياسي لهذه الممالك توضح ما أعنيه بهذا التوافق أو التداخل بين الممالك التي قامت في هذا القسم الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، فقد قامت مملكة سبأ الأولى "جنوبي نجران" واتخذت صرواح "غربي مأرب" عاصمة لها بين 750 و610ق. م. لتتلوها مملكة سبأ الثانية التي اتخذت مأرب "60 ميلا تقريبا شرقي صنعاء" عاصمة لها بين 610 و115ق. م. وفي ذروة ازدهار سبأ سيطرت لفترة من الوقت على مملكة المعينيين التي قامت في منطقة الجوف اليمنية "غير الجوف الموجودة في شمالي شبه الجزيرة". أما المعينيون فقد عاصروا السبئيين لفترة من الوقت، إذ قامت مملكتهم بين 700 ق. م. واستمرت حتى القرن الثالث وكانت عاصمتهم هي قرناو "معين الحالية" في القسم الجنوبي من الجوف إلى الشمال الشرقي من صنعاء، وفي فترة ازدهارهم سيطروا على القسم الأكبر من العربية الجنوبية. وغير هاتين المملكتين قامت مملكة قتبان في الركن الجنوبي من شبه الجزيرة شرقي عدن بين أوائل القرن الرابع وأواسط القرن الأول ق. م. "400-50ق. م.". واتخذت مدينة "تمنع" "كُحلان الحالية" عاصمة لها، كما قامت مملكة حضرموت إلى شرقي قتبان بين أواسط القرن الخامس ق. م. وآخر القرن الأول الميلادي، وفي بعض الفترات كانت هاتان المملكتان تحت السيطرة السبئية أو المعينية.
ثم نجد السيادة الحميرية تظهر ابتداء من 115 وحتى نهاية العصر القديم، وقد أتى الحميريون من المرتفعات الجنوبية الغربية لليمن واتخذوا من "ظفار" "حوالي 100 ميل شمالي شرقي مخا على الطريق إلى صنعاء" عاصمة لهم وسيطروا على قسم كبير من المنطقة التي وجدت فيها الممالك التي سبق ذكرها واتخذ كل من حكامهم لقب: "ملك سبأ وذو ريدان" "وذو ريدان هي قتبان" وبقى هذا هو اللقب الملكي حتى أول القرن الثالث الميلادي "300م" حين نجده يتغير إلى "ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات" ومعنى ذلك: أن مملكة حضرموت قد دخلت في تبعية السيطرة الحميرية في ذلك الوقت. هذا وقد زاد هذا اللقب في فترة لاحقة ليضم "وأعرابها في الجبال وفي تهامة"، "وتهامة تقع على الشاطئ الغربي في امتداد جنوبي شمالي" وهي زيادة تشير إلى اتساع نطاق السيادة الحميرية لتشمل كل المنطقة المأهولة في العربية الجنوبية (12).
ثم تأتي الصفة الثالثة لهذه الممالك الجنوبية وهي نقاط التوسع خارج حدودها عن طريق المستوطنات. ونحن نستدل على ذلك من بعض النقوش الآشورية التي يرد في واحد منها من عهد الملك تجلات بيليسر الثالث "744-427 ق. م"، على سبيل المثال، أن هذا الملك مد نفوذه إلى عدد من القبائل والمدن من بينها سبأ، ثم يذكر في النقش ذاته أن هذه الأماكن تقع في أقصى الغرب "بالنسبة لدولة آشور" كما يضع سبأ في ترتيبها بعد تيماء مما يعطينا فكرة عامة عن موضعها. وهذا النقش وغيره من النقوش الآشورية التي يرد فيها اسم سبأ تشير بشكل واضح إلى أن المقصود هو مستوطنات سبئية في الشمال. كذلك نجد عددًا من النقوش المعينية في العلا وفي شمالي غربي شبه الجزيرة وفي الجوف في القسم الشمالي منها، وكلها تشير إلى قيام عدد من المستوطنات المعينية في هاتين المنطقتين. كما نجد مثالًا تتضخم فيه هذه المستوطنات لكي تتحول بعد ذلك إلى دولة متكاملة، كما حدث في عهد المملكة الحميرية حين أقام بعض العرب الجنوبيين مستوطناتٍ لهم في الحبشة ابتداء من القرن الأول الميلادي وكانوا بذلك نواة لدولة أكسوم التي قامت في المنطقة (13). ومثل هذه المستوطنات ابتدأت بالضرورة كمحطات تجارية لتجار العربية الجنوبية ثم نمت واستقرت بعد ذلك لتتحول إلى مدن لها كيانها الخاص ولكن تبقى بينها وبين الأماكن التي انبثقت منها في البداية علاقات مصالح تجارية، كما نتصور أن تكون لها مع هذه الأماكن علاقات أدبية ودينية، كما حدث في حال المستوطنات اليونانية خارج بلاد اليونان، التي تحولت على مدى الزمن إلى مدن يونانية لكل منها كيانها السياسي المستقل القائم بذاته.
ب- نظام الحكم:
بعد الحديث عن الأشكال أو التكوينات السياسية التي عرفتها شبه الجزيرة العربية، نلقي نظرة سريعة على النظم السياسية، أو نظم الحكم، التي عرفتها هذه التكوينات. وفي هذا الصدد نستطيع أن نتبين ثلاثة أنواع من هذه النظم، والنوع الأول نراه في النظام السياسي الذي عرفته التكوينات القبلية ونظام الحكم هنا يمكن أن نصفه بأنه نظام رئاسي يقوم على قاعدة شعبية قوامها كل أفراد القبيلة أو التجمع القبلي "في حالة وجود كيان سياسي يضم أكثر من قبيلة" ولكنه مع ذلك يميل إلى الصفة الطبقية أو الأرستقراطية إذا جاز لي أن أستعير تعبيرًا غير عربي.
وحاكم القبيلة أو التجمع القبلي هنا هو الشيخ أو السيد. والأساس الذي يقوم عليه حكمه ليس هو الوراثة وإنما هو الاختيار الذي قد يكون انتخابًا أو إجماعًا من القبيلة أو التجمع القبلي لنا أن نتصور أنه يتم في حدود رؤساء الأسر والأقوام "الأحياء" التي يتكون منها هذا الكيان القبلي إذا أدخلنا في اعتبارنا حرص العرب على النقاء الأسري في العصر السابق للإسلام حين لم تعرف القبائل العربية في البداية نظام الدولة بما لها من مؤسسات، ومن ثم كان التماسك الأسري "داخل التماسك القبلي" هو البديل الأساسي إن لم يكن البديل الوحيد لحفظ كيان القبيلة من التميع ومن ثم الاندثار. والصفات التي تؤهل السيد لمنصبه في السيادة أو الرئاسة هي صفات مستوحاة من حاجة القبيلة ومن ظروفها أساسًا. فالسن عليها معول كبير دون شك، إذ إنها مؤشر إلى التجربة والحكمة في مجتمع كانت العلاقات القبلية فيه تتعرض للغارات المتبادلة لأوهى الأسباب، وإن كان لنا أن نتصور وجود سادة أو رؤساء للقبائل دون اشتراط تقدم السن إذا كانت التجربة أو الحكمة في التصرف متوفرة في الشخص المرشح للرئاسة. كذلك كانت الشجاعة والحلم والكرم والثروة والحرص على مصالح القبيلة من المؤهلات الرئيسة للسيد. فالشجاعة مؤهل أساسي في مجتمع الغارات المتبادلة، والكرم لا يقل عنه ضرورة في مجتمع معرض للظروف الجغرافية القاسية التي قد تودي بالزرع والضرع، أو تؤدي إلى ندرة العشب إذ حلت بالمنطقة فترة جفاف طويلة. وقد كان ذلك واردًا في شبه الجزيرة (14).
على أنه يحدث في بعض الأحيان أن يكون السيد الجديد ابنًا للسيد القديم، ولكن هذا لم يكن معناه ابتعادًا عن النظام الانتخابي أو الاختياري المذكور أو اقترابًا من النظام الوراثي، وإنما يكون ناتجًا عن توفر صفات الرئاسة بحكم الصدفة أو الواقع في ابن السيد السابق. ونحن نجد في هذا الصدد سيدًا لإحدى القبائل، وهو عامر بن الطفيل الذي يبدو أنه اختير سيدًا بعد وفاة أبيه، السيد السابق للقبيلة، يحاول جاهدًا أن يرد عن نفسه ما قد يوجه إليه من اتهام بوراثة السيادة ويستنكر مثل هذا الاتهام، ذاكرًا أن قبيلته هي التي سودته عليها ومشيرا إلى صفاته التي جعلت قبيلته تختاره لسيادة القبيلة فيقول:
فإني وإن كنت ابن سيد عامر *** وفارسها المندوب في كل موكب
فما سوَّدتني عامرٌ عن وراثة *** أبـى الله أن أسمـــو بـــأم ولا أب
ولكنني أحمـي حمـاها وأتقي *** أذاهـــا وأرمـي من رماها بمنكب (15)
كذلك قد يحدث أن تعطى سيادة القبيلة أو التجمع القبلي لامرأة وليس بالضرورة لرجل، والبيت الثاني من الأبيات السابقة يشير صراحة إلى هذا الاتجاه. ولم يكن هذا في الواقع أمرا غريبا عن عرب شبه الجزيرة في العصور السابقة للإسلام؛ فنحن نعرف من المصادر التي وردت فيها معاملات بين عرب شبه الجزيرة وغيرهم من الشعوب عن عدد من النساء اللاتي شغلن منصب الرئاسة لمجتمعات قبلية عربية، وقد أسمتهن هذه النصوص "ملكات" للعرب حسب التسمية السائدة عند الشعوب التي تنتمي إليها هذه النصوص. وهكذا نسمع في القرآن الكريم وفي التوراة عن معاملات في القرن العاشر ق. م. بين سليمان ملك اليهودية "971-937ق. م" وبين ملكة سبأ، التي أصبح من المرجح أنها لم تكن ملكة دولة سبأ الموجودة في جنوبي شبه الجزيرة، وإنما رئيسة مستوطنة سبئية شكلتها مجموعة قبائل جنوبية هاجرت واستقرت في شمالي شبه الجزيرة. وفي القرن الثامن ق. م. نسمع في النقوش الآشورية عن احتكاكات سياسية وعسكرية بين الملك الآشورية تجلات بيليسر الثالث "744-727 ق. م." وبين ملكتين عربيتين هما الملكة زبيبة والملكة سمسي، وفي القرن السابع ق. م. نسمع من النقوش ذاتها عن معاملات سياسية بين الملك الآشوري إسار حدّون "680-669ق. م" وبين ملكة عربية أخرى هي إسكلاتو. كما نسمع في الكتابات اليونانية في أواخر القرن الرابع الميلادي "حوالي 380م" عن "ماوية، ملكة العرب" التي قامت بعدد من الغارات على الأراضي الفلسطينية والفينيقية (16).
وإلى جانب السيد أو شيخ القبيلة نستطيع أن نتبين من النصوص وجود تجمعين أو مجلسين يشاركانه في تصريف أمور القبيلة: أحدهما هو مجلس أعيان القبيلة والآخر يضم كل أفراد القبيلة. ويشير القرآن الكريم إلى المجلس الأول في أكثر من مناسبة تحت اسم "الملأ". وحقيقة إن هذه التسمية قد وردت في إحدى الآيات القرآنية لتدل على مجرد مجموعة من الناس، كما وردت في آيات أخرى قليلة بشكل قد يحتمل المعنى العام والمعنى الخاص الذي نحن بصدد الحديث عنه، ولكن الصفة المتواترة عند ذكر هذه التسمية تشير بشكل لا يشوبه الغموض إلى أن المقصود منها هو هذا المجلس الذي يضم الأعيان، الذين يبدو منطقيا أنهم كانوا رؤساء الأحياء والأسر التي تشكل القبيلة. ولنا أن نستنتج أن هذه التسمية بالذات هي التي كانت سائدة للتدليل على هذا المجلس، طالما أن القرآن الكريم يذكرها على أنها شيء معروف عند العرب الجاهليين الذين كان يخاطبهم.
أما النقاش داخل هذا "الملأ" فيبدو أنه كان إلى حد غير قليل نقاشًا مفتوحًا وديمقراطيًّا يتسع للرأي ونقيضه. ونحن نجد صورة نابضة في القرآن الكريم لهذا النقاش الذي يتعاقب فيه الفريقان المتعارضان في اجتماع الملأ واحدًا بعد الآخر، في إدلاء بالرأي، ورد عليه ثم اعتراض على الرد ثم رد على الاعتراض وهكذا. كما نجد أحد الفريقين المتناقشين، حين تتأزم المناقشة، يطرح موضوع النقاش على العامة من أفراد القبيلة ليدلوا برأيهم في الموضوع وربما كان الاسم الذي أطلق على هذا التجمع العام الأخير هو النادي الذي قد يشير كذلك إلى مكان هذا الاجتماع العام. فالاسم ورد في القرآن الكريم في معنى التجمع العام، كما أن مدلول اللفظة ذاتها يفيد معنى التجمع المقترن بالنقاش (17).
والنوع الثاني من التنظيمات السياسية التي عرفتها شبه الجزيرة العربية نجده في التجمعات القبلية التي تحولت إلى إمارات أو ممالك تابعة للإمبراطوريات الكبرى أو داخلة في دائرة نفوذها بشكل أو بآخر مثل مملكة تدمر وإمارتي الغساسنة واللخميين. ومنصب الذي يتقلد الرئاسة على هذه القبائل كان بالنسبة للعرب يتخذ تسمية "الملك"، كما يتبين من النقش الذي وجد على قبر امرئ القيس الأول بن عمرو بن عدي "288-328م" وهو أحد الحكام اللخميين وفيه نجده يصف نفسه بأنه "ملك العرب كلهم"، وكما يتبين لنا كذلك من إشارة الشاعر التغلبي عمرو بن كلثوم إلى عمرو بن المنذر الثالث بن ماء السماء "المعروف باسم عمرو بن هند" الذي يقول:
إذا ما الملك سام الناس خسْفًا *** أبينا أن نقر الذل فينا (18)
أما بالنسبة للدولة التي تتبعها الإمارة فقد كان لقب حاكم الإمارة يتخذ أسماء متعددة حسب الظروف، كما حدث في حالة أذينة حاكم تدمر، على سبيل المثال، حين نجد الإمبراطور الروماني يضفي عليه لقبين لقاء خدماته، أحدهما "قائد الشرق" أو "قائد المنطقة الشرقية" dux orientis والآخر "آمر الجند" imperator وكما حدث في حال المنذر الثالث الغساني الذي أضفى عليه الإمبراطور يوستنيانوس "جستنيان" لقب "حاكم القبائل" phylarchus إلى جانب لقب شرفي آخر هو "النبيل" patricius.
والحكم في هذه الإمارات كان فرديا وراثيا "على عكس ما رأينا في نظام الحكم القبلي بالنسبة للسيد" يظهر هذا من قائمة حكام الغساسنة واللخميين كما يبدو في تدمر من تقلد الزباء ملكة تدمر لصلاحيات السلطة كوصية على العرش بعد موت زوجها أذينة. ويبدو أن الدول الكبرى التي كانت تتبعها هذه الإمارات لم تتدخل في هذا النظام الوراثي، ولعل السبب في ذلك هو أن هذا النظام كان يمثل بالنسبة لها شيئا من الاستقرار الذي تنشده على حدودها. وحتى حين كانت تشك في نوايا أو تصرفات أحد هؤلاء الحكام كانت تبقي على نظام الوراثة كما هو ولكنها تتخذ الإجراء الذي تراه مناسبًا للمحافظة على مصالحها. ومن أمثلة ذلك ما حدث حين لم ترتح الإمبراطورية البيزنطية إلى بعض تصرفات المنذر الرابع وابنه النعمان فأخذ الأول سجينًا إلى القسطنطينية ثم سجن بعد ذلك في صقلية، بينما اقتِيدَ الثاني منفيًّا إلى القسطنطينية. ومن أمثلته كذلك ما حدث حين عين الإمبراطور الفارسي إلى جانب إياس بن قبيصة "602-611م"، الحاكم اللخمي، مقيما فارسيا وضعت السلطة الحقيقية في يده بحيث أصبحت سلطة الحاكم العربي سلطة اسمية (19).
نظام آخر من أنظمة الحكم في شبه الجزيرة في العصور القديمة نجده في مملكة الأنباط التي قامت وازدهرت كمملكة مستقلة في أغلب مراحل وجودها حتى أدخلها الرومان في دائرة نفوذهم في أواخر القرن الأول ق. م. أو أوائل القرن الأول الميلادي قبل أن تتحول إلى ولاية رومانية رسمية في أوائل القرن التالي. وفي هذه المملكة كان منصب الملك وراثيًّا كذلك. ولكن يبدو أن الحكم مع ذلك لم يكن فرديًّا، فنحن نجد مجلسًا شعبيًّا يذكر لنا الكاتب اليوناني سترابون أن الملك كان يقدم أمامه تقريرًا عن أعماله، بل لقد كان هذا المجلس يناقش الأسلوب الذي يتبعه الملك في حياته الخاصة في بعض الأحيان. كذلك كان يحد من سلطات الملك وزير أو رئيس للجهاز التنفيذي يتخذ لفظ "الأخ" ونحن نعرف على الأقل واحدا من الذين شغلوا منصب "الأخ" وهو سللايوس syllaeus "صلاء، شلاء" الذي عاصر حملة الرومان على شبه الجزيرة العربية في 24 ق. م. وقد كان صاحب سلطة واسعة فعلًا. وربما كان ناتجًا عن قوة شخصيته وضعف شخصية الملك النبطي آنذاك وهو عبيدة "أوبودا oboda عند الرومان" كما يشير إلى ذلك سترابون في شيء من التفصيل. ولكن مع ذلك فإن التسمية التي أطلقت على المنصب وهي "الأخ" تشير إلى شيء من اتساع صلاحيات هذا المنصب (20).
أما النوع الأخير من نظم الحكم أو النظم السياسية فقد وجد في جنوبي شبه الجزيرة العربية، والنظام كان ملكيا في الدول التي قامت في هذا القسم من شبه الجزيرة. ويبدو أن الملكية في هذه المنطقة كانت فردية مطلقة في المرحلة الأولى من مراحل ظهورها، وهي مرحلة ترجع إلى القرن السابع على أقل تقدير في بعض أجزاء المنطقة. ويظهر لنا ذلك من أن الملك كان يجمع بين منصبه الملكي ومنصب الكاهن الأعلى أو "المكرب"، "المقرب، ربما من تقديم القرابين إلى الآلهة" في واحدة على الأقل من الممالك التي قامت في المنطقة، وهي مملكة سبأ في مرحلتها الأولى "من حوالي 610 إلى 115ق. م" (21). وهو وضع مغزاه، إذا أدخلنا في اعتبارنا أن الدين كان يعتبر الدعامة التي تعطي للنظام الملكي قاعدته الشرعية في العصر القديم بوجه عام، ولنا أن نتصور في ظل هذا الوضع أن يكون الحكم الملكي وراثيًّا كذلك، فهو أمر وارد في النظام الملكي وهو أمر أكثر ورودًا إذا كان الحكم الملكي من النوع الفردي المركزي.
ولكن يبدو أن هذا النظام الملكي الذي يقوم على الحكم الفردي المركزي "سواء في سبأ أو الملكيات الأخرى" لم يبق على ما كان عليه. ففي سبأ، على سبيل المثال، فقد الملك صلاحياته الدينية ابتداء من 115 ق. م. لتتركز في أيدي رجال الدين الذين يبدو أنهم كانوا يشكلون طبقة لا يستهان بها إذا بنينا حكمنا على العدد الهائل من المعابد التي يذكر الكاتب الروماني بلينيوس أنها كانت موجودة في بعض مدن المنطقة في أواسط القرن الأول الميلادي، وهي فترة غير متأخرة كثيرا عن التاريخ المذكور. كذلك يذكر لنا سترابون "أواخر القرن الأول ق. م وأوائل القرن الأول الميلادي" أن النظام الملكي لم يكن وراثيًّا آنذاك فيقول في هذا المجال: إن ابن مالك لم يكن هو الذي كان يخلفه على العرش وإنما أحد أفراد الأعيان "أو الطبقة الأرستقراطية" (22)، وبذلك تكون ركيزة الوراثة قد انتزعت كذلك من صلاحيات النظام الملكي.
ومثل هذا التطور ليس في الواقع شيئًا معدوم النظير في العصور القديمة، فقد عرفته الدويلات اليونانية حوالي القرن الثامن في المرحلة التي عاصرت تطور نظام الحكم من الحكم الملكي إلى الحكم الأرستقراطي. فقد بدأت بانتزاع صلاحيات الملك واحدة بعد الأخرى. وكان من بين هذه الصلاحيات النظام الوراثي والسلطة الدينية. ونحن نستطيع أن نفهم ما حدث في الممالك العربية الجنوبية في هذا الصدد إذا عرفنا مدى قوة الطبقة الأرستقراطية هناك وهو أمر نستنتجه مما يذكره لنا الكاتب بلينيوس ذاته حين يعرفنا أن ثلاثًا من المناطق العربية الجنوبية "وهي مناطق السبئيين والمعينيين والحضرميين" كانت فيها 3000 أسرة تحتكر حق امتلاك أشجار الطيوب والاتجار فيها بشكل وراثي، وهو أمر غير غريب عن مناطق العربية الجنوبية، فالملكية الجماعية، أو الإدارة الجماعية لقطع واسعة من الأراضي الزراعية معروفة لنا من النصوص التي عثر عليها في المنطقة (23). ومعنى هذا في الواقع أن الطبقة الأرستقراطية الثرية كانت طبقة لا يمكن أن يتجاهلها الملك، بل لا يمكن إلا أن تزحف على صلاحيات النظام الملكي بما في ذلك النظام الوراثي للعرش بحيث يتحول الملك إلى ما يمكن أن نسميه "الأول بين الأقران" أو Primus inter pares حسب التعبير اللاتيني الذي صاغه الرومان عن هذا المعنى. فالملوك كانوا، هم الآخرون، من الأسر التي تملك هذا الحق الاقتصادي الوراثي.
وفي ضوء هذا الوضع تتحول سلطة الملك الذي كانت الطبقة الأرستقراطية تختاره بطريقة أو بأخرى من بين صفوفها إلى ممثل لهذه الطبقة والتي هو نفسه منها، يحافظ على مصالحها وينمِّي هذه المصالح إزاء أية ظروف معاكسة. ولعلنا نفهم من خلال هذا التصور ما يذكره لنا الكاتب اليوناني أرتميدوروس "اشتهر في أوائل القرن الثاني ق. م." من أن الملك عند السبئيين رغم كونه المرجع "في القضايا وكل شيء" إلا أنه "كان لا يملك أن يترك قصره "لعله يريد أن يترك العرش" وإذا تركه فإن الغوغاء، حسب نبوءة معينة، ترجمة حتى الموت" (24). ولنا أن نتصور أن هؤلاء الغوغاء هم أتباع أو أجراء الطبقة الأرستقراطية المالكة لهذا المورد الإنتاجي الأول في البلاد، كذلك لنا أن نتصور شيئًا من المبالغة فيما يخص مسألة الرجم. ولكن يبقى المعنى، حتى بعد هذه التحفظات واضحًا، وهو أن تنازل الملك عن عرشه أو تركه له بشكل أو بآخر، قد لا يناسب الطبقة التي اختارته إذا جاء ذلك في وقت غير مناسب لها، ومن ثم فمثل هذا التنازل لم يكن ليتم إلا بموافقة هذه الطبقة.
____________
(1) أمثلة للنقوش الآشورية في ANET، صفحات 279، 283-286، 291. أمثلة لنصوص التوراة في سفر أخبار الأيام الثاني، إصحاح 21: 16 وما بعدها، عن الظروف والملابسات راجع الباب العاشر الخاص بالعلاقات الخارجية في هذه الدراسة.
(2) عن استيطان الأقباط راجع:
DUSSAUD: LA PENETRATION DES ARABES EN SYRIE صفحات 21-24. عن اسم سيلع في التوراة راجع: نبوءة أشعيا، إصحاح 46: 1، 42: 11، سفر الملوك الثاني، 17: 7. عن اسم بترا petra عند الكلاسيكيين راجع أمثلة في strabo: XVI, 4: 21,23,24 كذلك: Plinius: HN, VI, 44.
(3) عن التوسع في سورية وفي الجنوب راجع: hitti، ذاته، ص 68. عن تحول الخط التجاري للشمال راجع: kammerer: petra et la nabatene "paris 1929" ص307.
(4) عن التبعية غير الرسمية لروما strabo: XVI, 4: 21. عن تحويل المملكة إلى ولاية رومانية
ammianus marcellinus: Rerum gestarum libri, XXXII, 14, 8: 13.
(5) بترا كمنطقة توازن حدية في plinius: HN, V, 38. في نص تجلات بيليسر في anet ص275.
(6)dussaud : ذاته، صفحات 71-188. كذلك m. cary: Ahistory of rome, "london 1960" ط1, صفحات 724, 725، 728.
(7) hitti: ذاته, صفحات 78-80.
(8) "paris, 1921" ign, guidi: LArabie anteislamlque"، صفحات 11-19.
(9) GUIDI: ذاته، صفحات 28-30.
(10) راجع الباب الثالث الخاص بملامح شبه الجزيرة في هذه الدراسة.
(11) راجع الباب الثامن الخاص بالموارد الاقتصادية في هذه الدراسة.
(12) عن عرض موجز للمسار السياسي لهذه المناطق، راجع، guidi: ذاته، صفحات 64-84، كذلك hitti: ذاته، صفحات 49-66.
(13) النص عن سبأ في مجموعة arab ج1، فقرة 779 وفي anet ص283. نصوص أخرى من عهد سرجون يشار فيها إلى السبئيين كقوم يسكنون في الشمال في anet، صفحات 284-286. عن وجود مستوطنات سبئية في الشمال، انظر dussaud: ذاته، ص22، حاشية 4. النصوص المعينية في الجوف والعلا والتعليق عليها بما يثبت وجود مستوطنات معينية في هذه المناطق في wr، صفحات 73-74 و119-120. عن مستوطنات عربية جنوبية في الحبشة راجع، hitti: ذاته، صفحات 56-57.
(14) عن الصفات التي ينبغي توفرها في سيد القبيلة راجع، lammens، ذاته، صفحات 211-238.
(15) الأبيات في شيخو والبستاني: المجاني، ص293، أبيات 6-8.
(16) ملكة سبأ في سورة النمل: 22-23 "راجع الباب الخاص بالمصادر الدينية في هذه الدراسة"، كذلك التوراة، سفر أخبار الأيام الثاني، إصحاح 9: 1 وما بعدها، عن الملكات العربيات اللاتي ترد أسماؤهن في النصوص الآشورية، زبيبة وسمسي في عهد تجلات بيليسر في ANET ص283، مثال آخر للملكة سمسي على عهد سرجون الثاني "750-721 ق. م" في ذاته: ص286، الملكة إسكلاتو، في ذاته: ص291، الملكة ماوية في THEOPHANES: 64 "طبعة BOOR".
(17) عن الملأ، القرآن الكريم، سورة الأعراف: 60، 66، 75، 88، 90، هود: 27، إحدى المناقشات النابضة في السورة ذاتها: 73-76. الملأ كمجرد مجموعة وليس مجلسًا، في هود: 38. النادي في العنكبوت: 29.
(18) شيخو والبستاني: ص136، بيت97.
(19) عن ألقاب أذينة راجع: m. cary: a history of rome ص725، كذلك kammerer: ذاته، ص320، عن قوائم ملوك الغساسنة واللخميين، kammerer: ذاته، صفحات 337، 341، عن الوراثة في الأسرة الحاكمة في تدمر ووصاية الزباء، cary: ذاته، ص725، عن تصرف القوات الكبرى في حالة شكهم في نوايا هؤلاء الحكام hitti: ذاته، صفحات 80 و84.
(20) عن الحكم الوراثي ومنصب الأخ، ونفوذ سللايوس إزاء ضعف شخصية عبيدة strabo: XVI، 4: 21، عن الملك ومجلس الشعب، ذاته: XVI، 4: 26 مناقشة لشخصية سللايوس في، kammerer ذاته، صفحات 90-91.
(21) hitti: ذاته ص52.
(22) انتزاع السلطة الدينية من الملك في hitti: ذاته، ص54، كثرة عدد المعابد في plinius: HN، VI، 153 نظام اعتلاء العرش في strabo: XVI، 4:3.
(23) عن الأسر المحتكرة plinius: HN، XII، 54، عن المزارع الجماعية راجع الموارد الاقتصادية في الباب السابق، والوضع الاجتماعي أدناه في الباب الحالي.
(24) منقول في سترابون: strabo:XVI، 4: 19.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم الهدايا والنذور يوضح آلية العثور على مفقودات الزائرين وطريقة استعادتها
|
|
|