مميزات عصر بطليموس الخامس
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج16 ص 89 ــ 91
2025-11-17
30
الواقع أننا إذا ألقينا نظرة عامة على الأحداث التي وقعت في عهد «بطليموس الخامس» والدور الذي لعبه هو فيها لأمكننا أن نستخلص النقاط التالية عن أخلاقه والأعمال التي خلفها لنا بمثابة عنوان لعهده.
أولًا: يمكن التكهن بصفة أكيدة عما كان سيئول إليه مصير هذا الملك لو امتد به الأجل، وبخاصة عندما نعلم أنه احتضر وهو في ريعان الشباب.
حقًّا إنه — كما قلنا — كان مولعًا بالصيد والقنص، وذلك على النقيض من والده الذي قضى حياته في أحضان الخلاعة والمجنون بعيدًا عن مخالطة الشعب الذي كاد ينساه. ولا نزاع في أن «بطليموس الخامس» كان من الممكن أن يوجه نشاطه الذي صرفه في الصيد والقنص والرياضة إلى الحرب والدفاع عن مصر التي فقدت في عهده كل ممتلكاتها الخارجية، والحق يقال: إنه لا يلام في ذلك؛ إذ يرجع كل اللوم على أولئك الذين نشأوه في بداية حياته، وكان في أيديهم زمام حكم البلاد وهو لا يزال حدث السن غض الإهاب. ولسوء الحظ لم تهيئ له الأحوال رجالًا مخلصين لإرشاده إلى الصراط السوي؛ بل كان كل منهم يسعى للعمل لنفسه على حساب هذا الطفل وعلى حساب مصر، سواء كان ذلك بجمع كل السلطة في يده أو بجمع المال بأية وسيلة، أضف إلى ذلك أن بعضهم كان ينغمس في شهواته وملذاته عندما يطمئن إلى أن السلطة قد أصبحت كلها في يده، وذلك على الرغم من سوء الأحوال في داخل البلاد وبوجه خاص في خارجها، ولا أدل على ذلك مما كان يحيط بمصر وإمبراطوريتها من طامعين فيها منذ تولي هذا الملك الفتى الذي لم يكن قد بلغ السادسة من عمره؛ فقد كان «أنتيوكوس الثالث» يسعى إلى توسيع إمبراطوريته بابتلاع أملاك مصر في الخارج، وفعلًا نجده قد تآمر مع «فيليب الخامس» ملك مقدونيا — وكان لا يقل عنه شرها — لتقسيم مصر وأملاكها الخارجية. وقد كاد هذان العاهلان يقضيان على ملك البطالمة فعلًا في الداخل والخارج لولا ظهور الجمهورية الرومانية ووقوفها بالمرصاد في وجه هذين العاهلين. على أن الأخيرة لم تقم بعملها هذا كرمًا منها ومروءة؛ بل لأجل أن تنصب نفسها وصية على ملك مصر الذي لم يكن قد بلغ بعد مبلغ الرجال ليتولى الحكم بنفسه، بل حتى عندما بلغ سن الرشد لم تنفك روما عن ترك الوصاية عليه، وهكذا ظلت روما تحتل هذه المكانة في مصر حتى آخر حكم البطالمة.
ومن جهة أخرى كان هناك خطر آخر عظيم يهدد كيان أسرة البطالمة نفسها، والإطاحة بعرشها؛ وأعني بذلك الحروب الداخلية التي شبت في أنحاء البلاد على أثر انتصار المصريين في موقعة «رفح» على «أنتيوكوس الثالث» عام 217ق.م؛ فمنذ هذا التاريخ أخذ المصريون يشعرون بقوتهم وبعزتهم القومية، ومن ثم أخذوا يطالبون بحقوقهم التي كان قد اغتصبها الحكام الأجانب، وبخاصة ما كانوا يتحملون من الضرائب الفادحة التي كانت تُفرض على كل شيء حتى على الهواء الطلق؛ ومن ثم قاموا بالثورة التي سنتحدث عنها فيما بعد، في عهد هذا العاهل الفاجر الذي كان يريد أن يتمثل بأعاظم الفراعنة في كثير من عاداتهم وطرق حياتهم في بلاطهم عن غير استحقاق أو جدارة.
فمن ذلك أنه أخذ يعيد استعمال بعض الألقاب المصرية القديمة في نظام بلاطه. حقًّا كان بعض هذه الألقاب — التي كانت في الواقع ألقاب شرف وحسب — تُعطى قبل عصره، ولكن نلحظ أنه منذ عهده أخذ يمنح ألقابًا أخرى مثل لقب «المعروف لدى الملك» أو «قريب الملك» أو «السمير الوحيد»، وغير ذلك من الألقاب التي تدل على أنه أراد أن يقلد الألقاب المصرية القديمة، وما ذلك إلا لأجل أن يظهر أمام الشعب المصري الأصيل بأنه يريد إحياء ذكرى مصر القديمة من كل الوجوه، كما فعل ملوك عصر النهضة في عهد الأسرتين الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين، ويُخيل إليَّ أن ما ذكره المؤرخون من أسباب أخرى عن ذلك تبدو في ظاهرها مقبولة، ولكن الفاحص المدقق في مجريات الأحوال يجد أن «بطليموس الخامس» أراد أن يكون مصريًّا في كل مظاهر حياته من الوجهة الدينية. وعلى أية حال فإن المصريين الذين قاموا في عهده ليدافعوا عن حقوقهم المغتَصبة وبطرد هذا الغاصب من الديار المصرية لم ينخدعوا بكل هذه التجديدات، التي إن دلت على شيء فإنها لا تدل إلا على خوف حكومة الإسكندرية منهم، والعمل على إرضائهم بكل وسيلة. والواقع أن إلحاح المصريين في مطالبتهم بحقوقهم وإقامة حكومة خاصة مستقلة في قلب الدولة البطلمية قد هزَّ أركان الملك «بطليموس الخامس» ورجال حكومته؛ مما أقض مضاجعهم، وأقلق بالهم، واضطرهم في نهاية الأمر إلى إقامة حكومة خاصة لمقاومة الثوار وتنصيب حاكم خاص لهذه الحكومة أُطلق عليه لقب نائب الملك «إيسترتيجوس» في الإقليم الطيبي. وكان سلطانه يمتد على كل الوجه القبلي، غير أن هذا اللقب لم يحمله كل حاكم حكم إقليم طيبة، فقد كان بعضهم يحمل لقب حاكم المقاطعة وحسب، ومع ذلك كانت له نفس السلطة التي كان يتمتع بها نائب الملك (1).
..........................................
1- راجع: O. G. X. 147.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة