x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
قصة أصحاب الجنة أو المزرعة
المؤلف: د. محمود البُستانِي
المصدر: دراسات فنية في قصص القران
الجزء والصفحة: ص696-705
2-06-2015
6810
تتضمن سورة القلم ، أقصوصة واحدة سبقتها بعض مواقف المناهضين لرسالة
الإسلام ، فيما سردتها السورة على هذا النحو :
قالت السورة ، مخاطبة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ :
{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ...} [القلم : 10 - 12]
وبغض النظر عن هوية الشخوص المهينة التي تعاملت مع النبي ـ صلى الله
عليه وآله وسلم ـ عبر دعوته إلى رسالة السماء ،… فإن السورة شددت على إبراز بعض
سماتهم ، متمثلة في كونهم حلافين بالباطل ، غير مبالين بالكذب ، يجرحون الناس بالسنتهم
، يسعون بالنميمة والفساد بينهم ، يبخلون بالأموال على فقرائهم.
هده السمات المرضية التي طبعت المستكبرين الذين عاصروا رسالة محمد
صلى الله عليه وآله وسلم ، قد استثمرتها السورة في صياغة قصة أودعت شخوصها تلكم
السمات ، مستهدفة من ذلك : إحداث التأثير الفني لدى القارئ أو السامع ، بغية
الافادة منها في تعديل السلوك وضبطه.
والآن : لنقرأ القصة :
{سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا
أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ
رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم : 16 - 20]
القارئ أو السامع قبل أن يرجع إلى نصوص التفسير ، يستطيع أن يستخلص
بنحو مجمل ، أن هناك (اختبارا) أجرته السماء على معاصري الرسالة الإسلامية ،… وهذا
(الاختبار) أو (الامتحان) يشبه اختبارا جرى لقوم مجهولين ، يمتلكون ـ فيما يبدو ـ
مزرعة ذات أثمار. وقد حلف هؤلاء القوم ذات يوم على أن يقطعوا ثمار المزرعة في صباح
اليوم التالي ، دون ان يربطوا حلفهم بمشيئة السماء.
ثم حدث ما لم يكن في الحسبان… ،… إذا أرسلت السماء على المزرعة إحدى
الآفات ، فأبادتها تماما ، حتى أصبحت كالليل المظلم في وحشتها ، وذلك : قبل أن
يقبل الصباح الذي عزموا فيه على اقتلاع الثمر ،… وقد حدث ذلك كله ، وهم نائمون.
هذا ما يمن استخلاصه من أحداث القصة ، دون أن نملك تفصيلات غيرها.
بيد ان الرجوع إلى النصوص المفسرة ،… مضافا إلى مقدمتها التي أشارت
إلى كل حلاف مهين ، ومناع للخير… ثم : متابعة أجزاء القصة بعد ذلك : ذلك جميعا
يلقي إنارات متنوعة : فنيا وفكريا على القصة ، فيما يحسن بنا أن نقف عندها مفصلا.
تقول النصوص المفسرة ، أن هناك مزرعة تقع في اليمن ، على بعد عدة
أميال من صنعاء. وكانت المزرعة لشيخ صالح ، لا يحمل إلى داره من ثمار المزرعة ،
إلا بعد أن يتصدق بها إلى الفقراء.
ثم توفي الشيخ. وخلفه بنوه.
وبعض النصوص المفسرة ، تذهب إلى أن أولاد الشيخ حدثوا أنفسهم بحرمان
الفقراء من ثمار المزرعة ، معللين ذلك بانهم أحق بها لكثرة عيالهم.
وبعض النصوص المفسرة الأخرى ، تذهب : إلى ان الأولاد طغوا وبغوا
حينما شاهدوا أن مزرعتهم [في السنة التي توفي فيها أبوهم] قد حملت حملا كبيرا لم
يعهدوه في حياة أبيهم.
وتبعا لذلك ، قرر الأولاد الاستئثار بثمار المزرعة وحرمان الفقراء
منها ، بعد أن نسبوا إلى أبيهم ، سمة (الخرف) في تصرفاته نحو الفقراء.
وبعد اتخاذ مثل هذا القرار ، تم الاتفاق على الذهاب إلى المزرعة صباح
اليوم التالي ، وقطع كل ثمارها : حيث حلفوا على تنفيذ خطتهم دون أن يستثنوا ذلك
بمشيئة الله سبحانه وتعالى. وعندها ، أبيدت المزرعة على نحو ما سردته نصوص القصة
ذاتها.
والآن : في ضوء هذه النصوص المفسرة ، يحسن بنا أن نتجه إلى تبيين
السمات الفنية في صياغة الأقصوصة : من حيث بناؤها : بداية ووسطا وخاتمة. ومن حيث
سائر العناصر المتصلة بها من شخوص واحداث ومواقف. ثم : من حيث لغتها : حوارا
وسردا.
وأول ما يواجهنا من سمات (الفن) فيها ، ان القصة لم تحدثنا بكل شيء
منها في البداية ، بل احتفظت ببعض أسرارها في الجزء الثاني من القصة ، وبخاصة في
عنصر (الحوار) الذي كشف بعض تلك الأسرار : وذلك ، بعد أن أبيدت المزرعة : حيث ترك
ذهاب المزرعة عنهم ، ردود فعل متنوعة ، ألقت الضوء الكامل على شخصياتهم : كما
سنرى.
والمهم ، ان الدلالة الفكرية للقصة وما تنطوي عليه من اغراض يستهدفها
النص القرآني الكريم ، هو الذي يفسر لنا أهمية مثل هذا البناء الفني الذي يستخدم
عنصر التشويق والمماطلة والمفاجأة في تثبيت المفاهيم المستهدفة.
وهو أمر ينبغي الوقوف عنده ، أولا :
لا بد أن نضع في الاعتبار ، ان السورة الكريمة عندما خاطبت النبي ـ
صلى الله عليه وآله وسلم ـ : {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} ، إنما استهدفت إبراز مثل هذه المفاهيم في قصة واقعية ، أوضحت لنا ـ
من خلالها ـ كيف أن الذي يحلف بالسماء مثلا دون أن يستثني ذلك بمشيئتها ، أو : كيف
ان الذي يمنع الخير ويحجبه عن الفقراء ،… كيف ان مثل هؤلاء تنتظرهم نهايات قائمة…
، كسيحة… ، لم تخطر ببالهم أبدا…
وفعلا : جاءت احداث القصة ، لتوضح لنا ـ بجلاء ـ كيف أن مزرعة مثمرة
، لم يصبها الجدب ، ولم تنزل بها أية آفة زراعية طوال الحياة التي عمرها الشيخ
أبوهم… وكيف ان هذه المزرعة ، قد زاد ثمرها في حياة الأولاد : في العام الذي توفي
أبوهم فيه ، مما يعزز لديهم قناعة جديدة ، واطمئنانا كافيا بإمكان استمرارية
المزرعة ، وبقاء ثمرها وزيادته…. كيف ان مثل هذه المزرعة ، تباد فجأة ، … تصيبها
آفة غير متوقعة على الإطلاق … كيف؟؟ تباد المزرعة خلال ليلة واحدة فحسب ، ولي
تدريجيا مع الزمن… تباد في نفس الليلة التي ينتظر القوم صباحها حتى يقطعوا ثمارها
، ويستأثروا بها ، ويحجبوها عن الفقراء…. تباد في نفس الليلة التي سبقها الحلف
بالسماء بانهم سيقطعون ثمارها في الصباح : {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم : 17] هكذا جاءت احداث القصة… لتوضح لنا ، نهاية كل حلاف مهين
، كل مناع للخير… وهم نماذج من شخصيات عاصرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
وشابهتها شخصيات القصة التي أوردها النص القرآني الكريم.
كان القسم الأول من قصة أصحاب المزرعة ، يحوم على حادثة الإبادة التي
أحاطت بالمزرعة : {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ } [القلم : 19 ، 20] هذا القسم من القصة لم يبين لنا من تفصيلاتها ،
سوى حادثة المزرعة التي أصبحت كالليل في وحشتها بعد أن كانت حافلة بعطاء الثمر.
ولم يبين لنا من مواقف وسلوك أصحابها ، سوى انهم : أقسموا ليقطعن ثمارها في الصباح
دون ان يستثنوا ذلك بمشيئة السماء : {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ} [القلم : 17 ، 18] من حيث البناء الفني للقصة [في قسمها الأول الذي
نتحدث عنه] لم تكن حادثة إبادة المزرعة ، قد أخذت تسلسلها الزمني في أحداث القصة ،
بل جاءت تستبق الزمن وتعبر مرحلته الطبيعية ، لترتد من جديد إلى التسلسل الموضوعي
للزمن.
إن أول مواقف القصة هو : ان أصحاب المزرعة أقسموا على الذهاب صباحا
إلى مزرعتهم ، وقطف كل ثمارها ، والاستئثار بها ، ومنع خيراتها عن الفقراء. وهذه
مرحلة اتخاذ القرار.
أما المرحلة الثانية فهي : تنفيذ القرار ، أي : الذهاب صباحا إلى
المزرعة.
ولكن القصة قبل ن تسرد لنا مرحلة التنفيذ : هذه ،… سردت لنا :
المرحلة الثالثة وهي : حصول آفة سماوية أتت على المزرعة ، وأبادتها تماما.
وبعد حادثة إبادة المزرعة عادت القصة إلى المرحلة الثانية ، والسؤال
هو : لماذا قطعت القصة تسلسل الزمن ، فسردت الخاتمة قبل أن تسرد الأحداث التي تسبق
الخاتمة ؟؟
ان الإجابة ـ فنيا ـ على هذا السؤال ، تتضح تماما : حين نأخذ في
الاعتبار أن القصة كانت ساكتة عن توضيح السبب الذي جعل القوم مقسمين بأنهم :
سيذهبون صباحا إلى المزرعة ويقطعون ثمارها.
فالقارئ أو السامع ، سيظل مشدودا إلى معرفة السبب الذي يكمن وراء مثل
هذا القرار : انه يتساءل : لماذا يتخذ القوم مثل هذا القرار؟ ما هي خلفيات هذا
القرار؟ ما الحكمة ، وما الوجه فيه ؟
وهذا واحد من عناصر [التشويق القصصي] الذي يجعل القارئ متطلعا لمعرفة
السبب ، حتى يتابع احداث القصة بنهم وشوق.
لم تكتف القصة بهذا القدر من عنصر التشويق القصصي ،… بل ضاعفت من
عملية (التشويق) حينما أوحت للقارئ بان اتخاذ القرار المذكور [الذهاب صباحا إلى
المزرعة وقطع ثمارها] ، إنما يشكل قرارا ظالما ، بدليل : ان الله سبحانه وتعالى ،
أرسل في تلك الليلة آفة معينة بحيث أبادت المزرعة من أساسها ، فأصبحت كالليل في
وحشتها.
ان مفاجأة القارئ بهذه الآفة قبل أن يتعرف على مرحلة التنفيذ العملي
لدى القوم ،… قبل ذهابهم فعلا إلى المزرعة وقطع ثمارها ،…… ان مفاجأة القارئ هذه
الآفة قبل تعرفه على مرحلة التنفيذ ، إنما يكشف له عن سمتين فنيتين مزدوجتين في
هذا الصدد ، أولهما : ان القصة ستحيطه علما بان قرار الذهاب إلى المزرعة وقطع
ثمارها ، إنما هو : سلوك جائر ،… ثانيهما : ان القصة ستزيد من تشوقه لمعرفة
تفصيلات هذا القرار ولماذا اتسم بكونه قرارا ظالما؟؟
يضاف إلى ذلك : ان حدوث الآفة النازلة على المزرعة [وهم نائمون] ،
وحدوثها [وهم لم ينفذوا العملية بعد] ، إنما يكشف عن حقيقة فنية هي : تحسيس
الآخرين بان السماء تقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه : القيام بسلوك ظالم. حيث
ستتدخل السماء قبل أن يحقق الظالم اهدافه الشريرة.
إذن : هناك أكثر من سبب فني ، يكمن وراء قطع التسلسل الموضوعي للزمن
، في هذا الجزء من القصة التي نحن في صددها الآن.
ولنتجه إلى المرحلة الثانية التي عبرتها القصة : لنستكشف المزيد من
أسرار الفن.
كانت المرحلة الأولى هي : اتخاذ القرار.
المرحلة الثانية : تنفيذ القرار ، وهذا ما تكشف القصة عنه على النحو
التالي :
{فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ صَارِمِينَ} [القلم : 21 ، 22] {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ
عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} [القلم : 23 ، 24]
{ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ } [القلم : 25]
هذه هي مرحلة التنفيذ :
فعندما أسفر الصبح ، تنادى القوم : بعضهم ينادى الآخر ،… يستحثه إلى تنفيذ
العملية ، مطالبا اياه بان يسرع إلى المزرعة ، وقطعها.
وفعلا : اتجهوا إلى المزرعة.
وفي الطريق : كان الاخوة يتحاورون فيما بينهم ،… يتحدثون هامسين ،…
متخافتين ، متسارين :
بم كانوا يهمسون؟ هذا ما أوضحته القصة ، على لسانهم :
{ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} [القلم : 24]
هذه الفقرة هي : المفتاح الذي يكشف للقارئ كل الأسرار فالقارئ أو
السامع الذي يتطلع لمعرفة السبب الكامن وراء اتخاذ القرار بالذهاب إلى المزرعة
صباحا ، والسبب الذي جعل السماء ترسل آفة مبيدة للمزرعة ،… إنما هو هذا القرار
الجائر ، الذي يكشف عن [مناع للخير]… ، عن حفنة من القوم دفعهم حرصهم وجشعهم وحبهم
لذواتهم إلى ان يستأثروا بالخيرات لانفسهم فحسب ، ويمنعوها عن الفقراء ، عن
المساكين ،… إنهم لا يريدون أن يشبعوا جائعا عوده أبوهم الشيخ على الاطعام ،
يريدون ان يستأثروا بالخيرات لانفسهم.
إنه ، لجشع ، وحرص ، وجدب في الأعماق ما بعده من جدب.
من الزاوية الفنية الخالصة ، يهمنا ان نلفت الانتباه إلى أهمية هذا
الحوار الجمعي القائم بين الفتية الجشعين فترتئذ.
فالقصة لم تحدثنا في البدء بان هناك مجموعة من الأفراد صمموا على أن
يمنعوا الفقراء من أرزاقهم ، وإنما قالت لنا : هناك أفراد صمموا أن يذهبوا إلى
مزرعة لهم ، صباح ذات يوم ، وإلى ان السماء أرسلت على المزرعة نارا أحرقتها بكل ما
فيها. ثم احتفظت القصة بالسر الكامن وراء الذهاب إلى المزرعة؛ وتدخل السماء في ذلك
،……. احتفظت بهذا السر الفني…. ثم كشفته بهذا النحو الممتع.
وبذلك : حققت للقارئ إثارة فنية بالغة المدى ، حينما جعلته (يتشوق)
و(يتطلع) و(يتلهف) لمعرفة السبب : حتى يتابع سائر أجزاء القصة ، مجسدة بهذا ما
يسمى [في لغة الأدب القصصي] بعنصر (التشويق) الفني. ثم ، بما صاحبه من عنصر
(المفاجأة) و(المماطلة) الفنيتين.
ولكن : هل ان عنصر (التشويق) قد انتهى عند هذا النطاق من القصة؟ كلا.
سنلحظ ، عند متابعتنا أجزاء القصة ، مزيدا من عنصر التشويق الفني ،
وما ينطوي عليه من دلالات فكرية تتصل بالخيرات التي يمنحها الله لعباده ، وبوقوفه
بالمرصاد لكل مناع للخير ، وبالندم الذي قد يلحق بعض الأفراد ، وبإمكان (التوبة)
من الأعمال الخاطئة… إلى غير ذلك من الدلالات التي سنتحدث عنها مفصلا.
اتجه أصحاب المزرعة صباحا إلى مزرعتهم. وهم واثقون بانهم سينفذون
قرارهم الظالم ،… القرار القاضي بمنع الفقراء من حقوقهم.
لكنهم ، فوجئوا بما لم يكن في الحسبان.
لقد شاهدوا بأن المزرعة أصبحت كالصريم ،… كالليل المظلم في وحشته…
هذا كله ، يتم في ثلاث مراحل قصصية هي :
المرحلة الأولى : وكانت تتمثل في : اتخاذ القرار.
المرحلة الثانية : وهي : ابادة المزرعة.
المرحلة الثالثة : وهي : فشل القرار القاضي بمنع
الفقراء من حقوقهم.
ثم : تجيء المرحلة الرابعة ، وهي : القسم الأخير من القصة ، متمثلا
في : ردود الفعل التي أحدثتها إبادة المزرعة ، بعد أن علق القوم عليها آمالا عراضا
قد انطفأت في لحظة زمنية قصيرة لم تتجاوز نطاق المشاهدة التي تعرضوا لها وهم حيال
المزرعة المحترقة.
لقد احترقت المزرعة ، وانتهى كل شيء.
والآن : ماذا نتوقع من أصحاب المزرعة ، فيما يتصل بردود الفعل التي
احدثتها حادثة الإحراق؟
يبدو ان القوم ـ وفاقا لمنطق القصة ذاتها ـ قد أقروا بخطأ تصرفاتهم
في هذا الصدد.
ويبدو ـ وهذا واحد من أسرار الفن العظيم الذي كشفت القصة عنه في
قسمها الأخير ـ أن (شخصا) على الأقل ، أو أخا من الأخوة الذين ورثوا المزرعة من
أبيهم ، وهو (أوسطهم) في السن ، أو أفضلهم في النضج العقلي ، لم يكن راضيا ،… ولم
يشاركهم الرأي في القرار القاضي بمنع الفقراء من حقوقهم… أو على الأقل ـ طالبهم
باستثناء مشيئة الله في القسم الذي ارتكنوا إليه فيما يتصل بقطع ثمار المزرعة…
كل هذا ، تسرده القصة مفصلا عبر الحوار الجمعي الذي أبرزته القصة في
هذا النطاق.
والسؤال هو : ما هي ردود الأفعال مفصلة أولا ؟ ثم : أهمية الطريقة الفنية
التي سلكتها القصة في الكشف عن الشخصية التي حذرت أصحاب المزرعة من سوء فعالهم ،
ثانيا ؟
لنقرأ ردود الأفعال عند القوم ، وهم يشاهدون المزرعة المحترقة.
(فلما رأوها [أي : محترقة).
{قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } [القلم : 26 ، 27]
هذا هو أول رد فعل يقر بانهم كانوا ضالين : في اتخاذهم قرارا بمنع
المساكين من أرزاقهم ، وعدم استثنائهم ذلك بمشيئة الله.
وبعض المفسرين ، يرى ان قولهم [إنا ضالون] إنما يعني : ضلالهم عن
الطريق ، والتشكيك في ان هذه المزرعة المحترقة هي مزرعتهم أم لا؟؟
ومع هذا التشكيك ، استدرك بعضهم : وكأنه لم يقتنع بان المزرعة
المحترقة هي غير مزرعتهم ، فقفزت إلى ذهنه حقيقة الانتقام الإلهي ، فهتف قائلا :
(بل : نحن محرومون) من ثمار هذه المزرعة ما دمنا تركنا الاستثناء في المشيئة ، وما
دمنا فكرنا في منع الفقراء من أرزاقهم.
لقد تركنا النص القصصي ، نواجه بأنفسنا ـ نحن القراء ـ مشاعر
المعترفين بالذنب ، سافرة واضحة على ألسنتهم : من خلال الحوار الجمعي في هذا الجزء
من القصة. وهذا الإقرار ـ من الزاوية الفنية له أهميته الكبيرة في التعرف على
حقيقة أعماقهم.
غير ان الحوار الجمعي أفرز لنا جوانب أخرى من الأهمية حينما كشف
المزيد من المواقف الغائبة عنا في تصرفات القوم.
فالقارئ أو السامع يملك تصورا خاصا عن القوم ، بانهم جميعا ، كانوا
على اتفاق فيما بينهم بالنسبة لقرار المنع ، وبالنسبة لقسمهم : {لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ} [القلم : 17 ، 18]
وهذا التصور [بأن الأولاد كانوا بأجمعهم دون استثناء] متفقين في
الرأي ، لم يكن اعتباطا ، بل إن الأقسام الثلاثة من القصة هي التي أوحت بمثل هذا
التصور ، ما دامت منذ البداية تتحدث عن أصحاب المزرعة جملة لم تستثن منهم أحدا.
لكن القسم الرابع من القصة ، يكشف لنا عن سر جديد : احتفظ به النص
طوال القصة ،… وبدأ الآن بكشفه على النحو التالي :
{قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} [القلم : 28]
إذن : هناك واحد من الأولاد أو القوم ، كان منذ البداية غير راض
بتصرفات أخوته ،… بل ، إنه قدم النصيحة لهم قائلا : ألا تسبحون ؟؟ ألا تستثنون؟؟
ألا تتقون؟؟ ألا تخرجون حق الفقراء من أموالكم ؟
طبيعي ، لم تجر هده النصائح بحرفيتها التي نقلناها ، بقدر ما يمكن ان
يستوحيها القارئ من كلامه : (لولا تسبحون).
غير ان الأهم من ذلك كله هو : عنصر (المفاجأة) الذي سلكته القصة في
هذا الصدد ، حينما احتفظت بأحد الأسرار طوال فصول القصة ، وكشفته فجأة للقارئ في
القسم الأخير من القصة ، محققة بذلك مزيدا من الامتاع القصصي ، وهو : امتاع له
خطورته الكبيرة في ميدان الأدب القصصي ، يعرفه جيدا كل من أدمن على قراءة القصص
البشرية ، وخبر أساليب الصياغة في هذا الصدد.
على أية حال ،.. لا يزال الحوار بين القوم يكشف المزيد من ردود الفعل
لديهم. فبعد أن ذكرهم أوسطهم بنصيحته منذ البداية ، أقروا بظلمهم ، من جديد ،
قائلين :
{سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [القلم : 29]
وهذا يعني ان القوم تحتفظ اعماقهم بشيء من النقاء ، ما داموا قد
اعترفوا بذنوبهم ، فقد أدركوا اولا بانهم قد حرموا من ثمار المزرعة عندما غلبتهم
أهواؤهم في الاستئثار بها. ثم أقروا من جديد بانهم كانوا ظالمين. وها هم للمرة
الثالثة يلوم بعضهم بعضا على تصرفاته :
{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ} [القلم : 30] .ثم انهم ، للمرة الرابعة : {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا
طَاغِينَ } [القلم : 31]
ان هذه المستويات من ردود الفعل ، تكشف لنا : أن القوم لم يكونوا من
النمط الذي طبع على قلبه بحيث لم يتعظ بالأحداث والتجارب ، وإنما كانوا من النمط
الذي تنفعه الذكرى والعظة.
وفعلا : كانت النهاية التي توجت سلوكهم هي : (التوبة) مصحوبة بأمل ان
الله سبحانه وتعالى يبد لهم خيرا من مزرعتهم التي أبيدت. لقد هتفوا قائلين :
{ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى
رَبِّنَا رَاغِبُونَ } [القلم : 32]
وهكذا ، تنتهي القصة بخاتمة : تتحدث عن (التوبة) ، وتتحدث عن
إمكانياتها الهائلة التي طالما تدعونا السماء إليها ، ملحة علينا بان نسرع إلى
(التوبة) قبل فوات الأوان. وإنه لعطاء الله الذي لا حدود لاقداره ، عطاء الله الذي
دفع القوم [ليس بأن يندموا على فعلتهم ، والاعتذار عنها فحسب] بل ، دفعهم إلى أن
يطالبوا بأن يبدلهم الله خيرا من مزرعتهم… مما يعني أن نعم الله لا يمكن ان تحصى
البتة. إنه ـ سبحانه وتعالى ـ يقبل القليل ويعفو عن الكثير. إنه يحسسنا من خلال
هذه القصة التي أجرى فيها على لسان الخاطئين : الرغبة في ان يبدلهم الله خيرا من
مزرعتهم ، يحسسنا بمعطيات (التوبة) ،… يحسسنا بان العبيد مدلون في رغبتهم : المزيد
من العطاءات ، بالرغم من ذنوبهم التي حذروا منها : لكن شريطة أن تكون (التوبة)
خالصة نصوحا ، لا يحدث المرء بعدها ذاته بمعاودة الذنب.
إذن : كم يجدر بنا الافادة من الدلالة الفكرية لقصة أصحاب المزرعة ،
بغية تصحيح سلوكنا وتعديله في غمرة هذه الحياة العابرة التي نحياها ، ونجتازها إلى
الدار الأبدية !!؟؟