أنا فَتاةٌ أعيشُ الآنَ معَ والدتي، وَهِيَ كبيرَةٌ في السِّنِّ، لم أتَزَوَّجْ بعدُ؛ وذلكَ بسَبَبِ أنَّ والدي قَد أوصاني قبلَ وفاتِهِ بإخواني وأخواتي خَيراً، وبعدَ وَفاتِهِ -رَحِمَهُ اللهُ- كُنتُ أنا المسؤولَةَ عَنهُم إلى أنْ تَزَوَّجُوا جَميعًا، وخِلالَ فَترَةِ عِنايَتي بِهِم كانَ يأتيني كثيرٌ مِنَ الخُطَّابِ، وكُنتُ أرفُضُهُم بسَبَبِ انشغالي بِهِم، بماذا تنصَحُوني؟
أوّلًا: لا تَتَرَدَّدِي في الزواجِ نِهائيّاً، فَمَتى تَقَدَّمَ لَكِ شَابٌّ مِنْ أجلِ أنْ يَخطِبَكِ وافِقِي عَليهِ، ولَكِنْ مِنَ الأفضلِ أنْ تُبَيِّنِي لَهُ وَضعَكِ، وحاجَةَ أُمِّكِ لَكِ، فَمَتى تَفَهَّمَ الحالَ وأدرَكَ الوضعَ كانَ ذلكَ مِفتاحُ خيرٍ وبَرَكةٍ لكِ ولِوالِدَتِكِ. وفي حالِ عَدمِ تَفَهُّمِهِ وقَبولِهِ بالوَضعِ وطَلَبَ مِنكِ أنْ تُصَحِّحِيهِ وَتُبَدِّلِيهِ، فَمَا عَليكِ إلّا أنْ تَطرَحِي الأمرَ على أُخوَتِكِ وأَخَواتِكِ.
ثانيًا: سَواءٌ تَقَدَّمَ شَابٌّ لخِطبَتِكِ الآنَ أو لم يَتَقَدَّمْ بَعدُ فَما عَليكِ إلَا أنْ تجتَمِعِي بإخوَتِكِ وتَجلِسينَ مَعَهُم جَلسَةَ مُصارَحَةٍ وتُحاوِلونَ إيجادَ أفضلَ الطُّرُقِ التي تُناسِبُكُم وتُحافِظُ على مَكانَةِ الأُمِّ بِحيثُ لا تَشعُرُ بأيِّ إحراجٍ وأَذىً.
ثالثًا: يَجِبُ أنْ تُبعِدُوا عَنْ أذهانِكُم وأفكارِكُم فِكرَةَ إرسالِ الأُمِّ أوِ الأبِ إلى دَارِ العَجَزَةِ؛ فإنَّها فِكرَةٌ مَرفُوضَةٌ نِهائيًّا، يَجِبُ أنْ لا تَنتَقِلَ إلينَا فَهِيَ لَيسَتْ مِنْ صَميمِ دِينِنا الحَنيفِ، بَلْ قَد تَدُلُّ على العُقوقِ والجَّفاءِ، وتكونُ سَبباً في سَلبِ التَّوفيقِ الإلهيِّ.
رابعًا: يُمكِنُكُم (الأُخوَةُ والأَخَواتُ) تَقسِيمُ أوقاتِكُم مِنْ أجلِ استضافَةِ الأُمِّ في بَيتِ كُلِّ فَردٍ مِنكُم على فَترَةٍ مِنَ الزَّمَنْ بشَكلٍ يَكونُ فيهِ تَوازنٌ للجميعِ، بحيثُ يصيرُ تبديلًا لها عنْ رتَابةِ الحياةِ وروتينِها وتَغييرًا ممّا يُعطِيها نشاطًا وحيويّةً، وتشعرُ أنَّ كُلَّ أفرادِ العائلةِ يتسابقونَ عَليها.
خامسًا: في حالِ إبقاءِ الأمِّ في البيتِ لا بُدَّ أنْ يُستأجرَ خادمةٌ أو مُمَرّضَةٌ تقومُ بشؤونِها، وتَرعاها وتُحَدِّثُها. ويُشتَرَطُ في ذلكَ أنْ تكونَ تلكَ المُمرِّضَةُ أو الخادمةُ منِ نفسِ البلادِ، أو تتكَلَّمَ بنفسِ اللُّغةِ حتّى يسهُلَ التجاوبُ والتفاهُمُ والتَّخاطُبُ معَها.
سادسًا: إنْ أمكنَ للأبناءِ أنْ يأخُذوا أُمَّهُم إلى زيارةِ الأماكنِ المُقدَّسَةِ كالعُمرةِ والحَجِّ أو الزِّيارَةِ ونَحوهِ بينَ الحِينِ والآخرَ لمُدّةٍ مِنَ الزَّمَنِ برِفقَةِ أحَدِ الأبناءِ أو ممّنْ يُوثَقُ بهِ، فَهُوَ أمرٌ حَسَنٌ يَسهُلُ على الجَّميعِ.
سابعًا: يجِبُ عليكِ أنْ تَسعَي لأنْ يزورَ أُمَّكَ جَمعٌ منْ صَديقاتِها وجِيرانِها ومَنْ تَهتَمُّ بِهِم، سَواءٌ جَاءوا بأنفُسِهِم ومِنْ ذَواتِهِم، أو أنْ تَقُومِي أنتِ بتِلكَ الدَّعواتِ لَهُم، كُلُّ ذلكَ يخلُقُ لها جَوًّا مُفعَمًا بالحُبِّ والاهتمامِ.
ثامنًا: في حالةِ عَدَمِ الزَّواجِ، لكونِكِ آثَرتِ البَقاءَ في خِدمَةِ أُمِّكِ، وعَدمَ تركِها لوَحدِها، أو في حَالَةِ رَفضِ إخوَتِكِ لكُلِّ ما قُلتِ لَهُم. يجِبُ أنْ لا تتحسَّري على ذلكَ، ولا تتأَسَّفِي، فإنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتَعالى سَيُكافِئكِ على هذا الصَّنيعِ، ولَنْ يُضيعَهُ لكِ لا في الدُّنيا ولا في الآخِرَةِ.