فيديو

صور

مفتاح

اضاءات

منشور

القرآن الكريم
العقائد الإسلامية
الفقه واصوله
سيرة النبي وآله
علم الرجال
الأخلاق
الأسرة والمجتمع
اللغة العربية
الأدب العربي
التاريخ
الجغرافية
الإدارة و الإقتصاد
القانون
الزراعة
الكيمياء
الرياضيات
الفيزياء
الاحياء
الاعلام
اللغة الانكليزية

يَقِفُ المرءُ حائراً أمامَ خواطرَ تَختَلِجُ في نفسِهِ إزاءَ حُدودِ عَلاقاتِهِ الاجتماعيةِ، فَهَل لَهُ تمامُ الحَقِّ بأنْ يطَّلِعَ على أحوالِ أرحامِهِ ومعارِفِهِ وأقربائهِ وأصدقائهِ بصورةٍ تفصيليّةٍ؟ مِنْ بابِ أنَّهُ قريبٌ مِنهُم ويرغَبُ بأنْ يتواصَلَ مَعَهُم، أمّا ليفرحَ لأفراحِهِم أو ليحزنَ لأحزانِهِم، أيْ ليُواسِيهِم ويؤازِرَهُم؟! كأنْ يُطلِعُوهُ على مُناسباتِهِم الأُسريّةِ، وما يَقَعُ عليهِم مِنْ بعضِ النَكَباتِ؟

ويرى بأنَّ إخفاءَ هذهِ الأمورِ عَنهُ يُعَدُّ إقصاءً أو تَجاهُلاً لشَخصِهِ! وكِليهِما تَعبيٌر عَنْ عَدِّهِ مِنَ الغُرباءِ وفيهِ نَحوُ إساءَةٍ وإهانَةٍ لشَخصِهِ بصورةٍ غيرِ مُباشِرَةٍ تَجعَلُهُ مُستاءً!

ويَرى البعضُ بأنَّ مَنْ يُفَكِرُّ بهذهِ الطّريقَةِ يُعَدُّ شخصاً فُضوليّاً وإنساناً حِشَريّاً يتَسَبَّبُ بالأذى لمعارِفِهِ وأقربائهِ! بينَما يَجِدُ البعضُ الآخرُ أنَّ لَهُ الحقَّ في العَتَبِ عَليهِم إذا ما تَجاهَلوهُ ولَمْ يُطلِعوهُ على ما أصابَهُم مِنْ خيرٍ أو شَرٍّ!

فما هُوَ المعيارُ الذي يَرفَعُ التَّعارُضَ ويُحَدِّدُ الموقِفَ الصائبَ؟

في المعاييرِ الدينيةِ الإسلاميةِ تُرسَمُ حدودُ العَلاقاتِ الاجتماعيّةِ بناءً على التَّواصِي والتَّواصُلِ فَكُلُّ ما يُحَقِّقُ التواصُلَ المُثمِرَ الإيجابيَّ والتَّواصِي لأجلِ الحَقِّ والصَّبرِ يكونُ أمراً مَندوباً ومُستَحَبّاًَ إنْ لَمْ يَكُنْ واجِباً ؛ لأنَّ {الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ: (مثَلُ المؤمنينَ في توادِّهِم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم، مَثَلُ الجَسَدِ؛ إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى لهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى)، وقالَ الإمامُ الصّادِقُ (عليهِ السَّلامُ): (لا يكونُ المؤمِنُ مؤمناً أبداً حتّى يكونَ لأخيهِ مِثلَ الجَّسَدِ، إذا ضَرَبَ عليهِ عِرقٌ واحِدٌ تَداعَتْ لَهُ سائرُ عُروقِهِ).

وتشبيهُ العَلاقَةِ بالجَّسدِ فيهِ إيحائيةٌ دقيقةٌ: بأنَّ الترابطَ عُضويٌّ غيُر قابلٍ للانفصالِ، والتَّواشُجَ مُمتَدٌّ غيرُ مُحَدَّدٍ إلّا ما حَرَّمَ اللهُ تَعالى ونَهى عَنهُ.

وهُنا تَرتَقِي العَلاقَةُ الى مُستوىً مِنَ التَّلاحُمِ والتَّقارُبِ بِما يجعَلُهُم أُسرَةً واحِدَةً، وإذا أرادَ أحَدُهُم حَجبَ شَخصٍ ما عَنهُم فَهُو إمّا كونُهُ غيرُ مَرغوبٍ فيهِ أو لا يَراهُ أهلاً للثِّقَةِ والتَّواصُلِ؛ وهذا يَعكِسُ وجُودَ خَلَلٍ في طَبيعَةِ العَلاقَةِ ومَعاييرِها ومُرتَكزاتِها؛ لأنَّ التَّبعيضَ في التَّواصُلِ قائِمٌ على الفَرزِ بمعاييرَ مُزدَوَجَةٍ وليسَتْ واحدَةً في التَّقييمِ.

المنظومَةُ الدينيةُ والأخلاقيةُ تَجعَلُ طبيعةَ العَلاقَةِ اتِّصاليّةً تواشُجِيّةً تستَهدِفُ الانصِهارَ والانسجامَ والتَّرابُطَ العُضوِيَّ لأغراضٍ ومَقاصِدَ ساميةٍ تَهدِفُ لبناءِ مُجتَمَعٍ مُتَحَابٍّ ومُسالمٍ يأمَنُ بعضُهُم الى بَعضٍ ويُعينُ بعضُهُم البعضَ الآخَرَ ...

في غَيرِ المنظومَةِ الدينيّةِ والأخلاقيّةِ فإنَّ المعاييرَ تختَلِفُ، فإنَّ المصالِحَ والامتيازاتِ الاجتماعيةَ (كالجَّاهِ والسُّلطَةِ والمَنصِبِ والنَّسَبِ والثَّراءِ) تُعَدُّ هِيَ المعاييرَ المُعتَمَدَةَ في طبيعَةِ العَلاقَةِ مِنْ ناحِيَةِ العُمقِ والشَّكلِ، وهُنا يَجِدُ البعضُ بأنَّ اطلاعَ بعضُ الأطرافِ دونَ بعضٍ قائِمٌ على مِيزانٍ شَخصيٍّ وعلى الأخذِ بالأولوياتِ الرِّبحيّةِ. فالصّديقُ الذي يَعمَلُ مُديراً في إحدى المؤسَّسَاتِ يُبادِرونَ الى دَعوَتِهِ الى مُناسباتِهِمُ المُفرِحَةِ كحَفلَةِ الزِّفافِ مَثلاً بينَما لا يكتَرثِونَ لدَعوَةِ صَديقِهِمُ القَديمِ في أيّامِ المدرَسَةِ، والذي يَعمَلُ في قِطاعٍ بَسيطٍ!.

إذَنْ: تَرتَفِعُ الحَيرَةُ عَن هذا الاستفهامِ حولَ حُدودِ العَلاقاتِ الاجتماعيّةِ إذا استطعنَا أنْ نَعرِفَ اتِّجاهَ الأشخاصِ ومُيولِهم وقناعاتِهِم وما يَظهَرُ على سُلوكِهِم واهتماماتِهِم.

وعليهِ فمعاييرُ المُتَّقينَ تختَلِفُ عَنْ معاييرَ غيرِهِم مِنْ أهلِ المصالحِ في تحديدِ طَبيعَةِ العَلاقاتِ الاجتماعيّةِ ورَسمِ حُدودِها.