في افق غدير خم الخالد، حيث تفرقت جموع الحجيج كأنها امواج بحر هادر تتشتت نحو العراق والشام واليمن، انطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحو المدينة، حاملا في صدره وصية السماء المنيرة: علي بن ابي طالب، الوزير الناصح، الاخ المؤازر، العضد المدافع، الخليف الذي يطاع بعده كالنجم الثاقب في ليل الفتن.
انبسط سلطان الدين في المدينة كالشمس في ركبتها،فلم يعد للمنافرين مأرب، ولم يبق للمرتدين مدرسة. الا ان مسيلمة الكذاب، ذلك الوحش المنهك الحيلة، اخذ يدّعي النبوة كالغريب يهرع الى العرش المستحيل. كتب الى رسول الله: "بُعثت انا ايضا، فشاركني سلطان الارض!" قرأ النبي الرسالة، ثم التفت الى حاملها كالسيف يلمع قبل الغمد: "لولا ان الرسل لا تُقتل لضربت اعناقكما، فاسلمتما وقبلتما رسالتي، فلم اتبعتما هذا الاحمق؟"
وردّ برسالة تجري كالعهد الالهي:"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله الى مسيلمة الكذاب. السلام على من اتبع الهدى. اما بعد فان الارض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين."
فأفلح المسلمون في قضاء المرتدين كالأسود العنسي وطلحة، وانطفأت نجماتهم الكاذبة.
اما الحدود الشمالية،فكانت تهددها دولة الروم المنظمة، ذات الجيش القوي ، بينما فارس انهارت كالقلعة المتفككة. فابدى النبي اهتماما عظيما، وعقد لواء جيش كبير ضم وجوه الصحابة الكبار، ما خلا عليا وبعض المخلصين. انما اراد ان يخلي الجو السياسي من التوتر، ليسلّم علي زمام الدولة دون صِدام او شجار، في اشارة بليغة الى كفاءة القيادة.
سلّم اللواء الى اسامة بن زيد،الشاب الفارس، وجعل تحت امرته شيوخ الانصار والمهاجرين: "سر الى مكان قتل ابيك، فاوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فاغز صباحا على اهل اخدود."
ولكن روح التمرد والطمع في السلطان دفعت بعض العناصر الى التأخير في معسكر الجرف.
غضب النبي،وخرج ملتحفا قطيفة، وعصب جبهته بعصابة من وجع الحمى، فصعد المنبر كالبرق يشق السحاب: "اما بعد ايها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اسامة؟ ولئن طعنتم في امارته لقد طعنتم في امارة ابيه من قبل، وايم الله ان كان للامارة خليقا وابنه من بعده خليق، وانهما لمخيران لكل خير. استوصوا به خيرا فانه من خيركم."
اشتدت الحمى،ولكنه كان ينادي: "انفذوا جيش اسامة!" ويصر: "جهزوا جيش اسامة، لعن الله من تخلف عنه!" فرجع اسامة ليعوده، فحثه النبي: "اغد على بركة الله." ولكن المتقاعسين وذي الاطماع عرقلوا المسير، زاعمين احتضار الرسول، بينما يصرخ من مضجعه بالعزم الالهي: "انطلقوا!"
فكان لواء اسامة رمزا للكفاءة والوصية،وغدير خم نجما يهدي الامة عبر عواصف الفتن، الى شاطئ العاقبة المتقين.







د.فاضل حسن شريف
منذ 5 ساعات
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN