اعتاد على العمل بصمت رغم كل الضجيج الذي حوله، ولم يكن ينتظر ثناءً من أحد، بل كان همُّه الوحيد أن يؤدي واجبه في إيصال المادة العلمية المعقدة إلى أذهان طلابه في الصف الثالث المتوسط بأبسط صورة.. ولم يكن يقصّر حتى في الاستفادة من بعض الدروس (الشاغرة) لتدريب طلابه بشتى الأساليب والاختبارات فضلاً عما يقدمه لهم من دروس إضافية، مما جعله –ولعدة سنوات- يحقق نسب نجاح عالية تراوحت بين (95% و 100%).. ومع هذا لم يحصل على أي كتاب شكر أو يسمع كلمة إطراء من أي جهة تربوية. وذات سنة كانت النسبة المتحققة في درسه مفاجأة غير متوقعة (47%)! وأثارت هذه النسبة المنخفضة لغطاً لدى الإدارة والإشراف التربوي وأولياء أمور الطلبة.. وكان أول من واجهه بكلمات (العتاب المُر) مدير المدرسة متهماً إيّاه بالتقصير وعدم الاكتراث متناسياً كل تلك الإنجازات، وفي الاجتماع التربوي كانت كلمات السيد المشرف أشد وقعاً وإيلاماً وفي خضم عاصفة هوجاء من التقريع، استأذن المدرّس بالحديث لإيضاح رأيه وملابسات ما جرى وكان مما قال: "لم تكن نسب النجاح التي حققتُها طيلة الأعوام الماضية محط اهتمام من أحد، ولم يتساءل أي شخص كيف استطاع هذا المدرّس رغم صعوبة المادة الدراسية من تحقيق نسب نجاح باهرة للاستفادة من خبرته، أما الآن فقد انبرى الجميع معاتباً أو موبخاً ويضع كمَّاً من علامات الاستفهام والتعجب.. وأقولها بملء الفم أن المدرِّس هو ذاته الذي حقق نسب النجاح ولم يتغير مطلقاً بل لعله ازداد خبرة وبذل جهداً أكبر هذا العام، والمنهج هو ذات المنهج الذي درَّسته للسنوات السابقة، ولم يتغير أسلوبي قيد أنملة في تدريس طلابي وحثهم على المواظبة ولكن، مع شديد الأسف، ما تغير في هذا العام هو أن الجمع الأكبر من الطلاب كانوا ذوي مستويات علمية ضعيفة ومتدنية إلى حد لا يؤهلهم لاجتياز المرحلة الابتدائية، فكيف بمرحلة الثالث المتوسط؟!!.. وقد أوضحت لإدارة المدرسة مراراً وتكراراً أن طلبة هذا العام يختلفون عن طلبة الأعوام السابقة، فلم أجد آذاناً صاغية ولم أسمع غير عبارة اعتاد جميع الأخوة المدراء والسادة المشرفون على ترديدها: (وأين دورك وخبرتك يا أستاذ؟!) وكأن الأمر مقتصر على الأستاذ وحده.. لست أنا الملام الوحيد، بل تقع المسؤولية على كل من أشرف على تعليم هؤلاء الطلاب في السنوات السابقة وكذلك على أولياء الأمور الذين أهملوا متابعتهم فضلاً عن إدارة المدرسة التي لم تتخذ إجراءاً تربوياً رادعاً بحق الطلبة المقصرين في أداء واجباتهم ومذاكرة دروسهم، نعم.. ربما يكون المدرّس هو المسؤول الأول عن رفع مستويات الطلاب والوصول بهم إلى شواطئ النجاح ولعل تحقيق النسب العالية يُعَدُّ مؤشراً على كفاءته إلى حد ما، ولكن أنّى لِيَدٍ واحدة أن تصفق؟"
على أي حال تمكن هذا المدرس من تحقيق نسبة نجاح (97%) في العام التالي.. فهل أن النسبة المنخفضة للعام السابق دليل على فشله وإخفاقه؟!.. أنصفوا الحُكمَ يَرحَمكُم الله.







وائل الوائلي
منذ 7 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN