حذر ممثل المرجعية العليا، والمتولي الشرعي لحرم الإمام الحسين، عليه السلام، سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي من التظاهر بممارسة الشعائر الحسينية والمشاركة في مجالس العزاء في الوقت الذي يركن فيه البعض إلى الظلم واتباع المنحرفين فكرياً بعد انتهاء موسم العزاء.
جاء ذلك خلال خطبته الأولى من صلاة يوم الجمعة، التي ألقاها في الصحن الحسيني الشريف، بحضور حشد غفير من المصلين والزائرين والأهالي.
وقال سماحته "احذر ان تكون ممن يشارك في مجالس العزاء وتبكي على الحسين علانية تريد بذلك ان تكون من الموالين لأهل البيت عليهم السلام ولكنك في السر ترتكب المعاصي وتظلم وتخون وتغش وتغدر وتتكالب على الدنيا فتكون ممن لم يتبرأ من اعداء الله".
وأضاف "إخواني احذروا من ان تكونوا ممن يحرصون على العزاء والإطعام والحضور للمجالس امام الناس ولكنهم اذا عادوا الى البيت كانوا ظلاماً متوحشين مع اهلهم و أولادهم".
فيما حذر سماحة المتولي الشرعي من ممارسة الشعائر الحسينية ومخالفة مرجع التقليد وتقديم أرباب الفكر المنحرف والمناهج المستوردة من الخارج.
الخطبة الاولى لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 19/محرم الحرام /1438هـ الموافق 21 /10/ 2016 م:
مقاطع من زيارة عاشوراء:
(واتقرب الى الله ثم اليكم بموالاتكم وموالاة وليكم وبالبرائة من اعدائكم والناصبين لكم الحرب وبالبراءَةِ من اشياعهم واتباعهم اني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم وولي لمن والاكم وعدو لمن عاداكم).
من مضامين الزيارة:
التعريف بمقامات المعصوم الالهية ومنازله السامية (وراثة الانبياء، وصي امير المؤمنين، الصديق، الشهيد، الامام البر التقي،...) لتحديد نوع العلاقة بينه وبين الزائر والكشف عن مراتبه الالهية التي خصه الله تعالى بها لكونه تميّز عن غيره في مقام العبودية والحب لله تعالى والخضوع له وما يحمله من ذوبان في الذات الالهية...
الاقرار لها من قبل الزائر وان هذا التعريف ثم الاقرار يقتضي التزامات من الزائر ومنها الموالاة لهم والتبري من اعدائهم والمسالمة له ولمنهجه واوليائه والحرب لاعدائه... واتقرب الى الله ثم اليكم بموالاتكم وموالاة وليكم وبالبرائة من اعدائكم..
فما هي مقومات هذه الولاية ومقومات التبري وماهي استحقاقاته..؟؟
مراتب التولي ومبادئه:
لابد للتولي من ارتباط ينبع من القلب ألا وهو الحب لكي ينشد الانسان بقلبه الى اولياء الله تعالى ثم ينشأ عن الحب النابع من المعرفة العميقة بالله تعالى ومكانة اوليائه في اداء رسالة الدين وما يؤدونه من دور في الحياة وما يتحملونه من اذى ومصاعب ومشاكل حتى انهم يفنون ذاتهم في حب الله تعالى ويبذلون ارواحهم في سبيل هداية الناس يستتبع ذلك الانقياد بهم وطاعتهم والاقتداء بهم.. وليس المقصود بالحب هنا الحب السطحي الساذج بل هو الحب المبدأي النابع عن ايمان عميق ومعرفة واعية مقرونة بالاتباع والعمل..
والحب الذي دعا اليه اهل البيت عليهم السلام هو الحب الواعي المستند الى حب الله تعالى ومعرفته ومعرفة منزلته ومكانة اهل البيت في الرسالة الاسلامية وكيف انهم حافظوا عليها وصانوها وانهم جسدوا الفرد الاكمل للرسالة وضحوا بكل شيء من اجلها.. هذا الحب الذي يستتبع العمل والاتباع والاخلاقية لحب بدون عمل واتباع..
قال تعالى: (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) – آل عمران-.
والحب هنا له مراتب ايضاً – يقوى ويضعف- وقوته تتمثل في ان يؤثر الانسان اولياء الله تعالى حتى على نفسه واهله واولاده وماله ودنياه ولا ينساهم حتى في لحظات معاناته وآلامه ومثال على ذلك ما كان من موقف ابي الفضل (عليه السلام) حتى رمى الماء وهو كان قادراً عليه وعلى التقوي به للقتال وكان في اشد الحاجة اليه لكنه رمى الماء حين تذكر عطش اخيه..
ومسلم بن عوسجه حينما كان في لحظات النزع الاخير وقبل استشهاده بلحظات لم ينس الحسين (عليه السلام) وكان شعوره متوجها الى الامام الحسين (عليه السلام) فقال لحبيب (رضوان الله عليه) حينما طلب منه ان يوصي فلم يذكر شيئاً يتعلق به ولابعياله بل قال اوصيك بهذا واشار للامام الحسين (عليه السلام)..
والى المعنى المذكور من ان الحب الصادق يستتبع العمل اشار امير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (من احبنا فليعمل بعملنا)
ولقد اهتم الاسلام كثيرا بالتولي والتبري حتى عدهما من الاركان الاساسية للايمان واعتبرهما اساسيين لقبول صالح الاعمال ونلاحظ في زيارات الامام الحسين (عليه السلام) التركيز على هذين الواجبين بل خيّما كثيراً على مقاطع متعددة من زيارة عاشوراء.. وهما عين الحب في الله والبغض في الله الوارد في الكثير من الروايات..
ويقترن التولي دائماً مع التبري من اعداء الله ورسوله واهل البيت عليهم السلام فهو ملازم له لا ينفك عنه فلا ينفع التولي من دون التبري..
قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) – المجادلة-.
فالتولي: هو المحبة والتصديق والاتباع لاولياء الله تعالى وجعلهم القدوة في كل الامور والانصياع لاوامرهم وطاعتهم والتبعية لهم وهي امتداد لولاية الله تعالى ورسوله..
والتولي والولاية يعني موالاة الله واتباعهم وجعلهم القدوة في كل الامور..
والتبري: من لوازم الاسلام والايمان ومن الامور الواجبة في الشريعة..
وكما ان العلاقة المطلوبة مع الله تعالى واولياءه لابد ان تكون علاقة الجذب والتقريب فلابد من ايجاد علاقة الطرد والابعاد والتنفر عن اعدائه وهكذا تقتضي الفطرة الانسانية حتى تكون القوى المؤثرة في الانسان تدفعه نحو الخير والكمال والحق بعيداً عن تاثير قوى الشر والضلال والباطل..
فلابد من التبري وهو الرفض لولاية اعداء الله تعالى والتنفر عنهم والابتعاد عن منهجهم وذلك بايجاد حاجز قوي يحول بينهم وبين دائرة التأثير لأعداء الله تعالى على الانسان..
والتبري اساسه البغض والعداء لاعداء الله تعالى وهو يستلزم عدم الاتباع والانقياد لهم ولمنهجهم..
الولاء:
وهو على درجة من الحب فاذا تركز الحب وتعمق وتمكن من الانسان عن وعي وبصيرة.. في سبب حبه وثمار حبه فانه ينتقل الى مرحلة الاتباع والطاعة في كل شيء في حياته لاولياء الله تعالى بل يخلص لهم ويتفانى في الولاء لهم ويكون نصيراً ومتفانياً في الدفاع عنهم والسير على نهجهم ولا يبالي بأي شيء يتعرض اليه من اجلهم..
ونحن نجد من احاديث الائمة ما يشير الى مرتبة الحب ومرتبة الولاء ومرتبة التشيع وتتمثل المحاور المهمة لاكتساب مرتبة الولاء لاهل البيت عليهم السلام بأمور:
طبيعة العلاقة مع الله تعالى:
بأن تكون عن معرفة بالله تعالى معرفة واعية بان الله تعالى هو الخالق والمدبر والرازق والحكيم والعادل وغير ذلك من الصفات الالهية المستتبعة للرغبة في لقاء الله تعالى ثوابه والخوف من عقابه والاطاعة لاوامره كلها والتسليم لله تعالى في قضائه وقدره والشاعر بهيمنته وسلطانه والمؤمن بمعيته والذي لا يرى مؤثراً في الوجود غيره فلا يفقدهم الله تعالى حيث امرهم ولا يجدهم حيث نهاهم..
على مستوى الصفات النفسية والمقومات الاخلاقية والسلوكية..
فتجد الموالي هو الذي تنعكس عليه صفة الحب وعلى نفسه وروحه وقلبه صفاء ونوراً وبصيرة وعزماً يتجسد في واقعه الحياتي من خلال صفات الورع والتقوى والحلم والصدق والامانة والوفاء والزهد والعفة والحياء والعدالة والتواضع والاباء والشجاعة..
محور العلاقة فيما بينهم:
ان مقتضى التولي لاولياء الله تعالى هو ان يرتبط الموالي مع من يشاركونه في دائرة الولاء من اخوانه الذي يوالون من يواليهم بروابط اجتماعية خاصة حتى يكون فعلا ً مشتركاً منهم في دائرة الولاء ومن ذلك الارتباط بهم والتعامل معهم بالمودة والتعاطف والتآزر والتعاون والتآخي والتآلف..
وخلاصة القول ايها الاخوة ان التولي بالمعنى المذكور والتبري الذي اوضحناه لا ينفك احدهما عن الاخر وحتى يتضح الامر اكثر..
نقول احذر ان تكون ممن يشارك في مجالس العزاء وتبكي على الحسين علانية تريد بذلك ان تكون من الموالين لأهل البيت عليهم السلام ولكنك في السر ترتكب المعاصي وتظلم وتخون وتغش وتغدر... وتتكالب على الدنيا فتكون ممن لم يتبرأ من اعداء الله..
واحذر ان تكون ممن يحرص على العزاء والاطعام والحضور للمجالس امام الناس ولكنك اذا عدت الى البيت كنت ظالماً ومتوحشاً مع اهلك واولادك او حينما تكون في الدائرة والسوق والجامعة ترتكب المعاصي وتنظر للحرام وتغتاب وتقصّر في عملك.. او تقطع رحمك وتغصب حقهم.. ونحو ذلك من الامور المنافية لموالاة اولياء الله تعالى.. واحذر ان تمارس الشعائر الحسينية وتدعي الولاء لأهل البيت عليهم السلام ولكنك تخالف مرجع التقليد وتقدّم عليه غيره من ارباب الفكر المنحرف والمناهج المستوردة.. او تلبس ملابس السواد وتحزن ولكنك في قلبك تحقد وتكره وتبغض وتغل للاخرين.