يؤدي دورًا تعجز عن ضبطه وتنظيمه العديد من دول العالم التي قد تمر بذات الموقف، فالحشود المليونية التي تغمر مدينة كربلاء خلال الزيارات الدينية التي باتت سمة لتلك المدينة. إذ تستقبل كربلاء أحد أكبر التجمعات البشرية في العالم المعروفة بزيارة الأربعين، في تقليد سنوي متبع لدى محبي أهل البيت (عليهم السلام) منذ مئات السنين. أضفت الزيارات على المدينة هالة استثنائية يستشعرها كل من يزور المدينة، لما يشاهده من أجواء روحانية لا تتوفر بأيّ مكان في العالم. وزيارة الأربعين هي إحياء ذكرى سنوية لمرور أربعين يومًا على استشهاد الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) وأنصارهم في معركة الطف التي وقعت عام 61 للهجرة. وكما يبدو أنّ هول المعركة وضخامته لم يحد تقادم السنين من أثرهما، إذ توحي بشكل خفي لكل من تطأ قدماه تلك المدينة شعورًا بالهيبة والانبهار، والسكينة التي تضفيها القباب الذهبية التي تطوقها السيول البشرية من كل جانب. إلا أنّ الأمر لا يخلو من تنظيم وضبط يُبذلان من وراء الكواليس، تقف خلفه من دون أدنى شك جهات مختلفة قادرة على إدارة انسيابية ذلك التجمع المليوني وتدارك أيّ طارئ قد يقع فجأة. في أحد أزقة المدينة القديمة، وتحديدًا من الجهة الجنوبية لمنطقة بين الحرمين، تلك الساحة الفاصلة بين العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية، يقع مبنى صغير نسبيًّا يتولى العاملون فيه أحد أبرز الأدوار التي تسهم في خدمة المشاركين في إحياء هذه المناسبة. إذ يعد قسم المواكب والشعائر الحسينية من أبرز المؤسسات التنظيمية وأكثرها تميزًا على صعيد الجهات المساهمة في إنجاح الزيارات المليونية.
والمواكب الحسينية هي عبارة عن مجاميع طوعية تسعى إلى المشاركة في الزيارات عبر شقين، أولهما تنظيم الشعائر الحسينية، كمجالس العزاء وبعض الفعاليات التعبيرية، والجانب الثاني هو تقديم خدمات متنوعة للزائرين، مثل الغذاء والمياه والمشروبات وتوفير أماكن الاستراحة وبعض الخدمات الإنسانية الأخرى.
المهندس محمد مصطفى الطويل معاون رئيس قسم المواكب والشعائر الحسينية، يتابع عن كثب جميع تفاصيل سير الأعمال كما يصفها بشكل مستمر وعلى مدار الساعة. إذ يقول، "واجبنا السهر على نجاح حركة الزيارة وانسيابيتها دون كلل أو ملل، فهي مسألة تتعلق بسلامة ملايين الزائرين وأمنهم". ويضيف "من مهامنا التنظيم والمراقبة والمتابعة بالتنسيق مع الأقسام البلدية والأمنية في المحافظة للحيلولة دون وقوع أيّ إرباك يؤثر على مشاعر الزائرين أو يكدر صفو الزيارات المليونية". ويكمل "في هذه الزيارة يشارك أكثر من ثلاثة عشر ألف موكب عزائي وخدمي مسجل، يتحتم على القسم مساعدتهم وتسهيل أعمالهم على أكمل وجه". وتتضمن واجبات القسم إصدار التراخيص الأمنية والموافقات الرسمية لأيّ موكب يعزم على المشاركة في إحياء الزيارات، إذ يمتلك ممثليات في جميع أنحاء مدن العراق عدا محافظات إقليم كردستان. وتبيّن قاعدة بيانات القسم أنّ عدد المواكب الحسينية المسجلة داخل العراق هو ستة وثلاثة ألف موكب، إلى جانب ألف ومئتي موكب من خارج العراق. ويشيد المشرفون على المواكب الحسينية بأداء القسم على صعيد التنظيم والمتابعة على حد سواء، إذ يعلق السيد مرتضى الأوسي أحد منظمي موكب شباب ديالى قائلًا، "لهذا القسم دور أساسي في تسهيل مرور شاحناتنا من محافظة ديالى وحتى وصولنا إلى كربلاء ونصب سرادق العزاء ومعدات الخدمة"، مبينًا أنّ "الترخيص الذي يمنحه الموكب يختصر علينا الوقت والجهد من جهة التفتيش والموافقات الأمنية". وبحسب معنيين فإنّ وزارتي الداخلية والدفاع وبعض المؤسسات الأمنية الأخرى، تفرض رقابة مشددة في أثناء الزيارات المليونية؛ للحد من المخاطر التي قد ترتكبها بعض الخلايا الإرهابية النائمة.
بدوره يقول السيد أحمد حسين أحد المشرفين على موكب أنصار الله، ما أفاد به الحاج مرتضى بخصوص عمل قسم المواكب، فيقول، "لولا هذا القسم لعانى الزائرون من الكثير من الإشكاليات والتزاحم، وقد يصل الأمر إلى الفوضى إن لم أبالغ"، موضحًا، أنّ "تأسيس قسم المواكب والشعائر الحسينية أسهم في تنظيم عمل المواكب التي تفد إلى المدينة للمشاركة في الزيارة". ويضيف، " يتبنّى موكبنا إطلاق عزاء الزنجيل (ضرب بالسلاسل على الظهور) إلى جانب تقديم ثلاث وجبات من الطعام يوميًّا"، مختتمًا أنّ "الموكب أُسّس في مدينة النجف الأشرف منذ أكثر من سبعين عامًا، وتتوارث الأجيال المتعاقبة الخدمة وإحياء الشعائر في كل عام". ويبذل القسم بحسب المهندس محمد الطويل جملة من الإجراءات الاحترازية قبل منح الموافقات للمواكب، بالإضافة إلى تعهدات الالتزام بالتعليمات التي يصدرها. ويقول الطويل، "تُمنح الأذونات بعد عمليات تحرٍّ وتدقيق أمنيين لمنظمي الموكب في محافظاتهم الوافدين منها".
ويتابع، "يتولى القسم توثيق البطاقات التعريفية وصرفها لكل موكب قبل الإيعاز بالموافقة على المشاركة في الزيارة"، مبينًا، "بالإضافة إلى العملية التنظيمية لمواكب العزاء، هناك تنظيم خاص بأجواء الزيارة، إلى جانب سلامة الزائرين وأمنهم يلزم أصحاب المواكب أنفسهم بها". ويضيف، "من ضمن تلك التعهدات، هو إقامة الصلوات في أوقاتها، إلى جانب إيقاف مكبرات الصوت وقت الصلاة، وأيضًا يجب على كل موكب حيازة أدوات السلامة المهنية كمطفأة الحريق، أيضًا الالتزام بأوقات طواف مواكب العزاء المتوجهة إلى العتبات المقدسة، ويتعهد الموكب بالالتزام بالنظافة وعدم التجاوز على البنى التحتية والحدائق والساحات".