مع تواصل الحرب الروسية الأوكرانية وتوالي فرض العقوبات الغربية الصارمة على موسكو، تثار التساؤلات حول البدائل والخيارات الروسية في ظل تضييق الخناق اقتصاديا وتجاريا عليها من قبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
وفيما تؤكد
موسكو أنها "أكبر من أن تعزل"، يرى خبراء اقتصاديون أن هذا لا ينطوي على مجرد "كلام شعارات"، مشيرين إلى أنها فضلا عن قدراتها ومواردها الاقتصادية الكبيرة، تملك شبكة علاقات مع دول كبرى خارج المنظومة الغربية، كالصين والهند وبلدان أميركا اللاتينية، تستطيع الاعتماد على التبادل التجاري معها لتعويض الأضرار التي تلحق باقتصادها بفعل العقوبات التي تطالها على خلفية حربها في أوكرانيا.
وفي هذا السياق، كشفت إدارة
الجمارك الصينية، الاثنين، عن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين خلال أول شهرين من عام 2022 بنسبة 38.5 بالمئة، ليبلغ 26.431 مليار دولار.
وأشارت بيانات الجمارك الصينية، إلى أن حجم الصادرات الصينية لروسيا ارتفع خلال الفترة المذكورة بنسبة 41.5 بالمئة، على أساس سنوي، وبلغت 12.617 مليار دولار، فيما ارتفع حجم الصادرات الروسية إلى الصين بنسبة 35.8 بالمئة ليبلغ 13.813 مليار دولار.
وأوضحت الجمارك الصينية، أن حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2021 ارتفع بنسبة 38.8 بالمئة، وحقق رقما قياسيا ليبلغ 146.887 مليار دولار.
الدور الصيني
وللحديث عن أهمية الدور الصيني في تخفيف تبعات العقوبات الغربية على
روسيا، وآفاق التعاون الاقتصادي والتجاري بين موسكو وبكين، يقول تيمور دويدار، المستشار في قطاع الأعمال والاستثمار، من العاصمة الروسية، موسكو، في حوار مع سكاي نيوز عربية :"الصين بلا شك، شريك اقتصادي مهم لروسيا، حتى أن تصدير الأخشاب والغاز والبترول بالتحديد منها للصين، يتم وفق أسعار تفضيلية وبتخفيضات تكاد تكون غير مربحة حتى، وهي شراكة يبدو ستتعزز خاصة مع فرض هذه العقوبات والأزمة الحادة مع الغرب، رغم أن ثمة أيضا تنافسا اقتصاديا وتجاريا سابقا بين البلدين، فمثلا كانت بكين تمنع شراء الأسماك الروسية حتى وقت قريب، وهكذا".
حجم التجارة مع الصين يبلغ نحو 150 مليار دولار، وفق دويدار، الذي يضيف: "وهو رقم يتجه نحو الارتفاع بالطبع، لكن في الحسابات الاقتصادية ثمة فرق بين حجم المعاملات وحجم الأرباح وهي قد لا تكون بالضرورة متناسبة طرديا، لكن إن رجعنا لبضعة أعوام للخلف قبل أزمة شبه جزيرة القرم، كان حجم التبادل التجاري الروسي مع بلدان المنظومة الأوروبية يبلغ نحو 420 مليار دولار، وهو رقم ضخم جدا، لهذا خسارة روسيا للسوق الأوروبية لا يمكن تعويضها عبر الأسواق الأخرى البديلة، بما فيها الصينية".
استيعاب الأسواق
الأسواق الجديدة أمام روسيا محدودة الاستيعاب نسبيا قياسا بالسوقين الأميركي والأوروبي، كالأسواق الآسيوية والشرق أوسطية والأفريقية، وفق الخبير الاقتصادي الروسي، الذي يتابع: "ذلك لأن معدلات امتصاص هذه الأسواق البديلة عن أسواق الولايات المتحدة وأوروبا لاحتياجاتها من روسيا قائمة طبعا، وقد ترتفع، لكن كون هذه الأسواق تابعة في جلها لدول غير ناهضة صناعيا، يجعلها غير قادرة على استيعاب ما كانت تستوعبه أسواق بلدان الاتحاد الأوروبي من صادرات ومواد وسلع روسية".
من جانبه يرى، طارق جوهر، الكاتب والباحث السياسي، في حديث مع سكاي نيوز عربية أن "تطور التبادلات والتعاملات التجارية على وقع الحرب الأوكرانية بين موسكو وبكين هو مؤشر مهم جدا لروسيا، وأهميته لا تقتصر فقط على المردود الاقتصادي البحت، بل وربما الأهم تكمن أكثر في مردوده المعنوي والسياسي ودلالاته، في كسر جدوى العقوبات الغربية كما تعول على ذلك موسكو".
وفي المقابل، يضيف جوهر: "بكين أيضا تستفيد من هذه الرغبة الروسية لزيادة وتائر التعاون والتبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين، وهي سترد التحية الروسية بأحسن منها على الأرجح، كونها هي الأخرى لديها جملة ملفات صدامية عالقة مع عواصم الغرب، وخاصة مع واشنطن، وهي بحاجة للاستثمار أكثر سياسيا واستراتيجيا وليس فقط اقتصاديا في علاقة متكاملة ومتوازنة مع روسيا لدعم موقفها وموقعها في المعادلات الدولية وصراعات النفوذ والمصالح".
يذكر أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، ومع اشتداد الأزمة مع أوكرانيا والغرب قبيل بدء الحرب، كان قد قام بزيارة إلى الصين في بداية شهر فبراير الفائت، وقع خلالها عددا من الاتفاقيات مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في العديد من مجالات التعاون وخاصة في المجال الاقتصادي.