يتبع الاستثمار في التحول إلى
الطاقة النظيفة، أنماطاً معروفة في أسواق رأس المال العالمية، فالمؤسسات المالية الكبرى والراسخة، تضخ مئات المليارات من الدولارات سنوياً في تمويل إنشاء أصول طويلة الأجل تستخدم تقنيات معروفة خالية من
الكربون – أي التوظيف والتعبئة.
أما المؤسسات الأصغر (بعضها راسخة وأخرى جديدة تماماً)، فتوفر عشرات المليارات لتمويل تأسيس الشركات والتصديق على التقنيات الجديدة ونماذج الأعمال، أو الابتكار.
في العام الماضي، جذبت تكنولوجيا التحول إلى الطاقة النظيفة و
المناخ – بما يشمل
الطاقة المتجددة، وتخزين الطاقة، و
السيارات الكهربائية والتدفئة، والهيدروجين، و
الطاقة النووية، والخامات صديقة البيئة، والتقاط الكربون- أكثر من 900 مليار دولار. وجذبت مشروعات تحول الطاقة 755 مليار دولار، بزيادة 25% عن استثمارات عام 2020، وضعف ما تم استثماره في عام 2015، وزيادة بأكثر من 20 مرة منذ 2004.
تكشف الأرقام المعلنة أمراً مهماً، وهو أن الطاقة المتجددة لم تعد قاطرة نمو الاستثمار كما كانت قبل ذلك.
باستثمار 366 مليار دولار في العام الماضي، ما زالت الطاقة المتجددة قاطرة للاستثمار من حيث الحجم (فما زالت تشكل تقريبا 50% من إجمالي الاستثمارات)، أما النمو المتميز والأبرز فهو في قطاع وسائل النقل الكهربائية، التي تجاوزت فيها الاستثمارات 270 مليار دولار في العام الماضي.
وسائل النقل
تكشف مقارنة معدلات النمو المركبة هذه بكل وضوح عن اتجاهين. إذ تنمو وسائل النقل الكهربائية بمعدل عشرة أضعاف معدل نمو الطاقة المتجددة –وإذا استمر هذا المعدل لمدة عام إضافي واحد فقط، ستكون وسائل النقل القاطرة الأكبر لاستثمارات تحول الطاقة مقارنة مع قطاع الطاقة المتجددة.
يجدر بنا أيضاً ملاحظة معدل نمو استثمارات تخزين الطاقة، والتي تجاوزت نسبة 30%، مما يعني أن الاستثمارات في هذا القطاع تضاعفت في أقل من عامين.
تمويل الابتكارات
وصل تمويل ابتكارات المناخ إلى 165 مليار دولار في عام 2021. ترصد "بلومبرغ إن إي إف" لأبحاث الانتقال للطاقة النظيفة الاستثمار في تكنولوجيا المناخ من حيث فئة الأصول ومن حيث القطاع، وكلاهما يكشف عن اتجاهات مهمة.
أسواق رأس المال كانت مفتوحة لتكنولوجيا المناخ على كل مستوى في العام الماضي –مجال الطرح الأولي للاكتتاب العام كان مفتوحاً على نطاق واسع، مع قيام الشركات المدرجة بجمع أكثر من 40 مليار دولار. في الوقت ذاته، ازدهر سوق شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة (SPAC) مع تخصيص المستثمرين ما يزيد على 35 مليار دولار، وقيام هذه الشركات بجمع الأموال، على أمل الاستحواذ على شركات تكنولوجيا المناخ. كذلك كان سوق الاستثمار الخاص في الأسهم المطروحة للاكتتاب والتداول العام أو (PIPE) سوقاً يتسم بالسيولة، رغم أنه كان أصغر بحجم يقل قليلاَ عن 14 مليار دولار. وعلاوة على ذلك، تجاوز بيع الأسهم في السوق الثانوي من قبل الشركات العامة مستوى 21 مليار دولار.
ذلك كله من دون فئة الأصول الأخيرة والأكبر في مجال تكنولوجيا المناخ: وهي رأس المال المغامر وصناديق الاستثمار المباشر. وقد بلغت قيمة صناديق رأس المال المغامر والاستثمار المباشر في مجال تكنولوجيا المناخ نحو 54 مليار دولار في العام الماضي.
من الضروري كذلك أن نشير إلى أن ذلك الاستثمار كان منتظماَ على مدى العام، بينما انكمش نشاط السوق عموماً إلى ما يقرب من الصفر في أبريل، ومرة أخرى في أكتوبر 2021.
تدفق الاستثمارات
تدفقت صناديق رأس المال المغامر والاستثمار المباشر في قطاع تكنولوجيا المناخ، على كل القطاعات وبمختلف أنواعها، لكن وسائل النقل (بنسبة 41% من الإجمالي) والطاقة (بنسبة 27% من الإجمالي) ابتلعت أكثر من ثلثي إجمالي الاستثمارات في المراحل الأولى.
تلى ذلك قطاع الزراعة، ثم شركات المناخ والخدمات المرتبطة بالكربون، أما قطاع البناء فتأخر عنهما بمسافة بعيدة، محققا 3% فقط من إجمالي استثمارات تكنولوجيا المناخ في المراحل الأولى مقومة بالدولار في العام الماضي.
احتياجات رأسمالية
مع نضج شركات تكنولوجيا المناخ وانتقالها من رأس المال المغامر وصناديق الاستثمار المباشر إلى الأسواق العامة وسيولتها، تزداد احتياجاتها الرأسمالية.
إن الانتقال من الابتكار إلى التعبئة والتوظيف، ليس مسألة اختلاف في الدرجة –وإنما مسألة تتعلق بترتيبات الحجم.
حتى لو أن نسبة صغيرة من الشركات التي تلقت دعماً في العام الماضي من مبلغ الـ54 مليار دولار من صناديق رأس المال المغامر والاستثمار المباشر نجحت على مستوى عالمي، فإن احتياجاتها الرأسمالية للتعبئة والقيام بمهمتها ستصل إلى مئات المليارات من الدولارات.
وإذا أضفنا نجاحاتها المحتملة إلى استمرار نموها التراكمي في مجال الطاقة المتجددة، والنمو الهائل في مجال وسائل النقل الكهربائية، فسوف يسجل الاستثمار في مجال التحول إلى الطاقة النظيفة مستوى التريليون دولار سنوياً في وقت قريب.