تتوالى مؤشرات تفاقم الأزمات المتصلة بشح المياه في العراق، ولا سيما الخاصة منها بري المزروعات، منعكسة سلباً على إنتاج محاصيل زراعية حيوية، وفي مقدمتها محصول القمح الذي يعد العراقيون من أكثر شعوب المنطقة استهلاكاً لمنتجاته ومشتقاته، وعلى رأسها الخبز.
وفي آخر تجليات الأزمة المائية الزراعية في العراق، أكدت وزارة الزراعة العراقية أن العجز في إنتاج الحنطة هذا العام سيصل لمليوني طن.
وفي هذا الصدد، يقول رمضان حمزة، مدير مركز استراتيجيات الطاقة والمياه، في حديث مع "سكاي نيوز عربية": "العجز الكبير في محصول
الحنطة بواقع أكثر من مليوني طن، ومحاصيل نقدية أخرى كالشعير والذرة، مرده لأزمة المياه الخانقة التي تجتاح
العراق منذ فترة ليست بالقصيرة، مما دفع بوزارة الموارد المائية لزيادة الضخ من الخزين المائي في السدود العراقية، ومسببات هذه الأزمة المائية الغذائية العاصفة ببلاد الرافدين معروفة وقابلة للحل، ولكن مع شديد الأسف الحكومة العراقية بدلاً من المطالبة بحقوقها المائية من دول الجوار، تقوم بتقليص الرقعة الزراعية للنصف".
ويرسم الخبير المائي العراقي الملامح القاتمة لتداعيات هذه الأزمة، بالقول : "وهكذا سيكون العراق تحت رحمة الجفاف، وموجات الحرارة العالية والسيول والتصحر، وفقدان الأراضي الزراعية والهجرات الجماعية، وما يجره كل ذلك من تأثيرات سلبية على صحة الإنسان والحيوان والنبات، بالإضافة إلى التأثير على القطاعات الرئيسية التي تشكل أساس التنمية والتطور في البلد بسبب ندرة وتلوث المياه، وبالتالي سيطال التأثير الاستقرار السياسي في العراق، لذا بات من الضروري اتخاذ تدابير صارمة لمعالجة الملف المائي داخليا وخارجيا، وتعزيز مرونة المجتمع العراقي للتكيف مع تغيرات المناخ، لتقليل الهشاشة في القطاعات الهشة بالفعل والأكثر ضعفاً".
ومن هذا المنطلق، فإن العراق أمام مستقبل قاتم بعد نفاذ خزينه الاستراتيجي إذا أكتفى فقط بالمحادثات الشكلية العقيمة والتنديد، كما يرى حمزة، مضيفاً : "فداحة الوضع تقتضي وقف التعاملات التجارية والأمنية مع الدول التي قطعت المياه عن العراق، واستحوذت على حصصه المائية، وتدويل المسألة المائية على مختلف المستويات، وإلا فالمعضلة المائية ستتحول لكارثة إنسانية لا تحمد عقباها".
من جانبه، يقول الخبير الزراعي العراقي تحسين الموسوي، في حوار مع "سكاي نيوز عربية": "العراق وفق مختلف التقارير المحلية والدولية هو في عداد الدول الأكثر تأثرا بأزمة شح
المياه والجفاف وتزعزع الأمن الغذائي، فعلى مدى الموسم الثالث على التوالي، نحن نعيش سنة جافة وهذه السنة أيضاً نحن أمام بوادر موسم جاف، والخطير في الأمر أن العراق يحتاج بحدود 4 ونص مليون طن من الحنطة لسد حاجة البطاقة التموينية، وهذا ما يتطلب زراعة نحو 5 إلى 6 ملايين دونم، لكن نتيجة شح المياه الحاد تم تقليل المساحات الزراعية هذا العام، بما يقل عن النصف مقارنة بالعام الماضي، أي بحدود مليونين ونصف مليون دونم فقط".
وهكذا فالعجز في مادة الحنطة سيكون مهولا، كما يحذر الموسوي، بالقول: "كوننا الآن في نهاية السنة ولغاية اللحظة في مناطق أسفل
بغداد مثلاً، لم نشهد بعد الرية الأولى للأراضي المزروعة، ما يعني أننا حيال واقع خطير جداً، هذا بالنسبة لمناطق بغداد وواسط وغيرها من مناطق متجاورة، ناهيك عن مناطق السماوة والبصرة ونينوى، أما محافظة ديالى فهي خارج الخطة الزراعية تماماً ".
وحول العوامل التي تسببت بهذا الانحدار في مستويات إنتاج محاصيل حيوية كالقمح بالعراق، يرد الخبير الزراعي العراقي : "لا شك أن
التغيرات المناخية هي مسؤولة بدرجة كبيرة وأساسية عن ذلك، لكن تخلف الطرق والأساليب الزراعية والإروائية في العراق يلعب أيضاً دوراً لا يستهان به في تراجع القطاع الزراعي العراقي، وفي تعميق التهديد الذي يحيط بأمن العراقيين الغذائي، كما وأن العامل الأخطر في تعميق هذه الأزمة المائية الزراعية وتسعيرها، يتجسد في السياسات الابتزازية لدول المنبع، وتحكمها الكامل في موارد العراق المائية، وتعديها على حقوقه في الأنهار الدولية".
ويرى مراقبون وخبراء زراعيون أن
الحكومة العراقية لسد النقص الفادح في إنتاج الطحين، ستلجأ لخيار الاستيراد وهذا ما سيقود بدوره لرفع أسعار الخبز وغيره من منتجات وسلع مشتقة من القمح، ما سيثقل من كاهل المواطنيين العراقيين، ولا سيما من يعيشون منهم تحت مستوى خط
الفقر، والذين يشكلون قرابة ثلث عدد سكان العراق، وفق تقارير حكومية عراقية ودولية.
هذا وتشهد الأسواق العراقية على وقع استفحال مؤشرات شح المياه وتراجع إنتاج المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، تذبذاً وارتفاعاً في أسعار الطحين في ظل تصاعد القلق من نقص هذه المادة الحيوية، مع تقليص مساحات الأراضي المزروعة في البلاد .