أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-4-2016
3315
التاريخ: 12-4-2016
3524
التاريخ: 13-3-2019
2486
التاريخ: 12-4-2016
3580
|
الفتنة تنمو، ويتّسع سلطانه، ويزيد شيئاً فشيئاً عدد السّاخطين عليها: من أبنائها الذين نبذتْهم بعد أنْ اسْتَغْنَتْ عنه، ومن الصّفوة الذين قامتْ في أساسها ضدّهم، ومِن أولئك الذين لم يكنْ يعنيهم الأمر في شيء، ولكنَّهم اكتشفوا - بعد انتصار الفتنة التي لم يحاربوها أوّل الأمر - أنّهم قد غدوا من ضحاياها ..، هؤلاء جميعاً الّذين تجملهم كلمة أمير المؤمنين في تصويره لمعاناة الناس من الفتنة بقوله:..، وحتَّى يقُوم الباكيانِ، يبكيانِ: باكٍ يبكِي لدينِهِ وباكٍ يبكي لدُنياهُ...(1).
ويرى هؤلاء جميعاً أنّ النظام - نظام الفتنة – ظالم، وكل فريق يرى ظلم هذا النظام من منظوره الخاص:
- بعضهم يرى ظلم النظام من منظوره النفعي الخاص، أو الفِئَوِي، أو القَبَلِي، دون أنْ يبالي بانتهاك الثورة لحقوق أشخاص آخرين أو فئات أخرى، ودون أنْ يبالي بتجاوز النظام للشريعة وتعطيل دور الأمّة الرّسالي في العالَم، وتحويلها إلى فئات مُحْتَرِبَة متخاصمة فقدتْ وحدتها الداخليّة.
- وبعضهم الآخر يرى ظلم النّظام من منظور رسالي وشرعي، يتجاوز مصالحه الشّخصيّة ومصالح فئته وقبيلته.
كلّ الفئات السّاخطة على النّظام ترى ظلم هذا النّظام..، هذا الظّلم الّذي هو حصيلة التّعارض بين القانون - كما يراه كلّ فريق من منظوره الخاص - وبين سياسة الدّولة.
وتتأهّب كلّ فئة - بوسائلها الخاصّة - للعمل؛ من أجل تصحيح الوضع القائم برفع التعارض بين الواقع السّياسي للدّولة وبين القانون، بإرغام الدّولة على أنْ تعود في سياستها إلى القانون، أو بتغيير الفئة الحاكمة نفسها.
والوسيلة إلى إنجاز عمليّة التّصحيح هذه هي الثّورة.
إذن، عمليّة الاحتجاج بالعنف على واقع نظام الفتنة وممارساته قد تكون ثورة عادلة، وقد تكون أزمة في داخل الفتنة نفسها، نعني: فتنة جديدة تولّد من فشل الفتنة الحاكمة في إرضاء قوى سياسيّة في المجتمع تحمل نفس المفاهيم الّتي تحملها الفتنة الحاكمة(2).
إنّ الاحتجاج بالعنف على واقع نظام الفتنة له فائدة إيجابيّة كبرى وهامّة، سواء أَكَانَ القائمون بالاحتجاج عادِلِين أو مفتونين.
هذه الفائدة هي:
- إدخال الاضطرابات والقلق على هذا النّظام.
- وحرمانه من فرص الاستقرار والشّعور بالأمن، الّتي تتيح له المضي في تزوير الشّريعة وإفساد القِيَم.
وتتيح لقِوَى الخير والحقّ الصّامدة في الأمّة أنْ تتنفّس قليلاً، وتمارس دورها في توعية الأمّة بحرّيّة نسبيّة لم تكن لتتاح لها لو أنّ نظام الفتنة نَعِمَ بالسّلام والاستقرار.
وقد كان موقف الإمام إيجابياً من حركات الاحتجاج على نظام الفتنة الّذي سيقوم من بعده؛ لأنّه إذا لم يكن من المتاح - نظراً لِمَا تقضي به حركة التاريخ - انتصار الشّرعية الكاملة في المدى المنظور، فإنّ من الخير ألاّ تُتَاح لنظام الفتنة فرصة للتمكّن والاستقرار، ومن الخير أنْ يبقى نظام الفتنة في أجواء الخوف والحذر، وحالة الدفاع ...، .
ومن هنا كان توجيهه بشأن الخوارج الّذين تَمَظْهَرَتْ فيهم الفتنة بمظهر الرّفض المطلق للأنظمة القائمة، ومِن ثمّ فهم مؤهَّلون لأنْ يشكّلوا قوّة مزعِجَة لنظام الفتنة المنتصِر.
لقد نهى الإمام عن قتال الخوارج من بعده، مع إنّه هو قاتلهم في خلافته؛ لأنّهم - حين قاتلهم وقتلهم في النّهروان بعد أنْ رفضوا كلّ عروض السلام، وبعد أنْ رفضوا التّخلّي عن مواقفهم - كانوا يمثّلون قوّة هادمة لنظام عادل، أمّا في نظام الفتنة فإنّهم يمثّلون قوّة شالّة وشاغلة لهذا النّظام الجائر المنحرف عن أنْ يمارس طغيانه المادّي والسّياسي، وينفّذ خطط التّحريف العقيدي والشّرعي.
قال عليه السلام: لا تُقاتِلُوا الخوارج بعدي، فليسَ مَنْ طَلَبَ الحَقَّ فَأَخْطَأَهُ كَمَنْ طَلَبَ البَاطِلَ فَأَصَابَهُ (3).
وقد كان عليه السّلام يرى الثّورة آتية ، إنّه لا يصف هذه الثّورة بأنّها عادلة مستقيمة، أو ظالمة مفتونة، وإنّما يرى أنّ نظام الفتنة المنتصر لا يتمتّع طويلاً بانتصاره واستقراره، بل ستُسلب منه لذّة النّصر وحرّيّة الحركة الّتي يتيحها النّصر والاستقرار السّياسي والاجتماعي، ثورات دامية تتوالى فتقضي في النّهاية على فتنة بني أميّة، وتزيل ملكهم.
قال، وهو يحدّث جمهوره عن الفتنة وانتصاره، والمعاناة من ويلاتها وشرورها: ..، ثمُّ يُفرِّجُها اللّه عنكُم كتفرِيج الأديم(4)، بِمن يسُومُهُم خسفاً(5)، ويسُوقهُم عُنف، ويسقِيهِم بكأسٍ مُصبَّرة(6)، لا يُعطيهِم إلاّ السَّيف، ولا يحلِسُهُم إلاّ الخوف(7) فعِند ذلك تودُّ قُريش - بالدُّنيا وما فيها - لو يرونني مقاماً واحِد، ولو قدر جزر جزُورٍ، لأقبل منهُم ما أطلُب اليوم بعضهُ فلا يُعطُونِيْه (8).
والإمام يرى أنّ من الهموم الكبرى لنظام الفتنة المنتصِر تشتيتَ القِوَى السّياسيّة والعقيديّة المناهضة له، سواء أكانت هذه القوّة أو تلك قد حافظتْ على نقائها الإسلامي أو تلوّثت بغبار الفتنة بشكل أو بآخر.
ولكنّه يرى أيضاً أنّ محاولات نظام الفتنة لتشتيت القوى المضادّة له لنْ تستمر في النّجاح، فانّ حركة التاريخ تعمل على تجميع هذه القوى من جديد وفقاً لصيغ سياسيّة جديدة، ويكون ذلك إيذاناً بنهاية الاستقرار لنظام الفتنة الأموي.
قال عليه السلام: ..، وايمُ اللّه لو فرَّقُوكُم تحتَ كُلِّ كوكبٍ، لَجَمَعَكُمُ اللّه لِشرِّ يومٍ لهُم (9).
وقال عليه السلام: افْتَرَقُوا بعد أُلْفَتِهِم، وَتَشَتَّتُوا عن أَصْلِهِم، فمنهُم آخِذ بِغُضْنٍ أينما مال مال معهُ على أنَّ اللّه تعالى سيجمعُهُم لِشرِّ يومٍ لبني أُميَّةَ، كما تجتمعُ قزعُ الخريفِ(10)، يُؤلِّفُ اللّه بينهُم، ثُمَّ يجمعُهُم رُكاماً كرُكامِ السَّحابِ(11)، ثُمَّ يفتحُ لهُم أبواباً يسيلُون من مُستشارهِم كسيلِ الجنَّتينِ، حيثُ لم تَسْلَم عَلَيهِ قَارة، ولم تثبُت عليهِ أكمة(12)، ولم يرُدَّ سننهُ رصُّ طودٍ ولا حدابُ أرض(13)، يُزعزعُهُم اللّه في بُطُونِ أوديتهِ(14) ثُمَّ يسلُكُهُم ينابيعَ في الأرضِ، يأخُذُ بِهم من قومٍ حُقُوقَ قومٍ، ويُمكِّنُ لقومٍ في ديارِ قومٍ وايمُ اللّه ليذُوبنَّ ما في أيديهم بعد العُلُوِّ والتمكينِ كما تذُوبُ الأَلْيَةُ على النَّارِ (15).
ومِن أروع رؤاه لحركة التاريخ في المستقبل رؤيته لحركة الخوارج التّمردّيّة، وكيف أنّها ستنمو وتتشعّب على رغم ما يبدو في الحاضر من مظاهر اندثارها وانقطاع أصله، وذلك أنّه لمّا قُتل الخوارج قيل له: يا أمير المؤمنين: هلك القوم بأجمعهم، فقال: كلاَّ واللّه، إنَّهُم نُطف في أصلابِ الرِّجالِ وقراراتِ النِّساءِ(16) كُلَّما نجم منهُم قَرْن قطِع(17) حتَّى يكُون آخِرُهُم لُصُوصاً سلاَّبين (18).
وهكذا تأتي الثّورة في أعقاب انتصار الفتنة فتحول بينه وبين الاستقرار، وتحول بين أدواته وبين أنْ تمكّن لمفاهيمها في الأمّة، وتُتيح بذلك فرصاً لقِوَى الخير الباقية أنْ تَنْعم بشيء من الأمان، وأنْ تقدر على شيء من الحركة يُتيح لها إبقاء النّور الصّافي متألِّقاً في ظلمات الفتنة، في عقول وقلوب كثيرةٍ، بانتظار الأمل الكبير، والنّصر النّهائي الكبير.
____________________
1 - نهج البلاغة: الخطبة رقم: 98.
2 - نحن نعبّر بمصطلح (ثورة) في التاريخ الإسلامي عن العمل السّياسي الّذي يتمتع بالشّرعية، وما عدا ذلك لا نسمّيه ثورة، وإنّما نسمّيه (تمرّد، أو خروج، أو فتنة).
3 - نهج البلاغة: رقم النّصّ: 61.
4 - الأديم: الجلد، وتفريجه: سَلْخه، يعني أنّ اللّه يسلخ سلطان بني أميّة عن الأُمّة مع شدّة رسوخه ولصوقه.
5 - الخسف: الذّل، يعني أنّ الثّورة الآتية تعاملهم بالإذلال.
6 - مصبّرة: مملوءة إلى أصبارها، بمعنى حافّته، يعني لا يرحمهم ولا يُخفّف عنهم.
7 - حلس البعير: كساء يوضع على ظهره، يعني أنّ الثّورة الآتية تُلْبِس بني أُميّة الخوف.
8 - نهج البلاغة: رقم النّصّ: 93.
9 - نهج البلاغة: رقم النّصّ: 106.
10 - القزع: القطع المتفرّقة من السّحاب.
11 - ركام السّحاب: السّحاب المتراكم، والمستشار مكان تجمّعهم وانطلاقهم ثائرين، وسيل الجنّتين: السّيل الّذي دمّر اللّه به قوم سبأ وحضارتهم عندما طغوا وبطروا.
12 - القارة: ما اطمأنّ من الأرض، والأكمة: ما ارتفع من الأرض، يعني أنّ الكارثة ستكون شاملة عليهم لا يفلت منها أحد منهم ولا مؤسّسة من مؤسّسات دولتهم.
13 - السّنن: الجري، والطّود: الجبل العظيم، والحداب: المرتفعات، والمراد هنا هو المراد في رقم(3).
14 - يزعزعهم: يفرّقهم في بطون الأودية حيث يختفون، كنايةً عن أماكن اختفائهم، ثمّ يجمعهم.
15 - نهج البلاغة: رقم النّصّ: 166.
16 - قرارات النّساء: أرحام النّساء.
17 - نجم: ظهر، قَرْن: رئيس أو جماعة.
18 - نهج البلاغة: رقم النّصّ: 60.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|