المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

التفسير بالمأثور
24-04-2015
ما هي علائم معرفة الحق والباطل ؟
26-10-2014
عبد الله بن سنان بن طريف
26-8-2020
طرق اكثار التين
28-12-2015
مجموعة بارا-تولوين سلفونيل p-Toluene sulphonyl group
2024-03-02
العرب العاربة
7-11-2016


الحباب بن عبد اللّه بن أبي  
  
2922   01:30 مساءً   التاريخ: 18-12-2017
المؤلف : السيد محمد بحر العلوم .
الكتاب أو المصدر : بين يَدي الرسُول الأعظم (صلى الله عليه وآله)
الجزء والصفحة : ص68-80.
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / قضايا عامة /

انتشر الظلام في سماء المدينة وتوافد رواد مجلس الشيخ أبي معاذ الى مجلسهم كالعادة، وهم في شوق لما سيحدثهم في ليلتهم هذه.
وفي تلك اللحظات أقبل الرجل، يحييهم بأحسن السلام والبسمة الهادئة، وبعد استراحة قصيرة بدأ حديثه..
دعا داعي الاسلام في مكة المكرمة، واستقبل الناس هذه الدعوة بكثير من التعصب فقد شقَّ عليهم أن يدعو صبي يتيم لنظام يطيح بكيان آلهتم وينفي جميع مبررات وجودها، فكان من جراء ذلك أن بقي قسم كبير من هذه الزمرة معلنين الحرب الشعواء على المسلمين يسومونهم سوء العذاب، وينكلون بهم أشد التنكيل بدافع من روح عدائية حاقدة، ولاقى المسلمون المخلصون في إسلامهم كل الأذى من هذه الطغمة القاسية التي صهرتها دوافع الضغينة وقسوة المصير، ولكن رغم هذه الصعوبات فالدعوة أخذت بالازدهار وأخذت الجموع تلتف حولها، تؤمن برسالة الاسلام تلك الرسالة التي جاءت لإنقاذ البشرية، مما اضطر البعض من تلك الشراذم أن يسلموا في ظاهرهم، وهم يكتمون في سرهم غير ما يعلنون.
ومن هؤلاء النفر الذين نافقوا في الدين، هو عبد اللّه بن أبيّ بن سلول الانصاري، ذلك الرجل الذي كان سيد الخزرج وكبيرها وشريفها، وقد اجتمعت قبيلته على أن يكون زعيمهم ويسندوا اليه أمرهم، ويكون عليهم ملكاً - وذلك قبل بعثة الرسول الأعظم- .
وعندما صرح الرسول بالدعوة، والتف الناس حوله، تهدمت آمال عبد اللّه بن أبي، لقد كانت آمال هذا الرجل واسعة، فقد كان يأمل أن ينال ملك (يثرب) بعد أن دانت له قبيلته وأمرته عليها.
والخزرج قبيلة يعتد بها، فاذا ما دانت له، واقتنعت بإمرته فلا بد أن يخضع له مما حولها كرهاً أو رضا.
ويشرق نور الاسلام، وتزحف الخزرج الى رسول اللّه، تمد يدها مسلمة لدعوة الحق، ويحسن إسلامها، ويتفرق العدد المرصود من حول هذا الرجل الطامع، فلم يبق له إلا أنفار يستنشق بواسطتهم ريح ملكه المنهار، وسطوته المتداعية على عتبة الاسلام، ويضطر أن يمد يده طائعاً ضامراً الكره الى محمد (صلى الله عليه وآله)، يبايعه على الاسلام، ولكنه يكتم في قلبه أكثر من موجدة على (فتى هاشم) ودعوته، ولا بد أن ينتقم لمجده السليب.
وعبد اللّه بن أبي شريف الخزرج، وكان معروفاً لدى الجميع، وكانوا يعلمون موقفه من الاسلام، لهذا لا نستغرب إذا رأينا داره تصبح بعد زمان قصير موئلاً للمنافقين، والحاقدين على الاسلام، يجتمعون فيها آناء الليل، وأطراف النهار يتهامسون في أمر الدعوة الجديدة، ووضع الحواجز والأشواك في طريقها.
وتجمعت أجهزة السوء يوماً تتداول أمرها وتستعرض الموقف وإذا بابن أبي يطلّ عليها طلع عبد اللّه بن أبي على جماعته، وهو يأكله الحسد، ويجلجله النفاق، يطوى نفسه على صرخة مكبوتة ولوعة كامنة في أعماقه، ويتحرق ألماً وغيظاً، ويعود الى داره ملتاع الجانب فتستقبله زمرته تخفف منه المأساة: أهلاً بأبي الحباب، ماذا وراءك؟
وُيحتقن وجه الرجل، فتغور نظراته، ويتصبب عرقاً وتعلوه صفرة، ويجاهد كتمان صرخة تحاول ان تنطلق من بين أسنانه فيشد عليها بقوة، وزمرته تلحظ عليه كل هذا، فتتهامس فيما بينها، وتبحث عن السبب، ولكن محاولتهم تذهب سدى، ويلتفت اليه بعضهم يخاطبه: ما حلّ بك يا أبا الحباب؟
فيمتعض الرجل، ويزداد ضيقاً، ثم يلتفت اليهم، وصفرة وجهه قد مالت الى الكدرة: لا تدعوني بهذا الاسم بعد هذا، لقد هدم شموخي الحباب وخابت آمالي فيه، فلا أرغب به.
وتعلو على الوجه مسحة من تساؤل: لماذا يا ابن أبي؟
- لقد صبا الحباب لدين محمد، وخلص له، وأبدل اسمه بعبد اللّه.
أتريدون أن أعتز بهذا الولد بعد هذه المصيبة؟
وخرست الألسن، وكفوا عن الحديث.
وامتد الزمن، والولد يحظى بالعطف عند الرسول، ويزداد كرهاً لأبيه، الذي ما فتأ يحارب رسول اللّه، ويعلن المعصية عليه في كل مناسبة، وعجز الولد في محاولاته المتكررة لتوجيه والده إلى طريق الصواب، ولم يترك طريقة توصله إلى مرماه إلا وسلكها، ولكن مع الأسف كانت النتيجة الفراق مما اضطر الابن أن يهجر أباه، ويترك داره، والأب متمادي في غيه لا يرتدع عن عقد الاجتماعات المشبوهة في داره، ضد الإسلام، ولم يرض لنفسه أن يخضع للحقيقة لحظة دون أن يثير المشاكل في طريق المسلمين.
وهاجر رسول اللّه من مكة إلى المدينة، وكان الحباب (عبد اللّه) من جملة الذين لازموا النبي في هجرته، فقد ثقل عليه موقف أبيه، فتركه ولزم نبيه، وكأنه لم يعرف هذا الأب المنكِر والمتنكر للاسلام مما زاد كره عبد اللّه لولده، وأخذ ينتظر الساعة التي يفرغ فيها حقده.
وتبقى في نفس كل من الأب والولد لوعة، ومرارة على الآخر.
لقد عز على الولد الذي سلم فأحسن إسلامه أن يكون أبوه من أشد الحاقدين على الإسلام، وأن يكون مصدراً للأذى والشغب، وسبباً قوياً في عذاب النبي، وكانت هذه الأزرار تثير في نفسه خواطر فتدفعه على الإقدام على قتله وإراحة الاسلام والمسلمين منه، غير أن رسول اللّه كان يخفف من برم الحباب إزاء والده، ويطلب منه أن يعامله بالحسنى، وأمر رسول اللّه مطاع ممتثل على كل حال، ويسكت المؤمن على مضض.
ويشرق الاسلام، ويبسط جناحيه على المدينة ويضطر الرجل الحاقد ان يمد يداً غير مخلصة لمحمد، فيسلم ظاهراً، ويعود بعدها لزمرته، فيقول لبعض أصحابه: مادت الأرض بي، وأنا أمد يداً لمحمد فأبايعه مكرهاً.
ويرد الرجل عليه: وما يضرك منها، ومصلحتك الشخصية اقتضتها.
ويعرف الكل أن ابن أبي مسلم في لسانه، كافر في قلبه يتربص الفرصة ليوقع بالاسلام وأتباعه ما يروي حقده الجاهلي.
حتى كانت وقعة بدر فخرج المسلمون، وتخلف عبد اللّه بن أبي عن مساندة جيش المسلمين متمارضاً، لقد كان مسلماً في لسانه، أما في عمله فهو على غير الاسلام، ولكن موقف الولد المعتز بالاسلام كان الامثولة الحية، فقد أبلى بلاءً حسناً في ذلك اليوم، وانتهت بدر، وزادت هذه الوقعة والمسلمون منتصرون، من غلواء عبد اللّه الأب، وبقي مستمراً في غيِّه وتعنته ضد الاسلام.
وبعد أيام خرج المسلمون لأحُد، والموقف صارم، والحرب على الأبواب، ولاحظ ابن أبي الظرف فرآه مناسباً لأخذ الثأر من رسول اللّه، فأخد يجول على المسلمين يخذلهم، وتمكن بخبثه من إرجاع الكثير من المسلمين القريبي العهد بالاسلام عن نصرة رسول اللّه حتى حددها البعض بالثلث.
ولوى الحباب رأسه حياءً من هذه الحادثة أمام رسول اللّه، و شهر سيفه في وجه الخزرج، وقاتلهم قتالاً شديداً، مما جلب انتباه النبي فرعاه، وأحسن رعايته وإن كانت صورة أبيه، وموقفه المخزي لم تفارق مخيلته أبداً.
وأعلن الرسول (صلى الله عليه وآله) سنة ست، أو خمس على اختلافٍ في التاريخ عزمه على غزو بني المصطلق، وهم من خزاعة بعد أن وصلت الأخبار، بأنهم عقدوا العزم على قتاله بقيادة الحارث بن ابي ضرار: سيد هذه القبيلة، وكبيرهم.
وبادرهم الرسول، وهم يتوجهون اليه، وكان (المريسيع) -وهو موضع فيه ماء- مركزاً لتقابلهم، وقتالهم.
ولم تمضِ ليلة على العسكرين، حتى أمر الرسول علياً أن يزحف بالراية عليهم، واشتبك الجيشان، ولم تقع خسائر بالأرواح فيها كثيرة، فقد شعر بنو المصطلق بضعفهم فاستسلموا ونقل رسول اللّه أبناءهم وأموالهم، فأفاءهم عليهم.
وكان ابن أبي مع المسلمين الذين خرجوا في هذه الغزوة خرج لا ليدافع، بل ليغنم شيئاً، ووضعت الحرب أوزارها، وتفرق المسلمون يخففون عن أنفسهم ثياب الحرب وعدّتها، بينما البعض منهم ذهب الى بئر ماء تجمع عليها نفر من المسلمين ليملأوا جرارهم وقرَبهم بما يحتاجون اليه من الماء، وفي هذه الأثناء يحدث بين شخصين من المسلمين نزاع على الماء وكان أحدهم من المهاجرين، والآخر من الأنصار، وإذا ما اشتد النزاع بينهما، نادى كل منهما أصحابه، وكادت تقع الواقعة بين المسلمين.
وسمع ابن أبي بهذا النبأ فيضطرب ويولول، ثم يصرخ في وجوه الجالسين حوله من الخزرج: أوقد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلانا، واللّه ما أعدنا وجلابيب(1) قريش هذه إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك أما واللّه لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضر مجلسه من قومه فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما واللّه لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم، لتحوَّلوا الى غير بلادكم، لقد قلت لكم لا تنفقوا عليهم، لو تركتموهم ما وجدوا ما يأكلون ويخرجوا أو يهربوا .
ثم سكت والحقد يغلي في صدره كأنه المرجل، وانتشر الخبر حتى بلغ مسمع رسول اللّه فتأثر منه غاية التأثر، وطلب البعض من رسول اللّه أن يسمح بقتله، ولكن الوفاء الاسلامي المتجسد في رسول اللّه أبى أن يفعل ذلك بل أراد أن يضرب مثلاً أعلى للإنسانية جمعاء فأجابهم: إني أكره أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه . 
واضطر نبي الرحمة وهو بعد لم ينفض يديه من غبار الحرب وفي تلك الظهيرة القاسية، أن يعلن الرحيل، ولم يثنه عن أمره توسل المسلمين بأن يتأخر عن أمره فإنه (صلى الله عليه وآله) حاول بأن يسير ليطوي هذا الحديث عن اسماع الناس، ويشغلهم عن التحدث به، والحيلولة دون التمهيد للنتائج الوخيمة المرتبة عليه ان انتشر.
ولملم المسلمون أمتعتهم امتثالاً لأمر رسول اللّه بالسفر، وتقدم اليه شيخ من المسلمين هو أسيد بن خضير يلتمس من النبي أن يؤخر سفره في هذه الساعة التي يصعب بها المشي، وشمس الظهيرة تلفح وجوههم، ولكن رسول اللّه التفت اليه وقال: أوَ ما بلغك ما قاله صاحبكم؟
- وأي صاحب يا رسول اللّه؟
- عبد اللّه بن أُبيّ.
- وما قال؟
- زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل.
- يا رسول اللّه أرفق به فواللّه لقد جاء اللّه بك، وأن صحبه لينظمون له الخرز ليتوّجوه، وانه ليرى أنك قد سلبته ملكاً.
ولكن رسول اللّه أصرّ على المسير، ليشغل الناس عن حديث ابن أُبيّ، وأمر الرسول المسلمين بالتوجه إلى المدينة عائدين، ويتألم الحباب لهذا النبأ، وكاد يصعق لهول ما سمع، ويهرع إلى الرسول، ودموعه تتقاطر على خديه، ويقف قبالته، والألم يعصره عصراً ويقول: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي، أنت واللّه الاعز وهو الأذل، أما واللّه لقد قدمت المدينة يا رسول اللّه وأهل يثرب ليعلمون ما بها أحد أبر مني، ولئن كان يرضي اللّه ورسوله أن آتيهما برأسه لأتيتهما به، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل أبي فأقتله فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار.
فقال رسول اللّه: بل نرفق به ونحسن صحبته معنا، ولكن عبد اللّه الابن لم يقتنع بهذا، وبقيت كلمة أبيه القاسية تصرخ في أعماقه، وشق عليه هذا الأمر، ولا بد أن يثأر لنبيه وللّه، فكتم في نفسه أمراً، وصمم على تنفيذه.
وفي صباح مشرق كانت فلول المتخلفين تدخل المدينة، وكان شيخ المنافقين ابن أبيّ معهم، وشاهد الناس الحباب بن عبد اللّه ممتشقاً حسامه يقف على عتبة المدينة، والناس لا تعرف من أمره شيئاً، غير أن مظاهر الغضب كانت تثير في المشاهدين أن شيئاً يكتمه الحباب، وسوف ينفجر.
وأقبل ركب المتخلفين تتقدمهم ناقة شيخ المنافقين، فوصل باب المدينة يحاول أن يلجها، فتقدم  الحباب وضرب وجه ناقة أبيه بالسيف، فأثناها عن سيرها، وتعجب الناس من هذا الفعل، وصدوره من الابن البار، وصاح به أبوه، ولكن الولد الذي دفعه اخلاصه لدينه لم يأبه لصراخ أبيه، وإنما وقف أمامه وقد شهر سيفه وقال له: ألست القائل لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل؟
أما واللّه لسوف تعرفن العزة لك، أم لرسول اللّه، واللّه لا يأويك سقف إلا بإذن من رسول اللّه.
واصفرَّ وجه الأب، وكاد يغشى عليه، ماذا يرى، إن ولده يمنعه من دخول المدينة بدافع من إيمانه وعقيدته، وأدار عينيه فيمن حوله فوجد القوم في حيرة وذهول، فصاح مشدوهاً: يا للخزرج ابني يمنعني من بيتي.
وكرر النداء، وصدى النداء يكر راجعاً اليه.
فقد شده الناس هول المنظر، فقال الحباب لأبيه: واللّه لا تأويه أبداً إلا بإذن من رسول اللّه.
وزحف المشاهدون إلى الحباب يلتمسون منه أن يسمح لأبيه بالدخول، فأبى وقال: واللّه لا يدخله إلا بإذن من اللّه ورسوله.
وفشلت جميع المحاولات والتوسلات، فقد أصر الحباب أن يضرب أباه بسيفه لو حاول أن يخطو خطوة واحدة باتجاه المدينة.
والأب المنكسر يقف على عتبة البلد، والذل قد كساه خزياً وعاراً، كل شيء كان ينتظره شيخ المنافقين، إلا هذا الموقف لم يحسب له حساباً.
وطال به المقام، كما طال بالمشاهدين الوقوف، ولما أعيتهم الحيلة ولم تنفع التوسلات مع الحباب ركض نفر إلى رسول اللّه ونقلوا له موقف الحباب من أبيه ذلك الذي نزلت في حقه سورة المنافقين كلها وانزاحت غمامة حزن، كانت قد ألمت بمحيا رسول اللّه، وقال: اذهبوا اليه، فقولوا له: إن رسول اللّه يأمرك بأن تترك أباك ليذهب إلى بيته.
وأخبروه بأمر الرسول. 
فقال بفخر واعتزاز: أما إذا جاء أمر النبي فنعم..
وأرجع حسامه إلى غمده، ورمق أباه بنظرة طويلة فيها كل معاني التحدي والصرامة، وقال له: لولا أمر رسول اللّه لما تركتك تدخل بيتك، ولو اجتمعت عليَّ الخزرج برمتها، إلا أن يفل صارمي ويسكت نفسي.
وغض الأب عينيه على حديث ولده، وأرخى عنان ناقته، وسار مخذول الجانب إلى بيته ليتقي فيه عيون الناس التي لاحقته من باب المدينة حتى بيته، وهي كسهام المنية توغر صدره وتذكره بموقفه المخزي، وبطولة ولده في الدفاع عن عقيدته ودينه تلك التي سيمجدها التاريخ مهما طال وامتد.
واستقبل الرسول الحباب مبتسماً، ثم يلتفت الى أصحابه الملتفين حوله فيقول: لقد وقف الحباب موقفاً من الاسلام تجلى فيه صدق العقيدة والإيمان وفق اللّه الحباب، وجزاه عن الاسلام خيراً .

____________________
(1) كان المنافقون يسمون المهاجرين: بالجلابيب.

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.