أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-3-2016
6031
التاريخ: 28-3-2016
3413
التاريخ: 19-3-2016
3592
التاريخ: 18-4-2019
3148
|
نحن ما ضيعَّنا الحسين حتَّى نُفتِّش عنه ، لقد عرفنا مُنذ الوَهلة الأُولى أنَّه دائما في المسجد ، حيث الرسالة التي هي صوت جَدِّه ، وضمير القضيَّة في وحدة الأُمَّة ، ولكنَّنا رحنا نُفتِّش عن الأزاميل التي نحتته وصاغت منه بطلاً ما نسجت مثله أنوال الملاحم .. .
مُنذ الطفولة وأحضان منسولة مِن الحُلم ، والرمز ، وضمير القصد ، تدغدغ الحسين و تتدغدغ به ، كأنَّه حِضن الحُلم ، والرمز ، والقصد ، لدغدغة أُخرى تهجُّ في ضميرها ديمومة تتلقَّط بها إمامة ، ما كان الحسين الطفل إلاَّ ويشعر بها وهو يحتويها ، وما كان ينمو ويتنامى إلاَّ بها ، أكان في حِضن أُمِّه وهو يمتصُّ ثديها ويشعر أنَّها ـ بكامل ما فيها مِن دمٍ ولحمٍ وعطرٍ ـ نعيم لا يجفُّ لها عطفٌ ، ولاحُبٌّ ، ولا شوقٌ ، ولا جمال ، أم كان في حِضن أبيه الذي يشيع عليه مَهابة لا تتسربل بمثلها إلاَّ مداميك القلاع أو أبراج الحصون ، أمَّا جَدُّه المُتمنطق بآيات الجلال ، فإنَّه كان يمرح فوق منكبيه وهو يشعر كأنَّ النجوم تتساقط مِن أبراجها إلى عِبِّه ، وما أنْ ينزل عن المنكبين إلى الأرض حتَّى يركض كالولهان إلى حِضن أخيه الحسن ، ليُفرغ مِن عِبّه إلى عِبِّه الآخر ، كلَّ ما جناه مِن سلال جَدِّه المليئة بالعَطف ، والرغد ، والزُّهد المُجمَّع عن شاطئ الكوثر .
مِن يوم إلى يوم كان يعقد الزهر في روض الحسين ويُثمر ، ومِن عهدٍ إلى عهدٍ كانت تنجلي أمام عينيه ملامح الرؤى ، وما تتغلَّف بها الضمائر ، وكانت الأحداث تتفتَّح عن مكامنها ومقاصدها بين يديه ، وهو يجلوها بما هو مرهوب به مِن عقل ، هو ذخيرة ربِّه في أنقى عباده.
وإنْ كنَّا نؤمن بالعقل السليم طاقة تُحقِّق الفَهم والإدراك ، ولكنْ للجوِّ الحميم الذي ولِدَ فيه الحسين ـ مع كلِّ الذبذبات المُتجانسة التي رافقته بجميع تأوّداتها ، مُنذ الطفولة إلى كلِّ عهد آخر تزيَّن بالصَبْوة ، والشباب ، والرجولة ، تأثيرات بليغة الوطء وبارزة الأداء ، في عمليَّات التكييف ، والشحذ ، والتوجيه ـ كانت كلُّها بساطاً مُرتاحاً لهذه العقليَّة التي وصِفَت بأنَّها سليمة وباكرة النُّضج ، وأنَّه لمِن المُثير أنْ نلمح إلى شيء مِن هذه التأثيرات المبثوثة في الجوِّ الذي نشأ فيه الحسين ، وكيف كان لها فعل إيحائي ترهَّف به عقله ، وحِسَّه ، وتكوينه النفسي، وكيف انطبعت به نزعاته ، وميوله ، في النهج والتعبير .
مِن المشهور والمشهود له ، أنَّ لطفولة الحسين تعهُّداً مُهتمَّاً ومُتفرِّداً عن المثيل ، ولقد اشترك في مثل هذا التعهُّد المُمتاز : الجَدًّ ، والأبُ ، والأُمُّ في إخراج موحَّد لا يُشير إلاَّ إلى وحدة القصد الذي يجتمع عليه الثلاثة ، فكان واحداً في اللون ، وواحداً في النوع ، وواحداً في التوجيه ، وواحداً في لمِّ الأخوين إلى مُشتركٍ واحدٍ دون أيِّ فرقٍ أو تمييز ، كأنَّهما واحد في التنشئة والتربية ، وكان الواحد منهما هو المُكمِّل للآخر ، على بُنية في المزاج تبقى ـ أبداً ـ منقوصةً إنْ لم يَنجدل خيطها بالخيط الآخر ، ليكونا حُبكةً واحدة في فتيلة السراج ، لقد كان الحسن والحسين ـ فعلاً ـ شخصين بمِزاجين ، ولكنَّهما كانا في وحدة فِكريَّة روحيَّة رائعة الاندماج ، جمعتهما إلى القصد الواحد ، ليكونا أخراجاً واحداً لذلك القصد الأكبر ، الذي جال في بال النبي وهو يزفُّ إلى إنسان الجزيرة رسالة تجمعه مِن تيهه المُشرَّد إلى مُجتمعه المُوحَّد .
لقد تمَّ تأليف الأُمَّة وتوحيدها بعد بذل العرق والدم ، وتمَّ الانتصار على كلِّ ما كان يُعرقل سير القافلة الكبيرة على دروب الحياة ، وتمَّ القضاء على كلِّ تشويش كانت تتعنتر به القبليَّة ، وتشقُّ الأُمَّة وتُبعثرها إلى ألف ، وجاء التدبير الأوحد وألاحكم ، بإلقاء زمام التحكُّم والتعهُّد على رجل واحد مُرِّسَ بالإيمان ، والفكر ، والتوجيه ، والعَزم ، والإرادة .
إنَّ هذا الرجل هو الذي يُمثِّل الخلافة المصقولة بالإمامة ، وهو الذي يمنع ـ وحده ـ رجوعاً إلى زعامات تقليديَّة يدعمها ـ مِن هنا وهناك ـ عدد لا يُحصى مِن القبائل ، وهو الذي يُمثِّل رسالة ما نجح غيرها في المُجتمع ، وهو الذي ينقدُّ ضلعاً أميناً مِن الرسالة ، وشَفرةً كريمةً مِن مَعدنها الأصيل ، وحارساً أميناً لعهودها المُرتبطة بالصدق والحَقِّ .
لقد تمَّ تعيين البيت الذي يحَضن الرسالة المُنبثقة مِن قلب الجوهر ، أمَّا النبيُّ العظيم ، وابنته التي كأنَّها جُبلت خصيصاً بطبيعتها الأنيقة ونفسها الكريمة ، وابن العَمِّ الذي ذابت كلُّ أجيال الجزيرة حتَّى أفردته فريداً في الصدق والعقل والعَزْم والبطولة ، هُمْ الآن الفاهمون القصد ، والمُجتمعون على تنفيذه ؛ لأنَّه هو وحده المستجيب لحقيقة الرسالة ، التي كانت ترجمة صادقة لمُجتمع تحقَّق والْتَمَّ ، وتمَّ أيضاً ملء البيت بالفتيلتين المؤلِّفتين سلك النور الذي سيستضيء به خَطُّ الرسالة والإمامة ، فلتكن لنا مُرافقة الحسين حتَّى تستقيم معه مُتابعة الدراسة ، فهو صاحبنا الآن في الرفقة الكريمة .
أقول : ثلاثة هُمْ الراسمون القصد ، وهُمْ وحدهم الفاهمون ، وهُمْ الذين يُخرجونه بالمَبنى وبالمعنى ، وبوضح النهج ، أمَّا الحسين الطفل ، فهل كان له أنْ يعرف أنَّه هو القصد المُضمر ؟ وأنَّه هو الذات المُستترة في البال وخَلف البال , وفي الحُلم ، وفي الأبعَد منه ، وفي البيت ، وفي الأرفع والأفسح مِن سقفه ؟ ولكنْ مَن يقول : إنَّ ليس للطفولة إدراك مُخبَّأ في الحِسِّ ، والشعور وطويَّة الذات ، وهو الذي يتغذَّى مِن كلِّ ما يحتكُّ به ، لينطلق مُعبِّراً عنه ؟
ونقول : إنَّ كلَّ ما احتكَّت به طفولة الحسين ، هو الذي كان ذُخراً في حِسِّه وشعوره وطوية نفسه ، وهو الذي ترسَّخ به عقله وقلبه وفكره ، وهو الذي تركَّز به واستقام رأيه ، واقتناعه ونهجه ، وهو الذي عبَّر عنه في كلِّ كلمة قالها ، وفي كلِّ عَزم مسح به إرادته وروحه وصلابته ، في الاقتحام والاحتمال ، لقد أصبح الجوُّ الذي رُبِّي وترعرع فيه الحسين ، كلُّ الحسين إنَّه في آنٍ واحد .. .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|