أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-9-2018
1452
التاريخ: 29-11-2016
2025
التاريخ: 16-11-2016
1485
التاريخ: 13-4-2021
2333
|
من السنن التي سنها معاوية، والتي لا تزال آثارها إلى اليوم، وهي سنة فرعونية، تؤكد كون معاوية فرعون هذه الأمة، كما وردت الأحاديث الشريفة بذلك كما سنرى.
فلا يزال السلفية إلى اليوم يعتبرون معاوية ـ لا عليا ـ قسيما للجنة والنار، فبه يمتحن السني عندهم، ولهذا نراهم يؤلفون الكتب الكثيرة في فضل معاوية، وهو الطليق بن الطليق الذي قضى حياته كلها في حرب رسول الله k هو وأبوه وأمه وأهله جميعا، لكنهم لم يؤلفوا ولا نصف كتاب في عمار بن ياسر، ذلك الرجل العظيم الذي اعتبره رسول الله محكا ومعيارا لتمييز الفئة الباغية الظالمة من الفئة المحافظة على دين الله الأصيل، بل إنهم يعتبرون عمارا ضحية لابن السوداء، وللمخططات اليهودية التي انحرفت بالإسلام، ولهذا نراهم في كتب العقائد التي وضعها سلفهم يجعلون العقيدة في معاوية إلى جانب العقيدة في الله ورسله وملائكته، كما قال الآجري في (الشريعة): (معاوية رحمه الله كاتب رسول الله على وحي الله عز وجل وهو القرآن بأمر الله عز وجل وصاحب رسول الله ومن دعا له النبي أن يقيه العذاب ودعا له أن يعلمه الله الكتاب ويمكن له في البلاد وأن يجعله هادياً مهدياً.. وهو ممن قال الله عز وجل {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: 8] فقد ضمن الله الكريم له أن لا يخزيه لأنه ممن آمن برسول الله (1).
وقال ابن بطة في (الإبانة الصغرى): (تترحم على أبي عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان أخي أم حبيبة زوج النبي خال المؤمنين أجمعين وكاتب الوحي وتذكر فضائله) (2).
ولهذا ـ أيضا ـ نراهم يجيزون نقد عمار والطعن فيه وتأويل ما ورد في فضله من نصوص، بينما يعتبرون الكلام في معاوية طامة كبرى، وزندقة عظمى، وبدعة ليس لصاحبها قرار سوى في النار.. لأن سلفهم هو الذي قرر ذلك، ولا راد لقراره.
فقد رووا عن سلفهم عبد الله بن المبارك قوله: (معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إلى معاوية شَزْراً؛ اتهمناه على القوم، أعني على أصحاب محمد (3).
ورووا عن الربيع بن نافع قوله: (معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب رسول الله k فإذا كشف الرجل الستر اجترئ على ما وراءه) (4).
ورووا كذبا وزورا عن النسائي أنه سُئِلَ عن معاوية، فقال: (إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار، قال: فمن أراد معاوية؛ فإنما أراد الصحابة) (5).
أما ما ورد من النصوص في الدعاء عليه، فإنهم يفرضون على المسلم تأويله حتى يصير من الفرقة الناجية، قال الألباني: (.. فسره بعض المحبين قال: لا أشبع الله بطنه، حتى لا يكون ممن يجوع يوم القيامة، لأن الخبر عنه أنه قال: (أطول الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة) (6).. وقد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعناً في معاوية، وليس فيه ما يساعدهم على ذلك.. ولذلك قال الحافظ ابن عساكر (إنه أصح ما ورد في فضل معاوية) فالظاهر أن هذا الدعاء منه غير مقصود، بل هو ما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله k في بعض نسائه (عقرى حلقى) و(تربت يمينك)، ويمكن أن يكون ذلك منه بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عليه السلام في أحاديث كثيرة متواترة، منها حديث عائشة قالت: (دخل على رسول الله رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه، فلعنهما وسبهما، فلما خرجا قلت: يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان؟ قال: وما ذاك؟ قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما، قال: (أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً) (7)، بل إنهم ولمبالغتهم في شأن معاوية حرموا الكثير من علماء المسلمين من الانتماء للفرقة الناجية بسبب نقدهم لمعاوية ولاستبداده وطغيانه.
ومن أمثلة ذلك تلك الانتقادات الشديدة لسيد قطب بسبب نقد علمي بسيط ذكره في كتابه (كتب وشخصيات) عن معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، قال فيه: (إن معاوية وزميله عمراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب، ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع. وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل، فلا عجب ينجحان ويفشل. وإنه لفشل أشرف من كل نجاح) (8)، وهو كلام طبيعي يبين فيه سيد قطب فضل السابق على الطليق، وأن أخلاق تلاميذ رسول الله لا يمكن أن يعادلها أحد غيرهم.. لكن السلفية لم يعجبهم هذا، لأن النصب الذي ورثوه من أسلافهم جعلهم يفضلون من حيث لا يشعرون معاوية على علي، لأن معاوية هو الذي آوى سلفهم أبا هريرة وكعب الأحبار وغيرهما، بينما كان علي بن أبي طالب هو عدو سلفهم من اليهود وتلاميذ اليهود.
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز تعليقا على النص الذي أوردناه لسيد قطب: (هذا كلام قبيح سب لمعاوية وسب لعمرو بن العاص؛ كل هذا كلام قبيح، وكلام منكر.. معاوية وعمرو ومن معهما مجتهدون أخطأوا. والمجتهدون إذا أخطأوا فالله يعفوا عنا وعنهم).
وعندما سئل: ألا ينهى عن هذه الكتب التي فيها هذا الكلام؟ أجاب: (ينبغي أن تمزق) (9) مع أنه هو نفسه يثني ويحقق الكتب الممتلئة بسب الأنبياء، بل بسب سيد الأنبياء.
ولو طبقنا هذه المعايير التي تعامل بها السلفية مع سيد قطب وغيره مع الصحابة أنفسهم، أو مع السلف الأول الذين يدعي السلفية انتسابهم لهم، لرأينا حقيقة السلف الذين يقصدهم السلفية.
ونحب أن نورد هنا بعض النماذج عن علماء ومحدثين وفقهاء كبار من المدرسة السنية، اتفقوا جميعا على ذم معاوية، وبيان عظم الفتنة التي أوقعها في الأمة، وذلك ردا على من يتصور أن ذمه خاص بالشيعة..
فمن المحدثين المتقدمين الذين ذموا معاوية وما فعله بالأمة، وهو ممن يعتبرهم السلفية سلفهم الأول، ومن أركان الرواية والدراية: الحافظ جرير بن عبد الحميد، وهو ـ كما يذكرون ـ ثقة عادل من رجال الستة (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابو داود وابن ماجه)، وقد قال فيه ابن حجر العسقلاني: (وقال الخليلي في الارشاد: ثقة متفق عليه. وقال قتيبة: حدثنا جرير الحافظ المقدّم، لكني سمعته يشتم معاوية علانية) (10).
ومنهم الحافظ الفضل بن دكين، وهو الثقة العدل الحافظ من رجال الستة (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابو داود وابن ماجه)، فقد روى الحافظ الذهبي عن الحسين الغازي قال: سألت البخاري عن أبي غسان قال: وعماذا تسأل؟ قلت: التشيع، فقال: هو على مذهب أهل بلده، ولو رأيتم عبيد الله بن موسى، وابا نعيم، وجماعة مشايخنا الكوفيين، لما سألتمونا عن أبي غسان. قال الذهبي: وقد كان ابو نعيم وعبيد الله، معظّمين لابي بكر وعمر، وانما كانا ينالان من معاوية وذويه، رضي الله عن جميع الصحابة) (11).
ومنهم الحافظ الكبير سليمان بن مهران الأعمش الذي قال فيه الذهبي: (الأعمش سليمان بن مهران، الامام، شيخ الاسلام، شيخ المقرئين والمحدثين ابو محمد الاسدي الكاهلي مولاهم الكوفي الحافظ...) (12).
وقد روى البلاذري في [أنساب الأشراف] بسند صحيح قال: (وحدثني عبد الله بن صالح العجلي عن عبيد الله بن موسى قال ذكر معاوية عند الاعمش فقالوا: كان حليما، فقال الاعمش: كيف يكون حليما وقد قاتل عليا وطلب – زعم – بدم عثمان من لم يقتله، وما هو ودم عثمان، وغيره كان اولى بعثمان منه.. وحدثت عن شريك عن الاعمش انه قال: كيف يُعَدُّ معاوية حليما وقد قاتل علي بن أبي طالب.) (13).
ومنهم الإمام مسروق بن الأجدع، الذي قال فيه الذهبي: (مسروق ابن الاجدع، الامام، القدوة، العلم، ابو عائشة الوادعي الهمداني الكوفي... وعداده في كبار التابعين وفي المخضرمين الذين أسلموا في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم) (14).
وقد روى البلاذري في [أنساب الأشراف]، قال: (وحدثنا يوسف واسحاق قالا: جرير عن الاعمش عن أبي وائل قال: كنت مع مسروق بالسلسلة فمرت به سفائن فيه أصنام صفر تماثيل الرجال، فسألهم عنها فقالوا: بعث بها معاوية الى ارض السند والهند تباع له فقال مسروق: لو اعلما انهم يقتلونني لغرقتها، ولكني أخاف أن يعذبوني ثم يفتنوني، والله ما أدري أي الرجلين معاوية، أرجل يئس من الآخرة فهو يتمتع من الدنيا، أم رجل زين له سوء عمله) (15).
ومنهم الحافظ شريك بن عبد الله، الذي قال فيه الذهبي: (شريك بن عبد الله العلامة الحافظ القاضي ابو عبد الله النخعي أحد الاعلام..) (16)
وقد قال عنه في [ميزان الاعتدال]: (وروي أنّ قوما ذكروا معاوية عند شريك فقيل: كان حليما. فقال شريك: ليس بحليم مَنْ سَفَّهَ الحق وقاتل عليا.. قلت: قد كان شريك من أوعية العلم) (17).
ومنهم الحسن البصري، فقد روى الطبري وابن الأثير وابن الجوزي وأبي الفداء وابن كثير وغيرهم عنه قوله: (أربع خصال كنّ في معاوية لو لم يكن فيه منهنّ إلا واحدة لكانت موبقة، انتزاؤهُ على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤهُ زياداً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر)، وقتله حجراً، ويلاً له من حجر وأصحاب حجر، مرتين) (18).
وروى البلاذري عن الحسن قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)، فتركوا أمره فلم يفلحوا ولم ينجحوا (19).
ومنهم عبيد الله بن موسى وهو من مشايخ البخاري، فقد روى الخلال في [السنة]، قال: سمعت محمد بن عبيد الله بن يزيد المنادي يقول: كنا بمكة في سنة تسع، وكان معنا عبيد الله بن موسى، فحدث في الطريق، فمر حديث لمعاوية، فلعن معاوية، ولعن من لا يلعنه، قال ابن المنادي: فأخبرت أحمد بن حنبل فقال: متعدي يا أبا جعفر فأخبرني محمد بن أبي هارون أن حبيش بن سندي حدثهم أن أبا عبدالله ذكر له حديث عبيد الله بن موسى فقال: ما أحسب هو بأهل أن يحدث عنه وضع الطعن على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد حدثني منذ أيام رجل من أصحابنا أرجو أن يكون صدوقا أنه كان معه في طريق مكة فحدث بحديث لعن فيه معاوية، فقال: (نعم لعنه الله، ولعن من لا يلعنه)، فهذا أهل يحدث عنه علي الإنكار من أبي عبدالله أي إنه ليس بأهل يحدث عنه إسناده حسن) (20).
ومنهم علي بن الجعد، وهو صاحب [مسند علي بن الجعد]، وهو من رجال البخاري وابو داود، فقد قال الآجري عنه: قلت لابي داود: أيما أعلى عندك؟ علي بن الجعد أو عمرو بن مرزوق؟ فقال: عمرو أعلى عندنا. علي بن الجعد وسم بميسم سوء قال: ما ضرني أن يعذب الله معاوية. وقال: ابن عمر ذاك الصبي. وقال ابو جعفر العقيلي: قلت لعبد الله بن احمد بن حنبل: لم لم تكتب عن علي بن الجعد؟ فقال: (نهاي أبي أن أذهب إليه، وكان يبلغه عنه أنه يتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (21).
ومنهم الامام الشافعي، فقد قال أبو الفداء في تاريخه عنه: (ورويَ عن الشافعي رحمه الله تعالى أّنه أسرّ الى الربيع أنه لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة وهم: معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد) (22).
ومنهم الإمام النسائي، المحدث الكبير صاحب السنن، فقد ذكر المؤرخون أنه بعد أن ترك مصر في أواخر عمره قصد دمشق ونزلها، فوجد الكثير من أهلها منحرفين عن الامام علي بن أبي طالب، فأخذ على نفسه وضع كتاب يضم مناقبه وفضائله رجاء أن يهتدي به من يطالعه أو يلقى إليه سمعه، فأتى به والقاه على مسامعهم بصورة دروس متواصلة.. وبعد ان فرغ منه سئل عن معاوية وما روي من فضائله، فقال: (أما يرضى معاوية ان يخرج رأسا برأس حتى يفضل؟)، وفي رواية: (ما أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنك)، فهجموا عليه وداسوه حتى أخرجوه من المسجد، فقال: احملوني إلى مكة، فحمل إليها، فتوفى بها (23).
ومنهم الحاكم النيسابوري المحدث الكبير المعروف، فقد قال الذهبي: (عن ابن طاهر: أنه سأل أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي، عن أبي عبد الله الحاكم، فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث.. قلت: كلا ليس هو رافضيا، بلى يتشيع.. قال ابن طاهر: كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان منحرفا غاليا عن معاوية رضي الله عنه وعن أهل بيته، يتظاهر بذلك، ولا يعتذر منه، فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة، سمعت عبد الواحد المليحي، سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: دخلت على الحاكم وهو في داره، لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرام، وذلك أنهم كسروا منبره، ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثا، لاسترحت من المحنة، فقال: لا يجئ من قلبي، لا يجئ من قلبي) (24).
ومنهم الإمام عبد الرزاق الصنعاني ـ وهو من كبار العلماء ومن رجال الستة (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابو داود وابن ماجه)، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (قال ابو داود: وكان عبد الرزاق يعرِّض بمعاوية) (25).
وروى الذهبي عن مخلد الشعيري قوله: كنت عند عبد الرزاق فذكر رجل معاوية، فقال: (لا تقذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان) (26).
وعلى نهج هؤلاء المتقدمين سار الكثير من المحدثين والفقهاء المتأخرين الكبار، ومنهم الحافظ أحمد الغماري وهو صوفي مالكي أشعري، فقد قال في كتابه [الجواب المفيد للسائل والمستفيد]: (وفي الصحيح، صحيح مسلم عن علي عليه السلام قال: والذي فلق الحبة برأ النسمة انه لعد عهده الي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق، وفي صحيح الحاكم وغيره: مَنْ سبَّ عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله؟ ومن سب الله فقد كفر، وفي الصحيح وغيره مما تواتر تواترا مقطوعا به: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاده، وهذا الحديث قد جمع اسانيده ابن جرير الطبري في مجلدين لكثرتها.. والمقصود من هذه الأحاديث الصحيحة المتفق عليها مع ما تواتر من لعن معاوية لعلي على المنبر طول حياته، وحياة دولته إلى عمر بن عبد العزيز وقتاله وبغضه، يطلع منه أنه منافق كافر، فهي مؤيدة لتلك الأحاديث الأخرى، ويزعم النواصب أن ذلك (أعني لعن معاوية لعلي) كان اجتهادا، مع ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في مطلق الناس: (لعن المؤمن كقتله)، فإذا كان الاجتهاد يدخل اللعن وارتكاب الكبائر، فكل سارق وزان وشارب وقاتل يجوز أن يكون مجتهدا، فلا حد في الدنيا ولا عقابَ في الآخرة) (27).
وقال في كتابه [جؤنة العطار] تعليقا على حديث [إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه]: (وهذا حديث صحيح على شرط مسلم، وهو يرفع كل غمة عن المؤمن المتحير في شأن هذا الطاغية قبحه الله، ويقضي على كل ما يموه به المموهون في حقه ومن أعجب ما تسمعه أن هذا الحديث خرجه كثير من الحفاظ في مصنفاتهم ومعاجمهم المشهورة، ولكنهم يقولون: (فطلع رجل)، ولا يصرحون باسم اللعين معاوية، سترا عليه وعلى مذاهبهم الضلالية في النصب وهضم حقوق آل البيت، ولو برفع منار أعداءهم، فالحمد لله الذي حفظ هذه الشريعة رغم على دس الدساسين وحفظ المبطلين) (28).
ومنهم السيد محمد بن عقيل العلوي الشافعي، فقد كتب كتابين في ذم معاوية وهما: [النصائح الكافية لمن يتولى معاوية]، والآخر [تقوية الإيمان]، وقد أثبت فيهما أن السادة الشافعية العلوية باليمن كلهم متفقون على ذم معاوية، وعدم جواز الترضي عليه، بل قال بوجوب لعنه والتبري منه.
ومن تصريحاته الدالة على ذلك قوله في كتابه [النصائح الكافية لمن يتولى معاوية]: (قال لي بعض علماء حضرموت يوما بعد أن جرى البحث بيني وبينه في مسألة وجوب بغض معاوية وجواز لعنه ومنع الترضي عنه وتسويده: (إنّ أسلافك السادة العلويين الحسينين كلهم سنيون أشعريون عقيدة، شافعيون مذهبا، وهم من العلم والعمل والزهد والورع بمقام سام ومرتبة عالية فكيف خالفتهم بأقوالك واعتقادك أترى انهم اخطأوا وأصبت ام الامر بالعكس)، فأجبته: (إن السادة العلويين رضي الله عنهم لكما ذكرت من كمال العلم والمعرفة بالله وسلوك الطريق المستقيم وعقائدهم هي عقائد أجدادهم المطهرين وأسلافهم المهتدين .. لا يحيدون عن تلك الطريقة ولا يتحققون الا بتلك الحقيقة.. وقد وافق اعتقادهم أكثر ما دونه أبو الحسن الاشعري في كتبه الكلامية فهم أشعريون بهذا المعنى، وهم شافعيو المذهب في الفروع الفقهية إلا أن لهم اختيارات وانظار خالفوا فيها الشافعية والأشعرية .. كقول الكثير منهم بانتفاء عدالة معاوية وأشباهه وبغضهم في الله ومنع تسويدهم والترضي عنهم، على أنهم لا يخوضون في المسألة إلا في مجالسهم الخاصة بهم ولقد ذاكرت منهم رجالا كثيرة من فضلاء من أدركناهم وتوفاهم الله إليه ومن الموجودين الآن فيما يقول الأشاعرة والماتريدية في هذه المسائل وكلهم يرفضه ويأباه ويشير إلى السكوت إن خيفت فتنة، ولو كنت استأذنتهم لذكرت أسماءهم واحدا فواحدا، فليس بيني وبينهم خلاف في العقيدة، ولا افتراق في الطريقة، وإنما أسروا وأعلنت وأجملوا وبينت وأشاروا واوضحوا وعرضوا وصرحت) (29).
ومنهم العلامة الكبير أحمد خيري الكوثري، وهو من علماء الحنفية الكبار، فقد كتب في تعداد جرائم معاوية في حق الإسلام أرجوزة خصها بذلك، سماها [الأرجوزة اللطيفة] (30)، ومما جاء فيها قوله:
فأول المعدود في الطغام *** والجالب السوء إلى الإسلام
المستعين دائما بالزور *** والممتطي مراكب الشرور
كبير أهل الزيغ والضلال *** لعين ذي الإكرام والجلال
خصيم آل سيد الوجود *** طريده عن حوضه المورود
أعني طليق السيف أي معاوية *** من بطنه في كل جوف خاوية
فانظر رعاك الله في أقواله *** وابحث هداك الله عن أفعاله
ترى الخداع والنفاق والكذب ***مع الفجور والرياء واللعب
ويخذل الشهيد ذا النورين *** ويخدع الناس بكل مين
وقتل عمار وما عمار *** من قال فيه السيد المختار
ما في الصحيحين أتى واشتهرا *** وعده السيوطي تواترا
فالبغي حكم قاتليه قطعا *** واللعن حكم البغي ذاك شرعا
هذا وكيف الناس يوما تنسى *** قتل أويس يا لها من بأسا
وغدره للسبط بعد العهد *** وجهره بأنه بالضد
وسبه أبا تراب ومعه *** ذرية وصحبة ما أفظعه
وإن ترد دليل ذا يا صاحبي *** في مسلم فأنظره في المناقب
وقتله السبط بسُم ثم إن *** تحقق الأمر وجاءه اطمأن
وما الشمات أمره منكور *** وقد بدا السجود والتكبير
لولا النساء لُمنَهُ لما حزن *** ولا استمر مظهرا بغض الحسن
وقتل حجر وصحاب ستة *** من غير ذنب ما جنوه البتة
بعض ذنوب ذلك اللئيم *** حيث بها قد صار للجحيم
وغشه للرجل المسكين *** والغش ليس من أمور الدين
حتى تنال زوجه أرينب *** وفي الطلاق ليزيد مأرب
لولا الحسين جاءه برحمته *** لمات غما زوجها بحسرته
وإن ترد كبيرة الكبائر *** وإن تكن صغيرة الصغائر
فعهده للفاسق المخمور *** غلامه عبد الهوى والزور
أعني يزيدا لعنة الله العلي *** عليهما ما قام لله ولِي
إلى آخر الأرجوزة.. مع العلم أن صاحبها لم يكن شيعيا ولا رافضيا ولا مجوسيا، بل كان سنيا ماتريديا، وكان تلميذا نجيبا لعدو السلفية الأكبر في هذا العصر الشيخ محمد زاهد الكوثري.
هذه بعض النماذج والأمثلة عن علماء كبار من المدرسة السنية ذموا معاوية، وقد ذكرتها حتى لا يزايد علينا أي أحد بتلك النصوص التي يذكرها السلفية كل حين، ويعتبرون فيها التعرض لمعاوية زندقة وضلالا.. وسنرى في باقي فصول الكتاب أولئك الأئمة الذين نقلوا عنهم تلك المقولات لنرى حظهم من العلم والدين والحرص على الإسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشريعة: 3 / 496.
(2) الإبانة الصغرى، ص: 299.
(3) تاريخ دمشق59/209.
(4) تاريخ بغداد 1/209.
(5) تهذيب الكمال 1/339-340، وهذا من الكذب عليه، لأن المؤرخين يذكرون تعرضه لمحنة سببها كتابه في فضل الإمام علي بن أبي طالب الذي جمع فيه الاحاديث الواردة في فضل الامام علي وأهل بيته..
(6) رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث قوي بشواهده، كما في سير أعلام النبلاء 3/123.
(7) السلسلة الصحيحة: 1/164.81.
(8) كتب وشخصيات، ص242.
(9) شرح رياض الصالحين، بتاريخ يوم الأحد 18/7/1416.
(10) تهذيب التهذيب ج1 ص298
(11) سير أعلام النبلاء: 10/430
(12) سير اعلام النبلاء ج6 ص226 رقم110
(13) أنساب الأشراف ج5 ص137
(14) سير أعلام النبلاء ج4 ص63 رقم17
(15) أنساب الأشراف ج5 ص137
(16) سير أعلام النبلاء ج8 ص37
(17) ميزان الإعتدال ج2 ص274
(18) تاريخ الطبري ج4 ص208، الكامل في التاريخ لابن الاثير ج3 ص487، المنتظم لابن الجوزي ج5 ص243
(19) أنساب الأشراف (2/121)
(20) السنة للخلال ج3 ص505 رقم 808
(21) تهذيب الكمال ج20 ص347، تاريخ بغداد ج11 ص364
(22) تاريخ ابي الفداء المسمى المختصر في أخبار البشر ج1 ص259، ورواه البغدادي في خزانة الأدب ج6 ص51
(23) انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي ص699، ووفيات الأعيان لابن خلكان ج1 ص77 والمقفى الكبير للمقريزي ج1 ص402، والبداية والنهاية لابن كثير ج11 ص124 وغيرها كثير
(24) سير اعلا م النبلاء ج17 ص174
(25) تهذيب التهذيب ج2 ص574
(26) ميزان الاعتدال ج2 ص610
(27) الجواب المفيد للسائل والمستفيد ص59.
(28) جؤنة العطار ج2 ص154
(29) النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ص309.
(30) الأرجوزة اللطيفة ص 9.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|