المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

موريس – جان فريدريك بارون
17-9-2016
الاستجابة للسوق
10-7-2020
موطن الحضارة القديمة
15-8-2019
الإدارة: علم أم فن
24-4-2016
غزوة الأحزاب أو الخندق
2024-10-25
اقليم الاحواض والسلاسل الجبلية Basin and Range
2024-10-10


الصُّلح الأبيض وعهد الحسن  
  
3855   11:32 صباحاً   التاريخ: 14-11-2017
المؤلف : سليمان كتَّاني
الكتاب أو المصدر : الإمام الحسين في حِلَّة البرفير
الجزء والصفحة : ص104-112
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسن بن علي المجتبى / صلح الامام الحسن (عليه السّلام) /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-6-2022 2170
التاريخ: 7-4-2016 3330
التاريخ: 7-4-2016 3555
التاريخ: 13-6-2022 1840

رويد الأحداث قليلاً فإنَّها تناولت إلى يدها الآن إزميلاً آخر لا لتعميق الحَفر في نفس الحسين فإنَّ عُمق المحفور فيها قد بلغ القَرارة لا وليس لتوسيعه كتوسيع الدوائر فإنَّ الوسع فيه لم يعُد بحاجة إلى مساحة بعد أنْ تحوَّل إلى مسافة بلْ لتلوين هذا الحَفر بلون العُمق ولون المساحات العنيدة التي هي تحويل يُحومِل في النفس ويرفعها مِن مرتبة إلى مرتبة ومِن قرارٍ إلى قرارٍ سيظل هذا الإزميل الجديد في عمله المُتواصل في نفس الحسين مع انتقال المُهمَّة الكبيرة إلى حِضن أخيه الحسن مُنذ اللحظة الأُولى التي تسلَّم فيها زمام الإمامة حتَّى اللحظة الأخيرة التي رفعته فيها جرعة السَّمِّ إلى مُلاقاة جَدِّه في المُلاء الأوسع ليطرح بين يديه جَردة الحساب عَمَّا أنجزه فوق تُراب الأرض .
أمَّا الحسن وقد أنجز عِدَّة أشهُر فقط بتصدُّر الإمامة فانه ما تركها حتى ملأها وما غاب عنها حتى احتواها في مجمع فحواها واذا به كعدسة العين صغيرة صغيرة وما ضاقت على اشعة الشمس .
لقد كان الحسن كأخيه الحسين على اطِّلاع كامل و شامل بمُجريات الأحداث وبكلِّ ما أُضمر فيها مِن مقاصد سوء ليقصدهم بالتخصيص كطالبيِّين مُعيَّنين بأهل البيت وكان مُدركاً تمام الإدراك أنَّ لا قيمة لطالبيَّتهم مَهْما يَعزُّ بها الانتساب والفخار إنْ لم تتَّصف بالرسالة العظيمة التي أصبحت تعبيراً مُطلقاً وشاملاً عن الأُمَّة التي هي بدورها إطار آخر يصون الرسالة ليُصان بها ويُحقِّقها ليتمَّ له بها كلُّ تحقيق .
هكذا انتقلت المُهمَّة إليه إثر مَقتل أبيه وراح يُحاول إتمام ما انقطع عن انجازه أبوه الإمام . 
أقول : راح يُحاول والمُحاولة تعني : أنَّ الحَيطة والحذر أصبحا رفيقيه في كلِّ خُطوة يخطوها على الطريق فالخصم الذي ترك أو بالأحرى أفسح له بالمجال ؛ حتَّى يستكمل كلَّ إعداداته للبطش بهم والإنجاز عليهم إنَّما هو الخَصم الذي يملك ويقدر مِن دون أنْ يتأثَّم أو يتورَّع .
ولقد كانت المُحاولة بنوعٍ خاصٍّ عند الحسن مُجهزَّة مع الحَيطة والحَذر بحِكمةٍ متناهيةٍ كان يتأنَّق بها بروز الساحة وجسِّ الأنباض حتَّى يكون له المَخرج الأصوب في تعهُّد الرسالة والعبور بها مِن بين المَفارق إلى أسلم واحد منها يوصِلها إلى واحة مِن أمان .
ما كانت سهلة أبداً مُهمَّة الحسن بلْ كانت مِن أضنى ما يقدر أنْ يقوم به حاكم مسؤول عن رسالة وأُمَّة موصوفتين في باله ونفسه وضميره بأنَّهما : مآل في الوجود يُحدِّد الإنسان في الله والله في الإنسان وأنَّهما عنصرا قضيَّةٍ واحدةٍ وموحَّدةٍ  في اسم رجل واحد أمين في طالبيَّته وعظيم في نبوَّته وجامع في أُمَّته وإنسانيٌّ أُمَميٌّ في رسالته ... .
عظيمة هي القضيَّة وجليلة هي المسؤوليَّة ولكنَّ الضَنَى فيها هو في التمكُّن مِن مُتابعة نشرها قيمة إنسانيَّة فاعلة ومِن تخليصها مِن كلِّ وثنيَّة تسجد للحَجر وتعصر الحِقد والضغينة والطمع تتغذَّى بها وتمشي إلى ذلِّها كما يمشي كلُّ إبليس إلى جَحيمه !!!
أمّا مُعاوية فلقد كان الحاضر الأكبر يملك الخطوط ويتحكَّم بها وهو في مركزه الحصين في الشام لقد حصَّن له المركز المتين أبو بكر فعمر فعُثمان حتَّى أصبح الآن بعدما تضرَّج عليٌّ بدمه وكُفِّن بعباءته التي لا تزال حتَّى الآن تُجاهر بزُهده الرفيع وصدقه الأرفع وتُنادي على الجهات الأربع بأنَّه الأبلغ والأروع والأشرف هيمنةً في الساحة ملوَّنة بكلِّ ألوان الدهاء مُنذ أكثر مِن ثلاثين سنة وهو يتعلَّم كيف يكون الوصول إلى كرسيِّ الحُكم وامتلاكه وتحويله مِن الحَقِّ العامِّ الموزَّع على الأُمّة جمعاء احتكاراً مصبوباً في خزائنه : مَجداً وجاهاً وقوَّةً ومُنعةً وقصوراً ومرقصاً لأطماعه شهواته وأشكال نَزواته . 
أمَّا أنْ يقضي على مُزاحميه على الكرسي فقد تعلَّم كيف يسقيهم السَّمَّ بنَكهة العسل وتعلَّم كيف يستميل إليه رؤوس القوَّاد والجند والمُتزعِّمين مِن أفواج القبائل بلعقات مُتفاوتة الحَجم والطَعم كان يجعلها رشوة مَطليَّة ببريق الكرم .
ما نقصت أبداً موائد مُعاوية ولا انقطعت في كَفِّه شعرة مِن دهائه المُحنَّك بالفن حتَّى الشعرة في كَفِّه كان يموِّه عليها بأنَّها أمتن مِن حَبل القُنَّب وبهذه الشعرة المُتكاذبة ضمناً على الذات وجهراً على الناس في ثوب الخديعة تمكَّن مِن أنْ يشغل كرسيَّ الخلافة ويعتليه أنوشروانيا على حساب أهل البيت وسَحقهم سَحقاً استئصاليَّاً يغيبهم عن الإرث ويُحرِّره منهم ليبقى صافياً له في مظهر المُلك وهل يكون أهل البيت أكثر مِن ثلاثة ؟ وهل يكون هو مُعاوية أقلَّ مِن حَبيكة تعبٍ في حبكها خَطٌّ فكريٌّ سياسيٌّ مُميَّز بعقل وأعصاب وإرادة ؟ لقد مَرَّت السنون الطويلة على العمل الهادف والدؤوب والصامت وها هو الآن مُعاوية الدليل الشاهد على النجاح الباهر الذي أوصلته شعرة المُرونة إلى حقيقة المُلك ... وها هو رأس البيت في زعمه المُتداهي والمُتباهي يغيب ملفوفاً بفشله . 
أمَّا الثاني الذي لن يكون اسمه أوسع مِن الحسن فستتمُّ مُحاورته بكلِّ رِفقٍ ولينٍ إلى أنْ تأتي الساعة الزاحفة بثوانيها فيتمُّ اللدغ الليِّن المَرن . 
أمّا الثالث فسيبقى موجوداً في يائه الصُغرى ولن تبخل الأيَّام عليه برغيف مِن سويق !!!
إنْ يكُن مُعاوية قد ظنَّ أنَّ الأحابيل التي حاكها كلَّها بحَقِّ أهل البيت هي نِتاج عقله وفنِّه ودهائه وأنَّ نجاحها كان مُرتهنا بإخفائها والتلاعُب بها في دغشات الليل إلاَّ أنَّ أهل البيت لم تنطلِ عليهم مُخبآت النفوس وما يجيش في النوايا ولقد كان عليٌّ أرسخ المؤمنين بأنَّ العقل المتين هو ابن الخلايا المتينة في الإنسان وهذه كلُّها لا يمتنها إلاَّ العفَّة والصدق والسليقة النظيفة الروح وهذه كلُّها أيضاً كان يفتقر إلى كلِّ مزاياها الطبيعيَّة الخَطُّ الثاني مِن بني حرب الذين لا يزالون كما كانوا مُنذ الأمس يُناصبون بني هاشم عداءً خالياً مِن أركان العقل التي هي في نظر عليٍّ صدق وعفَّة وحُبٌّ وجمال .
لا لم تَخْفَ هذه المُخبآت على عليٍّ في الليلة ذاتها التي تخبَّأ بها ابن الخطاب في سقيفة بني ساعدة وما طلع الصباح إلاَّ وأبو بكر على كرسيِّ الخلافة إمَّا أنْ يصمت عليٌّ ويتغلَّف بالصبر فذلك كان عقله في تحمُّل الضيم ومُعالجة الخطأ في تدبير شؤون المُجتمع الموجَّه حديثاً إلى الوعي والإدراك وإمَّا أنْ يهدر قوى هذا المُجتمع في مُشاحنات جانبيَّة تُقوِّي الرجوع فيه إلى قبليَّات ذميمة تُفسد عليه غرضه الجديد مِن رسالة أنهكها التعب في لمِّه وردِّه إلى دائرة الصواب فإنَّ ذلك ما جعله يتحلَّى بالصبر والسكوت على أمل أنْ تتَّسع عين المُجتمع في تفتيشها عنه لتجده دائماً في الحظيرة التي سهر على تسييجها بالحَقِّ والصواب نبيُّها العظيم بعد أنْ تركها في العُهدة التي يُجرِّده الآن منها قبليٌّ عتيق ما تخلَّى بعد عن نظام المَشيخة .
أمَّا أنْ يتمادى هؤلاء بتبييت السوء والتلاعُب به بكلِّ ظِفْرٍ ونابٍ فإنَّ أهل البيت جميعهم كانوا يكشفونه بالتدريج ويُدركون كُنهه وثقله خطراً عليهم وعلى الأُمَّة سواء بسواء في مُحاولتهم توسيع عين المُجتمع حتَّى لا تضيع عن المُقابلة بين خَطِّين : خطٌّ يرجع إلى قَبليَّة جاهليَّة فيها كلُّ التمويه على الحقيقة وخطٌّ صحَّ انتماؤه إلى الحقِّ الذي هو الآن رسالة توحِّد المُجتمع مِن تَيهه وانعزاله وتسلُّمه إلى العُهدة التي رتَّبت له التنظيم الصحيح بقوَّة الفِكر والروح والصدق , والعزم .
أقول : مُنذ الساعة الأُولى التي عادت فحبلت بنواياها العتيقة سقيفة بني ساعدة تعيَّنت على عليٍّ معركة توسَّع ميدانها ومداها في تجاوزها العصر إلى كلِّ عصر آخر دون أنْ تخفَّ شكيمتها أو تٌضمر معانيها أو يُستغنى عن مضامينها في إلحاحها على كلِّ تحقيق إنَّها معركة قوامها إرساء المُجتمع الإنساني عِبر نظرة  عليٍّ الاجتماعيَّة في الحياة على حقيقة واحدة تبنيه هي اعتماده الصدق المُتحلِّي بالعِفَّة المُنزَّهة عن الكذب والزور والبُهتان فإذا هو عدالة إنسانيَّة شريفة بالمُثل النبيلة الحاملة جوهر الله في الحياة ما عدا ذلك فإنَّه مُجتمع لا ينمو أبداً بلْ ينحطُّ إلى درك تبرِّيه حيوانيَّته وتلفُّظه الحياة مِن جوهرها الكريم ويطرده العقل مِن دائرته المُفتِّشة أبداً عن لذَّة حَلِّ الرموز الكبيرة التي يشتبك بها صدر الكون ... .
إنَّها نكبة الإنسان المُرَّة في عدم تلقُّطه بحقيقته الإنسانيَّة التي يستدرجه إلى وعيها المُجتمع الأمثل .
ذلك هو نهج عليٍّ في المعركة الكبيرة والطويلة فإذا كانت رسالة ابن عَمِّه الناطقة بالآيات البيِّنات هي مِن أجل تركيز الأُمَّة على حقيقتها في المُجتمع والتوحيد والإنتاج الثمين فإنَّ معنى ذلك أنَّ مداها هو الذي لا ينتهي بلْ يستمرُّ باستمرار تدرُّج الأُمَّة إلى أجيالها الصاعدة في وجودها الحَيِّ , وهكذا فإنَّ نهج عليٍّ هو المُشتقُّ منها في حقيقة الاستمرار ؛ لتكون الأجيال الصاعدة ميداناً لها في حقيقة الصراع .
وأظنُّ مُعاوية أدرك هذا العُمق في النهج الذي قدّمه عليٌّ مادَّة في المعركة التي مات هو ولم تمت هي بلْ استمرَّت يقوم بها مِن بعده الإمام الحسن وسيموت الحسن ليقوم بها الحسين وسيموت الحسين ليستمرَّ بها الخَطُّ الذي هو وعد تتلقَّط به الأُمَّة ساعة تفتقده فتجده مزروعاً في حنينها المُفتِّش عن حقيقتها في السلوك المُمتاز الذي سلكه عليٌّ وخَطُّ عليٍّ المدرَّب والمُمنَّع بالإمامة التي هي لون سياسيٌّ مُعيَّن النهج وصادق الرسالة والوصيَّة مِن أجل هذه الأُمَّة التي ستبقى عين النبي وهَمَّه النابض بحقيقته الإنسانيَّة الجوهريَّة في الحياة .
وإنَّها الآن المعركة التي فتح لها الميدان الوسيع عليٌّ وتركها في عُهدة ابنه الحسن وسيظنُّ مُعاوية أنَّه المُنتصر في مُعاهدة الصُّلح حول الخلافة التي تنازل له عنها الحسن وعلى أنْ تعود إليه ساعة يمنعه عنها قَدَر الموت . 
لقد استعمل وسيلة الرشوة حلَّى بها شَفة عبيد الله بن العباس قائد جيش الحسن مِمَّا أضعف الحسن عسكريَّاً في الميدان وجعله يُقدِم على عَقد مُعاهدة الصلح اغتناماً لحَقن دماء الأُمَّة ويتحقَّق مِن ذلك عدم ترك الأحقاد والضغائن تعود إلى تمركزها في النفوس وهي تنشر القتل والخراب والدمار بين القبائل المُتناحرة وهي بذلك تتلهَّى عن العمل المُنتج والخير الذي يعيش به المُجتمع ويُحقِّق حضوره السليم كما وأنَّ الحرب بحَدِّ ذاتها تشقُّ الأُمَّة إلى عِدَّة جبهات مُتصارعة ليكون الربح هو الأكبر والأجلَّ في تحاشي وقوع الحرب حتَّى تبقى الأُمَّة كلُّها في اتصالها المفتوح وبذلك تتمُّ لها الدورة الحياتيَّة المُكمِّلة ذاتها بذاتها مِن دون أيٍّ مِن العراقيل التي هي سَمُّ القطيعة بين إخوة هُمْ وحدة في العِرق والأرض والمصير وهُمْ قوَّة رائعة في التحقيق الإنساني المُنتمي إلى وحدة عروبيَّة حقَّقتها الجزيرة الأُمُّ عبر التاريخ السحيق بتوزيع أبنائها أفواجاً أفواجاً على اليمين وعلى اليسار فإذا هي عالم مربوط بألياف مِن العظم واللحم والدم تجمع بها هذا الإنسان المُجتمعيِّ إلى أصل واحد ومصير واحد وإنتاج فكريٍّ روحيٍّ واحد كانت نتيجته العظيمة الواحدة مُجمعة في هذا الشعاع الذي ضاء عليها فإذا هو هذا العظيم المُستدرج منها والمُستقطب إليها واسمه الأمين والرسول والنبي محمد .
وهكذا ولِدت الأُمَّة مع محمدها مِن جديد في بعثٍ جديد وظهورٍ جديد ووعيٍ جديد وإدراكٍ جديد بأنَّها واسعة وسع أرضها وعميقة عُمق تاريخها وجليلة جلال إنتاجها المُتمثِّل الآن بنبيِّها ورسولها المُبشِّر بها قوَّة مجموعة مِن ضلوع الحَقِّ لتبقى أبداً أُمَّة مُفتِّشة عن جوهرها الإنسانيِّ العريق والذي تجده دائماً في وحدتها العاقلة .
هل هو قليل وزهيد ما أدركه العظيم محمد مِن أجل أُمَّته التي فاضت بإنسانها مِن أرض الجزيرة الأُمِّ وراحت تملأ الدائرة حولها مُنذ عشرات آلاف السنين مِن حياة إنسانها على الأرض ؟ فإذا الأصقاع كلُّها مربوطة بهذا الفيض الإنسانيِّ الواحد أكان ذلك في خواصر الأرض التي تنهل ريَّها مِن النابعين الرافدين فيها دجلة والفرات أم كان في تلك الخواصر الشبعانة مِن جود بردى في غوطة الشام أم كان في تلك الأُخرى الساجدة وهي تَرضع الخير مِن أحضان النيل إله مصر الأكرم .
إنَّها الأُمَّة التي تربَّعت في أشواق محمد وراح يجمعها بالرسالة ولقد وسَّع الرسالة مِن أجلها وجعلها تفيض بقيمة إنسانيَّة مُطلقة تعتنقها وتَدين بها كلُّ أُمَّة أُخرى وهكذا تتوسَّع الارتباطات المُتجانسة بإدراك الحَقِّ وتنظيف النيَّات مِن لوثات السوء وينتفي ميل التعدِّي على حقوق الغير وبذلك تتروَّض العَلاقات بين أُمَّة واحدة بزخم الرسالة التي هي فيض نور وهداية للإنسان .
ليس التوسُّع هذا أكثر مِن شاردة تُبيِّن أنَّ لُحمة الأُمَّة حصيلة طبيعيَّة جغرافيَّة تاريخيَّة وأنَّها عامل إنمائيٌّ في ربط الإنسان بمُحيطه الفاعل مِن أجل تعزيز إنتاج تُوفِّره الوحدة المُتضامنة باستقرارها وباشتراك مصيرها . 
إنَّ أعز أُمَم الأرض هي الأُمَّة المُطمئنَّة في وحدتها وتلاصقها بأرضها المَعطاء وتجانسها بأفكارها وتضافرها في إنتاجها وتلاحمها في حضارتها وثقافتها وانفتاحها في إنسانيَّتها المُنتجة حقَّاً وصدقاً . 
إنَّها الأُمَّة المثاليَّة التي لعبت دوراً عظيماً في تشوُّق الرسول محمد وكانت هي التي تمنَّى لها سويَّة مِن هذا الطراز وكانت هي التي تخصَّصت لها الرسالة وكانت هي القضيَّة الكبيرة التي توازي وجوده كإنسان , فإذا كانت الرسالة لتعيش فلابُدَّ لها مِن إنسان يعيش في أُمَّة تعيش . 
إنَّها محور الكلام الرسالة هي الأُمَّة والأُمَّة هي الرسالة والاثنتان هما إنسان محمد وإنسان محمد هو عجينة الله في تراب الأرض وهي الحَقُّ العدل وهي إنتاج الجمال في الوجود الأمثل .
مِن كلِّ هذه المعاني في أصالتها تكوَّن نهج عليٍّ ليكون أساساً في كلِّ معركة إنسانيَّة يتَثبَّت بها مُجتمع الإنسان . 
أمَّا الحسن وهو مُتابعة وتكميل مُباشر لنهج أبيه وهو الذي انتقل إليه الإيمان بأنَّ وحدة المُجتمع منعته وإشراقة رسالة جَدِّه فإنَّه بادر إلى استيحاء النهج وبدلاً مِن اعتماد السيف وهذا السيف الآن يقصف الأَجَمة مِن دون أنْ يفعل في الدفاع عن مصالحها راح إلى اعتماد وسيلة أُخرى هي التخلِّي عن الحُكم كأداة تؤجِّج ناراً تُحرق ولا تُدفئ وانشأ صُلحاً فيه بَرد السلام يجمع قطر البصرة إلى قطر الشام ويُزيل قلقاً يُخيِّم على كلِّ قطر مِن الجزيرة الأُمِّ حتَّى وادي النيل ... .
لقد قَدَّم الأُمثولة القُدوة البيضاء بأنَّ التخلِّي عن حُكم لا يقدر أنْ يخدم أمن الأُمَّة بلْ يُفقرها ويُفتِّت مِن لُحمتها ويدمغها بالحِقد والضغينة هو العمل المجيد المُفصح عن ذاته بأنَّ الوحدة هي المِعول الباني وأنَّ الأُمَّة هي الوحدة الصحيحة المُبعَدة عن أيِّ تفريط بطاقاتها المُنتجة خيراً لإنسانها النامي وكلُّها في حقيقة النهج المُتخلِّي عن كلِّ مكسب ذاتيٍّ على حساب مكاسب الأُمَّة .
لا يصحُّ القول : بأنَّ نهج الحسن كان مُغايراً لنهج أبيه إنَّ النهجين مِن مَعدن واحد لمَّا كان السيف ناجحاً كأداة في تقويم الأُمَّة ولَمِّ شملها امتشق السيف عليٌّ ووسَّع المعركة في الميدان . ولمَّا كانت الكلمة لا السيف هي الأجدى في شرح الحَقِّ تكفكف بها لسانه وفاضت معه على نهج البلاغة تدلُّ الناس إلى الحَقِّ العفيف كيف أنَّه يبني النفوس ويبني الأُمَّة الصادقة ؛ ومِن هنا لا تزال الأُمَّة تُفتِّش عنه في كلِّ وقت وفي كلِّ جيل ينحرف بها المسير عن الخط القويم وكذلك حاول الحسن أنْ يمتشق السيف ويُخلِّص الأُمَّة مِن حيفٍ لحقها مِن تنطُّح مُعاوية على كرسيِّ الخلافة ولكنَّه اصطدم بالحيف ذاته الذي عَطَّل به مُعاوية وعي الأُمَّة وأعادها إلى زعاماتها المُتسابقة إلى حشد القبائل والاستنصار بها فاستنبط الصلح حَقناً للدماء ومنعاً للتمادي في إثارة الأحقاد وتفكيك وحدة الأُمَّة .
ستعرف الأُمَّة في غد أو في أيِّ يوم آخر إنَّ صلح الحسن هو الذي حَقن دم البصرة ودم الشام ودم الأُمَّة جمعاء في هُدنة على أمل أنْ يَطيب بها اللقاء وتصلح الأُمور وتستعيد الأُمَّة عافيتها مِن الوعي الذي ينمو كالنور بين كلِّ صباحٍ وصباحٍ , وأظنُّ الآن أنَّ معركة الحسن هي التي حقَّقت صحيح بحَقِّ الأُمَّة وهي التي ستبقى ماثلة الحضور في نهجها الجميل في كلِّ لحظة أُخرى تتعرَّض بها الأُمَّة لأزمة مُماثلة تُهدِّدها بالتفكك والانفراط إنَّ الأُمَّة الراشدة ولو بعد ألف عام هي التي تجني مِن مُسوَّقات العِبَر .
كان الحسين في القافلة التي شدَّها الحسن وسلَّمها الطريق الطويل مِن الكوفة إلى يثرب وفي جَعبته وثيقة الصلح التي وقعها ومُعاوية لقد بقي الحسين صامتاً طول الطريق أمَّا الحسن فإنَّه أخذ أخاه وضمَّه إلى صدره وهو يقول :
الحسن : لا يفوتني معنى صمتك يا حسين ولكنِّي أُدرك أنَّك فهمت مغزى قبولي بوثيقة الصلح أنا لم أُنشئ صُلحاً مع مُعاوية مِن أجل مُعاوية ولكنِّي خفت على أهل البيت مِن الانقراض السريع وأشفقت على الأُمَّة مِن هدر دمها وتفسيخ لُحمتها وتخلَّيت اليوم عن كرسيٍّ حتَّى يبقى لنا دِخر في الأُمَّة تُفتِّش به عنَّا بعد كلِّ أزمة خانقة تشتدُّ عليها ستعلم الأُمَّة أنَّ صراعها طويل مِن أجل الحياة وأنَّ نهجنا في سبيلها هو مادَّة الصراع وأنَّ الرسالة ذاتها هي عنوان الحَقِّ فينا ؛ لأنَّها وحدها هي القضيَّة .

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.