أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-4-2021
4342
التاريخ: 28-3-2021
4087
التاريخ: 9-6-2021
4451
التاريخ: 8-11-2017
16293
|
قال تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأنعام : 158 - 160] .
قال تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [الأنعام : 158] .
توعدهم سبحانه ، فقال {هل ينظرون} معناه ما ينتظرون ، يعني هؤلاء الكفار الذين تقدم ذكرهم ، وقال أبو علي الجبائي : معناه هل تنتظر أنت يا محمد وأصحابك إلا هذا ، وهم وإن انتظروا غيره ، فذلك لا يعتد به من حيث ما ينتظرونه من هذه الأشياء المذكورة ، لعظم شأنها ، فهو مثل قوله : {وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى} ، وكما يقال : تكلم فلان ، ولم يتكلم إذا تكلم بما لا يعتد به {إلا أن تأتيهم الملائكة} لقبض أرواحهم ، عن مجاهد ، وقتادة ، والسدي . وقيل : لإنزال العذاب والخسف بهم ، وقيل لعذاب القبر .
{أو يأتي ربك} فيه أقوال أحدها : أو يأتي أمر ربك بالعذاب ، فحذف المضاف ، ومثله : {وجاء ربك} عن الحسن ، وجاز هذا الحذف كما جاز في قوله : {إن الذين يؤذون الله} أي : أولياء الله . وقال ابن عباس : يأتي أمر ربك فيهم بالقتل وثانيها : أو يأتي ربك بجلائل آياته ، فيكون حذف الجار ، فوصل الفعل ، ثم حذف المفعول لدلالة الكلام عليه ، وهو قيام الدليل في العقل ، على أن الله سبحانه لا يجوز عليه الانتقال ، ولا يختلف عليه الحال . وثالثها : إن المعنى : أو يأتي إهلاك ربك إياهم بعذاب عاجل ، أو آجل ، أو بالقيامة ، وهذا كقولنا قد نزل فلان ببلد كذا ، وقد أتاهم فلان أي : قد أوقع بهم ، عن الزجاج {أو يأتي بعض آيات ربك} وذلك نحو خروج الدابة ، أو طلوع الشمس من مغربها ، عن مجاهد ، وقتادة ، والسدي .
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : {بادروا بالأعمال ستا : طلوع الشمس من مغربها ، والدابة ، والدجال ، والدخان ، وخويصة أحدكم - أي موته - وأمر العامة - يعني القيامة {يوم يأتي بعض آيات ربك} التي تضطرهم إلى المعرفة ، ويزول التكليف ، عندها {لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل} لأنه ينسد باب التوبة بظهور آيات القيامة ، ويضطر الله تعالى كل أحد إلى معرفته ، ومعرفة المحسنات والمقبحات ضرورة ، ويعرفه أنه إن حاول القبيح ، أو ترك الحسن ، حيل بينه وبينه ، فيصير ملجأ إلى فعل الحسن ، وترك القبيح .
{أو كسبت في إيمانها خيرا} عطف على قوله {آمنت} . وقيل في معناه أقوال أحدها : إنه إنما قال ذلك على جهة التغليب ، لأن الأكثر مما ينتفع بإيمانه حينئذ من كسب في إيمانه خيرا وثانيها : إنه لا ينفع أحدا فعل الإيمان ، ولا فعل خير فيه ، في تلك الحال ، لأنها حال زوال التكليف . وإنما ينفع ذلك قبل تلك الحال ، عن السدي . فيكون معناه : لا ينفعه إيمانه حينئذ وإن كسب في إيمانه خيرا ، أي طاعة وبرا ، لأن الإيمان واكتساب الخير ، إنما ينفعان من قبل وثالثها : إنه الإبهام في أحد الأمرين ، فالمعنى : إنه لا ينفع في ذلك اليوم إيمان نفس ، إذا لم تكن آمنت قبل ذلك اليوم ، أو ضمت إلى إيمانها أفعال الخير ، فإنها إذا آمنت قبل ، نفعها إيمانها ، وكذلك إذا ضمت إلى الإيمان طاعة ، نفعتها أيضا ، يريد أنه لا ينفع حينئذ إيمان من آمن من الكفار ، ولا طاعة من أطاع من المؤمنين ، ومن آمن من قبل نفعه إيمانه بانفراده ، وكذلك من أطاع من المؤمنين ، نفعته طاعته أيضا ، وهذا أقوى الأقوال وأوضحها .
{قل انتظروا} إتيان الملائكة ، ووقوع هذه الآيات ف {إنا منتظرون} بكم وقوعها ، وفي هذه الآية حث على المسارعة إلى . الإيمان والطاعة ، قبل الحال التي لا يقبل فيها التوبة ، وفيها أيضا حجة على من يقول إن الإيمان اسم لأداء الواجبات وللطاعات ، فإنه سبحانه قد صرح فيها بأن اكتساب الخيرات ، غير الإيمان المجرد ، لعطفه سبحانه كسب الخيرات ، وهي الطاعات في الإيمان ، على فعل الإيمان ، فكأنه قال : لا ينفع نفسا لم تؤمن قبل ذلك اليوم ، إيمانها ذلك اليوم ، وكذا لا ينفع نفسا لم تكن كاسبة خيرا في إيمانها قبل ذلك كسبها الخيرات ذلك اليوم .
وقد عكس الحاكم أبو سعيد في تفسيره الأمر فيه ، فقال : هو خلاف ما يقوله المرجئة ، لأنه يدل على أن الإيمان بمجرده لا ينفع حتى يكون معه اكتساب الخيرات ، وليت شعري كيف تدل الآية على ما قاله؟ وكيف حكم لنفسه على خصمه فيما الحكم فيه لخصمه عليه؟ وهل هذا إلا عدول عن سنن العدل والإنصاف ؟ .
- {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام : 159] .
ثم عطف سبحانه على ما قدمه من الوعيد ، فقال : {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} اختلف في المعنيين بهذه الآية على أقوال أحدها : إنهم الكفار ، وأصناف المشركين ، عن السدي ، والحسن . ونسختها آية السيف وثانيها : إنهم اليهود والنصارى ، لأنهم يكفر بعضهم بعضا ، عن قتادة وثالثها : إنهم أهل الضلالة ، وأصحاب الشبهات والبدع من هذه الأمة ، رواه أبو هريرة ، وعائشة مرفوعا ، وهو المروي عن الباقر عليه السلام : جعلوا دين الله أديانا لإكفار بعضهم بعضا ، وصاروا أحزابا وفرقا .
{لست منهم في شيء} : هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإعلام له أنه ليس منهم في شيء ، وأنه على المباعدة التامة من أن يجتمع معهم في معنى من مذاهبهم الفاسدة ، وليس كذلك بعضهم مع بعض ، لأنهم يجتمعون في معنى من المعاني الباطلة ، وإن افترقوا في غيره ، فليس منهم في شيء ، لأنه برئ من جميعه ، وقيل : إن معناه لست من مخالطتهم في شيء ، وإنما هو نهي النبي من مقاربتهم .
وأمر له بمباعدتهم ، عن قتادة ، وقيل : معناه لست من قتالهم في شيء ، ثم نسختها آية القتال ، عن الكلبي ، والحسن .
{إنما أمرهم إلى الله} في مجازاتهم على سوء أفعالهم . وقيل : أمرهم في الإنظار والاستئصال إلى الله وقيل : الحكم بينهم في اختلافهم إلى الله {ثم ينبئهم} أي : يخبرهم ، ويجازيهم {بما كانوا يفعلون} يوم القيامة فيظهر المحق من المبطل .
- {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأنعام : 160] .
لما ذكر سبحانه الوعيد على المعاصي ، عقبه بذكر الوعد ، وتضعيف الجزاء في الطاعات فقال {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} أي : من جاء بالخصلة الواحدة من خصال الطاعة ، فله عشر أمثالها من الثواب {ومن جاء بالسيئة} أي : بالخصلة الواحدة من خصال الشر {فلا يجزى إلا مثلها} وذلك من عظيم فضل الله تعالى ، وجزيل إنعامه على عباده ، حيث لا يقتصر في الثواب على قدر الاستحقاق ، بل يزيد عليه ، وربما يعفو عن ذنوب المؤمن ، منا منه عليه ، وتفضلا ، وإن عاقب على قدر الاستحقاق عدلا .
وقيل : المراد بالحسنة : التوحيد ، وبالسيئة : الشرك ، عن الحسن ، وأكثر المفسرين . وعلى هذا فإن أصل الحسنات : التوحيد ، وأسوأ السيئات : الكفر .
{وهم لا يظلمون} بالزيادة على مقدار ما استحقوا من العقاب ، ثم اختلف الناس في أن هذه الحسنات العشر التي وعدها الله من جاء بالحسنة ، هل يكون كلها ثوابا ، أم لا؟ فقال بعضهم : لا يكون كلها ثوابا ، وإنما يكون الثواب منها الواحدة والتسع الزائدة تكون تفضلا ، ويؤيده قوله {ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} فيكون على هذا معنى {عشر أمثالها} في النعيم واللذة ، لا في عظيم المنزلة .
ويجوز أن يكون التفضل مثل الثواب في الكثرة واللذة ، وأن يميز منه الثواب بمقارنة التعظيم والإجلال اللذين لولاهما لما حسن التكليف ، وهذا هو الصحيح .
وقال قوم : لا يجوز أن يساوي الثواب والتفضل على وجه . فيكون على قولهم كل ذلك ثوابا ، قال الزجاج : إن المجازاة من الله ، عز وجل ، على الحسنة بدخول الجنة شيء لا يبلغ وصف مقداره ، فإذا قال {عشر أمثالها} وقال : {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} وقال : {فيضاعفه له أضعافا كثيرة} فالمعنى في هذا كله : إن جزاء الله سبحانه على الحسنات على التضعيف للمثل الواحد الذي هو النهاية في التقدير في النفوس ، فيضاعف الله سبحانه ذلك ، بما بين عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة .
وقد قيل أيضا في ذلك : إن المعنى من جاء بالحسنة فله عشر أمثال المستحق عليها ، والمستحق لا يعلم مقداره إلا الله تعالى ، وليس المراد أمثال ذلك في العدد ، وهذا كما يقول الانسان لأجيره : لك من الأجر مثل ما عملت ، أي : مثل ما تستحقه بعملك .
وقد وردت الرواية عن المعرور بن سويد ، عن أبي ذر قال : حدثني الصادق المصدق : {إن الله تعالى قال : الحسنة عشر ، أو أزيد ، والسيئة واحدة ، أو أغفر ، فالويل لمن غلبت آحاده أعشاره} .
______________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 200-205 .
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ } . الاستفهام هنا للإنكار ، والمراد بينظرون ينتظرون . . بعد أن ذكر سبحانه ان المشركين أعرضوا عن دلائل القرآن ، ورفضوا أن يتدبروها قال في هذه الآية : انهم لا يؤمنون إلا بأحد أمور ثلاثة : الأول مجيء الملائكة . الثاني مجيء الرب . الثالث مجيء بعض الآيات . ولكنه سبحانه لم يبين أي الملائكة الذين يجب أن تأتيهم ، كي يؤمنوا : هل ملائكة الموت أو غيرهم ، ولا بيّن المراد بمجيء الرب : هل مجيئه هو بزعمهم ، أو مجيء أمره ، كما هو الواقع ؟
وأيضا لم يبين نوع بعض الآيات : هل الآيات التي اقترحوها ، أو علامات القيامة ؟
وقال أكثر المفسرين أو الكثير منهم : ان المراد بالملائكة ملائكة الموت ، وبمجيء الرب مجيء عذابه وانتقامه ، وببعض الآيات أشراط الساعة ، أي أولها والعلامات الدالة عليها . . وهذا التفسير غير بعيد ، لأن الكلام الذي عقب به سبحانه هذه الأمور الثلاثة يشعر بقول المفسرين ويعززه ، وهو قوله تعالى :
{ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً } . يقول عز من قائل : ان التوبة والإيمان عند مجيء أحد هذه الأمور لا يجدي شيئا ، وانما الذي يجدي هو الإيمان والعمل الصالح الذي يكسبه المؤمن قبل أن يلجأ إلجاء إلى ذلك ، إذ لا تكليف حين النزع والاحتضار ، ولا عند اشتراط الساعة ، أو نزول العذاب ، ومع عدم التكليف يكون الإيمان وعدمه سواء ، وقوله تعالى : { أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً } يومئ إلى أن الإيمان باللَّه ينجي صاحبه من الخلود في النار ، لا من عذاب النار ، أما من آمن وعمل صالحا فلا تمسه النار إطلاقا . { قُلِ انْتَظِرُوا } هذه الأمور الثلاثة { إِنَّا مُنْتَظِرُونَ } {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود : 39] .
{ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } . الخطاب في لست موجه للنبي ( صلى الله عليه وآله ) . وكما اختلف الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كذلك المفسرون صاروا شيعا في تفسير المراد بالذين فرقوا دينهم . قيل : هم المشركون بالنظر إلى أن بعضهم يعبد الأصنام ، وبعضهم الكواكب ، وبعضهم النور والظلام .
وقيل : هم أهل الكتاب فاليهود افترقوا إلى الصادوقيين والفريسيين والحسديين (2) أما النصارى فقسموا الكنيسة إلى شرقية وغربية . وقيل : هم الفرق الاسلامية .
وقيل : كل أهل الملل والنحل بلا استثناء . . وخير ما قرأته في تفسير هذه الآية ما قاله صاحب تفسير المنار : ان المراد بالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا هم أهل الكتاب ، والمراد ببراءة الرسول منهم تحذير المسلمين من مثل تفرقة أهل الكتاب وفعلهم ليعلموا انهم إذا فعلوا فعل أهل الكتاب فإن محمدا ( صلى الله عليه وآله ) بريء منهم بطريق أولى .
{ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ } فهو وحده يتولى حساب وعقاب من يعمل على التفريق بين عباده ، ويثير العداوة والبغضاء في الدين وغير الدين { ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ } من الاستجابة إلى الدساسين المفتنين : {قالَتْ أُخْراهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف - 38] .
{ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وهُمْ لا يُظْلَمُونَ } . كل ما فيه للَّه رضا وللناس صلاح فهو حسنة ، وكل ما فيه سخط للَّه وفساد للناس فهو سيئة ، واللَّه سبحانه عادل وكريم ، ومن عدله ان يجزي فاعل السيئة بما يعادلها من العذاب ، ومن كرمه أن يعفو ، وان يضاعف لفاعل الحسنة أضعافا تزيد إلى عشرة أمثال ، أو إلى سبعمائة ، أو إلى ما لا يبلغه العد والإحصاء وفقا لنوايا المحسن وصفاته وأوضاعه . انظر تفسير الآية 261 من سورة البقرة ج 1 ص 412 .
ومن أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) في هذا الباب قوله : ان اللَّه تعالى قال : الحسنة عشر أو أزيد ، والسيئة واحدة أو عفو ، فالويل لمن غلب آحاده أعشاره .
وقال : يقول اللَّه : إذا همّ عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة وان لم يفعلها ، فان فعلها فعشر أمثالها ، وان همّ بسيئة فلا تكتبوها ، وان فعلها فسيئة واحدة .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 289-290 .
2. من أقوال الفريسيين ان الأموات يرجعون إلى هذه الدنيا ليشتركوا في ملك المسيح الذي سيأتي ، ومن أقوال الصادوقيين انه لا حياة بعد الموت إطلاقا لا إلى الدنيا ولا إلى الآخرة ، ومن أقول الحسديين المساواة بين الناس . الأسفار المقدسة لعلي عبد الواحد وافي .
الآيات متصلة بما قبلها وهي تتضمن تهديد من استنكف من المشركين عن الصراط المستقيم وتفرق شيعا ، وتبرئة النبي صلى الله عليه وآله من المفرقين دينهم ، ووعدا حسنا لمن جاء بالحسنة وإنجازا للجزاء .
قوله تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ} استفهام إنكاري في مقام لا تنفع فيه عظة ولا تنجح فيه دعوة فالأمور المذكورة في الآية لا محالة أمور لا تصحب إلا القضاء بينهم بالقسط والحكم الفصل بإذهابهم وتطهير الأرض من رجسهم .
ولازم هذا السياق أن يكون المراد بإتيان الملائكة نزولهم بآية العذاب كما يدل عليه قوله تعالى : {وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ، لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ} [الحجر : 8] .
ويكون المراد بإتيان الرب هو يوم اللقاء وهو الانكشاف التام لآية التوحيد بحيث لا يبقى عليه ستر كما هو شأن يوم القيامة المختص بانكشاف الغطاء ، والمصحح لإطلاق الإتيان على ذلك هو الظهور بعد الخفاء والحضور بعد الغيبة جل شأنه عن الاتصاف بصفات الأجسام .
وربما يقال : إن المراد إتيان أمر الرب وقد مر نظيره في قوله تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ} [البقرة : 210] في الجزء الثاني من الكتاب .
ويكون المراد بإتيان بعض آيات الرب إتيان آية تلازم تبدل نشأة الحياة عليهم بحيث لا سبيل إلى العود إلى فسحة الاختيار كآية الموت التي تبدل نشأة العمل نشأة الجزاء البرزخي أو تلازم استقرار ملكة الكفر والجحود في نفوسهم استقرارا لا يمكنهم معه الإذعان بالتوحيد والإقبال بقلوبهم إلى الحق إلا ما كان بلسانهم خوفا من شمول السخط والعذاب كما ربما دل عليه قوله تعالى : {وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ} [النمل : 82] .
وكذا قوله تعالى : {وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [السجدة : 29] فإن الظاهر أن المراد بالفتح هو الفتح للنبي صلى الله عليه وآله بالقضاء بينه وبين أمته بالقسط كما حكاه الله تعالى عن شعيب عليه السلام في قوله : {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ} [الأعراف : 89] وحكاه عن رسله في قوله : {وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم : 15] .
أو تلازم بأسا من الله تعالى لا مرد له ولا محيص عنه فيضطرهم الله الإيمان ليتقوا به أليم العذاب لكن لا ينفعهم ذلك فلا ينفع من الإيمان إلا ما كان عن اختيار كما يدل عليه قوله تعالى : {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ} [المؤمن : 85] .
فهذه أعني إتيان الملائكة أو إتيان الرب أو إتيان بعض آياته أمور تصاحب القضاء بينهم بالقسط وهم لكونهم لا تؤثر فيهم حجة ولا تنفعهم موعظة لا ينظرون إلا ذلك وإن ذهلوا عنه فإن الواقع أمامهم علموا أو جهلوا .
وربما قيل : إن الاستفهام للتهكم ، فإنهم كانوا يقترحون على النبي صلى الله عليه وآله أن ينزل عليهم الملائكة أو يروا ربهم أو يأتيهم بآية كما أرسل الأولون فكأنه قيل : هؤلاء لا يريدون حجة وإنما ينتظرون ما اقترحوه من الأمور .
وهذا الوجه غير بعيد بالنسبة إلى صدر الآية لكن ذيلها أعني قوله : {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ} إلخ ، لا يلائمه تلك الملاءمة فإن التهكم لا يتعدى فيه إلى بيان الحقائق وتفصيل الآثار .
قوله تعالى : {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ} إلى آخر الآية ، يشرح خاصة يوم ظهور هذه الآيات ، وهي في الحقيقة خاصة نفس الآيات وهي أن الإيمان لا ينفع نفسا لم تؤمن قبل ذلك اليوم إيمان طوع واختيار أو آمنت قبله ولم تكن كسبت في إيمانها خيرا ولم تعمل صالحا بل انهمكت في السيئات والمعاصي إذ لا توبة لمثل هذا الإنسان ، قال تعالى : {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء : 18] فالنفس التي لم تؤمن من قبل إيمان طوع ورضى أو آمنت بالله وكذبت بآيات الله ولم تعتن بشيء من شرائع الله واسترسلت في المعاصي الموبقة ولم تكتسب شيئا من صالح العمل فيما كان عليها ذلك ثم شاهدت البأس الإلهي فحملها الاضطرار إلى الإيمان لترد به بأس الله تعالى لم ينفعها ذلك ، ولم يرد عنها بأسا ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين .
وفي الآية من بديع النظم ولطيف السياق أنه كرر فيها لفظ {رَبُّكَ} ثلاث مرات وليس إلا لتأييد النبي صلى الله عليه وآله تجاه خصمه وهم المشركون حيث كانوا يفتخرون بأربابهم ويباهون بأوثانهم ليعتز بربه ويثبت به قلبه ويربط جأشه في دعوته إن نجحت وإلا فبالقضاء الفصل الذي يقضي به ربه بينه وبين خصمه ثم أكد ذلك وزاد في طمأنة نفسه بقوله في ختام الآية : {قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} أي فانتظر أنت ما هم منتظرون ، وأخبرهم أنك في انتظاره ، ومرهم أن ينتظروه فهو الفصل وليس بالهزل .
ومن هنا يظهر أن الآية تتضمن تهديدا جديا لا تخويفا صوريا وبه يظهر فساد ما ذكره بعضهم في دفع قول القائل : إن الاستفهام في الآية للتهكم فقال : إن هذه الآيات الثلاث هي ما ينتظرونه كغيرهم في نفس الأمر فلا يصح أن يراد بهذا البعض شيء مما اقترحوه لأن إيتاء الآيات المقترحة على الرسل يقتضي في سنة الله هلاك الأمة بعذاب الاستئصال إذا لم تؤمن به ، والله لا يهلك أمة نبي الرحمة . انتهى .
وفيه : أن دلالة الآيات القرآنية على أن هذه الأمة سيشملهم القضاء بينهم بالقسط والحكم الفصل مما لا سترة عليها كقوله : {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ، وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ـ إلى أن قال ـ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} إلى آخر الآية : [يونس : 47 ـ 53] .
وقد استدل بالآية على أن الإيمان لا أثر له إذا لم يقترن بالعمل وهو حق في الجملة لا مطلقا فإن الآية في مقام بيان أن من كان في وسعه أن يؤمن بالله فلم يؤمن أو في وسعه أن يؤمن ويعمل صالحا فآمن ولم يعمل صالحا حتى لحقه البأس الإلهي الشديد الذي يضطره إلى ذلك فإنه لا ينتفع بإيمانه ، وأما من آمن طوعا فأدركه الموت ولم يمهله الأجل حتى يعمل صالحا ويكسب في إيمانه خيرا فإن الآية غير متعرضة لبيان حاله بل الآية لا تخلو عن إشعار أو دلالة على أن النافع إنما هو الإيمان إذا كان عن طوع ولم يحط به الخطيئة ولم تفسده السيئة .
وفي قوله : {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ} الفصل بين الموصوف والوصف بفاعل الفعل وهو إيمانها وكأنه للاحتراز عن الفصل الطويل بين الفعل وفاعله ، واجتماع {فِي إِيمانِها} و {إِيمانُها} في اللفظ .
قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} إلخ ، وجه الكلام السابق وإن كان مع المشركين وقد ابتلوا بتفريق الدين الحنيف ، وكان أيضا لأهل الكتاب نصيب من الكلام وربما لوح إليهم بعض التلويح ولازم ذلك أن ينطبق قوله : {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً} على المشركين بل عليهم وعلى اليهود والنصارى لاشتراك الجميع في التفرق والاختلاف في الدين الإلهي .
لكن اتصال الكلام بالآيات المبينة للشرائع العامة الإلهية التي تبتدئ بالنهي عن الشرك وتنتهي إلى النهي عن التفرق عن سبيل الله يستدعي أن يكون قوله : {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً} موضوعا لبيان حال النبي صلى الله عليه وآله مع من كان هذا وصفه فالإتيان بصيغة الماضي في قوله : {فَرَّقُوا دِينَهُمْ} لبيان أصل التحقق سواء كان في الماضي أو الحال أو المستقبل لا تحقق الفعل في الزمان الماضي فحسب .
ومن المعلوم أن تمييز النبي صلى الله عليه وآله وإخراجه من أولئك المختلفين في الدين المتفرقين شيعة شيعة كل شيعة يتبع إماما يقودهم ليس إلا لأنه رسول يدعو إلى كلمة الحق ودين التوحيد ، ومثال كامل يمثل بوجوده الإسلام ويدعو بعمله إليه فيعود معنى قوله : {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} إلى أنهم ليسوا على دينك الذي تدعو إليه ، ولا على مستوى طريقك الذي تسلكه .
فمعنى الآية أن الذين فرقوا دينهم بالاختلافات التي هي لا محالة ناشئة عن العلم ـ وما اختلف الذين أوتوه إلا بغيا بينهم ـ والانشعابات المذهبية ليسوا على طريقتك التي بنيت على وحدة الكلمة ونفي الفرقة إنما أمرهم في هذا التفريق إلى ربهم لا يماسك منهم شيء فينبئهم يوم القيامة بما كانوا يفعلون ويكشف لهم حقيقة أعمالهم التي هم رهناؤها .
وقد تبين بما مر أن لا وجه لتخصيص الآية بتبرئته صلى الله عليه وآله من المشركين أو منهم ومن اليهود والنصارى ، أو من المختلفين بالمذاهب والبدع من هذه الأمة فالآية عامة تعم الجميع .
قوله تعالى : {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} الآية تامة في نفسها تكشف عن منة إلهية يمتن بها على عباده أنه يجازي الحسنة بعشر أمثالها ، ولا يجازي السيئة إلا بمثلها أي يحسب الحسنة عشرة والسيئة واحدة ولا يظلم في الإيفاء فلا ينقص من تلك ولا يزيد في هذه ، إن أمكن أن يزيد في جزاء الحسنة فيزيد على العشر كما يدل عليه قوله : {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ} [البقرة : 261] وأمكن أن يعفو عن السيئة فلا يحسب حق المثل الواحد .
لكنها أعني الآية باتصالها بما تقدمها وانتظامها معها في سياق واحد تفيد معنى آخر كأنه قيل بعد سرد الكلام في الآيات السابقة في الاتفاق والاجتماع على الحق والتفرق فيه : فهاتان خصلتان حسنة وسيئة يجزى فيهما ما يماثلهما ولا ظلم فإن الجزاء يماثل العمل فمن جاء بالحسنة فله مثلها ويضاعف له ومن جاء بالسيئة وهي الاختلاف المنهي عنه فلا يجزى إلا سيئة مثلها ولا يطمعن في الجزاء الحسن ، وعاد المعنى إلى نظير ما استفيد من قوله : {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} [الشورى : 40] أن المراد به بيان مماثلة جزاء السيئة لها في كونها سيئة لا يرغب فيها لا إثبات الوحدة ونفي المضاعفة .
__________________________
1. تفسير الميزان ، ج7 ، ص 327-331 .
قال تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ } [الأنعام : 158] .
توقعات باطلة ومطاليب مستحيلة :
في الآيات السابقة تبيّنت هذه الحقيقة وهي : أنّنا أتممنا الحجّة على المشركين ، وآتيناهم الكتاب السماوي (أي القرآن) لهدايتهم جميعا ، لكي لا يبقى لديهم أي عذر يبرّرون به مخالفتهم للرسالة ومعارضتهم للدعوة .
وهذه الآية تقول : ولكن هؤلاء الأشخاص المخاصمين المعاندين بلغوا في لجاجهم وعنادهم حدّا لا يؤثّر فيهم حتى هذا البرنامج الواضح البيّن ، وكأنّهم يتوقعون وينتظرون هلاكهم ، أو ذهاب آخر فرصة ، أو ينتظرون أمورا مستحيلة .
فيقول أولا : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} لتقبض أرواحهم .
{أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} إليهم فيرونه ، حتى يؤمنوا به .
ويراد من هذا الكلام في الحقيقة أنّهم ينتظرون أمورا مستحيلة ، لا أنّ مجيء الله سبحانه وتعالى أو رؤيته أمور ممكنة .
وهذا النوع من البيان والكلام أشبه ما يكون بمن يقول لشخص مجرم معاند ، بعد أن يريه ما لديه من وثائق كافية دامغة وهو مع كل هذا ينكر جنايته : إذا كنت لا تقبل بكل هذه الوثائق ، فلعلك تنتظر أن يعود المقتول إلى الحياة ، ويحضر في المحكمة ليشهد عليك بأنّك الذي قتلته ؟
ثمّ يقول : أو أنّكم تنتطرون أن تتحقق بعض الآيات الإلهية والعلامات الخاصّة بيوم القيامة ونهاية العالم يوم تنسدّ كل أبواب التوبة : {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ} ؟
وعلى هذا الأساس فإنّ عبارة {آياتِ رَبِّكَ} وإن جاءت بصورة كليّة وعلى نحو الإجمال ، ولكنّها يمكن أن تكون بقرينة العبارات اللاحقة التي سيأتي تفسيرها ، بمعنى علامات القيامة ، مثل الزلازل المخيفة ، وفقدان الشمس والقمر والكواكب لأنوارها وأضوائها ، وما أشبه ذلك .
أو يكون المراد من ذلك المطاليب غير المعقولة التي يطلبونها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن جملتها أنّهم لا يؤمنون به إلّا أن تمطر عليهم السماء حجارة ، أو تمتلئ صحاري الحجاز القفراء اليابسة بالينابيع والنخيل !!
ثمّ يضيف عقيب ذلك قائلا : {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً} فأبواب التوبة حينذاك مغلقة في وجوه الذين لم يؤمنوا إلى تلك الساعة ، لأنّ التوبة ساعتئذ تكون ذات صبغة اضطرارية إجبارية ، وفاقدة لمعطيات الإيمان الاختياري وقيمة التوبة النصوح .
هذا ، ويتضح ممّا قيل أن عبارة {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً} تعني أنّ الإيمان وحده لا ينفع في ذلك اليوم ، بل حتى أولئك الذين آمنوا من قبل ، ولكنّهم لم يعملوا عملا صالحا ، لم ينفعهم في ذلك اليوم أن يعملوا عملا صالحا ، لأنّ أوضاعا كتلك تسلب من الإنسان القدرة على ارتكاب الذنب ، وتقوده نحو العمل الصالح بصورة جبرية لا مفرّ منها ، فلا يكون لمثل هذا العمل أية قيمة ذاتية .
ثمّ إنّه في المقطع الأخير من الآية يوجه تهديدا شديدا إلى هؤلاء الأشخاص المعاندين ، إذ يقول بنبرة شديدة : {قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} .
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ * مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الأنعام : 159-160] .
رفض المفرّقين للصّفوف ونفيهم :
تعقيبا على التعاليم والأوامر العشر التي مرّت في الآيات السابقة ، والتي أمر في آخرها بإتباع الصراط الإلهي المستقيم ، وبمكافحة أي نوع من أنواع النفاق والتفرقة ، جاءت هذه الآية تتضمن تأكيدا على هذه الحقيقة ، وتفسيرا وشرحا لها .
فيقول تعالى أوّلا : {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}(2) أي أنّ الذين اختلفوا في الدين وتفرقوا فرقا وطوائف لا يمتون إليك بصلة أبدا ، كما لا يرتبطون بالدين أبدا ، لأنّ دينك هو دين التوحيد ، ودين الصراط المستقيم ، والصراط المستقيم ما هو إلّا واحد لا أكثر .
ثمّ قال تعالى ـ مهدّدا موبّخا أولئك المفرّقين ـ {إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ} أي أنّ الله هو الذي سيؤاخذهم بأعمالهم وهو عليم بها ، لا يغيب شيء منها .
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 268-271 .
2. «الشيع» من حيث اللغة تعني الفرق والطوائف المختلفة وأتباع الأشخاص المختلفين ، وعلى هذا فإنّ مفرد كلمة يعني من يتبع مدرسة أو شخصا معينا ، هذا هو المعنى اللغوي لكلمة الشيعة . ولكن للفظة الشيعة معنى آخر في الاصطلاح ، فهو يطلق على من يتبع أمير المؤمنين عليا عليه السلام ويشايعه ، ولا يصح أن نخلط بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|