أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-2-2017
5962
التاريخ: 19-10-2017
3538
التاريخ: 17-10-2017
5343
التاريخ: 19-10-2017
10905
|
قال تعالى : {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة : 100] .
لما بين سبحانه الحلال والحرام ، بين أنهما لا يستويان فقال {قل} يا محمد {لا يستوي} أي لا يتساوى {الخبيث والطيب} أي : الحرام والحلال ، عن الحسن ، والجبائي . وقيل : الكافر والمؤمن ، عن السدي {ولو أعجبك} أيها السامع أو أيها الانسان {كثرة الخبيث} أي : كثرة ما تراه من الحرام ، لأنه لا يكون في الكثير من الحرام بركة ، ويكون في القليل من الحلال بركة . وقيل : إن الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمراد أمته {فاتقوا الله} أي : فاجتنبوا ما حرم الله عليكم {يا أولي الألباب} يا ذوي العقول {لعلكم تفلحون} أي : لتفلحوا وتفوزوا بالثواب العظيم ، والنعيم المقيم .
____________________________
1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 426-427.
هذه الآية ترادف قوله تعالى : { لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ } [الحشر - 20] . وكثرة الخبيث ما يملكه من جاه ومال . والعاقل لا يستوي لديه الخبيث والطيب ، وان كثر ماله ، واتسع جاهه ، لأن الجاه والمال لا يجعلان الخبيث طيبا ، ولا الفقر وخمول الذكر يجعلان الطيب خبيثا .
والرجل الخبيث في مقياس الدين من عصى أحكام اللَّه في كتابه وسنة نبيه ، والخبيث في عرف الناس من يخافون من شره ، ولا يأمنونه على أمر من أمورهم ، ولا يصدقونه في قول أو فعل . . وبديهة ان من كانت هذه صفاته فهو خبيث عند اللَّه أيضا ، قال رسول اللَّه : أشرف الإيمان أن يأمنك الناس . أما الطيّب فعلى عكس الخبيث في جميع أوصافه .
_______________________
1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 131 .
الآية كأنها مستقلة مفردة لعدم ظهور اتصالها بما قبلها وارتباط ما بعدها بها فلا حاجة إلى التمحل في بيان اتصالها بما قبلها ، وإنما تشتمل على مثل كلي ضربه الله سبحانه لبيان خاصة يختص بها الدين الحق من بين سائر الأديان والسير العامة الدائرة ، وهي أن الاعتبار بالحق وإن كان قليلا أهله وشاردة فئته ، والركون إلى الخير والسعادة وإن أعرض عنه الأكثرون ونسيه الأقوون ؛ فإن الحق لا يعتمد في نواميسه إلا على العقل السليم ، وحاشا العقل السليم أن يهدي إلا إلى صلاح المجتمع الإنساني فيما يشد أزره من أحكام الحياة وسبل المعيشة الطيبة سواء وافق أهواء الأكثرين أو خالف ، وكثيرا ما يخالف ؛ فهو ذا النظام الكوني وهو محتد الآراء الحقة لا يتبع شيئا من أهوائهم ، ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض.
قوله تعالى : {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} كان المراد بعدم استواء الخبيث والطيب أن الطيب خير من الخبيث ، وهو أمر بين فيكون الكلام مسوقا للكناية ، وذلك أن الطيب بحسب طبعه وبقضاء من الفطرة أعلى درجة وأسمى منزلة من الخبيث ؛ فلو فرض انعكاس الأمر وصيرورة الخبيث خيرا من الطيب لعارض يعرضه كان من الواجب أن يتدرج الخبيث في الرقي والصعود حتى يصل إلى حد يحاذي الطيب في منزلته ويساويه ثم يتجاوزه فيفوقه فإذا نفي استواء الخبيث والطيب كان ذلك أبلغ في نفي خيرية الخبيث من الطيب.
ومن هنا يظهر وجه تقديم الخبيث على الطيب ، فإن الكلام مسوق لبيان أن كثرة الخبيث لا تصيره خيرا من الطيب ، وإنما يكون ذلك بارتفاع الخبيث من حضيض الرداءة والخسة إلى أوج الكرامة والعزة حتى يساوي الطيب في مكانته ثم يعلو عليه ولو قيل : لا يستوي الطيب والخبيث كانت العناية الكلامية متعلقة ببيان أن الطيب لا يكون أردى وأخس من الخبيث ، وكان من الواجب حينئذ أن يذكر بعده أمر قلة الطيب مكان كثرة الخبيث فافهم ذلك.
والطيب والخباثة على ما لهما من المعنى وصفان حقيقيان لأشياء حقيقية خارجية كالطعام الطيب أو الخبيث والأرض الطيبة أو الخبيثة قال تعالى : {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً} [الأعراف : 58] ، وقال تعالى : {وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ} [ الأعراف : 32] ، وإن أطلق الطيب والخباثة أحيانا على شيء من الصفات الوضعية الاعتبارية كالحكم الطيب أو الخبيث والخلق الطيب أو الخبيث فإنما ذلك بنوع من العناية.
هذا ولكن تفريع قوله : {فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} على قوله : {لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} ، إلخ والتقوى من قبيل الأفعال أو التروك ، وطيبها وخباثتها عنائية مجازية ، وإرسال الكلام أعني قوله : {لا يَسْتَوِي) ، إلخ} إرسال المسلمات أقوى شاهد على أن المراد بالطيب والخباثة إنما هو الخارجي الحقيقي منهما فيكون الحجة ناجحة ، ولو كان المراد هو الطيب والخبيث من الأعمال والسير لم يتضح ذاك الاتضاح فكل طائفة ترى أن طريقتها هي الطريقة الطيبة ، وما يخالف أهواءها ويعارض مشيئتها هو الخبيث.
فالقول مبني على معنى آخر بينه الله سبحانه في مواضع من كلامه ، وهو أن الدين مبني على الفطرة والخلقة ، وأن ما يدعو إليه الدين هو الطيب من الحياة ، وما ينهى عنه هو الخبيث ، وأن الله لم يحل إلا الطيبات ولم يحرم إلا الخبائث قال تعالى : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [ الروم : 30] ، وقال : {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ} [الأعراف : 157] .
وقال : {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ} [ الأعراف : 32] .
فقد تحصل أن الكلام أعني قوله : {لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} ، مثل مضروب لبيان أن قواعد الدين ركبت على صفات تكوينية في الأشياء من طيب أو خباثة مؤثرة في سبيل السعادة والشقاوة الإنسانيتين ، ولا يؤثر فيها قلة ولا كثرة فالطيب طيب وإن كان قليلا ، والخبيث خبيث وإن كان كثيرا.
فمن الواجب على كل ذي لب يميز الخبيث من الطيب ، ويقضي بأن الطيب خير من الخبيث ، وأن من الواجب على الإنسان أن يجتهد في إسعاد حياته ، ويختار الخير على الشر أن يتقي الله ربه بسلوك سبيله ، ولا يغتر بانكباب الكثيرين من الناس على خبائث الأعمال ومهلكات الأخلاق والأحوال ، ولا يصرفه الأهواء عن اتباع الحق بتولية أو تهويل لعله يفلح بركوب السعادة الإنسانية.
قوله تعالى : {فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تفريع على المثل المضروب في صدر الآية ، ومحصل المعنى أن التقوى لما كان متعلقه الشرائع الإلهية التي تبتني هي أيضا على طيبات وخبائث تكوينية في رعاية أمرها سعادة الإنسان وفلاحه على ما لا يرتاب في ذلك ذو لب وعقل فيجب عليكم يا أولي الألباب أن تتقوا الله بالعمل بشرائعه لعلكم تفلحون .
__________________________
1. تفسير الميزان ، ج6 ، ص 122-124 .
الأكثرية ليست دليلا على الطهارة :
دار الحديث في الآيات السّابقة حول تحريم الخمر والقمار والأنصاب والأزلام وصيد البر في حال الإحرام ، ولكن قد نجد أناسا يتذرعون لارتكاب هذه المعاصي بالكثرة الكاثرة من الذين يرتكبونها في بعض الأمصار ، فيقولون مثلا : أنّ أكثر أهل المدينة الفلانية يعاقرون الخمرة ، أو أنّهم يمارسون القمار ، أو أنّ أكثرية الناس في ظروف خاصّة لا يقيمون وزنا لتحريم الصيد ولغيره لذلك ، فهم أيضا يحذون حذوهم ويهملون العمل بتلك التشريعات ، فلكيلا يتذرع الناس بأمثال هذه الأعذار ، يضع الله سبحانه قاعدة كلية عامّة ورئيسية في عبارة قصيرة شاملة يخاطب بها رسوله الكريم : {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}.
وعليه فإن الخبيث والطبيب ـ في الآية ـ يشملان كل ما يرتبط بالإنسان ، طعاما كان ذلك أم فكرا.
وفي الختام يخاطب العلماء وأصحاب العقول والأذكياء فيقول : {فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
أمّا أنّ مدلول الآية من قبيل توضيح الواضحات ، فذلك لأن ثمّة من يظن أنّ أمورا عارضة ، مثل كثرة إتباع الخبيث ، أو ما يسمى بـ «الأكثرية» تجعل ذلك الخبيث في مصاف الطيب ، كما يحدث أحيانا أن نرى بعضهم يقع تحت تأثير الجماعة واتجاه أهواء الأكثرية ، ظانا أنّه حيثما مالت الأكثرية كان ذلك دليلا قاطعا على صحة ما مالت إليه ، بينما الأمر ليس كذلك ، والقضايا التي أيدتها الأكثرية وظهر بطلانها كثيرة جدا.
في الواقع إنّ ما يميز الخبيث من الطيب هو الأكثرية الكيفية لا الكمية ، أي أنّ المطلوب هو أفكار أقوى وأرفع وأسمى وأنقى لا كثرة المؤيدين.
هذه القضية لا تلاءم أذواق بعض الناس في العصر الحاضر ، بعد أنّ تشبعت أذهانهم على أثر التلقين ووسائل الأعلام بأن الأكثرية هي معيار معرفة الخبيث من الطيب ، إلى حدّ الإيمان بأن «الحقّ» هو ما أرادته الأكثرية ، و «الطيب» هو ما مالت إليه الأكثرية ، وليس كذلك. إن معظم مشاكل العالم ناتجة عن هذا اللون من التفكير.
نعم ، إذا تمتعت الأكثرية بقيادة صادقة وتعليمات صحيحة ، بحيث تؤلف أكثرية ناضجة بما للكلمة من معنى ، فيمكن حينئذ اعتبار هذه الأكثرية واتجاهاتها مقياس تمييز الخبيث عن الطيب ، لا الأكثرية الفجة غير الناضجة.
على كل حال ، يشير القرآن إلى هذا الأمر في هذه الآية ، ويحذر الناس من الانجراف مع أكثرية الخبثاء ، وفي مواضع أخرى تكاد تبلغ العشرة يقول تعالى : {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أمّا تقديم «الخبيث» على «الطيب» في الآية ، فذلك لأنّ الكلام موجه إلى الذين يحسبون كثرة الخبيث دليلا على صحة ما يذهبون إليه ، فلا بدّ من الردّ على هؤلاء ، وتعريفهم بأن معيار الخباثة والطيبة لم يكون في يوم من الأيّام هو الأكثرية أو الأقلية ، بل في كل زمان ومكان كان «الطيب» خيرا من «الخبيث» وأن أصحاب الحجى والتبصر لا ينخدعون بالكثرة ، فهم يتجنبون الخبيث دائما حتى وإن تلوث به جميع المحيطين بهم ، ويندفعون نحو الطّيب حتى وإن ابتعد عنه الجميع .
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 638-639 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|