أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-01
273
التاريخ: 24-04-2015
2375
التاريخ: 25-04-2015
8253
التاريخ: 25-04-2015
2577
|
لقد استطاعت حركة التفسير أن تشقّ طريقها، وتأخذ لها موقعا مشروعا في الفكر القرآني برغم هذه الأحاديث [أحاديث النهي] ، من خلال عدد واسع من التكييفات النظرية التي يمكن أن نمرّ على أهمّها من خلال ما يلي :
أ- الطبري (ت : 310 هـ) :
وقد ذهب إلى تخصيص أحاديث النهي بالآيات التي لا يدرك علمها إلّا ببيان الرسول ، وهي في الأغلب آيات الأحكام . قال :
«وهذه الأخبار شاهدة على صحّة ما قلنا من أنّ ما كان من تأويل آي القرآن الذي لا يدرك علمه إلّا بنصّ بيان الرسول أو بنصبه الدلالة عليه، فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه» (1).
إذ صحّ القول إنّ أغلب ما يحتاج إلى بيان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من آي القرآن هي آيات الأحكام، فستكون هناك قرابة بين رأي الطبري ورأي الإمام الخميني. لكن مع ذلك يمكن استشفاف ما هو أعمّ في كلام الطبري ، إذ في ثنايا تفسيره ما يفيد حمل كلّ تفسير لا يرتكن إلى اللغة ولا يرجع إلى أثر من آثار الصحابة ، على التفسير بالرأي الممنوع.
ب- الطوسي (ت : 460 هـ) :
عند ما ننتقل إلى الطوسي الذي يعدّ تفسيره «التبيان» ثاني تفسير موسوعي ترتيبي في تاريخ الفكر القرآني العام، وأوّل أثر تفسيري موسوعي في فضاء الفكر الشيعي، فإنّ أوّل ما يفعله هو صرف هذه الأخبار عن ظاهرها «ظاهر هذه الأخبار متروك» (2) حذر أن يقع في التعطيل . ثمّ يبادر إلى تقسيم معاني القرآن إلى أربعة أقسام ، هي :
الأوّل : ما اختصّ اللّه بعلمه ، فلا يجوز لأحد تكلّف القول فيه، ولا تعاطي معرفته ، مثل معرفة الساعة {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان : 34].
الثاني : ما كان ظاهره مطابقا لمعناه. وهذا يعرف معناه كلّ من عرف اللغة ، كقوله : {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام : 151].
الثالث : ما هو مجمل لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصّلا، كآيات الأحكام مثل قوله : {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة : 43] ممّا يتوقّف تفصيله وتحديد المراد منه ببيان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
الرابع : ما كان اللفظ مشتركا بين معنيين فما زاد بحيث يمكن أن يكون كلّ واحد منهما مرادا، فحينئذ لا ينبغي لأحد أن يبتّ بأحد احتمالات المعنى ويجزم بأنّه هو المراد إلّا بقول نبي أو إمام معصوم ، أو أن يقول إنّ الظاهر يحتمل لأمور.
أمّا إذا دلّ الدليل على أنّه لا يجوز إلّا أن يكون المراد وجها واحدا فيجوز عندئذ البتّ في المراد (3).
على ضوء هذا التقسيم يدخل القسمان الأوّل والثالث ووجه من الرابع في التفسير بالرأي، فتكلّف «القول في ذلك خطأ ممنوع منه» (4). وبذلك يتمّ الجمع بين أخبار النهي وبين بقاء حركة التفسير مفتوحة ، وبتعبير الطوسي نفسه : «متى قسّمنا هذه الأقسام نكون قد قبلنا هذه الأخبار ولم نردّها ... ولا منعنا بذلك من الكلام في تأويل الرأي جملة» (5).
يبدو أنّ هذا التقسيم الرباعي متأثّر ولو على نحو من الأنحاء بما هو مشهور عن ابن عبّاس ، من قوله : إنّ التفسير على أربعة وجوه :
1- وجه تعرفه العرب من كلامها.
2- وتفسير لا يعذر أحد بجهالته.
3- وتفسير يعلمه العلماء.
4- وتفسير لا يعلمه إلّا اللّه (6).
فالرابع هو الأوّل عند الطوسي ، والثاني والأوّل هما الثاني عند الطوسي ، والثالث عند ابن عبّاس هو الرابع عند الطوسي، كما يمكن أن يشمل الثالث على نحو من التوسّع والمسامحة وذلك بجعل النبي والأئمّة هم طليعة العلماء مع حفظ مقام عصمتهم- صلوات اللّه وسلامه عليهم- لا سيّما وإنّ هناك من يذهب إلى أنّ العصمة هي علم وإن كان من نوع خاصّ (7).
ج- الغزالي (ت : 505 هـ) :
تعود أهمّية رأي الغزالي في هذه المسألة وفي مسائل اخرى لها صلة بعلوم القرآن وبالتفسير ومنهجيّته، إلى الحضور النافذ لأفكاره فيمن بعده من المفسّرين والباحثين القرآنيين. فأفكار أبي حامد في آداب التلاوة، والظاهر والباطن، وموانع الفهم، والتفسير بالرأي، وعلوم القشور واللباب وغير ذلك كانت من القوّة بحيث تركت تأثيرا مكثّفا عند الآخرين، حتّى نقلها بعضهم بنصوصها مع نسبتها إليه تارة وعدم نسبتها إليه تارة اخرى.
في باب خاص عن فهم القرآن والتفسير بالرأي (8) ، يذكر الغزالي بعض الأحاديث الواردة في النهي ، ثمّ يستدلّ بوجوه على أنّ هذه الأحاديث لا يمكن أن تكون مانعة عن التدبّر وفهم القرآن في نطاق معان مفتوحة رحبة تتخطّى ظاهر التفسير وترجمة الألفاظ وبيان معانيها. كما يرفض أن تدلّ أخبار النهي على قصر التفسير على النقل والمسموع وترك الاستنباط والاستقلال بالفهم، إذ هناك وبنصّ القرآن {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء : 83] استنباط لأهل الفهم وراء السماع، ومن ثمّ بطل أن يشترط السماع في التأويل ، وجاز لكلّ واحد أن يستنبط من القرآن بقدر فهمه وحدّ عقله» (9).
بعد هذه المقدّمات يعود الغزالي لينزل النهي على أحد وجهين، انطلاقا من التمييز بين الاجتهاد الصحيح وبين الرأي الفاسد، إذ المنهي عنه في الوجهين كليهما هو الثاني دون الأوّل.
أمّا الوجهان فهما :
الأوّل : أن يكون له في الشيء رأي وإليه ميل من طبعه وهواه ، فيتأوّل القرآن على وفق رأيه وهواه ليحتجّ على تصحيح غرضه، بحيث لو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لما لاح له ذلك المعنى من القرآن.
لهذا الوجه عدد من الحالات ، منها :
1- أن يفعل ذلك مع العلم ، كالذي يحتجّ ببعض الآيات على تصحيح بدعته ليلبس على خصمه ، وهو يعلم أنّ المراد بها غير ما يحتجّ به.
2- أن يكون مع الجهل ، كما إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه ويرجّحه برأيه وهواه.
3- أن يكون له غرض صحيح فيلتمس له دليلا من القرآن، ويذكر له من الآي ما يعلم أنّه لا يدلّ عليه.
4- أن يكون المقصد باطلا، فينزل القرآن على وفق رأيه تغريرا للناس وهو يعلم قطعا أنّ الآية غير مرادة به.
يقول الغزالي : «فهذه الفنون أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي» لأنّ الإنسان يكون «قد فسّر برأيه ؛ أي رأيه هو الذي حمله على ذلك التفسير» (10).
الثاني : أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل في المجالات التي ترتبط بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدّلة، ومن الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير. يكتب بعد أمثلة كثيرة على هذه الحالات : «فكلّ من اكتفى بفهم ظاهر العربية وبادر إلى تفسير القرآن ولم يستظهر بالسماع والنقل في هذه الامور، فهو داخل فيمن فسّر القرآن برأيه» (11).
فالأثر أو النقل والسماع ضرورة لا بدّ منها في ظاهر التفسير لكي لا يقع في الغلط والرأي المنهي عنه ، ثمّ «بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط» (12) ، ويأتي دور التفسير الاجتهادي أو الدرائي.
مع أنّ الغزالي يذهب إلى أنّ «الرأي» يتناول الصحيح والفاسد إلّا أنّه لا يمانع من أنّ الرأي الفاسد الموافق للهوى «قد يخصّص باسم الرأي» (13). على أنّ المهم هو ما ينتهي إليه من القول : «المراد بالرأي الرأي الفاسد الموافق للهوى دون الاجتهاد الصحيح» (14). ومن ثمّ فإنّ ما يكون منهيّا عنه هما الوجهان المذكوران «دون التفهّم لأسرار المعاني» (15) ، أو الاجتهاد الصحيح القائم على مرتكزات سليمة في الفهم.
د- ابن عطية (ت : 546 هـ) :
تعود أهمّية ابن عطية الأندلسي ليس إلى الرؤية التي يتبنّاها حيال التفسير بالرأي واحتفاء أكثر من واحد من المفسّرين بها وحسب، بل أيضا إلى ما يحظى به هو نفسه وتفسيره من أهمّية لدى السابقين والمعاصرين (16).
لكن مع ذلك لا نجد في جوهر رأيه من المسألة ما يميّزه عن الآخرين ، اللّهمّ إلّا فصله بوضوح وعلى نحو مبكّر بين ما يدخل في الرأي وما لا يدخل فيه، أو يدخل في الاجتهاد المشروع.
ينطلق ابن عطية من تمييز بين الرأي الشخصي يحمل على كتاب اللّه ويطوّقه به، وما يجري على قوانين العلم والنظر في كلّ علم ، فيكون الأوّل هو المقصود بالنهي دون الثاني. يكتب بعد ذكر الحديث : «ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب اللّه فيتسوّر عليه برأيه (17) ، دون نظر فيما قاله العلماء، أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو والاصول . وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسّر اللغويّون لغته، والنحاة نحوه، والفقهاء معانيه، ويقول كلّ واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر، فإنّ القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرّد رأيه» (18).
على ضوء هذه القاعدة التي تخرج الفهم المرتكز إلى الاجتهاد القائم على اصول منقحة عن الرأي الممنوع، تضيق دائرة التفسير بالرأي المنهي وتنفتح حركة التفسير على آفاق رحبة تنهض بها عملية الاستنباط والاستدلال.
لقد عقّب عليه القرطبي (ت : 671 هـ) بقوله : «هذا صحيح ، وهو الذي اختاره غير واحد من العلماء. فإنّ من قال فيه بما سنح في وهمه وخطر على باله من غير استدلال عليه بالأصول فهو مخطئ، وإنّ من استنبط معناه بحمله على الاصول المحكمة المتّفق على معناها فهو ممدوح» (19).
هـ - القرطبي (ت : 671 هـ) :
الحقيقة أنّه ليس للقرطبي نظرية مستقلّة ، بل هو تابع للغزالي في تحليل المسألة والانتهاء إلى الوجهين اللذين انتهى إليهما أبو حامد في تحديد المراد من التفسير بالرأي. كما تبنّى من جهة اخرى موقف ابن عطية وأمضاه كما رأينا من تعقيبه قبل قليل.
ففي مقدّمات تفسيره خصّص القرطبي فصلا للتفسير بالرأي جاء فيه على ما ذكره ابن عطية فصار مصدرا له، بحيث أخذ عنه جلّ من تلاه إلى أن طبع تفسير ابن عطية مؤخّرا. ثمّ عمد إلى نقل ما ذكره الغزالي من تحليل وما ساقه من حالات ووجوه بنصّه وحذافيره من غير نقص أو زيادة (20) ، لكن من دون أن يشير إليه كما جرت على ذلك عادة أغلب الأقدمين (21) ، حيث صار ذلك سببا لالتباس الأمر على كثيرين بنسبة ما ذكره إليه لا إلى الغزالي كما هو الحقّ والصواب (22).
ما دفعنا إلى ذكره هو هذه النقطة بالذات، لا أنّه يختصّ بنظرية أو قول مستقلّ في المسألة. فقد سقنا رأي الغزالي فيما سبق، وقلنا إنّ أفكاره على هذا الصعيد سجّلت لها حضورا قويّا فيمن بعده ، وها هو القرطبي خير شاهد على ما ذكرناه، بيد أنّه لن يكون الأخير كما سيأتي.
ربما يكون الغزالي نفسه قد أخذ قوله في المسألة وما تبنّاه فيها، كلّه أو بعضه، عن غيره أيضا.
و- ابن تيمية (ت : 728 هـ) :
وقد أرجع التفسير بالرأي إلى الجهل والهوى معا، حيث انتهى في تحديده إلى أنّه التفسير بغير علم أو من قبل أنفسهم ، مضيفا : «فمن قال في القرآن برأيه فقد تكلّف ما لا علم له به، وسلك غير ما امر به» (23).
ومع أنّ مقتضى هذا القول أن يخرج كلّ تفسير يستند إلى العلم بمعناه العريض الذي يشمل علوم اللغة والقرآن والنقل والاصول الثابتة في الاستنباط وقواعد الفهم العقلي، عن دائرة التفسير بالرأي المنهي عنه ، إلّا أنّ ما يلحظ على منحى ابن تيمية هو غير هذا. فهو يميل إلى تبديع من يفسّر بغير الرجوع إلى الصحابة، بل يجزم بذلك ويقول : «من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك ، بل مبتدعا» (24) ، لأنّ الصحابة والتابعين أعرف بتفسير القرآن ومعانيه ، كما أنّهم أعلم بالحقّ الذي بعث به النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
بذلك يضيق عنده العلم إلى ما ينحصر بالمسموع سواء أ كان مأثورا عن النبي أو الصحابة وتابعيهم ، وما دون ذلك جهل ، ومن ثمّ فهو تفسير بالرأي.
هنا تستبين المساحة الشاسعة بين هذه الرؤية وما ذهب إليه ابن عطية ومن قبله الغزالي ومن تابعهما، وهما يفسحان المجال للتفسير الدرائي والاجتهاد المبني على قوانين العلوم وما تقتضيه ، إذ كلّ ذلك عندهم خارج عن صفة القول بمجرّد الرأي .
ز- الزركشي (ت : 794 هـ) :
ما قام من التفسير على غير الاصول العلمية وجاء به صاحبه من دون دليل صحيح، هو التفسير بالرأي . إلى هذا ذهب الزركشي في كتابه المهمّ عن علوم القرآن، حين ميّز بين ضربين من الرأي أحدهما ممنوع والآخر جائز. فالتفسير بمجرّد الرأي والاجتهاد من غير أصل هو المنهي عنه.
من نصوصه : «الرأي : القول من غير معرفة بأصول العلم وفروعه». ومن ثمّ فإنّ : «المنهي عنه هو الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه» أو هو التكلّم بالقرآن بمجرّد الرأي ممّا لا شاهد له.
«وأمّا الرأي الذي يسنده برهان فالحكم به جائز» (25).
ح- السيوطي (ت : 911 هـ) :
أهمّية السيوطي لا تكمن في الاستقلال بما يبديه من نظر، بل بما يحويه كتابه من آراء الآخرين ونظرياتهم.
ففي التفسير بالرأي نقل عن ابن النقيب خمسة أقوال ، هي :
1- التفسير من غير حصول العلوم اللازمة في التفسير.
2- تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلّا اللّه.
3- التفسير المقرّر للمذهب الفاسد، بأن يجعل المذهب أصلا والتفسير تابعاً ، فيردّ إليه بأيّ طريق أمكن ، وإن كان ضعيفا.
4- التفسير بأنّ مراد اللّه كذا على القطع من غير دليل.
5- التفسير بالاستحسان والهوى (26). كما نقل عن ابن أبي الدنيا بأنّ هناك علوما «العلوم الخمسة عشر» (27) ينبغي للمفسّر تحصيلها والتوفّر عليها، وإلّا «فمن فسّر بدونها كان مفسّرا بالرأي المنهي عنه» (28).
ممّا يلتقي مع الوجوه ذاتها ما نقله عن ابن الانباري من أنّ «الرأي معنيّ به الهوى» ثمّ حصر إصابة الحقّ بأخذ التفسير «عن أئمّة السلف» و«مذهب أهل الأثر والنقل» (29) وإلّا أخطأ !
كما نقل عنه أيضا ما ذهب إليه من أنّ التفسير بالرأي الذي يستحقّ سخط اللّه، هو أن يقول «في مشكل القرآن بما لا يعرف من مذهب الأوائل من الصحابة والتابعين» أو أن يقول «في القرآن قولا يعلم أنّ الحقّ غيره» (30) وهو الأصحّ كما ذكر.
من الآراء التي نقلها في معنى التفسير بالرأي ، ما ذكره عن البيهقي من قوله في مراد الحديث إن صحّ ، أنّه : «الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه ، وأمّا الذي يسنده برهان فالقول به جائز» (31) ، كما نقل عنه قوله أيضا : «وقد يكون المراد به : من قال فيه برأيه من غير معرفة منه بأصول العلم وفروعه» (32).
لا يعقب السيوطي على هذه الآراء بما يفصح عن الرأي المنتخب عنده. لكن يبدو من الفضاء العام للبحث ميله إلى وجهين في معناه :
الأوّل : ما يتمّ من التفسير من دون حصول العلوم الخمسة عشرة.
الثاني : ما لا يتصل من التفسير بالمأثور السمعي والنقلي عن النبي والصحابة والتابعين ومن يليهم.
ط- الشيرازي (ت : 1050 هـ) :
عرض الشيرازي في كتابه «مفاتيح الغيب» الذي أراد له أن يكون مقدّمة لتفسيره، إلى مبحث التفسير بالرأي. وما يلحظ أنّه تناول الموضوع على الطريقة ذاتها التي فعلها الغزالي، وبألفاظ مقاربة بل بألفاظه نفسها أحيانا.
ففي البدء اختار المنطلق التالي : «وأمّا قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : من فسّر القرآن برأيه، والنهي عنه، فلا يخلو إمّا أن يكون ترك الاستنباط والاستقلال بالفهم والاقتصار على ظاهر المنقول، أو أمرا آخر، والأوّل باطل لوجوه» (33). من الواضح أنّ هذا هو المنطلق ذاته الذي اختاره الغزالي (34) ، ثمّ تابعه عليه الآخرون كالقرطبي (35) وصدر الدين وغيرهما، حيث ذكر الشيرازي الوجوه نفسها التي ذكرها الغزالي لإبطال الاحتمال المذكور، لينتهي بعدئذ إلى حمل معنى التفسير بالرأي، على الوجهين نفسيهما اللذين انتهى إليهما الغزالي، ومرّت إليهما الإشارة فيما سبق.
تأسيسا على هذا المنطلق سجّل الشيرازي مشروعية عملية الاجتهاد في التفسير، حيث يجوز «لكلّ أحد أن يستنبط من القرآن بقدر قوّة فهمه وغزارة علمه» (36) بعد أن يتحاشى الوجهين المذكورين في الرأي المنهي .
ثمّ نقطة اخرى أثارها الشيرازي من خلال هذا المبحث تمثّل محور التقاء مع ما ذهب إليه الإمام الخميني فيما بعد ؛ من أنّ مقولة التفسير بالرأي تحوّلت إلى عنصر سلبي لتجميد حركة التفسير، وإلى عقبة تحول دون الانفتاح على كتاب اللّه ، إذ خلقت هذه المقولة انطباعا خاطئا بتجميد التفسير على النقل من جهة وقصر الإفادة من القرآن على الموروث التفسيري من جهة اخرى «وإنّ ما وراء ذلك تفسير بالرأي ، وإنّ من تجاوز عن النقل منهم فورد عليه مفاد : من فسّر القرآن برأيه فقد تبوّأ مقعده من النار» ليسجّل صراحة بأنّ هذا «من الحجب العظيمة التي أوقعها الشيطان ليصرف قلوب الكثيرين عن فهم معاني التأويل وأنوار التنزيل» (37) . وهذا هو عين ما ذهب إليه الإمام الخميني كما سيأتي لاحقا.
ي- ابن عاشور (ت : 1970 م) :
ممّن غطّى موضوع البحث ، المفسّر التونسي المعاصر محمد الطاهر بن عاشور (38) ، إذ رفض في البدء أن تقتصر حركة التفسير على المأثور عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أو أقوال السلف من الصحابة فمن يليهم، متسائلا :
«وهل اتسعت التفاسير وتفننت مستنبطات معاني القرآن إلّا بما رزقه الذين اوتوا العلم من فهم في كتاب اللّه ؟ » (39) مشيرا في ذلك إلى ما يكاد يروى بالإجماع عن الإمام أمير المؤمنين في قوله عليه السّلام حين سئل : هل عندكم شيء من الوحي إلّا ما في كتاب اللّه ؟ قال : «لا والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لا أعلمه إلّا فهما يعطيه اللّه رجلا في القرآن» (40).
على ذلك فإنّ حركة التفسير مفتوحة لكلّ من توفّرت فيه شروط الضلاعة في العلوم اللازمة ، وإنّ التفسير بمعان تقتضيها العلوم التي يستمدّ علم التفسير ليست من التفسير بالرأي. إنّما مرجع التفسير بالرأي إلى أحد خمسة وجوه ، هي :
الأوّل : القول عن مجرّد خاطر دون استناد إلى نظر في أدلّة العربية ومقاصد الشريعة وتصاريفها.
الثاني : الاقتصار على بادئ الرأي دون إحاطة بجوانب الآية، كأن يعتمد على ما يبدو من وجه العربية فقط.
الثالث : أن يكون له ميل إلى نزعة أو مذهب فيتأوّل القرآن على وفق رأيه، ويصرفه عن المراد ، ويرغمه على تحمّله ممّا لا يساعد عليه المعنى المتعارف.
الرابع : أن يفسّر القرآن برأي مستند إلى ما يقتضيه اللفظ ، ثمّ يزعم أنّ ذلك هو المراد دون غيره.
الخامس : أن يكون القصد من التحذير في الأحاديث الواردة ، أخذ الحيطة في التدبّر والتأويل ونبذ التسرّع إلى ذلك (41).
يكشف التأمّل بهذه الوجوه مدى تأثّر صاحبها بموقف الغزالي من المسألة، بل أشار ابن عاشور صراحة إلى الغزالي واقتبس عباراته أحيانا، في حين أخذ أمثلته في مواضع اخرى دون تغيير (42).
ك- الذهبي (ت : 1978 م) :
ينطلق محمد حسين الذهبي في «التفسير والمفسّرون» من معاني الرأي التي تنصرف إلى الاعتقاد وإلى الاجتهاد وإلى القياس (43) ، وعنده أنّ الرأي هنا هو الاجتهاد، ومن ثمّ «فالتفسير بالرأي عبارة عن تفسير القرآن بالاجتهاد» (44) لكن بعد توفّر المفسّر على المؤهّلات اللازمة والعلوم الضرورية.
بعد أن يستعرض جملة الآراء في المسألة ، ومن ذهب إلى أنّ المراد بالرأي المنهي هو الذي يغلب على صاحبه من غير دليل يقوم عليه ، والتأوّل على وفق الهوى (45) ، يعود ليذكر بأنّ «الخلاف لفظي لا حقيقي» (46) بين من يجوّز التفسير بالرأي ومن لا يجوّزه ، وذلك استنادا إلى تقسيم الرأي إلى قسمين :
أحدهما : الموافق لكلام العرب، والكتاب والسنّة، وشروط التفسير، فهو رأي ممدوح.
الثاني : أمّا من لا يراعي في تفسير القرآن قواعد اللغة ، ولا أدلّة الشريعة جاعلا هواه رائده ومذهبه قائده ، فهو الرأي المذموم.
خلاصة القول أنّ التفسير بالرأي قسمان : «قسم مذموم غير جائز، وقسم ممدوح جائز» (47) ، والقسم الجائز هو الذي يتمّ برعاية العلوم التي يحتاج إليها المفسّر، وهي خمسة عشر علما كما ذكرها السيوطي (48) ، ثمّ الذهبي تبعا له (49) ، يستند إليها المفسّر في اجتهاده.
لقد أخذ أحد الدارسين المعاصرين هذه النتيجة وأشاد عليها بناء شاهقا.
فانطلاقا من أنّ الرأي هو الاجتهاد أو هو الاعتقاد الناتج عن الاجتهاد تحوّل التفسير بالرأي إلى منهج قنّن له الباحث المذكور قواعد محدّدة، ونظّر له ضوابط واصولا ومنطلقات حتّى كتب في ذلك مجلّدا ضخما (50) ، ممّا جاء فيه : «وهذه الضوابط ... وقواعد للتفسير بالرأي التي سيتمّ توضيحها بالتفصيل ... هي من الضرورة بمكان، لأنّها الفيصل بين الحقّ والباطل في تفسير القرآن» (51).
فمن يتحرّى تفسير القرآن عليه أن (يلتزم بتلك الضوابط والقواعد التزاما تامّا ، وإلّا كان تفسيره مجانبا للحقيقة والصواب، ويكون ممّن ينطبق عليه قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «من قال في القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار» (52).
ثمّ يعود ليلتقي مع تنظير الذهبي في نقطة اخرى، وهو يسجّل : «من هذا المنطلق يمكن القول إنّ الالتزام بضوابط التفسير بالرأي وقواعده، هو الحدّ الفاصل بين التفسير بالرأي المحمود والذي نتحدّث عنه في هذا البحث وبين التفسير بالرأي المذموم» (53).
كخلاصة دالّة على المطلوب، يذكر هدفه في الكتاب ، كما يلي : «سأجمل ضوابط التفسير بالرأي ، والتي هي بمثابة مبادئ يمكن من خلالها معرفة الحدود المسموح لعمل العقل فيها ، وما هي الشروط التي لا بدّ أن يتحلّى بها المفسّر لكتاب اللّه ، والعلوم التي لا بدّ من الإلمام بها» (54).
ل- الخوئي (ت : 1413 هـ) :
انطلاقا من أنّ التفسير هو كشف القناع ، فإنّ حمل اللفظ على ظاهره لا يعدّ عند السيّد الخوئي تفسيرا، فضلا عن أن يكون تفسيرا بالرأي. ثمّ حتّى لو عدّ تفسيرا فهو يتحرّك في إطار الضوابط الاصولية المتداولة للفهم ، ومن ثمّ لا تشمله الروايات الناهية التي يذهب الخوئي إلى أنّها متواترة (55). على ضوء ذلك يقرّر الخوئي النتيجة التالية : «وعلى الجملة ، حمل اللفظ على ظاهره بعد الفحص عن القرائن المتّصلة والمنفصلة من الكتاب والسنّة ، أو الدليل العقلي لا يعدّ من التفسير بالرأي، بل ولا من التفسير نفسه» (56).
بعد هذه المقدّمة يميل السيّد الخوئي إلى تحديد منطقة الرأي المنهي عنه في التفسير في نطاق الأحكام، حيث يكتب : «ويحتمل أنّ معنى التفسير بالرأي الاستقلال في الفتوى من غير مراجعة الأئمّة عليهم السّلام ... فإذا عمل الإنسان بالعموم أو الإطلاق الوارد في الكتاب ، ولم يأخذ التخصيص أو التقييد الوارد عن الأئمّة عليهم السّلام ، كان هذا من التفسير بالرأي» (57).
ما يبدو هنا احتمالا عند السيّد الخوئي سيتحوّل عند الإمام الخميني إلى ظنّ راجح في تحديد المراد من التفسير بالرأي ، كما سيأتي إن شاء اللّه.
م- آملي (معاصر) :
خصّص جوادي آملي بحثا موسّعا نسبيّا في مقدّمات تفسيره لمقولة التفسير بالرأي (58) ، انتهى في تحديد معناه إلى أنّه :
1- ما يكون خلاف معايير الفهم العربي .
2- ما يكون خلاف الاصول العقلية.
3- ما يكون خلاف الخطوط الكلّية العامّة للقرآن (59).
من الواضح أنّ هذه المحدّدات ترجع التفسير بالرأي المنهي إلى الجهل ، بعكس ما لو استندت الممارسة التفسيرية إلى مبادئ العلوم المختصّة وقوانينها، إذ ستكون عندئذ اجتهادا مشروعا.
على هذا الضوء يتبنّى آملي مشروعية التفسير الدرائي أو الاجتهادي الذي يرتكز إلى القرآن والسنّة والعقل في تركيب منظومي يذكره مفصّلا ، مع ما يلحق بها من علوم (60) ، رافضا في الوقت ذاته تحميل المفسّر مسبقاته الذهنية وإسقاطه لآرائه ومعتقداته ونزعاته الخاصّة على التفسير (61) ، لأنّ مثل هذه العملية هي «تطبيق» وليست «تفسيرا» (62) ، ومن ثمّ فهي تفسير بالرأي المنهي عنه.
إنّ المجتهد الذي يمارس عملية الاستنباط الفقهي على ضوء المؤهّلات المعروفة لا تعدّ فتواه مصداقا للإفتاء بدون علم، وكذلك الأمر في التفسير الدرائي على حدّ مقاربة آملي للمسألة (63).
كما تعود عملية التفسير بالرأي إلى الجهل أو نقص العقل النظري في مقابل العلم، فهي تعود أيضا إلى الجهالة والهوى أو ضعف العقل العملي في مقابل التقى (64).
بتنوّع حالات الجهل وتعدّد متعلّقها ينتهي التفسير بالرأي المنهي عند الشيخ جوادي آملي إلى خمسة أقسام، يذكرها بالتفصيل مقرونة مع الأمثلة (65).
ن- الطباطبائي (ت : 1403 هـ) :
يسجّل الطباطبائي بدءا أنّ المفسّرين تشتّتوا في معنى التفسير بالرأي إلى أقوال ينقلها عمّن سبقه ، كما يلي :
1- إنّ المراد به التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير.
2- إنّ المراد به تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلّا اللّه.
3- التفسير المقرّر للمذهب الفاسد، بأن يجعل المذهب أصلا والتفسير تبعا.
4- التفسير بأنّ مراد اللّه كذا على القطع من غير دليل.
5- التفسير بالاستحسان والهوى.
6- إنّ المراد به هو القول في مشكل القرآن بما لا يعرف من مذاهب الأوائل من الصحابة والتابعين.
7- القول في القرآن بما يعلم أنّ الحقّ غيره.
8- إنّ المراد به القول في القرآن بغير علم وتثبّت، سواء علم أنّ الحقّ خلافه أم لا.
9- هو الأخذ بظاهر القرآن بناء على أنّه لا ظهور له، بل يتبع في مورد الآية النصّ الوارد عن المعصوم.
10- إنّه الأخذ بظاهر القرآن بناء على أنّ له ظهورا لا نفهمه، بل المتّبع في تفسير الآية هو النصّ عن المعصوم.
يعقّب الطباطبائي على هذه الأقوال بقوله : «وكيف كان فهي وجوه خالية عن الدليل» (66). ثمّ يذهب إلى أنّ التفسير بالرأي مقولة في المنهج وفي طبيعة الطريق الذي يسلك في تفسير القرآن، فإذا ما سلك الإنسان الطريق الخاطئ وقع في محذور التفسير بالرأي، وترتب على ذلك منطقيا وطبيعيّا خطأ النتائج، وإن كان يمكن أن يصيب الواقع أحيانا.
يكتب : «فالتفسير بالرأي المنهي عنه أمر راجع إلى طريق الكشف دون المكشوف» (67). وعندئذ من الطبيعي أن تعود المقولة إلى السؤال التالي : كيف نفسّر القرآن ؟ يطرح الطباطبائي على هذا الصعيد حدّين أو ضابطتين إذا ما تخطّاهما الإنسان ينزلق إلى التفسير بالرأي ، هما :
الاولى : أن يعتمد الإنسان على نفسه من غير الرجوع إلى غيره ، في حين إنّ من اللازم وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع إليه. وهذا الغير إمّا أن يكون القرآن نفسه أو السنّة ، وما دمنا مأمورين بعرض السنّة على القرآن فلا يبقى إلّا القرآن للرجوع إليه والاستمداد منه في تفسيره ، وإلّا صرنا في محذور الرأي المنهي.
وعدم عرض الطباطبائي للعودة إلى العقل لا يعني الخفض من شأنه، بل لأنّ المطلوب في التفسير معرفة مراد صاحب الخطاب، وهذا يتمّ من خلال العودة إلى خطابه متمثّلا بالقرآن الكريم نفسه. أمّا العقل البرهاني القطعي فله منطقته ودوره الذي يمارسه كشفا على نحو الاستقلال، أو إثباتا أو إرشادا وتأييدا.
الثانية : أن يسلك في فهم كلام اللّه على نحو ما يفعله في فهم كلام غيره من المخلوقين ، مع أنّ للوحي لغته ومنطقه الخاصّ لا سيّما في تحديد المصداق الذي ينطبق عليه مفهوم الكلام.
هذان الحدّان توضحهما نصوص الطباطبائي كما يلي : «إنّ المنهي عنه إنّما هو الاستقلال في تفسير القرآن واعتماد المفسّر على نفسه من غير الرجوع إلى غيره» (68) والغير هو القرآن نفسه كما سبق.
كذلك قوله : «إنّ النهي في الروايات إنّما هو متوجّه إلى الطريق، وهو أن يسلك في تفسير كلامه تعالى الطريق المسلوك في تفسير كلام غيره من المخلوقين» (69).
أجل ، القرآن «كلام عربي روعي فيه جميع ما يراعى في كلام عربي» لا خلاف في ذلك ولا مراء «وإنّما الاختلاف من جهة المراد والمصداق الذي ينطبق عليه مفهوم الكلام» (70).
على هذا ينتهي الطباطبائي إلى أنّ التفسير بالرأي يتجه إلى المنهج، بل هو أساسا مقولة في المنهج وأسلوب التفسير، ولا علاقة له بالنتائج إلّا تاليا وعن هذا الطريق. يكتب : «فالتفسير بالرأي المنهي عنه أمر راجع إلى طريق الكشف دون المكشوف. وبعبارة اخرى إنّما نهى عليه السّلام عن تفهّم كلامه سبحانه على نحو ما يتفهّم به كلام غيره وإن كان هذا النحو من التفهّم ربما صادف الواقع» (71).
في ضوء هذا الفهم ، تفضي مجانبة الطريقة السليمة في التفسير إلى السقوط في هوّة الرأي المنهي عنه الذي يؤدّي بدوره إلى ظهور التنافي بين الآيات ، وإبطال الترتيب المعنوي الموجود في مضامينها ، ودفع مقاصد بعضها ببعض ، وهو ما تعبّر عنه الروايات بضرب بعض القرآن ببعض ، كما في الحديث الشريف : «ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلّا كفر» (72).
___________________
(1)- تفسير الطبري 1 : 27.
(2)- التبيان في تفسير القرآن 1 : 5.
(3)- التبيان في تفسير القرآن 1 : 5- 6.
(4)- نفس المصدر : 6.
(5)- نفس المصدر : 6، لقد ناقش بعض المفسّرين المعاصرين بعض تفاصيل نظرية الطوسي وجملة من الأمثلة التي ساقها لتوضيح مراده بما لا ينقض أصل النظرية. فذكر مثلا أنّ تحليل المفسّر لآيات علم الساعة جائز، والممنوع هو تحديد وقتها لأنّه ممّا يختصّ باللّه سبحانه وهكذا. راجع : تسنيم 1 : 188. 19.
(6)- تفسير الطبري 1 : 25.
(7)- من هؤلاء السيّد الطباطبائي ، كما في قوله : «إنّ هذه القوّة القدسية [العصمة] من قبيل العلوم والمعارف» (الميزان في تفسير القرآن 11 : 154)، كذلك قوله : «وآتاهم اللّه سبحانه من العلم ما هو ملكة تعصمهم من اقتراف الذنوب وارتكاب المعاصي ، وتمتنع معه صدور شيء منها عنهم صغيرة أو كبيرة»، وكذلك قوله : «ومن الدليل على أنّ العصمة من قبيل العلم ...». (نفس المصدر : 162)
(8)- إحياء علوم الدين 1 : 288 فما بعد.
(9)- إحياء علوم الدين 1 : 290.
(10)-
نفس المصدر : 291.
(11)-
نفس المصدر : 292.
(12)-
نفس المصدر : 291.
(13)-
نفس المصدر.
(14)-
نفس المصدر.
(15)-
نفس المصدر : 293.
(16)-
هو القاضي أبو محمّد عبد الحقّ بن غالب بن عطية الأندلسي المولود سنة 481 هـ (أو 480) والمتوفى سنة 546 هـ . له تفسير بعنوان «المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» لم يكن مطبوعا (على ما ذكره الذهبي في : التفسير والمفسّرون 1 : 240، حيث قوله : ومع الشهرة الواسعة لهذا الكتاب فإنّه لا يزال مخطوطا إلى اليوم، وهو يقع في عشر مجلّدات كبار) رغم كثرة ما طبع من تفاسير الأقدمين وكثافة ما اخرج من كتب السلف.
صدر تفسيره مؤخّرا بطبعة أنيقة وتحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد (ستّة مجلّدات، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، 2001 م) تبعا لصورة من نسخة أيا صوفيا الموجودة في مكتبة آية اللّه السيّد المرعشي النجفي كما هو مثبّت على الغلاف الخارجي للطبعة، مقرونة بمقدّمة عن التفسير ولمحات عن حياة المفسّر.
امتدحه عدد من قدماء المفسّرين ومحدّثيهم، وربما لم يشذّ عن مدحه كلّ من مرّ على تفسيره. قال عنه أبو حيّان الأندلسي (ت : 754 هـ) مثلا : «أجلّ من صنف في علم التفسير، وأفضل من تعرّض فيه للتنقيح والتحرير». (البحر المحيط في التفسير 1 : 20)
كما ذكره الزمخشري (ت : 538 هـ) بقوله : «إنّهما في التفسير الغاية التي لا تدرك، والمسلك الوعر الذي لا يكاد يسلك». كما قال عنهما أيضا : «إذ هذان الرجلان هما فارسا علم التفسير وممارسا تحريره والتحبير، نشراه نشرا، وطار لهما به ذكرا، وكانا متعاصرين في الحياة متقاربين في الممات». (البحر المحيط في التفسير 1 : 20- 21)
لقد قارن بينهما مقارنة تنمّ عن تفضيله لتفسير ابن عطية على الزمخشري، حيث قال :
«و كتاب ابن عطية أثقل وأجمع وأخلص، وكتاب الزمخشري ألخص وأعوص». (نفس المصدر : 20) كما مدحه الوزير أبو نصر الفتح بن خاقان الإشبيلي في قوله : «فيه نبعة روح العلا، ومحرز ملابس الثنا، فذّ الجلالة، وواحد العصر والأصالة». (نقلا عن البحر المحيط في التفسير 1 : 20)
امتدحه ابن خلدون (ت : 808 هـ) بأنّ صاحبه جمع من التفاسير صفوتها (المقدّمة : 440).
وحين مرّ ابن تيمية (ت : 728 هـ) على موضوع التفسير أبدى تردّدا بين تفسيري الطبري وابن عطية وأيّهما أفضل التفاسير برأيه، لكن ما لبث وأن تخلّى عن تردّده ليفضّل الطبري على كلّ تفسير رآه ثمّ أردف ذلك بابن عطية، إذ قال في المفاضلة بينه وبين عدد من التفاسير : «و تفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري ... بل لعلّه أرجح هذه التفاسير، لكن تفسير ابن جرير أصحّ من هذه كلّها». (مقدّمة في اصول التفسير : 113)
ممّن ذكره وأثنى عليه من المعاصرين محمد الطاهر بن عاشور (ت : 1970 م) إذ راح كأسلافه يشيد به وبالزمخشري ويعدّهما فاتحي عهد جديد في التفسير بعد أن عصفت به الإسرائيليات والموضوعات، إلى أن قال : «كلاهما يغوص على معاني الآيات ... إلّا أنّ منحى البلاغة والعربية بالزمخشري أخصّ، ومنحى الشريعة على ابن عطية أغلب، وكلاهما عضادتا الباب ، ومرجع من بعدهما من أولي الألباب». (التحرير والتنوير 1 : 14)
راجع أيضا : التفسير والمفسّرون 1 : 238- 242 ، حيث كتب عنه : «تفسير له قيمته العالية بين كتب التفسير وعند جميع المفسّرين وذلك راجع إلى أنّ مؤلّفه أضفى عليه من روحه العلمية الفيّاضة ما أكسبه دقّة ورواجا وقبولا». (نفس المصدر : 240)
(17)-
تسوّر عليه : هجم عليه كاللص، أي أقدم على التفسير بغير بصيرة ولا تدبّر، ومن دون استناد إلى قوانين الاجتهاد واصول النظر ومناهج الاستنباط.
(18)-
المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 1 : 41. الجدير بالذكر أنّ الإشارة إلى موقف ابن عطية هذا كانت تتمّ فيما مضى عبر الإشارة إلى ما ذكره القرطبي عنه. ينظر : الجامع لأحكام القرآن 1 : 32.
(19)-
الجامع لأحكام القرآن 1 : 32.
(20)-
ينظر : إحياء علوم الدين 1 : 290- 292.
(21)-
الجامع لأحكام القرآن 1 : 32- 34.
(22)-
كما وقع ذلك لباحث معاصر، حيث نقل ما كان كتبه الغزالي منسوبا إلى القرطبي، ثمّ قال معقبا : «و هذا الذي ذكره القرطبي وشرحه شرحا وافيا، هو الصحيح في معنى الحديث، وأكثر العلماء عليه». راجع : التفسير والمفسّرون 1 : 66. والصحيح- كما مرّ- أنّ ما ذكره القرطبي هو كلام الغزالي، وأكرّر أنّ الغزالي ربما يكون قد أخذه كلّه أو بعضه عن غيره ولم يذكر النسبة أيضا.
(23)-
مقدّمة في اصول التفسير : 100.
(24)-
نفس المصدر : 81.
(25)-
البرهان في علوم القرآن 2 : 178- 180، وأهمّية هذا الكتاب لا تقتصر على ما يبديه فيه الزركشي من آراء وحسب، بل تمتدّ إلى ما يتسم به من موسوعية على صعيد حفظ واستقصاء الآراء وتتبّع الأقوال فيما يطرقه من مواضيع.
(26)-
الإتقان في علوم القرآن 4 : 219 220.
(27)-
نفس المصدر : 216.
(28)-
راجع في هذه العلوم : الإتقان في علوم القرآن 4 : 213- 215.
(29)-
نفس المصدر : 212.
(30)-
نفس المصدر.
(31)-
نفس المصدر : 210.
(32)-
نفس المصدر.
(33)-
مفاتيح الغيب : 71.
(34)-
إحياء علوم الدين 1 : 290 حيث وردت العبارة نصّا.
(35)-
الجامع لأحكام القرآن 1 : 32.
(36)-
مفاتيح الغيب : 71.
(37)-
نفس المصدر : 63.
(38)-
ولد في تونس عام 1296 ه/ 1879 م، تدرّج في تحصيل العلوم الدينية حتّى تبوّأ موقع قاضي قضاة المالكية، ثمّ مفتي المالكية، ثمّ شيخ الإسلام المالكي. له دور بارز في العمل الديني وإشاعة الثقافة الإسلامية في تونس، كما ترك وراءه عددا من المؤلّفات منها تفسيره :
التحرير والتنوير، مقاصد الشريعة، اصول النظام الاجتماعي في الإسلام، الوقف وآثاره في الإسلام، نقد علمي لكتاب الإسلام واصول الحكم، الواضح في مشكل المتنبي، أ ليس الصبح بقريب.
على رغم ما يتسم به تفسيره من جهد علمي كبير ونكهة خاصّة، فقد بقي مجهولا لا يعبأ به في مشرق العالم الإسلامي ومغربه إلى أن تنبّهت لأهمّيته العقول فطبع خلال العقد الأخير أكثر من ثلاث مرّات رغم ضخامته، حيث يقع في ثلاثين جزءا، وتمّت العناية به بعد أن غادر صاحبه إلى ربّه سنة 1382 ه/ 1970 م.
(39)-
التحرير والتنوير 1 : 26.
(40)-
يروي هذا الحديث عن البخاري في صحيحه، وقد ذكره جلّ- بل كلّ من ذكرنا- آراءهم في مبحث التفسير بالرأي.
(41)-
التحرير والتنوير 1 : 28- 30.
(42)-
راجع نفس المصدر : 28- 29.
(43)-
الرأي هو الاعتقاد (لسان العرب 14 : 300). وفي مجمع البحرين : الرأي التفكّر في مبادئ الأمور والنظر في عواقبها وعلم ما يؤول إليه من الخطأ والصواب. وقيل : الرأي أعمّ لتناوله مثل الاستحسان. وأصحاب الرأي عند الفقهاء هم أصحاب القياس والتأويل، وقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ»، أي قال فيه قولا غير مستفاد من كتاب ولا سنّة ولا من دليل يعتمد عليه، بل قال برأيه حسب ما يقتضيه عقله ويذهب إليه وهمه بالظنّ والتخمين. نفس المصدر، مادّة (رأي).
(44)-
التفسير والمفسّرون 1 : 255.
(45)-
نفس المصدر : 258.
(46)-
نفس المصدر : 264.
(47)-
نفس المصدر : 265.
(48)-
الإتقان في علوم القرآن 2 : 180- 182.
(49)-
التفسير والمفسّرون 1 : 265- 268.
(50)-
التفسير بالرأي، قواعده وضوابطه وأعلامه.
(51)-
التفسير بالرأي : 100.
(52)-
نفس المصدر : 101.
(53)-
نفس المصدر.
(54)-
نفس المصدر : 101- 102.
(55)-
البيان في تفسير القرآن : 287، حيث يذهب إلى أنّ روايات النهي عن التفسير بالرأي «متواترة بين الفريقين».
(56)-
نفس المصدر : 287- 288.
(57)-
نفس المصدر : 287.
(58)-
تسنيم 1 : 59- 60 و175- 190.
(59)-
نفس المصدر : 177.
(60)-
نفس المصدر : 59.
(61)-
نفس المصدر : 60.
(62)-
نفس المصدر : 59.
(63)-
نفس المصدر : 177.
(64)-
نفس المصدر : 176.
(65)-
نفس المصدر : 180- 184.
(66)-
الميزان في تفسير القرآن 3 : 78.
(67)-
نفس المصدر : 76.
(68)-
نفس المصدر : 77.
(69)-
نفس المصدر : 78.
(70)-
نفس المصدر : 78.
(71)- نفس المصدر : 76.
(72)- الكافي 2 : 632/ 17، البرهان في تفسير القرآن 1 : 18/ 15.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|