أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-10-2017
9633
التاريخ: 18-10-2017
6803
التاريخ: 16-10-2017
9727
التاريخ: 18-10-2017
5139
|
قال تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [المائدة : 38 - 40].
لما ذكر تعالى الحكم فيمن أخذ المال جهارا ، عقبه ببيان الحكم فيمن أخذ المال إسرارا ، فقال {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} والألف واللام للجنس ، فالمعنى كل من سرق رجلا كان ، أو امرأة ، وبدأ بالسارق هنا ، لان الغالب وجود السرقة في الرجال ، وبدأ في آية الزنا بالنساء ، فقال : {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} لان الغالب وجود ذلك في النساء {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} أي : أيمانهما ، عن ابن عباس ، والحسن ، والسدي ، وعامة التابعين . قال أبو علي : في تخطي المسلمين إلى قطع الرجل اليسرى بعد قطع اليمنى ، وتركهم قطع اليد اليسرى ، دلالة على أن اليد اليسرى لم ترد بقوله {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، ألا ترى أنها لو أريدت بذلك لم يكونوا ليدعوا نص القرآن إلى غيره ، وهذا يدل على أن جمع اليد في هذه الآية على حد جمع القلب ، في قوله {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ودلت قراءة عبد الله بن مسعود ، على أن المراد بالأيدي الإيمان . قال العلماء : إن هذه الآية مجملة في إيجاب القطع على السارق ، وبيان ذلك مأخوذ من السنة .
واختلف في القدر الذي يقطع به يد السارق ، فقال أصحابنا : يقطع في ربع دينار فصاعدا ، وهو مذهب الشافعي ، والأوزاعي ، وأبي ثور ، ورووا عن عائشة عن النبي أنه قال : " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " . وذهب أبو حنيفة وأصحابه أنه يقطع في عشرة دراهم فصاعدا ، واحتجوا بما روي عن عطا ، عن ابن عباس : " إن أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن " (2) قال : وكان ثمن المجن على عهد رسول الله عشرة دراهم . وذهب مالك أنه يقطع في ثلاثة دراهم فصاعد! . وروي عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطع سارقا في مجن ثمنه ثلاثة دراهم . وقال بعضهم : لا تقطع الخمس إلا في خمسة دراهم ، واختاره أبو علي الجبائي ، وقال :
لأنه بمنزلة من منع خمسة دراهم من الزكاة في أنه فاسق . وقال بعضهم : تقطع يد السارق في القليل والكثير ، وإليه ذهب الخوارج ، واحتجوا بعموم الآية ، وبما روي عن النبي أنه قال : " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " وهذا الخبر قد طعن أصحاب الحديث في سنده ، وذكر أيضا في تأويله : إن المراد بالبيضة بيضة الحديد التي تغفر الرأس في الحرب ، وبالحبل حبل السفينة.
واختلف أيضا في كيفية القطع ، فقال أكثر الفقهاء : إنه إنما يقطع من الرسغ ، وهو المفصل بين الكف والساعد ، ثم إن عند الشافعي تقطع يده اليمنى في المرة الأولى ، ورجله اليسرى في المرة الثانية ، ويده اليسرى في المرة الثالثة ، ورجله اليمنى في المرة الرابعة ، ويحبس في المرة الخامسة ، وعند أبي حنيفة لا تقطع في الثالثة .
وقال أصحابنا : إنه تقطع من أصول الأصابع ، وتترك له الإبهام والكف ، وفي المرة الثانية تقطع رجله اليسرى من أصل الساق ، ويترك عقبه ، يعتمد عليها في الصلاة ، فإن سرق بعد ذلك خلد في السجن ، وهو المشهور عن علي عليه السلام ، وأجمعت الطائفة عليه ، وقد استدل على ذلك أيضا بقوله {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} ولا شك في أنهم إنما يكتبونه بالأصابع . ولا خلاف أن السارق إنما يجب عليه القطع ، إذا سرق من حرز ، إلا ما روي عن داود ، أنه قال : " يقطع السارق وإن سرق من غير حرز " والحرز في كل شيء إنما يعتبر فيه حرز مثله في العادة ، وحده عندنا كل موضع لم يكن لغير مالكه الدخول إليه ، والتصرف فيه إلا بإذنه {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} أي : افعلوا ذلك بهما مجازاة بكسبهما وفعلهما {نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} أي : عقوبة على ما فعلاه قال زهير :
ولولا أن ينال أبا طريف عذاب من خزيمة أو نكال أي : عقوبة (3) . {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} أي : أقلع وندم على ما كان منه من فعل الظلم بالسرقة {وَأَصْلَحَ} أي : وفعل الفعل الصالح الجميل {فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} أي : يقبل توبته بإسقاط العقاب بها عن المعصية التي تاب منها ، ووصف الله بأنه يتوب على التائب فيه فائدة عظيمة ، وهي أن في ذلك ترغيبا للعاصي في فعل التوبة ، ولذلك وصف نفسه تعالى بالتواب الرحيم ، ووصف العبد بأنه تواب ، ومعناه أواب ، وهو من صفات المدح {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} : فيه دلالة على أن قبول التوبة تفضل من الله . {أَلَمْ تَعْلَمْ} قيل : هو خطاب للنبي ، والمراد به أمته ، كقوله {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} وقيل : هو خطاب للمكلفين ، وتقديره : ألم تعلم يا إنسان ، وإنما يتصل هذا الخطاب بما قبله اتصال الحجاج والبيان عن صحة ما تقدم من الوعد والوعيد ، والأحكام ، ومعناه : ألم تعلم يا إنسان {أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي : له التصرف فيهما بلا دافع ، ولا منازع . {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} إذا كان مستحقا للعقاب ، {وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} إذا عصاه ، ولم يتب ، لأنه إذا تاب فقد وعده تعالى بأنه لا يؤاخذه بذلك بعد التوبة ، وعند أهل الوعيد : يقبح منه أن يؤاخذه بعد التوبة . فعلى الوجهين مما لا تعلق لذلك بالمشيئة {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} مر معناه .
_________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 330-332 .
2 . المجن : الترس .
3 . [(والله عزيز) لا يغلب ، ولا يقهر عباده (حكيم) يفعل على وجه الحكمة] .
{ والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ } . المراد بالنكال هنا العقوبة الدنيوية . . ومهما اختلفت الشرائع السماوية والأرضية في تحديد الجريمة ، ونوع العقوبة ، وشروط تنفيذها فإنها تتفق على أن الهدف منها ردع المجرم عن الإجرام حفظا للأمن وصيانة للمصالح ، قال الإمام علي ( عليه السلام ) :
« السلطان وزعة اللَّه في أرضه » . ولا يلتفت إلى قول بعض الفقهاء : ان الهدف من العقوبة مجرد سقوط العذاب عن المجرم في الآخرة . . أجل ان اللَّه أعدل وأرحم من أن يجمع بين عقوبتين على جرم واحد . ولقطع يد السارق شروط :
1 - أن يكون المسروق في حرز ، ويخرجه السارق منه ، فمن سرق سيارة - مثلا - من كاراج مقفل يحد ، ويرجع السيارة إلى أهلها ، ومن سرقها من الطريق ، أو من كاراج غير مقفل فلا يحد ، بل يعزر بما يراه الحاكم ، ويرجع المسروق إلى صاحبه . ولا خلاف في ذلك .
2 - اتفقوا على أنه لا قطع إلا في ربع دينار أو أكثر . وقال أبو حنيفة :
بل في دينار .
3 - أن يكون السارق بالغا ، لحديث : « رفع القلم عن الصبي ، حتى يحتلم ، وعن المجنون ، حتى يفيق ، وعن النائم ، حتى يستيقظ » . وقال المالكية : لا فرق بين الصغير والكبير .
4 - أن يكون السارق عاقلا ، لحديث « رفع القلم » .
5 - اتفقوا على ان الوالد لا يقطع إذا سرق من مال ولده ، لحديث :
« أنت ومالك لأبيك » وقالت المذاهب الأربعة ، وبعض فقهاء الشيعة : الأم مثل الأب . وقال الحنفية والشافعية والحنابلة : لا يقطع أحد الزوجين بسرقة مال الآخر . وقال المالكية : لا يقطع إذا سرق من بيت يسكنان فيه معا ، وإلا قطع . وقال : الشيعة : يقطع إطلاقا إلا إذا سرقت الزوجة لنفقتها ونفقة أولادها .
6 - أن لا تكون السرقة في عام المجاعة ، فإذا سرق الجائع مأكولا ، حيث لا وسيلة لسد حاجته إلا السرقة فلا حد عليه .
أما كيفية القطع فقد اتفقت المذاهب الأربعة على ان الكف اليمنى تقطع من المفصل . وقال الإمامية : تقطع أصابعه الأربع من الكف اليمنى ، وتترك الراحة والإبهام . وهناك مسائل كثيرة تتصل بهذا البحث ندعها لكتب الفقه ، ومنها الجزء السادس من فقه الإمام جعفر الصادق .
( فَمَنْ تابَ » - من السارقين - « مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهً يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهً غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . قال السنة : توبة السارق لا تسقط عنه الحد . وقال الشيعة الإمامية : إذا تاب السارق من تلقاء نفسه ، وقبل أن تثبت السرقة عليه عند الحاكم فلا حد عليه . ووافقهم على ذلك صاحب تفسير المنار ، قال : « وإذا قيست السرقة على الحرابة - أي قطع الطريق - فالقول بسقوط الحد ظاهر ، إن تاب السارق قبل رفع أمره إلى الحاكم » .
واتفقوا على ان التوبة لا تسقط الحق الشخصي للمسروق منه ، ولا بد من إعادة المال إلى صاحبه عينا ان كان قائما ، أو بدله ان كان تالفا .
{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ويَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ } .
هذا خطاب لكل من يسمع القرآن ، لا للنبي وحده ، وفيه بيان ان اللَّه سبحانه هو الذي خلق الكون والإنسان ، وانه لا يفعل إلا ما فيه خير وصلاح لعباده ، فإذا عذب من يشاء من الجناة فإنما يفعل ذلك تربية له ، وتأمينا للناس من شره ، وإذا غفر ورحم من يشاء من عباده التائبين فإنما يفعل ذلك ترغيبا له في إصلاح نفسه .
_________________________
1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص54-56 .
قوله تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما } (الآية) الواو للاستئناف والكلام في مقام التفصيل فهو في معنى : { وأما السارق والسارقة } (إلخ) ولذلك دخل الفاء في الخبر أعني قوله : { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما } لأنه في معنى جواب أما ، كذا قيل .
وأما استعمال الجمع في قوله : { أَيْدِيَهُما } مع أن المراد هو المثنى فقد قيل : إنه استعمال شائع ، والوجه فيه : أن بعض الأعضاء أو أكثرها في الإنسان مزدوجة كالقرنين والعينين والأذنين واليدين والرجلين والقدمين ، وإذا أضيفت هذه إلى المثنى صارت أربعا ولها لفظ الجمع كأعينهما وأيديهما وأرجلهما ونحو ذلك ثم اطرد الجمع في الكلام إذا أضيف عضو إلى المثنى وإن لم يكن العضو من المزدوجات كقولهم : ملأت ظهورهما وبطونهما ضربا ، قال تعالى : { إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما } : ( التحريم : 4 ) واليد ما دون المنكب والمراد بها في الآية اليمين بتفسير السنة ، ويصدق قطع اليد بفصل بعض أجزائها أو جميعها عن البدن بآلة قطاعة.
قوله : { جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ } الظاهر أنه في موضع الحال من القطع المفهوم من قوله : { فَاقْطَعُوا } أي حال كون القطع جزاء بما كسبا نكالا من الله ، والنكال هو العقوبة التي يعاقب بها المجرم لينتهي عن إجرامه ، ويعتبر بها غيره من الناس.
وهذا المعنى أعني كون القطع نكالا هو المصحح لأن يتفرع عليه قوله : { فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ } { إلخ } أي لما كان القطع نكالا يراد به رجوع المنكول به عن معصيته فمن تاب من بعد ظلمه توبة ثم أصلح ولم يحم حول السرقة ـ وهذا أمر يستثبت به معنى التوبة ـ فإن الله يتوب عليه ويرجع إليه بالمغفرة والرحمة لأن الله غفور رحيم ، قال تعالى : { ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً } ( النساء : 147 ) .
وفي الآية أبحاث أخر كثيرة فقهية للطالب أن يراجع فيها كتب الفقه .
قوله تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ } (الآية) في موضع التعليل لما ذكر في الآية السابقة من قبول توبة السارق والسارقة إذا تابا وأصلحا من بعد ظلمهما فإن الله سبحانه لما كان له ملك السموات والأرض ، وللملك أن يحكم في مملكته ورعيته بما أحب وأراد من عذاب أو رحمة كان له تعالى أن يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء على حسب الحكمة والمصلحة فيعذب السارق والسارقة إن لم يتوبا ويغفر لهما إن تابا.
وقوله : { وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } في موضع التعليل لقوله : { لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ } فإن الملك ( بضم الميم ) من شئون القدرة كما أن الملك ( بكسر الميم ) من فروع الخلق والإيجاد أعني القيمومة الإلهية.
بيان ذلك : أن الله تعالى خالق الأشياء وموجدها فما من شيء إلا وما له من نفسه وآثار نفسه لله سبحانه ، هو المعطي لما أعطى والمانع لما منع ، فله أن يتصرف في كل شيء ، وهذا هو الملك ( بكسر الميم ) قال تعالى : { قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ } ( الرعد : 16 ) وقال : { اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ } : ( البقرة : 255 ) وهو تعالى مع ذلك قادر على أي تصرف شاء وأراد إذ كلما فرض من شيء فهو منه فله مضي الحكم ونفوذ الإرادة وهو الملك ( بضم الميم ) والسلطنة على كل شيء فهو تعالى مالك لأنه قيوم على كل شيء ، وملك لأنه قادر غير عاجز ولا ممنوع من نفوذ مشيئته وإرادته .
___________________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص281-283 .
عقوبة السّرقة :
الآيات تبيّن حكم السارق والسارقة أي الفرد الذي يسرق خلسة أموال وممتلكات الناس ، فتقول الآية أوّلا : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُم ...} .
وقد قدمت هذه الآية الرجل السارق على المرأة السارقة ، بينما الآية التي ذكرت حد وعقوبة الزنا قد قدمت المرأة الزانية على الرجل الزاني ، ولعل هذا التفاوت ناشئ عن حقيقة أن السرقة غالبا ما تصدر عن الرجال ، بينما النساء الخليعات المستهترات يشكلن في الغالب العامل والعنصر المحفز للزنا !
بعد ذلك تبيّن الآية أنّ العقوبة المذكورة هي جزاء من الله لجريمة السرقة المرتكبة من قبل الرجل أو المرأة ، حيث تقول : {جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ ...}.
والحقيقة هي أنّ هذه الجملة القرآنية تشير.
أوّلا : إلى أنّ العقوبة المذكورة نتيجة لعمل الشخص السارق أو السارقة وأنّها شيء اكتسبه هو أو هي لنفسها.
وثانيا : إلى أنّ الهدف من تنفيذ هذه العقوبة هو وقاية المجتمع وتحقيق الحق والعدل فيه لأنّ كلمة «نكال» تعني العقوبة التي تنفذ لتحقيق الوقاية وترك المعصية ، وهذه الكلمة تعني في الأصل «اللجام» وتطلق أيضا على كل عمل يحول دون حصول الانحراف .
ولكي لا يتوهم الناس وجود الإجحاف في هذه العقوبة ، تؤكّد الآية ـ في آخرها ـ على أن الله عزيز ، أي قادر على كل شيء ، فلا حاجة له للانتقام من الأفراد ، وهو حكيم ـ أيضا ـ ولا يمكن أن يعاقب الأفراد دون وجود مبرر أو حساب لذلك ، حيث تقول الآية : {وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
أمّا الآية الثانية فهي تفتح لمن ارتكب هذه المعصية باب العودة والتوبة ، فتقول : {فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
والسؤال الوارد هنا هو : هل أنّ التوبة وحدها تكفي لغفران الذنب فقط ، أم أنّها تسقط عنه حد أو عقوبة السرقة أيضا ؟
إنّ المعروف لدى فقهاء الشيعة أنّ مرتكب السرقة إن تاب قبل أن تثبت سرقته في محكمة إسلامية يسقط عنه حدّ السرقة أيضا ، أمّا إذا شهد عادلان على سرقته فإن التوبة لا تسقط عنه الحدّ .
والحقيقة هي أنّ التوبة ـ في هذه الحالة التي تطرقت لها الآية ـ هي تلك التي تتمّ قبل ثبوت الجرم في المحكمة ، ولو لا ذلك لتظاهر كل سارق بالتوبة لدى ثبوت الجرم عليه ، بغية إنقاذ نفسه من الحدّ أو العقوبة ، فلا يبقى ـ والحالة هذه ـ مبرر لإجراء الحدّ عليه بعد التوبة!
وبعبارة أخرى : إنّ التوبة الاختيارية هي تلك التي تتمّ قبل أن يثبت الجرم في المحكمة بينما التوبة الاضطرارية هي التوبة التي تصدر من الإنسان العاصي لدى مشاهدته العذاب الإلهي، أو لدى بلوغه حالة الاحتضار ، ومثل هذه التوبة لا قيمة لها مطلقا .
ثمّ توجه الآية الأخرى الخطاب إلى النّبي صلى الله عليه وآله وسلم فتقول : {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص507-508 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|