أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-1-2018
770
التاريخ: 9-10-2017
483
التاريخ: 9-10-2017
650
التاريخ: 9-10-2017
649
|
ذكر مسير المستعين إلى بغداد
لما قتل باغر وانتهى خبر قتله إلى الأتراك المشغبين أقاموا على ما هم عليه فانحدر المستعين وبغا ووصيف وشاهك الخادم وأحمد بن صالح بن شيرزاد ودليل إلى بغداد في حراقة فركب جماعة من قواد الأتراك إلى هؤلاء المشغبين فسألهم الانصراف فلم يفعلوا فلما علموا بانحدار المستعين وبغا ووصيف ندموا ثم قصدوا دار دليل ودور أهله وجيرانه فنهبوها حتى صاروا إلى أخذ الخشب وعليف الدواب فلما قدموا بغداد مرض ابن مارية فعاده دليل فقال له ما سبب علتك قال انتقض عقر القيد فقال دليل لئن عقرك القيد لقد نقضت الخلافة وبغيت الفتنة ومات ابن مارية في تلك الأيام وقال بعض الشعراء في ذلك :
لعمري لئن قتلوا باغرا *** لقد هاج باغر حربا طحونا
وفر الخليفة والقائدا *** ن بالليل يلتمسان السفينا
وصاحوا بميسان ملاحهم *** فوافاهم يسبق الناظرينا
فالزمهم بطن حراقة *** وصوت مجاذيفهم سائرينا
وما كان قد ابن مارية *** فتكسب فيه الحروب الديونا
ولكن دليل سعى سعيه *** فأجرى الإله بها العالمينا
فحل ببغداد قبل الشروق *** فحل بها منه ما يكرهونا
فليت السفينة لم تأتنا *** وغرقها الله والراكبينا
وأقبلت الترك والمعربون *** وجاء الفراغنة الدارعينا
تيسر كراديسهم في السلاح *** يرجون خيلا ورجلا بنينا
فقام بحربهم عالم *** بأمر الحروب تولاه حينا
فجدد سورا على الجانبي *** ن حتى أحاطهم أجمعينا
وأحكم أبوابها المصمتات *** على السور يحمى بها المستعينا
وهيا مجانيق خطارة *** تفت النفوس وتحمي العرينا
ومنع الأتراك الناس من الانحدار إلى بغداد وأخذوا ملاحا قد أكرى سفينته فضربوه وصلبوه على دقلها فامتنع أصحاب السفن الاسراء وكان وصول المستعين إلى بغداد لخمس خلون من المحرم من هذه السنة فنزل على محمد بن عبد الله بن طاهر في داره ثم وافى بغداد القواد سوى جعفر الخياط وسليمان بني يحيى بن معاذ وقدمها جلة الكتاب والعمال وبني هاشم وجماعة من أصحاب بغا ووصيف.
ذكر البيعة للمعتز بالله:
وفي سنة إحدى وخمسين ومائتين بويع المعتز بالله وكان سبب البيعة له أنه لما استقر المستعين ببغداد أتاه جماعة من قواد الأتراك المشغبين فدخلوا عليه وألقوا أنفسهم بين يديه وجعلوا مناطقهم في أعناقهم تذللا وخضوعا وسألوه الصفح عنهم والرضا قال لهم أنتم أهل بغي وفساد واستقلال للنعم ألم ترفعوا إلي في أولادكم فألحقتهم بكم وهم نحو من ألفي غلام وفي بناتكم فأمرت بتصييرهن في عداد المتزوجات وهن نحو من أربعة آلاف وغير ذلك كله أجبتكم إليه وأدركت عليكم الأرزاق فعملتم آنية الذهب والفضة ومنعت نفسي لذتها وشهوتها إرادة لصلاحكم ورضاكم وأنتم تزدادون بغيا وفسادا فعادوا وتضرعوا وسألوه العفو فقال المستعين قد عفوت عنكم ورضيت فقال له أحدهم واسمه بابي بك فإن كنت قد رضيت فقم فاركب معنا إلى سامرا فإن الأتراك ينتظرونك فأمر محمد بن عبد الله بعض أصحابه فقام إليه فضربه وقال محمد هكذا يقال لأمير المؤمنين قم فاركب معنا فضحك المستعين وقال هؤلاء قوم عجم لا يعرفون حدود الكلام وقال لهم المستعين ترجعون إلى سامرا فإن أرزاقكم دارة عليكم وأنظر أنا في أمري فانصرفوا آيسين منه وأبغضهم ما كان من محمد بن عبد الله إلى بابي بك وأخبروا من وراءهم خبرهم وزادوا وحرضوا تحريضا لهم على خلعه فاجتمع رأيهم على إخراج المعتز وكان هو والمؤيد في حبس الجوسق وعليهم من يحفظهم فأخرجوا المعتز من الحبس وأخذوا من شعره فكان قد كثر وبايعوا له بالخلافة وأمر للناس برزق عشرة أشهر للبيعة فلم يتم المال فأعطوا شهرين لقلة المال عندهم، وكان المستعين خلف بيت المال بسامرا فيه نحو خمسمائة ألف دينار وفي بيت مال أم المستعين قيمة ألف ألف دينار وفي بيت مال العباس قيمة ستمائة ألف دينار، وكان فيمن أحضر للبيعة أبو أحمد بن الرشيد وبه نقرس في محفة محمولا فأمر بالبيعة فامتنع وقال للمعتز خرجت إلينا طائعا فخلعتها وزعمت أنك لا تقوم بها فقال المعتز اكرهت على ذلك وخفت السيف فقال أبو أحمد ما علمنا أنك أكرهت وقد بايعنا هذا الرجل فتريد أن تطلق نساءنا وتخرج عن أموالنا ولا ندري ما يكون إن تركتني على أمري حتى يجتمع الناس وإلا فهذا السيف فتركه المعتز وكان ممن بايع إبراهيم الديرج وعتاب بن عتاب فأما عتاب فهرب إلى بغداد وأما الديرج فأقر على الشرط واستعمل على الدواوين وبيت المال والكتابة وغير ذلك ولما اتصل بمحمد بن عبد الله خبر بيعة المعتز وتوجيه العمال أمر بقطع الميرة عن أهل سامرا وكتب إلى مالك بن طوق في المسير إلى بغداد وأهل بيته وجنده وكتب إلى نجويه بن قيس وهو على الأنبار في الاحتشاد والجمع إلى سليمان بن عمران الموصلي في منع السفن والميرة عن سامرا فأخذت سفينة ببغداد فيها أرز وغيره فهرب الملاح وبقيت السفينة حتى غرقت وأمر المستعين محمد بن عبد الله بتحصين بغداد فتقدم في ذلك فأدير عليها السور من دجلة من باب الشماسية إلى سوق الثلاثاء حتى أورده دجلة وأمر بحفر الخنادق من الجانبين جميعا وجعل على كل باب قائدا فبلغت النفقة على ذلك جميعه ثلاثمائة ألف وثلاثين ألف دينار ونصب على الأبواب المنجنيقات والعرادات وشحن الأسوار وفرض فرضا للعيارين وجعل عليهم عريفا اسمه يبنويه وعمل لهم تراسا من البواري المقيرة وأعطاهم المخالي ليجعلوا فيها الحجارة للرمي وفرض أيضا لقوم من خراسان قدموا حجاجا فسئلوا المعونة فأعانوا وكتب المستعين إلى عمال الخراج بكل بلدة أن يكون حملهم الخراج والأموال إلى بغداد لا يحمل منها إلى سامرا شيء وكتب إلى الأتراك والجند الذين بسامرا يأمرهم بنقض بيعة المعتز ومراجعة الوفاء له ويذكرهم أياديه عندهم وينهاهم عن المعصية والنكث ثم جرت بين المعتز ومحمد بن عبد الله مكاتبات ومراسلات يدعو المعتز محمدا إلى المبايعة ويذكره ما كان من المتوكل أخذ له عليه من البيعة بعد المنتصر ومحمد يدعو المعتز إلى الرجوع إلى طاعة المستعين واحتج كل واحد منهما على صاحبه وأمر محمد بكسر القناطر وشق المياه بسطوح الأنبار وبادوريا ليقطع الأتراك عن الأنبار وكتب المستعين والمعتز إلى موسى بن بغا كل واحد منهما يدعوه إلى نفسه وكان بأطراف الشام كان خرج لقتال أهل حمص فانصرف إلى المعتز وصار معه وقدم عبد الله بن بغا الصغير من سامرا إلى المستعين وكان قد تخلف بعد أبيه فاعتذر وقال لأبيه إنما قدمت لأموت تحت ركابك فأقام ببغداد أياما ثم هرب إلى سامرا فاعتذر إلى المعتز وقال إنما سرت إلى بغداد لأعلم أخبارهم وآتيك بها فقبله المعتز ورده إلى خدمته وورد الحسن بن الأفشين بغداد فخلع عليه المستعين وضم إليه جمع من الأشروسنية وغيرهم .
حصار المستعين ببغداد:
ثم إن المعتز عقد لأخيه أبي أحمد بن المتوكل وهو الموفق لسبع بقين من المحرم على حرب المستعين ومحمد بن عبد الله وولاه ذلك وضم إليه الجيش وجعل إليه الأمور كلها وجعل التدبير إلى كلباتكين فسار في خمسين ألفا من الأتراك والفراغنة وألفين من المغاربة فلما بلغ عكبرا صلى بها وخطب للمعتز وكتب بذلك إلى المعتز فذكر أهل عكبرا أنهم كانوا على خوف شديد من مسير محمد بن عبد الله إليهم ومحاربتهم فانتهبوا القرى ما بين عكبرا وبغداد فخربت الضياع وأخذ الناس في الطريق ولما وصل أبو أحمد إلى عكبرا هرب إليه جماعة كبيرة من أصحاب بغا الصغير ووصل أبو أحمد وعسكره باب الشماسية لسبع خلون من صفر فقال بعض البصريين ويعرف بباذنجانة :
يا بني الطاهر أتتكم جنود ال *** له والمــوت بينهــــا منثور
وجيــــــوش أمـــامهم أبو أح *** مد نعم المولى ونعم النصير
ولما نزل أبو أحمد باب الشماسية ولى المستعين باب الشماسية الحسين بن إسماعيل وجعل من هناك إلى القواد تحت يده فلم يزل هناك مدة الحرب إلى أن ساروا إلى الأنبار، فلما كان عاشر صفر وافت طلائع الأتراك إلى باب الشماسية فوقفوا بالقرب منه فوجه محمد بن عبد الله الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال وبندار الطبري فيمن معهم وعزم على الركوب لقتالهم فأتاه الشاه فأعلمه أن الأتراك لما عاينوا الأعلام والرايات قد أقلت نحوهم رجعوا إلى معسكرهم فترك محمد الركوب فلما كان الغد عزم محمد على توجيه الجيوش إلى القفص ليعرضهم هناك وليرهب الأتراك وركب معه وصيف وبغا في الدروع ومضى معه الفقهاء والقضاة وبعث إليهم يدعوهم إلى الرجوع عما هم عليه من الطغيان والعصيان ويبذل لهم الأمان على أن يكون المعتز ولي العهد بعد المستعين فلم يجيبوا ومضى نحو باب قطربل فنزل على شاطئ دجلة هو ووصيف وبغا ولم يمكنه التقدم لكثرة الناس فلما كان من الغد أتاه رسل وجه الفلس وغيره من القواد يعلمونه أن الترك قد دنوا وضربوا مضاربهم برقة الشماسية وأرسل إليهم لا تبدؤوهم بقتال وإن قاتلوكم فلا تقاتلوهم وادفعوهم اليوم فوافى باب الشماسية منهم اثنا عشر فارسا فرموا بالسهام ولم يقاتلهم أحد فلما طال مقامهم رماهم المنجنيقي بحجر فقتل منهم رجلا فأخذوه ورجعوا .
وقدم عبيد الله بن سليمان خليفة وصيف التركي من مكة في ثلاثمائة رجل فخلع عليه محمد بن عبد الله ووافى الأتراك في هذا اليوم باب الشماسية فخرج الحسن بن إسماعيل ومن معه من القواد لمحاربتهم فاقتتلوا وقتل من الفريقين وجرح وكانوا في القتلى والجرحى على السواء وانهزم أهل بغداد وثبت أصحاب البواري ثم انصرفوا وأحضر الأتراك منجنيقا فغلبهم عليه العامة فأخذوه ثم سار جماعة من الأتراك إلى ناحية النهروان فوجه محمد بن عبد الله قائدين من أصحابه وأمرهما بالمقام بتلك الناحية وحفظها من الأتراك فسار إليهم الأتراك فقاتلوهم فانهزم أصحاب محمد إلى بغداد وأخذت دوابهم فدخلوا بغداد منهزمين ووجه الأتراك برؤوس القتلى إلى سامرا واستولوا على طريق خراسان وانقطع الطريق عن بغداد ووجه المعتز عسكرا في الجانب الغربي فساروا إلى بغداد وجازوا قطربل فضربوا عسكرهم هناك وذلك لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر فلما كان من الغد وجه محمد بن عبد الله عسكرا إليهم فلقيهم الشاه بن ميكال فتحاربوا فانهزم أصحاب المعتز خرج عليهم كمين لمحمد بن عبد الله فانهزموا ووضع أصحاب محمد فيهم السيف فقتلوهم أكثر قتل ولم يفلت منهم إلا القليل ونهب عسكرهم جميعه ومن سلم من القتل ألقى نفسه في دجلة ليعبر إلى عسكر أبي أحمد فأخذه أصحاب السفن وحملوا الأسرى والرؤوس في الزواريق فنصب بعضها ببغداد وأمر محمد لمن أبلى في هذا اليوم بالأسورة والخلع والأموال وطلبت المنهزمة فبلغ بعضهم أوانا وبعضهم بلغ سامرا وكان عسكر المعتز أربعة آلاف فقتل منهم ألفان وغرق منهم جماعة وأسر جماعة فخلع محمد على جميع القواد على كل قائد أربع خلع وطوق وسوار من ذهب وكان عود أهل بغداد عنهم مع المغرب وكان أكثر العمل في هذا اليوم للعيارين وركب محمد بن عبد الله بن طاهر لاثنتي عشرة ليلة بقيت من صفر إلى الشماسية فأمر بهدم ما وراء سورها من الدور والحوانيت والبساتين من باب الشماسية إلى ثلاثة أبواب ليتسع على من يحارب وقدم مال من فارس والأهواز من منكجور الأشروسني فوجه أبو أحمد الأتراك لأخذه فوجه محمد بن عبد الله جماعة لحفظ المال فعدلوا به عن الأتراك فقدموا به بغداد فلما علم الأتراك بذلك عدلوا نحو النهروان فقتلوا وأحرقوا سفن الجسر وهي عشرون سفينة ورجعوا إلى سامرا وقدم محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد وكان المستعين قلده امرة الثغور الجزرية كان بمدينة بلد ينتظر الجنود والمال ليسير إلى الثغور فلما كان من أمر المستعين والأتراك ما ذكرنا سار من بلد إلى بغداد على طريق الرقة في أصحابه وخاصته وهم زهاء أربعمائة فخلع عليه محمد بن عبد الله خمس خلع ثم وجهه في جيش كثيف لمحاربة أيوب بن محمد فأخذ على طريق الفرات فحاربه في نفر يسير فهزم محمد وصار إلى ضيعته بالسواد فلما سمع محمد بهزيمته قال لا يفلح أحد من العرب إلا أن يكون معه نبي ينصره الله به وكانت للأتراك وقعة بباب الشماسية فقاتلوا عليه قتالا شديدا حتى كشفوا من عليه ورموا به المنجنيق بالنار والنفط فلم يحرقه ثم كثر الجند على الباب فأزالهم عن موقفهم بعد قتلى وجرحة ووجه محمد العرادات في السفن فرموهم بها رميا شديدا فقتلوا منهم نحو مائة وكان بعض المغاربة قد صار إلى السور فرمي بكلاب فتعلق به فأخذه الموكلون بالسور ورفعوه فقتلوه وألقوا رأسه إلى الأتراك فرجعوا إلى معسكرهم، وأراد بعض الموكلين بالسور أن يصيح يا مستعين يا منصور فصاح يا معتز يا منصور فظنوه من المغاربة فقتلوه وتقدم الأتراك في بعض الأيام إلى باب الشماسية فرمي الدرغمان مقدم المغاربة بحجر منجنيق فقتله وكان شجاعا وكان بعض المغاربة يجيء فيكشف استه ويصيح ويضرط ثم يرجع فرماه بعض أصحاب محمد بسهم في دبره فخرج من حلقه فخر ميتا واجتمعت العامة بسامرا ونهبوا سوق الجوهريين والصيارفة وغيرهما فشكا التجار ذلك إلى إبراهيم المؤيد فقال لهم كان ينبغي أن تحولوا متاعكم إلى منازلكم ولم يصنع شيئا ولا أنكر ذلك وقدم لثمان بقين من صفر جماعة من أهل الثغور يشكون بلكاجور ويزعمون أن بيعة المعتز وردت عليه فدعا الناس إلى بيعته وأخذ الناس بذلك فمن امتنع ضربه وحبسه وانهم امتنعوا وهربوا فقال وصيف ما أظنه إلا ظن أن المستعين مات وقام المعتز فقالوا ما فعله إلا عن عمد، فورد كتاب بلكاجور لأربع بقين من صفر يذكر أنه كان بايع المعتز فلما ورد كتاب المستعين بصحة الأمر جدد له البيعة وأنه على السمع والطاعة فأراد موسى بن بغا أن يسير إلى المستعين فامتنع أصحابه الأتراك من موافقته على ذلك وحاربوه فقتل بينهم قتلى وقدم من البصرة عشر سفائن بحرية في كل سفينة خمسة وأربعون رجلا ما بين نفاط وغيره فمرت إلى ناحية الشماسية فرمى من فيها بالنيران إلى عسكر أبي أحمد فانتقلوا إلى موضع لا ينالهم شيء من النار ولليلة بقيت من صفر تقدم الأتراك إلى أبواب بغداد فقاتلوا عليها فقتل من الفريقين جماعة كثيرة ودام القتال إلى العصر، وفي ربيع الأول عمل محمد بن عبد الله كافركونات وفرقها على العيارين فخرجوا بها إلى أبواب بغداد وقتلوا من الأتراك نحوا من خمسين رجلا ولأربع عشرة خلت من ربيع الأول قدم مزاحم بن خاقان من ناحية الرقة فتلقاه الناس ومعه زهاء ألف رجل فلما وصل خلع عليه سبع خلع وقلد سيفا ووجه المعتز عسكرا يبلغون ثلاثة آلاف فعسكروا بإزاء عسكر أبي أحمد باب قطربل وركب محمد بن عبد الله في عسكره وخرج من النظارة خلق كثير فحاذى عسكر أبي أحمد فكانت بينهم في الماء جولة وقتل من أصحاب أبي أحمد أكثر من خمسين رجلا ومضى النظارة فجاوزوا العسكر بنصف فرسخ فعبرت إليهم سفن لأبي أحمد فنالت منهم ورجع محمد بن عبد الله وأمر ابن أبي عون برد الناس فأمرهم بالعود فأغلظوا له فشتمهم وشتموه وضرب رجلا منهم فقتله فحلمت عليه العامة فانكشف من بين أيديهم فأخذ أصحاب أبي أحمد أربع سفائن وأحرقوا سفينة فيها عرادة لأهل بغداد وسار العامة إلى دار ابن أبي عون لينهبوها وقالوا مايل الأتراك فانهزم أصحابه وكلموا محمدا في صرفه فصرفه ومنعهم من أخذ ماله ولإحدى عشرة خلت من ربيع الأول وصل عسكر المعتز الذي سيره إلى مقابل عسكر أخيه أبي أحمد بن عكبرا فأخرج إليهم ابن طاهر عسكرا فمضوا حتى بلغوا قطربل وبها كمين الأتراك فأوقع بهم ونشبت الحرب بينهم وقتل بينهما جماعة واندفع أصحاب محمد قليلا إلى باب قطربل والأتراك معهم فخرج الناس إليهم فدفعوا الأتراك حتى نحوهم ثم رجعوا إلى أهل بغداد فقتلوا منهم خلقا كثيرا وقتل من الأتراك أيضا خلق كثير ثم تقدم الأتراك إلى باب القطيعة فنقبوا السور فقتل أهل بغداد أول خارج منه وكان القتل ذلك اليوم أكثره في الأتراك والجراح بالسهام في أهل بغداد، وندب عبد الله بن عبد الله بن طاهر الناس فخرجوا معه وأمر الموكل بباب قطربل أن لا يدع منهزما يدخله ونشبت الحرب فانهزم أصحاب عبد الله وثبت أسد بن داود حتى قتل وكان إغلاق الباب على المنهزمين أشد من الأتراك فأخذوا منهم الأسرى وقتلوا فأكثروا وحملوا الأسرى والرؤوس إلى سامرا فلما قربوا منها غطوا رؤوس الأسرى فلما رآهم أهل سامرا بكوا وضجوا وارتفعت أصواتهم وأصوات نسائهم فبلغ ذلك المعتز فكره أن تغلظ قلوب الناس عليه فأمر لكل أسير بدينار وأمر بالرؤوس فدفنت وقدم أبو الساج من طريق مكة لأربع بقين من ربيع الأول وفي سلخ ربيع الأول جاء نفر من الأتراك إلى باب الشماسية ومعهم كتاب من المعتز إلى محمد بن عبد الله فاستأذنه أصحابه في أخذه فأذن لهم فإذا فيه يذكره ما يجب عليه من حفظ العهد القديم فإن الوجب عليه أنه كان أول من يسعى في أمره ويؤكد خلافته فما ورد عليه محمد جواب الكتاب.
وكانت وقعة بينهم لسبع خلون من ربيع الآخر قتل من الأتراك سبعمائة ومن أصحاب محمد ثلاثمائة ، وفي منتصف ربيع الآخر أمر أبو الساج وعلي بن فراشة وعلي بن حفص بالمسير إلى المدائن فقال أبو الساج لمحمد بن عبد الله إن كنت تريد الجد مع هؤلاء القوم فلا تفرق قوادك واجمعهم حتى تهزم هذا العسكر المقيم بإزائك فإذا فرغت منهم فما أقدرك على من بعدهم فقال إن لي تدبيرا ويكفي الله إن شاء الله فقال أبو الساج السمع والطاعة وسار إلى المدائن وحفر خندقها وأمده محمد بثلاثة آلاف فارس وألفي راجل وكتب المعتز إلى أخيه أبي أحمد يلومه لتقصير في قتال أهل بغداد فكتب إليه في الجواب :
لأمر المنايا علينا طريق *** وللــــدهر فينا اتساع وضيق
وأيـــــامنا عبرة للأنـــام *** فمنها البكور ومنها الطروق
ومنها هنات تشيب الوليد *** ويخذل فيها الصديق الصدوق
وفتنة دين لها ذروة *** تفوق العيون وبحر عميق
قتال متين وسيف عتيد *** وخوف شديد وحصن وثيق
وطول صياح لداعي الصباح ال *** سلاح السلاح فما يستفيق
فهذا طريح وهذا جريح *** وهذا حريق وهذا غريق
وهذا قتيل وهذا تليل *** وآخر يشدخه المنجنيق
هناك اغتصاب وثم انتهاب *** ودور خراب وكانت تروق
إذا ما شرعنا إلى مسلك *** وجدناه قد سد عنا الطريق
فبالله نبلغ ما نرتجي *** وبالله ندفع ما لا نطيق
وهذه الأبيات لعلي بن أمية في فتنة الأمين والمأمون.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|