المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

الاختيار حقيقة مسلمة
6-08-2015
ماذا تشمل التربية الاعلامية
24-12-2020
Ionic Solids
6-5-2020
مفترس الأكاروسات
21-12-2015
التحمل المناعي Immune Tolerance
10-9-2018
«الولاية» و«النبأ العظيم»
25-11-2014


تفسير الاية (1-16) من سورة الطور  
  
5697   04:10 مساءً   التاريخ: 27-9-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الطاء / سورة الطور /

قال تعالى : {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَولَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [الطور: 1 -16].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{والطور} أقسم الله سبحانه بالجبل الذي كلم عليه موسى (عليه السلام) بالأرض المقدسة عن الجبائي وجماعة من المفسرين وقيل هو الجبل أقسم به لما أودع فيه من أنواع نعمه عن مجاهد والكلبي {وكتاب مسطور} أي مكتوب وهو الكتاب الذي كتبه الله لملائكته في السماء يقرءون فيه ما كان وما يكون وقيل هو القرآن مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ وهو الرق المنشور وقيل هو صحائف الأعمال التي تخرج إلى بني آدم يوم القيامة فمنهم آخذ كتابه بيمينه وآخذ بشماله وهذا كقوله {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} عن الفراء وقيل هو التوراة كتبها الله لموسى فخص الطور بالذكر لبركتها وكثرة منافعها في الدنيا وذكر الكتاب لعظم موقعها من الدين عن الكلبي وقيل أنه القرآن يكتبه المؤمنون {في رق منشور} أي وينشرونه لقراءته والرق ما يكتب فيه وقيل الرق هو الورق عن أبي عبيدة وقيل إنما ذكر الرق لأنه من أحسن ما يكتب فيه وإذا كتبت الحكمة فيما هو على هذه الصفة كان أبهى والمنشور المبسوط.

 {والبيت المعمور} وهو بيت في السماء الرابعة بحيال الكعبة تعمره الملائكة بما يكون منها فيه من العبادة عن ابن عباس ومجاهد وروي أيضا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه أبدا وروي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ((البيت المعمور في السماء الدنيا وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان يدخل فيه جبريل كل يوم طلعت فيه الشمس وإذا خرج انتفض انتفاضة جرت منه(2) سبعون ألف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلون فيه فيفعلون ثم لا يعودون إليه أبدا)) وعن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((البيت الذي في السماء الدنيا يقال له الضراح وهو بفناء البيت الحرام لو سقط سقط عليه يدخله كل يوم ألف(3) ملك لا يعودون إليه(4) أبدا)).

 وقيل البيت المعمور هو الكعبة البيت الحرام معمور بالحج والعمرة عن الحسن وهو أول مسجد وضع للعبادة في الأرض.

 {والسقف المرفوع} ه والسماء عن علي (عليه السلام) ومجاهد وقتادة وابن زيد قالوا هي كالسقف للأرض رفعها الله {والبحر المسجور} أي المملوء عن قتادة وقيل هو الموقد المحمي بمنزلة التنور عن مجاهد والضحاك والأخفش وابن زيد ثم قيل أنه تحمى البحار يوم القيامة فتجعل نيرانا ثم تفجر بعضها في بعض ثم تفجر إلى النار ورد به الحديث {إن عذاب ربك لواقع} هذا جواب القسم أقسم الله بهذه الأشياء للتنبيه على ما فيها من عظيم القدرة على أن تعذيب المشركين حق واقع لا محالة {ما له من دافع} يدفع عنهم ذلك العذاب ثم بين سبحانه أنه متى يقع فقال {يوم تمور السماء مورا} أي تدور دورانا وتضطرب وتموج وتتحرك وتستدير كل هذه من عبارات المفسرين {وتسير الجبال سيرا} أي تسير الجبال وتزول من أماكنها حتى تستوي الأرض {فويل يومئذ للمكذبين} دخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة والتقدير إذا كان هذا فويل لمن يكذب الله ورسوله {الذين هم في خوض} أي في حديث باطل يخوضون وهو الحديث الذي كان يخوض فيه الكفار من إنكار البعث وتكذيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) {يلعبون} أي يلهون بذكره {يوم يدعون} أي يدفعون.

 {إلى نار جهنم دعا} أي دعا بعنف وجفوة قال مقاتل هو أن تغل أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعون إلى جهنم دفعا على وجوههم حتى إذا دنوا قال لهم خزنتها {هذه النار التي كنتم بها تكذبون} في الدنيا ثم وبخوهم(5) لما عاينوا بما كانوا يكذبون به وهو قوله {أ فسحر هذا} الذي ترون أنتم {أم أنتم لا تبصرون} وذلك أنهم كانوا ينسبون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى السحر وإلى أنه يغطي على الأبصار بالسحر فلما شاهدوا ما وعدوا به من العذاب وبخوا بهذا ثم يقال لهم {اصلوها} أي قاسوا شدتها {فاصبروا} على العذاب {أولا تصبروا} عليه {سواء عليكم} الصبر والجزع {إنما تجزون ما كنتم تعملون} في الدنيا من المعاصي بكفركم وتكذيبكم الرسول .

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص271-273.

2- وفي المخطوطة : عنه.

3- وفي نسخة : سبعون الف ملك.

4- وفي بعض النسخ : فيه.

5- وفي بعض النسخ : وبخهم.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ والطُّورِ وكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ والْبَيْتِ الْمَعْمُورِ والسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ والْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}. الطور هنا هو الجبل الذي كلم اللَّه عليه موسى ، وقد أقسم به سبحانه في هذه الآية وفي الآية 2 من سورة التين ، والمراد بكتاب مسطور كل كتاب سماوي لأن (كتاب) نكرة ، وهي شائعة في جنسها ، والتعيين يحتاج إلى قرينة ، ومجرد ذكر الطور لا يصلح قرينة لإرادة التوراة من كلمة كتاب ، وقوله تعالى :

{مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} معناه ما أنزل اللَّه كتابا إلا وقد جعله في متناول كل يد ، وان كل إنسان يستطيع الوصول إليه والى معرفة ما فيه تماما كما تقول :

هذا كتاب اللَّه بين أظهركم ينطق بحلاله وحرامه . وفي نهج البلاغة : أشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله بالدين المشهور والكتاب المسطور . {والْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} الكعبة : {وإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} - 127 البقرة . {والسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} السماء : {وجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً} - 32 الأنبياء أي كالسقف في عين الرائي {والْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}  المملوء الذي يفيض بالماء : {وإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ} - 6 التكوير أي امتلأت وفاضت . اقسم سبحانه بهذه الكائنات الخمسة للإشارة إلى قدرته عزّ من قادر . انظر تفسير الآية 1 من سورة الصافات ، فقرة (اللَّه والقسم بخلقه) ج 6 ص 330 .

{ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ } على المجرمين لا محالة . والجملة جواب القسم {ما لَهُ مِنْ دافِعٍ } تماما كالموت لا يملك رده إلا الذي يحيي ويميت {يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً } أي تذهب الجاذبية ، ويختل التوازن بين كواكب السماء وتحدث الفوضى ويعم الخراب {وتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً } ومتى مارت السماء ارتجت الأرض وزالت الجبال عن أماكنها ، وتشير الآيتان إلى قيام الساعة وخراب الكون حيث تحشر الخلائق للحساب والجزاء {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } .

لعبوا بالدنيا ولعبت بهم . . . ولكن شتان فما هم بأكفاء لها ، ولذا صرعتهم وعجلت بهم إلى جهنم وبئس القرار {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } . يدفعون إليها بعنف وتقول لهم ملائكة العذاب : {هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ } فذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وان اللَّه ليس بظلام للعبيد .

{ أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ }؟ خوّفهم الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) من نار جهنم ، فقالوا له : انك لساحر . . . وفي يوم الجزاء يجعلهم سبحانه لجهنم حطبا ، ويقول لهم : ما ذا ترون الآن ؟ هل محمد ساحر ؟ وهل عذاب الحريق سحر ؟

( اصْلَوْها ) ولا كالنار يشقى من فيها {فَاصْبِرُوا أَولا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ } .

فالعذاب هو هولا يخفف ولا ينقطع { إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من بغي وفساد .

___________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7،ص161-162.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

غرض السورة إنذار أهل التكذيب والعناد من الكفار بالعذاب الذي أعد لهم يوم القيامة فتبدأ بالإنباء عن وقوع العذاب الذي أنذروا به وتحققه يوم القيامة بأقسام مؤكدة وأيمان مغلظة، وأنه غير تاركهم يومئذ حتى يقع بهم ولا مناص.

ثم تذكر نبذة من صفة هذا العذاب والويل الذي يعمهم ولا يفارقهم ثم تقابل ذلك بشمة من نعيم أهل النعيم يومئذ وهم المتقون الذين كانوا في الدنيا مشفقين في أهلهم يدعون الله مؤمنين به موحدين له.

ثم تأخذ في توبيخ المكذبين على ما كانوا يرمون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أنزل عليه من القرآن وما أتي به من الدين الحق.

وتختم الكلام بتكرار التهديد والوعيد وأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتسبيح ربه.

والسورة مكية كما يشهد بذلك سياق آياتها.

قوله تعالى: {والطور} قيل: الطور مطلق الجبل وقد غلب استعماله في الجبل الذي كلم الله عليه موسى (عليه السلام)، والأنسب أن يكون المراد به في الآية جبل موسى (عليه السلام) أقسم الله تعالى به لما قدسه وبارك فيه كما أقسم به في قوله: {وَطُورِ سِينِينَ} [التين: 2]: ، وقال: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ } [مريم: 52] ، وقال في خطابه لموسى (عليه السلام): {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } [طه: 12] ، وقال: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ } [القصص: 30].

وقيل: المراد مطلق الجبل أقسم الله تعالى به لما أودع فيه من أنواع نعمه قال تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} [فصلت: 10].

قوله تعالى: {وكتاب مسطور في رق منشور} قيل: الرق مطلق ما يكتب فيه وقيل: هو الورق، وقيل: الورق المأخوذ من الجلد، والنشر هو البسط، والتفريق.

والمراد بهذا الكتاب قيل: هو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه ما كان وما يكون وما هو كائن تقرؤه ملائكة السماء، وقيل: المراد به صحائف الأعمال تقرؤه حفظة الأعمال من الملائكة، وقيل: هو القرآن كتبه الله في اللوح المحفوظ، وقيل: هو التوراة وكانت تكتب في الرق وتنشر للقراءة.

والأنسب بالنظر إلى الآية السابقة هو القول الأخير.

قوله تعالى: {والبيت المعمور} قيل: المراد به الكعبة المشرفة فإنها أول بيت وضع للناس ولم يزل معمورا منذ وضع إلى يومنا هذا قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96].

وفي الروايات المأثورة أن البيت المعمور بيت في السماء بحذاء الكعبة تزوره الملائكة.

وتنكير {كتاب} للإيماء إلى استغنائه عن التعريف فهو تنكير يفيد التعريف ويستلزمه.

قوله تعالى: {والسقف المرفوع} هو السماء.

قوله تعالى: {والبحر المسجور} قال الراغب: السجر تهييج النار، وفي المجمع،: المسجور المملوء يقال: سجرت التنور أي ملأتها نارا، وقد فسرت الآية بكل من المعنيين ويؤيد المعنى الأول قوله: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] ، أي سعرت وقد ورد في الحديث أن البحار تسعر نارا يوم القيامة، وقيل: المراد أنها تغيض مياهها بتسجير النار فيها.

قوله تعالى: {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع} جواب القسم السابق والمراد بالعذاب المخبر بوقوعه عذاب يوم القيامة الذي أوعد الله به الكفار المكذبين كما تشير إليه الآية التالية، وفي قوله: {ما له من دافع} دلالة على أنه من القضاء المحتوم الذي لا محيص عن وقوعه قال تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ } [الحج: 7] .

وفي قوله: {عذاب ربك} بنسبة العذاب إلى الرب المضاف إلى ضمير الخطاب دون أن يقال: عذاب الله تأييد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مكذبي دعوته وتطييب لنفسه أن ربه لا يخزيه يومئذ كما قال: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } [التحريم: 8].

قوله تعالى: {يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا} ظرف لقوله: {إن عذاب ربك لواقع}.

والمور - على ما في المجمع، - تردد الشيء بالذهاب والمجيء كما يتردد الدخان ثم يضمحل، ويقرب منه قول الراغب: إنه الجريان السريع.

وعلى أي حال فيه إشارة إلى انطواء العالم السماوي كما يذكره تعالى في مواضع من كلامه كقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} [الانفطار: 1، 2]، وقوله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104] ، وقوله: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67].

كما أن قوله: {وتسير الجبال سيرا} إشارة إلى زلزلة الساعة في الأرض التي يذكرها تعالى في مواضع من كلامه كقوله: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: 4 - 6] ، وقوله: { وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} [النبأ: 20].

وقوله تعالى : {فَوَيْلٌ يَوْمَئذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (11) الّذِينَ هُمْ فى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعّونَ إِلى نَارِ جَهَنّمَ دَعاّ (13) هَذِهِ النّارُ الّتي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَ فَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصلَوْهَا فَاصبرُوا أَولا تَصبرُوا سوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنّمَا تجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (16) إِنّ الْمُتّقِينَ فى جَنّتٍ ونَعِيمٍ (17) فَكِهِينَ بِمَا ءَاتَاهُمْ رَبّهُمْ و وَقَاهُمْ رَبهُمْ عَذَاب الجَْحِيمِ (18) كلُوا واشرَبُوا هَنِيئَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (19) }:

تذكر الآيات من يقع عليهم هذا العذاب الذي لا ريب في تحققه ووقوعه، وتصف حالهم إذ ذاك، وهذا هو الغرض الأصيل في السورة كما تقدمت الإشارة إليه وأما ما وقع في الآيات من وصف حال المتقين يومئذ فهومن باب التطفل لتأكيد الإنذار المقصود.

قوله تعالى: {فويل يومئذ للمكذبين} تفريع على ما دلت عليه الآيات السابقة من تحقق وقوع العذاب يوم القيامة أي إذا كان الأمر كما ذكر ولم يكن محيص عن وقوع العذاب فويل لمن يقع عليه وهم المكذبون لا محالة فالجملة تدل على كون المعذبين هم المكذبين بالاستلزام وعلى تعلق الويل بهم بالمطابقة.

أو التقدير إذا كان العذاب واقعا لا محالة ولا محالة لا يقع إلا على المكذبين لأنهم الكافرون بالله المكذبون ليوم القيامة فويل يومئذ لهم، فالدال على تعلق العذاب بالمكذبين هو قوله: {عذاب ربك} لأن عذاب الله إنما يقع على من دعاه فلم يجبه وكذب دعوته.

قوله تعالى: {الذين هم في خوض يلعبون} الخوض هو الدخول في باطل القول قال الراغب: الخوض هو الشروع في الماء والمرور فيه، ويستعار في الأمور وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع فيه انتهى، وتنوين التنكير في {خوض} يدل على صفة محذوفة أي في خوض عجيب.

ولما كان الاشتغال بباطل القول لا يفيد نتيجة حقة إلا نتيجة خيالية يزينها الوهم للخائض سماه لعبا - واللعب من الأفعال ما ليس له إلا الأثر الخيالي -.

والمعنى: الذين هم مستمرون في خوض عجيب يلعبون بالمجادلة في آيات الله وإنكارها والاستهزاء بها.

قوله تعالى: {يوم يدعون إلى نار جهنم دعا} الدع هو الدفع الشديد، والظاهر أن {يوم} بيان لقوله: {يومئذ}.

قوله تعالى: {هذه النار التي كنتم بها تكذبون{ أي يقال لهم: هذه النار التي كنتم بها تكذبون، والمراد بالتكذيب بالنار التكذيب بما أخبر به الأنبياء (عليهم السلام) بوحي من الله من وجود هذه النار وأنه سيعذب بها المجرمون ومحصل المعنى هذه مصداق ما أخبر به الأنبياء فكذبتم به.

قوله تعالى: {أ فسحر هذا أم أنتم لا تبصرون} تفريع على قوله: {هذه النار التي كنتم بها تكذبون} والاستفهام للإنكار تفريعا لهم أي إذا كانت هذه هي تلك النار التي كنتم تكذبون بها فليس هذا سحرا كما كنتم ترمون إخبار الأنبياء بها أنه سحر وليس هذا أمرا موهوما خرافيا كما كنتم تتفوهون به بل أمر مبصر معاين لكم فالآية في معنى قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ } [الأحقاف: 34].

وبما مر من المعنى يظهر أن {أم} في قوله: {أم أنتم لا تبصرون} متصلة وقيل: منقطعة ولا يخلو من بعد.

قوله تعالى: {اصلوها فاصبروا أولا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون}، الصلي بالفتح فالسكون مقاساة حرارة النار فمعنى اصلوها قاسوا حرارة نار جهنم.

وقوله: {فاصبروا أولا تصبروا} تفريع على الأمر بالمقاساة، والترديد بين الأمر والنهي كناية عن مساواة الفعل والترك، ولذا أتبعه بقوله: {سواء عليكم} أي هذه المقاساة لازمة لكم لا تفارقكم سواء صبرتم أولم تصبروا فلا الصبر يرفع عنكم العذاب أو يخففه ولا الجزع وترك الصبر ينفع لكم شيئا.

وقوله: {سواء عليكم} خبر مبتدأ محذوف أي هما سواء وإفراد {سواء} لكونه مصدرا في الأصل.

وقوله: {إنما تجزون ما كنتم تعملون} في مقام التعليل لما ذكر من ملازمة العذاب ومساواة الصبر والجزع.

والمعنى: إنما يلازمكم هذا الجزاء السيىء ولا يفارقكم لأنكم تجزون بأعمالكم التي كنتم تعملونها ولا تسلب نسبة العمل عن عامله فالعذاب يلازمكم أو إنما تجزون بتبعات ما كنتم تعملون وجزائه.

________________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص5-10.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

هذه السورة ـ هي الاُخرى ـ من السور التي تبدأ بالقسم .. القسم الذي يهدف لبيان حقيقة مهمّة، وهي مسألة القيامة والمعاد ومحاسبة أعمال الناس.

وأهميّة هذه المسألة إلى درجة بحيث أنّ الله أقسم في آيات مختلفة من القرآن بأنواع كثيرة من المقدّسات لتتجلّى عظمة ذلك اليوم ووقوعه حتماً.

وتلوح في بداية السورة خمسة آيات تبدأ بالقَسم، وفيها معاني مغلقة تدعو إلى التفكير ممّا جعلت المفسّرين يبحثون فيها من جميع الوجوه.

يقول سبحانه وتعالى: {والطور}.

«الطور» ـ في اللغة معناه الجبل ـ ولكن مع ملاحظة أنّ هذه الكلمة تكرّرت في عشر آيات من القرآن الكريم، تسع منها كانت في الكلام على «طور سيناء» وهو الطور أو الجبل الذي نزل الوحي عنده على موسى، فيُعلم أنّ المراد منه هنا في الآية محلّ البحث (الطور ذاته) خاصّة لو أنّنا لاحظنا أنّ الألف واللام في هذه الكلمة هي للعهد.

فبناءً على ذلك، فإنّ الله يقسم في أوّل مرحلة بواحد من الأمكنة المقدّسة في الأرض حيث نزل عليها الوحي.

وفي تفسير قوله تعالى: {وكتاب مسطور} إحتمالات متعدّدة أيضاً، إذ قال بعضهم: المراد به اللوح المحفوظ. وقال آخرون: بل هو القرآن الكريم، ومضى بعض إلى أنّه «صحيفة الأعمال»، وذهب آخر إلى أنّه «كتاب التوراة» النازل على موسى (عليه السلام).

ولكن بتناسب القسَم المذكور آنفاً فإنّ الآية تشير هنا إلى «كتاب موسى» أوكلّ كتاب سماوي.

(في رقٍّ منشور).

كلمة «الرقّ» مشتقّة من الرقّة، وهي في الأصل الدقّة واللطافة، كما تطلق هذه الكلمة على الورق أو الجلد الخفيف الذي يكتب عليه و«المنشور»: معناه الواسع، ويعتقد بعضهم أنّ هذه الكلمة تحمل في مفهومها معنى اللمعان أيضاً.

فبناءً على ذلك .. وقع القسم على كتاب نُشر على صفحاته أحسن ما يُكتب وهو في الوقت ذاته مفتوح وواسع غير ملتو.

{والبيت المعمور}.

هناك تفاسير مختلفة في «البيت المعمور» كذلك .. إذ قال بعضهم المراد منه البيت الذي في السماء محاذياً للكعبة، وهو معمور بطواف الملائكة وزيارتهم إيّاه، ويلاحظ هذا المعنى في روايات إسلامية مختلفة وردت في مصادر متعدّدة(2). وطبقاً لبعض الرّوايات فإنّ سبعين ألف ملك يزورون ذلك البيت كلّ يوم ولا يعودون إليه أبداً.

وذهب البعض أنّ المراد منه «الكعبة» وهي بيت الله في الأرض المعمور بالحجّاج والزوّار، وهو أوّل بيت وضع للعبادة على الأرض(3).

وقال بعضهم المراد من البيت المعمور هو «قلب المؤمن» الذي يعمره الإيمان وذكر الله.

إلاّ أنّ ظاهر الآية هو واحد من المعنيين الأوّلين المذكورين آنفاً، وبملاحظة التعابير المختلفة في القرآن عن الكعبة بالبيت يكون المعنى الثاني أكثر إنسجاماً.

أمّا المقصود بـ (السقف المرفوع) فهو «السماء» لأنّنا نقرأ في الآية (32) من سورة الأنبياء: (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً).

كما نقرأ في الآيتين (27) و28) من سورة النازعات {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات: 27، 28] فالله هو الذي أعلى سقفها وجعلها متّسقة ومنتظمة.

ولعلّ الوجه ـ في التعبير ـ بالسقف هو أنّ النجوم والكرات السماوية إلى درجة من الكثرة بحيث غطّت السماء فصارت كأنّها السقف، ويمكن أن يكون إشارة إلى الجو الذي يحيط بالأرض أو ما يسمّى بالغلاف الجوّي، وهو بمثابة السقف الذي يمنع النيازك والشهب أن تهوي إلى الأرض وتصدّ الأشعّة الضارّة من الوصول إلى الأرض.

{والبحر المسجور}.

«للمسجور»: في اللغة معنيان: الأوّل الملتهب، والثّاني المملوء. ويقول الراغب في مفرداته: سجر على وزن فجر معناه إشعال النار، ويعتقد أنّ الآية تعطي هذا المعنى .. ولم يتحدّث عن المعنى الثاني، إلاّ أنّ العلاّمة الطبرسي يذكر أنّ المعنى الأوّل هوما تقدّم، وكذلك تشير بعض كتب اللغة إلى ذلك.

والآيات الاُخر في القرآن تؤيّد المعنى الأوّل أيضاً كما هي الحال في الآيتين (71 و72) إذ قال سبحانه: {يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } [غافر: 71، 72].

ونقرأ في نهج البلاغة عن «أمير المؤمنين» في شأن «الحديدة المحماة» إذ يقول لأخيه «عقيل»: «أتئنّ من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرّني إلى نار سجّرها جبّارها لغضبه ..»(4).

ولكن أين هو هذا «البحر المسجور»؟ قال بعضهم هو البحر المحيط بالأرض «أو البحار المحيطة بها» وسيلتهب قبل يوم القيامة، ثمّ ينفجر كما نقرأ ذلك في الآية (5) من سورة التكوير {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] ونقرأ في الآية (3) من سورة الإنفطار {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: 3].

إلاّ أنّ بعضهم فسّر ذلك بالبحر الذي في باطن الأرض وهو مؤلّف من مواد منصهرة مذابة، وما ورد في حديث عن الإمام الباقر الذي نقله «العياشي» شاهد على هذا المعنى، وقد ورد في هذا الحديث أنّ قارون يعذّب في البحر المسجور(5) مع أنّ القرآن يقول في شأنه: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ } [القصص: 81] .

وهذان التّفسيران لا يتنافيان، ويمكن أن تكون الآية قَسَماً بهما معاً، إذ كلاهما من آيات الله ومن عجائب هذا العالم الكبرى.

وممّا يلفت النظر أنّ المفسّرين لم يتناولوا بالبحث علاقة هذه الأقسام الخمسة فيما بينها، إلاّ أنّ الظاهر أنّ الأقسام الثلاثة الاُوَل بينها إرتباط وعلاقة، لأنّها جميعاً تتحدّث عن الوحي وخصوصياته، فالطور محلّ نزول الوحي، والكتاب المسطور إشارة إلى الكتاب السماوي أيضاً، سواءً كان التوراة أو القرآن، والبيت المعمور هو محلّ ذهاب وإيّاب الملائكة ورُسِل وحي الله.

أمّا القَسَمان الآخران فيتحدّثان عن الآيات التكوينية «في مقابل الأقسام الثلاثة التي كانت تتحدّث عن الآيات التشريعيّة».

وهذان القَسَمان واحد منهما يشير إلى أهمّ دلائل التوحيد وعلائمه وهو «السماء» بعظمتها، والآخر يشير واحد من علائم المعاد المهمّة ودلائله، وهو الواقع بين يدي القيامة!.

فبناءً على هذا فإنّ التوحيد والنبوّة والمعاد جمعت في هذه الأقسام

[أو الأيمان] الخمسة.

وبعض المفسّرين يرون أنّ هذه الآيات جميعها تشير إلى موسى وسيرة تأريخه وحياته، وذكروا إرتباط الآيات على النحو التالي:

الطور .. هو الجبل الذي نزل الوحي على موسى عنده.

والكتاب المسطور: هو التوراة.

والبيت المعمور: مركز مجيء وإيّاب الملائكة ويحتمل أن يكون بيت المقدس.

والسقف المرفوع هوما ذكر في قصّة بني إسرائيل {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} [الأعراف: 171] والبحر المسجور هو البحر الملتهب الذي عوقب قارون به لأنّه خالف موسى فهوى فيه.

إلاّ أنّ هذا التّفسير يبدو بعيداً، ولا ينسجم مع الرّوايات المنقولة في المصادر الإسلامية، وكما قلنا فإنّ السقف المرفوع بشهادة آيات القرآن الاُخر والرّوايات المذكورة فيه هو السماء.

تبقى لطيفة دقيقة هنا وهي ما العلاقة بين هذه الأقسام والمُقسَم به.

ويتّضح الجواب على هذا السؤال ـ مع ملاحظة ما بيّناه آنفاً ـ وهو أنّ هذه الأقسام والتي تدور حول محور قدرة الله في عالم التكوين والتشريع تدلّ على أنّ الله قادر على إعادة الحياة وبعث الموتى من قبورهم مرّة اُخرى. وهذا هو غاية الأقَسَام المذكورة كما قرأنا في الآيات الأخيرة من ـ الآيات محلّ البحث ـ {إنّ عذاب ربّك لواقع ما له من دافع}.

وقوله تعالى : {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْراً ( 9 ) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً ( 10 ) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذ لِّلْمُكَذِّبِينَ ( 11 ) الَّذِينَ هُمْ فِى خَوْض يَلْعَبُونَ ( 12 ) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً ( 13 ) هَذِهِ النَّارُ الَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ( 14 ) أَفَسِحْرٌ هَذَآ أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ ( 15 ) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَولاَ تَصْبِرُوا سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

كانت في الآيات السابقة إشارة وتلميح عن عذاب الله في يوم القيامة ـ بصورة مغلقة ـ أمّا الآيات ـ محلّ البحث ـ ففيها توضيح وتفسير لما مرّ، فتتحدّث أوّلا عن بعض حالات يوم القيامة وخصائصه، ثمّ عن كيفية تعذيب المكذّبين فتقول: (يوم تمور السماء موراً)(6).

«المَوْر»: على وزن قَوْل ـ له معان عديدة في اللغة. يقول الراغب في مفرداته: المور معناه الجريان السريع. كما قال إنّ المور يطلق على الغبار الذي تجري به الريح لكلّ جهة أيضاً.

وقد ورد في «لسان العرب» أنّ «المور» معناه الحركة والذهاب والإيّاب، كما يطلق على «الموج» ومنهم من قال: المور هو الحركة الدائرة. ومن مجموع هذه التفاسير يستفاد أنّ «المور» هو الحركة السريعة والدوران المقترن بالذهاب والإيّاب والإضطراب والتموّج. وعلى هذا فإنّ النظام الحاكم على الكرات يضطرب بين يدي يوم القيامة وتنحرف عن مداراتها وتتّجه إلى كلّ جهة ذهاباً وإيّاباً، ثمّ تتبدّل وتولّد سماء جديدة بأمر الله كما تقول الآية (104) من سورة الأنبياء: { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104].

ونقرأ في الآية (48) من سورة إبراهيم: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48].

ثمّ يضيف القرآن في آية اُخرى: {وتسير الجبال سيراً}.

أجل، الجبال تنقلع من أمكنتها وتتحرّك وتسير ثمّ تندكّ وتتلاشى كما تشهد بذلك آيات القرآن الاُخر فتغدو {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 5] ثمّ تكون قاعاً خالية من كلّ شيء كما يقول القرآن: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا } [طه: 106](7).

كلّ ذلك هو إشارة إلى أنّ هذه الدنيا وما فيها وما عليها تندكّ ويحدث مكانها عالم جديد بأنظمة جديدة ويكون الإنسان أمام نتائج أعماله وجهاً لوجه.

لذا فإنّ القرآن يضيف في الآية التالية قائلا: {فويل يومئذ للمكذّبين}(8).

أجل، حين تعمّ الوحشة والإضطراب جميع الخلق لتغيّر العالم، تهيمن على المكذّبين وحشة عظيمة وهي العذاب الإلهي .. لأنّ «الويل»: إظهار التأسّف والحزن لوقوع حادثة غير مطلوبة!.

ثمّ تبيّن الآيات من هم «المكذّبون» فتقول: {الذين هم في خوض يلعبون}.

فيزعمون أنّ آيات القرآن ضرب من الكذب و الإفتراء وأنّ معجزات النّبي سحر وأنّه مجنون، ويتلقّون جميع الحقائق باللعب ويسخرون منها ويستهزئون بها ويحاربون الحقّ بالكلام الباطل غير المنطقي، ولا يأبون من أيّة تهمة أو كذب في سبيل الوصول إلى مآربهم.

«خوض» على وزن حوض ـ معناه الدخول في الكلام الباطل، وهو في الأصل ورود الماء والعبور منه.

ثمّ تبيّن الآيات ذلك اليوم وعاقبة هؤلاء المكذّبين في توضيح آخر: فتقول: {يوم يدعّون إلى نار جهنّم دعّا}(9) أي يساقون نحو جهنّم بعنف وشدّة.

ويقال لهم حينئذ: {هذه النار التي كنتم بها تكذّبون}.

كما يقال لهم أيضا: {أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون}؟!

لقد كنتم تزعمون في الدنيا إنّ ما جاء به محمّد سحر، وقد أخذ السحر عن ساحر آخر، فغطّى على أعيننا ليصرفها عن الحقائق وليختطف عقولنا! ويرينا اُموراً على أنّها معاجز، ويذكر لنا كلاماً على أنّه وحي منزل من الله، إلاّ أنّ جميع ذلك لا أساس له وما هو إلاّ السحر!!

لذلك فحين يردون نار جهنّم يقال لهم بنحو التوبيخ والملامة والإحتقار وهم يلمسون حرارة النار: أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون؟!

كما يقال لهم هناك أيضاً: {اصلوها فاصبروا أولا تصبروا سواء عليكم إنّما تجزون ما كنتم تعملون}.

أجل هذه هي أعمالكم وقد عادت إليكم، فلا ينفع الجزع والفزع والآه والصراخ ولا أثر لكلّ ذلك أبداً.

وهذه الآية تأكيد على «تجسّم الأعمال» وعودتها نحو الإنسان، وهي تأكيد جديد أيضاً على عدالة الله .. لأنّ نار جهنّم مهما كانت شديدة ومحرقة فهي ليست سوى نتيجة أعمال الناس أنفسهم، وأشكالها المتبدّلة هناك!.

______________________________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج13 ، ص261-268.

2 ـ ورد في بحار الأنوار أكثر من عشر روايات في هذا المجال، ج58، ص55 وما بعدها.

3- ذكرنا في تفسير ذيل الاية 2 من سورة الدخان هذه المسألة ، فراجع.

4 ـ نهج البلاغة، الخطبة 224.

5 ـ نور الثقلين، ج5، ص138.

6 ـ كلمة «يوم» منصوبة على أنّها ظرف وهي متعلّقة باسم الفاعل «واقع» الواردة في الآيات

المتقدّمة ..

7 ـ لمزيد التوضيح يراجع التّفسير الأمثل ذيل الآية (105) من سورة طه.

8 ـ الفاء هنا للتفريع، أي حيث تكون الأرض قاعاً صفصفاً ولا ملجأً من الله فويل يومئذ

للمكذّبين.

9 ـ دعّ على وزن جدّ معناه الدفع الشديد والسوق بخشونة وعنف و«اليوم» في الآية منصوب

على الظرفية أو البدلية من يومئذ في الآية السابقة.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .