أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-04-2015
1867
التاريخ: 21-3-2016
15138
التاريخ: 14-11-2014
1639
التاريخ: 26-02-2015
4670
|
يقدم الشهيد السيد محمد باقر الصدر (ت : 1980 م) مدخلا آخر لقابلية النص
القرآني على التفسير من جهة وحاجة المسلمين إلى التفسير من جهة ثانية ، ينطلق فيه
من التمييز بين نوعين من الظهور ، هما :
الظهور
البسيط : هو الظهور الواحد المستقل المنفصل عن سائر
الظهورات الاخرى.
الظهور
المعقد : هو الظهور الذي يتكوّن نتيجة لمجموعة من
الظهورات المتفاعلة (1).
على أساس هذا التمييز انتهى الصدر إلى : «أنّ إبراز الظهور المعقد ، وتحديد
معنى الكلام على أساسه يعتبر (تفسيرا) ، لأنّ تعقيده وتركيبه يجعل فيه درجة من
الخفاء والغموض جديرة بالكشف والإبانة ، فيصدق عليه اسم (التفسير) (2)».
يستكمل السيد الصدر رؤيته بعنصر آخر يميز هذه المرة على أساسه بين المعنى
اللفظي وتفسير اللفظ أو بحسب تعبيره : «بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى» (3).
ند العودة إلى كتاب اللّه تواجهنا حقيقتان ، هما :
الاولى : إنّ القرآن كتاب هداية {هُدًى لِلنَّاسِ} [البقرة : 185] ، وهو {نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة : 15]. وهذه
الحقيقة تملي أن يجيء القرآن ميسّر الفهم للجميع كي يؤدي رسالته.
الثانية : إنّ كثيرا من الموضوعات التي يستعرضها
القرآن لا يمكن فهمها بسهولة ، فهي تستعصي على الذهن البشري ، ويتيه بها التفكير
لدقتها وارتقائها فوق مستوى الحس والحياة العادية للإنسان ، كما هو الحال مثلا في
اللوح والقلم والعرش والموازين والملك والشيطان وإنزال الحديد والخزائن وملكوت
السماء وتسبيح ما في السماوات والأرض وما إلى ذلك ، ممّا لا ينسجم ورسالته.
يعالج الصدر هذا التناقض الظاهري انطلاقا من التمييز المذكور. فالقرآن ميسر
الفهم «بوصفه كلاما دالا على معنى؛ أي بحسب تفسير اللفظ ... وإنّما الصعوبة في
تحديد الصور الواقعية لمعانيه ومفاهيمه ... وفي تفسير معنى اللفظ لا في اللفظ نفسه
، لأنّ تلك الموضوعات ترتبط بعوالم أرقى من عالم الحس الذي يعيشه الإنسان ، فيكون
من الطبيعي أن يواجه الإنسان صعوبات كبيرة إذا حاول تحديد المعنى في مصداق معين ، وتجسيد
المفهوم في الذهن ضمن واقع خاص» (4).
يقدم هذا المدخل توجيها منطقيا للقضية بطرفيها ، إذ يكون النص القرآني على
ضوئه قابلا للتفسير ، كما يكون التفسير حاجة ضرورية لقارئ النص.
على أنّ السيّد الصدر لا يهمل الإشارة إلى تفاوت الفهم وحث القرآن بنفسه
على التدبر بآياته بوصفهما دليلين آخرين على ضرورة التفسير (5). كما أنّه لم ينس حين يناقش مسألة التفسير بالرأي والتفسير
بالمأثور وعند رده على بعضهم ممّن رام «أن يعطل البحث في القرآن الكريم وتفسيره» (6) ، أن ينبه إلى أنّ «من الآثار التي [ربما] تركها
وجود هذا النوع من التفكير في مدرسة أهل البيت عليهم السّلام ، هو عدم تطوّر حركة
التفسير في المدرسة تطورا يناسب التطورات المهمة في المجالات الاخرى» (7) كما هو الحال فيما بلغه التقدّم في مضمار علوم
الفقه والحديث والاصول والكلام مثلا.
يبقى أن نلحظ أنّ السيد الصدر عزّز رؤيته في الحاجة إلى التفسير والتخصّص
به ، من خلال تأريخ المسلمين كأمة وواقعهم الحاضر ، ومن طبيعة تأريخ العلوم.
فالعلم أي علم يملي التخصص بعد أن يزدهر وتتراكم خبراته ولا يكون بمقدور الإنسان
أن ينهض بأعبائه وحده. وهذا ما ينطبق على التفسير الذي بدأت بواكيره وخطوطه الاولى
كفهم بسيط في عصر النبي ، ثمّ كان لا بدّ أن يسير نحو التخصص.
في المقابل يلاحظ تراجع معرفة المسلمين بالقرآن مع تزايد الحاجة إلى فهمه
«ومواجهة المشاكل الجديدة على ضوء مفاهيمه وأفكاره ، وكثرة طلب تفهّم القرآن» (8) ممّا يملي فتح باب التفسير كمعرفة متخصصة تنهض
بإشباع بعض احتياجات المسلمين على هذا الصعيد (9).
إشكالية «النور»
قبل أن ننتقل إلى المدخل الذي يختص به الإمام الخميني على هذا الصعيد من
المهم أن نلبث قليلا مع إشكالية غالبا ما تثار حول تفسير القرآن ، تفيد : يصف
القرآن الكريم نفسه بأنّه نور ، كما في قوله : {يَاأَيُّهَا
النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ
نُورًا مُبِينًا} [النساء : 174] ، وقوله : {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي
أَنْزَلْنَا} [التغابن : 8] ، وقوله : {قَدْ
جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة : 15] ؛
فكيف يتسق ذلك والقول بحاجته إلى التفسير؟ بتعبير الطباطبائي ، ما دام القرآن : «هدى
ونورا وتبيانا لكلّ شيء ، فما بال النور يستنير بنور غيره ، وما شأن الهدى يهتدي
بهداية سواه ، وكيف يتبيّن ما هو تبيان كلّ شيء بشيء دون نفسه» (10).
فالتفسير معناه الكشف والإسفار وإزالة الخفاء والالتباس ، وهذا ما لا يتسق
ووصف القرآن نفسه بأنّه نور مبين في نفسه مبيّن لغيره. كما أنّه لا ينسجم والفرضية
التي تذهب إلى أنّ التفسير هو إقحام عنصر من خارج القرآن على القرآن حتّى يسفر عن
معانيه.
الحقيقة أنّ كون القرآن نور لا ينافي عملية التفسير ، لأنّ ما يقابل النور
هو الظلمة ، في حين أنّ التفسير ينطلق من أنّ القرآن ليس بديهيا- لا أنّه ليس
نورا- بل هو نص ينطوي على بعد نظري وعمق معرفي ، ومن ثمّ فهو بحاجة إلى تفسير.
وهذا ما لا يصطدم بنورية القرآن من هذه الجهة (11).
من جهة اخرى ، وبناء على منهجية تفسير القرآن بالقرآن ، فسيستغني القرآن
بالقرآن ، ولا يكون «هذا الكتاب محتاجا إلى شيء آخر» (12) في بيان مقاصده لأنّ المتعين «في التفسير الاستمداد
بالقرآن على فهمه وتفسير الآية بالآية» (13).
وبذلك تحفظ له هذه الطريقة في التفسير ما وصف به نفسه من أنّه نور وكتاب مبين ، ممّا
ينسجم وما جاء في الحديث الشريف : «فمن زعم أنّ الكتاب مبهم فقد هلك وأهلك» (14).
على أنّ هاهنا نقطة دقيقة ينبغي أن ننتبه لها ، تتمثل في أنّنا نحن الذين
نحتاج إلى التفسير. فالقرآن نور مبين مستغن في نفسه عن التفسير. فحتى تلك المداخل
التي تبرر قبول النص القرآني للتفسير على أساس مبدأ الظهور المعقد أو ما يتسم به
من عمق علمي ونظري أو على أساس أنّ له معاني مترتبة على بعضها ، فهي ترتد نهاية
المطاف إلى الإنسان الذي يتعامل مع القرآن ، فالظهور معقّد بالنسبة إلى الإنسان ، وهو
نظري بالنسبة إليه ، وإلّا فللقرآن حقيقة واحدة يرجع إليها في نهاية المطاف ، والعلة
والنقص والحاجة في القابل لا في الفاعل.
__________________
(1)- علوم القرآن : 218 ، وهذا الكتاب يتضمن عددا من البحوث التي كتبها
السيد الشهيد الصدر ، منها البحث الذي أحلنا إليه كما أشار إليه المؤلف.
(2)- نفس المصدر : 219.
(3)- نفس المصدر : 220.
(4)- علوم القرآن : 220- 221.
(5)- نفس المصدر : 221 و240.
(6)- نفس المصدر : 237.
(7)- نفس المصدر : 237- 238.
(8)- نفس المصدر : 269.
(9)- نفس المصدر : 265 و268.
(10)- الميزان في تفسير القرآن 1 : 6.
(11)- راجع تسنيم 1 : 61.
(12)- القرآن في الإسلام : 80.
(13)- الميزان في تفسير القرآن 3 : 87.
(14)- وسائل الشيعة 27 : 191 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 13 ، الحديث 39.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|